مارس 29, 2024

هل بدأت سياسة ترامب الرافضة لتواجد القوات الإيرانية في سوريا بالتبلور

من المرجح ألا يتخذ الكونغرس أي إجراءات للحد من الصلاحيات العسكرية التي مُنحت للرئيس بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، التي يبدو أن ترامب يستخدمها بهدف التصدي لإيران.

هذه المادة مترجمة عن The Atlantic

صموئيل أوكفورد

من المرجح ألا يتخذ الكونغرس أي إجراءات للحد من الصلاحيات العسكرية التي مُنحت للرئيس بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، التي يبدو أن ترامب يستخدمها بهدف التصدي لإيران.

خلال هذا الخريف، كثفت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة من هجماتها في سوريا مجددا، حيث شنت أكثر من ألف غارة جوية ودفاعية كانت كلها قريبة من الحدود المتاخمة للعراق نظرا لأن واشنطن تسعى لدحر تنظيم الدولة قبل نهاية السنة. وفي حديثه عن المقاتلين المتبقين، قال المتحدث باسم التحالف الكولونيل شون رايان إنهم “متواجدون إما للقتال حتى الموت أو سيقتلون نظرا لعدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه”.

بعد هزيمة تنظيم الدولة إقليميا، يبدو أن معرفة ما يحدث للجنود الأمريكيين البالغ عددهم حوالي ألفي جندي في سوريا يكتنفه الغموض، وهو هدف بات الآن حتميا. وقد قدم المسؤولون تبريرات جديدة تتعلق بالتصدي للنفوذ الإيراني للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وهي حجة يعتقد النقاد أنها تفتقر لصفة القانونية وتترك المجال مفتوحا أمام إمكانية نشر الولايات المتحدة لقواتها في المنطقة دون نهاية. ومع استرداد الديمقراطيين لمجلس النواب في الانتخابات النصفية الأخيرة، ستتعرض إدارة دونالد ترامب قريباً للضغوط من أجل تبرير هذه الاستراتيجية بشكل أفضل، وهو أمر قد يكون أصعب بكثير من المتوقع.

أخبرني حسن حسن، وهو زميل باحث وعضو في برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، أنه يجب رفع قضية حول استمرار نشاط بعض القوات الأمريكية على الأراضي السورية. فعلى سبيل المثال، ساعدت الوعود بتقديم دعم عسكري أمريكي موسع المقاتلين الأكراد على التقرب من نظام الأسد، كما شجعت المملكة العربية السعودية على التعهد بتقديم دعم مالي من أجل تحقيق الاستقرار في المناطق التي تم السيطرة عليها واستعادتها من تنظيم الدولة. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن نشر القوات العسكرية هناك من شأنه أن يقوّي موقف الولايات المتحدة في المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.

لكن بغض النظر عن النفوذ السياسي الذي اكتسبته القوات الأمريكية على الأراضي السورية، فإن الحرب قد حُسمت بالفعل لصالح نظام الأسد. وفي حين يريد كثيرون في إدارة ترامب تجنب تكرار السيناريو العراقي، حيث ترك الانسحاب المبكر الساحة لتمرد المتطرفين، قدم البيت الأبيض سببا آخر لإبقاء القوات الأمريكية على الأراضي السورية؛ ألا وهو إيران. فقد ساهمت طهران في توفير دعم كبير لقوات الأسد على ساحة المعركة، الذي ساعد إلى جانب الدعم الروسي على تحويل مسار الصراع، وتغير السبب وراء إبقاء البيت الأبيض للقوات الأمريكية في سوريا ليصبح مرتكزا على التواجد الإيراني.

