مارس 28, 2024

ما فحوى الوثائق السرية التي تمتلكها المخابرات الإسرائيلية عن البرنامج النووي الإيراني؟

ما الذي تعرفه الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية عن البرنامج النووي الإيراني؟ فيما يلي، نقدم لمحة عن فحوى الوثائق السرية التي بحوزة الموساد الإسرائيلي عن البرنامج النووي الإيراني.

هذه الماة مترجمة عن موقع تسايت

في الليلة الفاصلة بين 31 كانون الثاني/ يناير وغرة شباط/ فبراير من سنة 2018، أرسلت قيادة جهاز الموساد الإسرائيلي مجموعة من الأعوان إلى أحد المستودعات الواقعة على مشارف المنطقة الصناعية بطهران، لسرقة الآلاف من الوثائق الحكومية الإيرانية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وفي جنح الظلام، تسلل الأعوان إلى المستودع في انتظار أن يكمل الحراس جولتهم التفقدية الليلية. وعندما أغلق الأعوان أبواب المستودع، غرقت كامل المنطقة الصناعية في ظلام دامس. وبعد ذلك بقليل، انطلقت عملية دامت لسبع ساعات، علما وأن أطوار هذه العملية تبدو كأنها مقتبسة من سيناريو فيلمي “المهمة المستحيلة” أو “أوشن 11″، علما بأن هذه العملية السرية قد تغير تاريخ الشرق الأوسط

عند الساعة العاشرة مساء، تجاوز الأعوان الحاجز الخارجي للمستودع وفتحوا الأبواب حاملين معهم أجهزة لحام. وبعد دخول المستودع، وجدوا أمامهم 32 خزانة بعضها خضراء أما البقية فكانت حمراء أو سوداء. ومن بين هذه الخزائن، لم يقم الأعوان إلا بلحام عشر خزائن نظرا لأنهم يعرفون جيدا ما يبحثون عنه. وعندما بلغت درجة الحرارة 200 درجة مئوية، ذابت الخزائن مثل الزبدة.

في ذلك الوقت، كان رئيس الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، يتابع عملية اقتحام المستودع الإيراني على المباشر داخل مركز العمليات. وقبل الخامسة صباحا، تمكن الأعوان من الاستيلاء على 114 ملفا و55 ألف وثيقة، و183 قرصا مضغوطا يتضمن أكثر من 50 ألف ملف. في المجمل، سرق أعوان الموساد أكثر من نصف طن من الوثائق.

قدم عدد من الموظفين رفيعي المستوى لدى الحكومة الإيرانية لصحيفة “تسايت” معطيات تتعلق بحيثيات هذه العملية السرية. وعلى الرغم من أن التحقق من صحة هذه المعطيات أمر غير ممكن، إلا أنها تتطابق مع الرواية الأمريكية والإيرانية والإسرائيلية بشأن هذا الموضوع. ومن جهتها، لم تنكر الحكومة الإيرانية، التي لاحقت أعوان الموساد الإسرائيلي، عملية سرقة الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. في المقابل، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، السلطات الإيرانية بالكذب. وردا على حادثة سرقة الوثائق السرية، هددت الحكومة الإيرانية نظيرتها الإسرائيلية برد فعل مزلزل.

في أحد أيام الجمعة من شهر أيلول/ سبتمبر، أقلّت سيارة ليموزين سوداء اللون مجهزة بنوافذ داكنة اللون مراسل صحيفة “تسايت” من أمام مفترق طرق إلى مبنى حكومي. وعند الدخول إلى المبنى، وجد المراسل طاولة عليها عشرات الملفات والنسخ من الوثائق الإسرائيلية، فضلا عن وحدة ذاكرة فلاش تتضمن مجموعة من الرسائل والصور والتقارير.

