مارس 29, 2024

لي كلي دي موايان أوريون: الدبلوماسية الثقافية في المغرب؛ خصوصياتها ومراحل تطورها

نشر موقع “لي كلي دي موايان أوريون” دراسة تحمل عنوان “الدبلوماسية الثقافية في المغرب؛ خصوصياتها ومراحل تطورها” تناول فيها خصوصيات الدبلوماسية المغربية في المجال الثقافي ومراحل تطورها.

خلال السنوات الأخيرة، اتبعت المملكة المغربية سياسة ثقافية تتميز بالطموح والجرأة داخل البلاد وخارجها. وخلال سنة 2017، مثّل تكريم المملكة أثناء فعاليات معرض الكتاب في باريس ونشر التقرير الصادر عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في شهر شباط/فبراير من العام ذاته، فرصة لإعطاء لمحة تاريخية ومعاصرة عن الدبلوماسية الثقافية المغربية.

مكتسبات الثقافة المغربية

يتجلى ثراء الثقافة المغربية في تنوعها، الذي لطالما ينوه به الخطاب الرسمي المغربي.
وفي هذا الصدد، وخلال فعاليات معرض “روائع الكتابة في المغرب؛ مخطوطات نادرة تُعرض لأول مرة” الذي عُقد في معهد العالم العربي من 23 آذار/مارس إلى 6 نيسان/أبريل من العام الجاري على هامش معرض الكتاب وبرعاية الملك “محمد السادس”، تم التركيز على خصوصيات الثقافة المغربية.
وأثناء هذه التظاهرة، تم تدوين هذا الشعار الذي يختزل ثراء وتنوع الثقافة المغربية والذي مفاده أن “المملكة، بفضل امتلاكها لجملة من القيم العالمية، تدعوكم لاكتشاف كنوزها النادرة، للتعرف على خصوصيتها وهويتها السياسية والثقافية النابعة من روافد عديدة ومن حضارات عربية إسلامية وأمازيغية، ومن موروث الصحراء الحسانية، وأفريقيا، والأندلس، واليهود، والبحر الأبيض المتوسط”.
ونظراً لأنه يُمثل نقطة عبور بين أفريقيا وأوروبا، استضاف المغرب لقرون طويلة شعوباً من أصول مختلفة تعايشوا معا في سلام حتى صاروا يُشكلون اليوم سكان هذا البلد.

وتجدر الإشارة إلى أن تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية غاص في تفاصيل هذه الثروة الثقافية مبينا أنها “تتشكل في التجليات المادية وفي التراث غير المادي”.
وتشمل على وجه الخصوص:

– المواقع والآثار والتراث العمراني(…)

– الحرف اليدوية والدراية بالحرف التقليدية التي لازالت مستمرة بفضل استراتيجيات تهدف أساسا للمحافظة على هذا الموروث، حيث تم تطويع التكنولوجيا الحديثة في مختلف الإنجازات المعمارية القديمة والجديدة (…)

– أشكال التعبير الفني والتقاليد الشفاهية (الموسيقى، والرقص، والأمثال والشعبية، والمسرح، والفنون البصرية…)

– الأدب (…)

– فن الطهي (…)

– الفن المعاصر(…)

تاريخ الدبلوماسية الثقافية في المغرب

منذ استقلال البلاد بتاريخ 2 مارس/آذار من سنة 1956، مرّ تطور الدبلوماسية الثقافية المغربية بأربع فترات (حسب التقرير الصادر عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية) تمثلت في:

– الفترة الممتدة بين سنتي 1956 و1974، حيث تمحورت المهمة الرئيسية لوزارة الشؤون الخارجية، التي تشكلت حديثاً، في تطوير شبكة من السفارات والقنصليات في أنحاء مختلفة من العالم.

والجدير بالذكر أنه لم يتمّ إيلاء اهتمامٍ يُذكر للثقافة بسبب نقص الموارد والموظفين. وفي نفس هذا الإطار، لم يتم إنشاء وزارة الثقافة إلا في نهاية سنة 1968.

– أما بين سنتي 1975 و1986، شرع المغرب في عملية البحث عن سُبل لتمجيد تاريخه واستكمال وحدته الترابية في إطار عملية “المسيرة الخضراء”. وعمدت السلطات إلى جمع كل السجلات والوثائق المتعلقة بتاريخ البلاد.