 خلال شهر أيلول/ سبتمبر، صرح مستشار الأمن القومي جون بولتون بأن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا “طالما أن القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية، ويشمل ذلك الوكلاء والمليشيات الإيرانية”. وخلال نفس الشهر، أشار جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي إلى سوريا، إلى أن واشنطن “ستركز على الوجود الإيراني بعيد المدى وسبل إخراج قواتها من المنطقة، بينما نعمل على حل مشكلة تنظيم الدولة”. وعلى أرض الواقع، استخدمت قوات التحالف القوة المفرطة في العديد من الهجمات البارزة ضد القوات المدعومة من إيران أو الموالية للنظام السوري.

لا ينحصر ذلك على سوريا فقط، بل يشمل اليمن أيضا. فقد ردت الإدارة الأمريكية على تدقيق الكونغرس حول دعمها للتحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال الإشارة إلى الخطر الذي يمثله المتمردون الحوثيون المدعومين من قبل إيران، والتهديد الذي يفرضه كل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة. لكن محاولات إدارة ترامب المستمرة لإيجاد المبررات، التي أدت إلى انهيار الحواجز بين ما أذن به الكونغرس وما لم يأذن به، تعرضت لضربة قوية خلال الأسبوع الماضي عندما صوت مجلس الشيوخ بموافقة 63 عضوا مقابل 37 لمناقشة مشروع قانون من شأنه إيقاف الدعم الأمريكي الموجه لقوات الائتلاف التي تشن الحرب على اليمن.

يعتبر تشريع استمرار التواجد الأمريكي في سوريا بحجة التهديد الإيراني مبررا ضعيفا. فعندما أمر الرئيس السابق باراك أوباما بالتدخل ضد تنظيم الدولة سنة 2014، برر ذلك من خلال ما يعرف بـ “الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين” الصادر سنة 2001، الذي لا يتجاوز طول أهم جزء فيه 60 كلمة والذي تم توقيعه بعد أيام من وقوع أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر. وقد أصبح هذا الإذن منذ ذلك الحين المساند للعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة بهدف مكافحة الإرهاب لمدة 17 سنة.

استخدم جورج دبليو بوش وترامب نفس الإذن كأساس لمجموعة من الأنشطة تتراوح بين هجمات الطائرات دون طيار في اليمن وباكستان، والضربات الجوية في ليبيا، ونشر القوات الأمريكية في جميع أنحاء أفريقيا. أما في سوريا، فقد استخدمت إدارة أوباما هذا التخويل لاستهداف تنظيم الدولة، وهي جماعة لم تكن موجودة عند حدوث هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.

وصرح أستاذ القانون في جامعة تكساس الذي يركز عمله غالبا على مفهوم “الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين” ستيف فلاديك، أنه لا يمكن لأحد “أن يجادل” أن هذا الإذن ينطبق على إيران، أو على الحكومة السورية. كذلك لدى أعضاء التحالف على غرار المملكة المتحدة وفرنسا أسبابهم الداخلية والقانونية والسياسية لتبرير تدخلهم لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا. لكن قد يكون من الصعب دفعهم  نحو اتخاذ موقف أكثر حدة تجاه إيران، ومن المحتمل أن يمتعضوا من واقع استغلال التحالف لهذا الغرض.

وأفاد مسؤولون من وزارة الدفاع الأمريكية أن القوات الأمريكية النشطة ضمن العمليات العسكرية على أرض المعركة ستساعد على تعزيز طموحات إيران وحماية إسرائيل. كذلك دافع البنتاغون بقوة عن حقه في الدفاع عن نفسه ليشمل الأمر شركاء مثل قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، الحليف الأبرز للولايات المتحدة في سوريا. ووصف البنتاغون والبيت الأبيض المواجهات الدامية السابقة ضد الميليشيات الموالية للنظام، وإسقاط الطائرات دون طيار الإيرانية والقتل المزعوم لعدد من المرتزقة الروس كدفاع عن النفس.

