أبريل 19, 2024

ستراتفور: عقبات امام التعاون الخليجي

على النقيض من اسمه، فإن مجلس التعاون الخليجي ليس غريباً على التوتر والتنافس بين أعضائه. وتأتي هذه الاختلافات بشكل واضح جداً امام المتابعين على مدار أيام انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي السنوية رقم 37 والتي تستضيفها المنامة عاصمة البحرين منذ يوم الثلاثاء الماضي.

وعلى الرغم من اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في عشرات من اللقاءات رفيعة المستوى كل عام، إلا أن الاجتماع السنوي يظل كنوع من الولاء للاتحاد، وهو فرصة امام الفريق لتجسيد الأولويات المشتركة امام دول مجلس التعاون الخليجي. وسيعرض الاجتماع وحدة الكتلة الخليجية، وهو دليل كبير على الصورة التي وضعت بعناية لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالعلاقات التي تربط الدول معا. في الوقت نفسه، ستشهد جلسات الاجتماعات تسليط الضوء على الانقسامات الكامنة بيد دول مجلس التعاون الخليجي.

وتدل العلاقة التي تجمع المملكة العربية السعودية بدولة الامارات العربية المتحدة على عدم تراص دول مجلس التعاون الخليجي، حتى فيما يتعلق بالنواحي الاستراتيجية. فعلى الرغم من قتال الدولتين سوياً ضد الحوثيين في اليمن، إلا أن وجهات نظرهما تختلف كثيراً – على سبيل المثال – حول آلية انهاء الصراع وخاصة انهما تختلفان حول افضل السبل من أجل التفاوض على وضع حد للصراع هناك.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الامارات جهودها وإحرازها لمساع متقدمة من أجل تحقيق التنويع الاقتصادي، باتت الإمارات تزاحم السعودية على ريادة وقيادة الكتلة الخليجية رغم أن الجهد الإعلامي ينصب للتركيز على ريادة السعودية في هذا المجال.

وبرزت مصر من جهة أخرى كمنطقة جديدة للخلاف بين أبوظبي والرياض. فبعد فترة من العلاقات المتوترة، كان من المتوقع أن يجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الملك السعودي لإصلاح العلاقات وبوساطة أبوظبي، إلا أن مصادر ستراتفور تشير إلى أن الاجتماع انهار عندما رفض السيسي الالتزام بمطالب الملك سلمان لإتمام المصالحة والمتمثل بإدانة السيسي الرئيس السوري بشار الأسد علناً وتقديمه تعهدات بوقف تقديم العون والدعم للجيش النظامي السوري.

من وجهة نظر الملك سلمان، فإن عناد السيسي يشير لأنه يبدي اهتماماً أكبر ببقاء النظام السوري ويعطيه الأولوية على المساعدات المالية التي تقدمها السعودية لمصر. وبرزت تقارير كثيرة تشير إلى انزعاج العاهل السعودي من نظرة القاهرة للرياض على أنها آلة نقدية لتوريد الأموال وليس كحليف حقيقي.

في الواقع، تقدير الملك سلمان ليس بعيداً عن الواقع أبداً، فللمرة الأولى منذ عدة سنوات، تمتلك مصر فسحة مالية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية بغض النظر عن موقف الرياض. ووفقاً لشروط اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، فإن على مصر السعي لتحصيل مساعدات اقتصادية من مصادر أخرى أيضاً. وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي ساهمت بتوفير حصة كبيرة من هذا التمويل، إلا أن مصر وجهت نداءات عاجلة لمجموعة واسعة من المقرضين الدوليين في محاولة منها لإقامة تحالفات اقتصادية جديدة.

وفي الفترة التي استحق لمصر فيها صرف أول دفعة من قرض صندوق النقد الدولي وتحصيل القاهرة على مساعدات مالية من مختلف دول العالم، بلغت احتياطات النقد الأجنبي في مصر 23.1 مليار دولار خلال شهر نوفمبر، وهو المستوى الأعلى منذ خمس سنوات. ويعلم الرئيس المصري في الوقت نفسه أن استقرار بلاده يمثل أولوية كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي والتي على الرغم من تذمر الملك سلمان، إلا أن الرياض ستستمر في إنقاذها لمصر من حالة التأزم المالية التي تعيشها.

وخلال الأشهر القليلة المقبلة، ستبرز العديد من القضايا الخلافية التي ستعزز الخلاف بين مصر والمملكة العربية السعودية، وهو ما سيضع الامارات – تحديداً- وبقية دول الخليج امام تحد واضح للحفاظ على تحالف الكتلة الاستراتيجي مع القاهرة. في إبريل الماضي، وقع السيسي صفقة لنقل ملكية جزيرتين في البحر الأحمر للملكة العربية السعودية كعربون التزام من القاهرة تجاه الرياض. ولكن مع تحسن الوضع الاقتصادي في مصر – والحملة الشعبية والقانونية المضادة لعملية النقل – بدأ السيسي في إعادة النظر في الأمر. والآن، يبدو أن أولوية السيسي الأولى تتمثل في تحصيل الدعم الشعبي العام من أجل تنفيذ الإصلاحات التي يقترحها، بدلاً من استجداء الرياض للحصول على المساعدات الاقتصادية. وكان القضاء المصري حليفاً مفيداً للسيسي في هذا المسعى، وإن كان ربما من غير قصد كذلك. فبعد أن أبطلت محكمة مصرية تنفيذ الصفقة في 21 يونيو الماضي، قد تؤجل المحاكم العليا في مصر باستمرار الحكم النهائي في القضية لفترة طويلة، وهو ما سيساعد السيسي على إرضاء العاهل السعودي والجمهور المصري في آن معاً.

وسيكون أيضاً امام القاهرة فرصة كبيرة لتشكيك الرياض بسياستها تجاه سوريا، خاصة مع المكاسب الميدانية التي يحققها النظام والموالون له على الأرض الآن، فمصر ستسعى لأن تكون بجانب المنتصر في هذه المعركة، خاصة وأن مصر تتوافق مع الأسد على سياساته في مكافحة الإسلاميين لتشابه الحالة بعض الشيء بالإضافة إلى موقف الأسد المناصر للحكم العسكري في مصر. ومع كل العروض التي تقدمها مصر لدعم النظام السوري – سواءً عبر التدريب أو شحنات الأسلحة المشتركة-  فمن المتوقع ان تثير مصر غضب السعودية أكثر من ذي قبل وهو ما سيتسبب بفزع الإمارات.

فيما وراء رسالة “الوحدة” التي تحاول أن تسود في قمة دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأسبوع، تتربع حسابات الفتنة والخلافات والمنافسة بين الأعضاء ولكن بهدوء. وبعد فترة من اختتام اعمال هذه القمة، ستعود هذه القضايا كمصر واليمن وغيرها للبروز لاختبار مدى تماسك دول مجلس التعاون الخليجي الحقيقي.

هذه المادة مترجمة من موقع ستراتفور للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا

ضع تعليقاَ