وفي شأن ذي صلة، وقًع المغرب على اتفاقيات تعاون ثقافية مع البلدان الأجنبية. وعلى إثر ذلك وتحديداً سنة 1977، أنشأ الملك الحسن الثاني في أكاديمية المملكة المغربية، التي تُشجّع على البحث في مجال العلوم الاجتماعية والفنون الجميلة. وتحولت هذه الأكاديمية إلى عنصر رئيسي داعم للدبلوماسية الثقافية في هذا البلد.

– ثم سعت المملكة جاهدة للتواصل مع الخارج وتنظيم أنشطة ثقافية داخل وخارج المغرب خلال الفترة الممتدة بين 1986 و1999. وعلى الرغم من أنّ السلطات فضّلت في الفترة السابقة فتح أسابيع ثقافية مغربية، إلا أنها تراجعت عن هذه الخطة خلال التسعينات واتجهت نحو تنظيم تظاهراتٍ محددة وقطاعية. وركزت الجهود الدبلوماسية الثقافية على التعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا.

– أما في نهاية التسعينات، فقد تم إطلاق تظاهرة “زمن المغرب في فرنسا”، تحت رعاية الملك “الحسن الثاني” والرئيس “جاك تشيراك”. وفي هذا السياق، ورد في تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية أنّ حملةً ثقافيةً نوعية وبحجم مماثل “تهدف إلى التعريف بالمملكة وبخصوصياتها في أعين الفرنسيين، والمواطنين المغاربة المستقرين بالخارج فضلا عن السياح الأجانب الذين يمرون بباريس، وبوردو، ولاروشيل، وبلوا، وإيكس إن بروفنس، ومرسيليا، وبستراسبورغ وغيرها من المدن. وفي الواقع، تمثلت أبرز التحديات الرئيسية المغربية حينها في إعادة إحياء العلاقات الفرنسية المغربية وتسليط الضوء على “الاستثناء” الذي تمثله”.

التوجهات الجديدة للدبلوماسية المغربية الثقافية

-أما بالنسبة للمرحلة الأخيرة التي عرفتها الدبلوماسية الثقافية المغربية، فقد انطلقت مع حلول سنة 2000 ولا تزال متواصلةً حتى يومنا هذا.

في الحقيقة، شهدت هذه الدبلوماسية حراكاً كبيراً، لا سيما بالتزامن مع تشريك الجهات الفاعلة غير الحكومية من البرلمانيين والأحزاب السياسية والجمعيات غير الحكومية والمنظمات في دعم الحياة الثقافية.

وعموماً، شكلت الرسالة الملكية إلى “مؤتمر السفراء”، التي تعود إلى تاريخ 30 آب/أغسطس سنة 2013، مرحلة جديدة في تطوير الدبلوماسية الثقافية المغربية.

ووفقاً لهذا الخطاب الملكي، سيتم دعم الدبلوماسية الثقافية من خلال تركيز “منازل المغرب” في الخارج (التي تم إنشاؤها فعلاً في كل من مونتريال وأمستردام) ومراكز ثقافية، فضلاً عن تكثيف الأنشطة الفنية، وتنظيم المعارض. وبصفةٍ عامة، استثمرت الدبلوماسية الجديدة في مجال الحضارة والثقافة المغربية.

من ناحيةٍ أخرى، وفي مقالٍ نُشر على موقع “مغرس” في شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2015، تم تفسير توجهات الدبلوماسية الثقافية بالرغبة في “الترويج لمغرب مستقر وموحد ومنفتح على الآخر المختلف”.

وعلى الصعيد الدولي، يتعلق الأمر بإنشاء رؤية دبلوماسية أكثر مهنية وغير تقليدية، وبتعزيز الثقافة المغربية الأصيلة في الخارج كأداة للتعبير عن المشروع المجتمعي الجديد.

أما وطنياً، فتدعم الدبلوماسية الثقافية التماسك الاجتماعي، من خلال التشجيع على أهمية الحوار بين الثقافات.

وباختصار، فضلاً عن سعيها إلى تحقيق هدف الانفتاح والتنوع الثقافيين، على الدبلوماسية الثقافية المغربية أن تُرفق باستراتيجية تنميةٍ شاملة.

أهداف جديدة من التواجد المغربي في فرنسا سنة 2017 

بدت هذه الأهداف الجديدة جليّة في فرنسا هذا العام، خاصةً مع احتضان باريس لفعاليات ثقافية مهمة.