لقد اعتبر بعض الأشخاص فقط من خارج الحكومة أن هذه التفسيرات كافية. وفي هذا الإطار، صرحت مديرة مشروع الأمن القومي في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، هينا شمسي، أن “السلطة التنفيذية قد فشلت في تأمين الشفافية الضرورية للكشف عن الطرف الذي يدعي أنه يمتلك النفوذ ليشارك في القتال، ولأي غرض، وما هي حقوق الإنسان التي أخذت بعين الاعتبار في خضم هذا القتال والعواقب الإستراتيجية لذلك. وقد فشل كذلك الكونغرس إلى حد كبير في تجسيد رؤية ذات معنى وغاية ترتكز على طرح الأسئلة الصعبة وفرض قيود على المطالبات المتزمتة المزعجة المطالبة بالسلطة بالاستناد إلى الحرب القائمة”.

في الوقت الذي يوجد فيه احتمال ضئيل أن يتغير “الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين” في حد ذاته، فإن نجاحات الديمقراطيين في الانتخابات النصفية يمكن أن تعني أن الكونغرس سيعمل على التدقيق في بعض المسائل بشكل أكثر فعالية. وأفاد الزعماء الديمقراطيون مثل آدم سميث، وهو الرئيس التالي المحتمل للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، أن “الإشراف على العمليات العسكرية بالغة الأهمية” سيكون أولوية قصوى. وحتى قبل الانتخابات النصفية، كان هؤلاء الزعماء يطالبون بدهم بالمزيد من التوضيحات حول الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في سوريا.

 خلال جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب في تشرين الأول / أكتوبر، قام النائب الديمقراطي سيث مولتون من ماساتشوستس بالتحقيق مع مساعد وزير الدفاع روبرت كارم حول تصريحات بولتون بشأن إيران. وصرح مولتون  الذي خدم عدة جولات في العراق قبل أن يتم انتخابه في الكونغرس، أن “مثل هذه التصريحات لا تعكس أحكاما تستند إلى تحليلات، فإن كان ابنك أو ابنتك في سوريا في الوقت الحالي، في حين أن مستشار الأمن القومي يصرح أن ابنتك يمكن أن تعود إلى وطنها عندما تغادر إيران، يبدو الأمر بالنسبة لي أنه يعتمد إلى حد كبير على إيران”.

ووفقا لمساعد في الكونغرس رفض الكشف عن هويته خوفا من الإضرار بجهود مكتبه في الحصول على المزيد من المعلومات، يعمل المحامون في البنتاغون على طرح المزيد من الأسئلة الصعبة على المشرعين القانونين الديمقراطيين حول الأسس المنطقية التي تبرر الانتشار العسكري. في الأثناء، يستعد أعضاء آخرون في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب لمواجهة مثل هذه الأسئلة. وأورد النائب الديمقراطي جيمي بانيتا من كاليفورنيا في بيان لصالح مجلة الأتلانتيك خلال الأسبوع الماضي أن “قرار تمديد المهمة العسكرية الأمريكية في سوريا إلى ما بعد هزيمة تنظيم الدولة أمر قانوني جدا، كما أن الكونغرس لم يأذن باستخدام القوة ضد إيران”.

ويتوقع، ابتداءً من الشهر المقبل، استدعاء المزيد من مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون إلى الكونغرس لتقديم شرح يتعلق بسياسة الإدارة الأمريكية في سوريا. وتعتبر الجلسة التي ظهر فيها روبرت كارم في تشرين الأول / أكتوبر الماضي هي أول جلسة استماع من هذا القبيل تعقد منذ شهور. وقال بيتر بيلرباك، أحد كبار مستشاري وزارة الدفاع، ومستشار سيث مولتون فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، إن ” إدارة ترامب لم تقدم سوى توضيحات مبهمة ومحدودة فيما يتعلق باستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا”.

وعلى الرغم من أن الديمقراطيين لم يستعيدوا سيطرتهم على مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية الأمريكية، إلا أنهم ضغطوا أيضا ضمن المجلس من أجل الحصول على إجابات واضحة، ومن المرجح أن يستمروا في هذا التوجه بعد التصويت لصالح إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتحالف العربي، بقيادة السعودية، في اليمن. وانتقد عضو مجلس الشيوخ، تيم كين، وهو ديمقراطي من ولاية فرجينيا، ادعاء البنتاغون بأن مبدأ “الدفاع عن النفس الجماعي” الأمريكي يجب أن يشمل جميع حلفاء الولايات المتحدة، بغض النظر عن هوية المهاجم. كما تساءل كين عما إذ كان الكونغرس قد أذن بالقيام بمثل هذه التحركات العسكرية.

وقدم كل من كين وبوب كوركر، وهو جمهوري من ولاية تينيسي، خلال السنة الحالية مشروع قانون بديل “للإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين”. لكن النقاد القانونيين أكدوا أن البديل المطروح قد حاد عن الهدف الرئيسي، بل وسع من قدرة الفرع التنفيذي للحكومة الفدرالية على شن الحرب في المستقبل.

واقترح السيناتور جيف ميركلي، وهو ديمقراطي من ولاية أوريغون عرف عنه انتقاده المتشدد للوضع الراهن في سوريا، مشروع قانون خاص به يهدف إلى الحد من نطاق “الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين” مستقبلا، ويتضمن بندا يستوجب ضرورة تجديد الإذن كل ثلاث سنوات. وقال ميركلي، في تصريح لمجلة الأتلانتيك، إن “الكونغرس لم يصوت على الإطلاق على إرسال قوات أمريكية إلى سوريا، كما أنه لم يأذن بوجود لا محدود لقواتنا في تلك المنطقة لمواجهة إيران. إن استخدام “الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين” الحالي، لتبرير العمل العسكري الحالي ضد إيران أو إرسال جيل جديد من القوات العسكرية، من الرجال والنساء الأمريكيين، إلى مناطق النزاع في الشرق الأوسط، يعتبر أمرا لا يتفق مع دستور الولايات المتحدة”.

ولكن، في سوريا وكما هو الحال في اليمن، لا يمكن حل الاضطرابات والتوتر القائم إلا من خلال العمل على إعادة النظر في قانون “الإذن باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين”. ولكن لا يبدو أن الكونغرس على استعداد للتطرق أكثر لهذه المسألة في السنوات القادمة. ولا يوجد هناك إقبال كبير في مجلس الشيوخ على مشاريع القوانين المشابهة لمشروع قانون ميركلي، ناهيك عن مشروع سيوقع عليه رئيس جمهوري.

أما في مجلس النواب، يبدو أن أولويات الديمقراطيين بدأت تتنامى أكثر في حين أن تركيزهم بات منصبا على مسائل أخرى، على غرار التحقيق في الشؤون المالية للرئيس أو الاتصالات بين إدارته مع مسؤولين في روسيا. ومن المرجح أن تقع إدارة البنتاغون والبيت الأبيض بطريقة أفضل من قبل الكونغرس، ولكن في ظل القوانين الحالية فقط. وحتى في حال تشديد المراقبة بشأن السياسة الخارجية، يبقى الأمر دون ضمانات. 

أظهرت أبحاث، أجرتها الأستاذة ليندا فاولر من كلية دارتموث، أن جلسات الاستماع  في الكونغرس تراجعت بشكل متواصل تقريبا منذ السبعينيات. كتبت فاولر في تحليل تطرق إلى تراجع الرقابة على السياسة الخارجية، قائلة: “تمتد جلسات الاستماع، التي تجسد رقابة ناجعة، لأسابيع أو أشهر، مما يستدعي الكثير من الصبر والانضباط من أعضاء الكونغرس، الذين يجب أن يقاوموا الرغبة في الوقوف على كل المسائل البارزة”. سيضطر الديمقراطيون إلى مقاومة هذه التوجهات، خاصة إذا أدى التدقيق في سياسة الولايات المتحدة في سوريا إلى إشراف حقيقي على الأطراف المتسببة في الحرب.

ضع تعليقاَ