وخلال حضوره كضيف شرف في معرض الكتاب في باريس، ضمن المغرب نجاح تواجده في منطقة “بورت دو فرساي”. فقد عرض ممثلو هذه الدولة الثقافة المغربية والتراث الوطني الأصيل بطريقة أنيقة جداً.

وحظي زوار هذا المعرض باكتشاف مساحاتٍ عامة وخاصة، ومكتبة كبيرة ومدرج مصممان بطريقة مماثلة “للأغورا”، التي عادةً ما ترمز للأماكن العامة التي تُنظم فيها الاحتفالات، بالإضافة إلى حلقات القص والنقاشات. وفي هذا الإطار، تسنّى للجمهور الحصول على أوراق طائرة حتى يُكوّنوا كتاباً خاصّاً بهم، يُذكرهم بالمعرض وبالمغرب أيضاً.

وعموماً، تم عرض حوالي 3000 كتاب كما شارك مئات المؤلفين في نقاشات عديدة.

وبمناسبة فعاليات معرض الكتاب لهذا العام، تم تنظيم العديد من التظاهرات.

كما قُدّمت العديد من العروض الموسيقية المغربية المتنوعة في أماكن مرموقة وراقية في باريس.

ومن جهته، رحّب معهد العالم العربي بالمخطوطات المغربية التي تواجدت بينها معروضاتٌ ثريّة لم يتمّ عرضها في السابق أبداً (أو لم تغادر المغرب).

ومن بين أهمّ القطع، تم عرض ثلاثة كتبٍ دينية قديمة تمثلت في: نسخةٍ من القرآن تعود إلى القرن التاسع، وأخرى من التوراة (مجهولة التاريخ)، ونسخة عربية من الإنجيل تعود للقرن الثاني عشر.

كما تتبع المعرض أيضاً المراحل الرئيسية لبناء الدولة المغربية، وسلّط الضوء على مؤلفاتٍ علميةٍ أدبيّةٍ مغربية للتركيز على أهمية الكتابة في التراث المغربي.

وأشرف عضوٌ من وزارة الثقافة المغربية، الذي يعكس الموقف الرسمي للحكومة، على برنامج المشاركة المغربية في هذا المعرض، للتشديد على الأهداف الجديدة للدبلوماسية الثقافية المغربية.

وعلى الرغم من جودة هذه التظاهرات الهامة ومن الإرادة السياسية للحكومة المغربية في نشر الثقافة المغربية في العالم، إلا أنّه لا يجب تناسي حدود هذا النموذج.

وبعبارةٍ أدقّ، يجب تسليط الضوء على مشكلتين أساسيتين:

تتمثل المشكلة الأولى في أنّ باحثي المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، أوردوا  في تقريرهم أنّ الموارد البشرية والمالية التي بذلتها المملكة في سبيل تعزيز مكانة الثقافة غير كافية لتنفيذ هذه الطموحات الكبيرة.

لكن، بينت دراسة ميزانيات الثقافة في أربعة دولٍ من شمال أفريقيا أنّ المغرب يحتل المرتبة الأخيرة في قائمة البلدان الأقل استثماراً في المجال الثقافي.

وبالتالي، تتمثل المشكلة الثانية في التناقض الواضح بين الخطاب الرسمي بخصوص اعتبار المطالعة عنصراً أساسياً في حياة المغاربة، وبين الواقع الذي يُبيّن أن حوالي ثلث سكان المغرب لا زالوا أميين إلى حدود سنة 2015 (وفق الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية).

ونظراً لأنّها واعيةٌ بهذه المشكلة، أعلنت الحكومة عن سلسلة من التدابير الرامية إلى تعليم السكان القراءة والكتابة. وبين كل الدول العربية، باستثناء موريتانيا، يسجل المغرب أعلى معدلات الأمية ارتفاعاً.

وتنتشر هذه الظاهرة بشكل خاصّ بين صفوف النساء.

وعموماً، ظهرت العديد من المبادرات المحلية في المغرب على غرار افتتاح متاحف الفن المعاصر، وتنظيم مهرجانات الموسيقى والمسرح.

كما شكلت هذه المبادرات جزءاً من برنامج نشر الثقافة المغربية في البلاد، لذلك يجب أن تحظى بنفس الدعم الذي تلقاه تدابير محو الأمية.

الموقع: لي كلي دي موايان أوريون

المصدر: http://www.lesclesdumoyenorient.com/La-diplomatie-culturelle-marocaine.html

ضع تعليقاَ