وزع موظف إسرائيلي مجموعة من القفازات البيضاء القماشية وكباسة من الرقائق البلاستيكية. ووفقا لمصادر إسرائيلية، عثر الأعوان على هذه الأشياء ضمن الوثائق الإيرانية، التي سرقها أعوان الموساد. والجدير بالذكر أن الوثائق السرية الإيرانية تعود إلى الفترة الممتدة بين سنتي 1999 و2005 ومكتوبة بالحبر الأزرق، لكن لا يمكن التأكد من صحتها.

وبعد أن تولت صحيفة “تسايت” ترجمة بعض الوثائق، تبين أن التسجيلات والصور الفوتوغرافية تتطابق مع الوثائق التي جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا وتقارير العملاء. وقد أفاد الخبير النووي دافيد أولبرايت، الذي اطلع على بعض الوثائق، بأن “هذه الوثائق تتضمن أكبر عدد من المعطيات والتفاصيل مقارنة ببقية الوثائق، التي عثرنا عليها إلى حد الآن”. كما ترى الولايات المتحدة الأمريكية، التي حصلت على نسخ من الوثائق، أن هذه الوثائق صحيحة. ولعل هذا ما أكده جهاز الاستخبارات الألمانية، الذي اطلع بدوره على جزء من هذه الوثائق. ويعود تاريخ مجموعة الوثائق إلى نهاية التسعينيات، حيث قرر النظام الإيراني المضي قدما في برنامج تخصيب اليورانيوم، ووصل الأمر إلى حد التفكير في صنع قنبلة نووية.

أصدر المجلس الإيراني للتكنولوجيا الحديثة، الذي يضم كلا من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، ووزير الدفاع الإيراني، والرئيس الإيراني حسن روحاني، مشروع قرار تضمن الخطوات اللازمة لتنفيذ البرنامج النووي الإيراني. وتتمثل أول خطوة في ربط خمس مواد متفجرة تحتوي على خمسة أطنان من مادة تي إن تي لتعادل قوتها التفجيرية قوة قنبلة هيروشيما. وعلى الرغم من أن تاريخ إصدار القرار غير معروف، إلا أن كل المؤشرات تحيل إلى أن هذا القرار يعود إلى الألفية الجديدة. ووفقا لما ورد في الوثائق، وافق المجلس على الخطط الواردة في مشروع القرار.

تقريبا، يتطلب البرنامج النووي تخصيب اليورانيوم بشكل فعال وفتيلا يحدث التفاعلات، بالإضافة إلى تركيز صاروخ يحمل القنبلة إلى وجهة محددة في وقت لاحق. وتقدم الوثائق الإيرانية لمحة حول الأبحاث التي يجريها الإيرانيون في مفاعلاتهم. ووفقا للإسرائيليين، تبدو الصور والمخططات التقنية متطورة للغاية إلى درجة أنها تساعد على صنع قنبلة.

ومن بين الوثائق المهمة التي عُثر عليها، صور ووثائق متعلقة بغرفة متفجرات داخل قاعدة بارشين العسكرية، التي تقع على بعد 30 كيلومترا جنوب شرق طهران. وعلى الرغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تجري عمليات منذ سنوات في إيران، على علم بأمر هذه القاعدة العسكرية، إلا أن الخبراء الدوليين يجدون أن الموقع مرتب بشكل مدهش كلما هموا بتفتيشه. وتوحي الصور أن السلطات الإيرانية أنشأت غرفة المتفجرات، التي تبدو كأنها خزان ماء معزول، بهدف إجراء اختبارات. وفي كل مرة يصل فيها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للغرفة، يقوم الفنيون بتفكيكها.

ووفقا للوثائق، قام الإيرانيون في شهر شباط/ فبراير من سنة 2002 بإجراء اختبار في هذه الغرفة. وعلى الصور الإيرانية، نشاهد مشعل متفجرات بحجم كرة السلة يصدر ضوءا ساطعا بشكل يوحي أن التقنيين صنعوا هذا المشعل بشكل محكم. وخارج الغرفة، تم تركيز أجهزة استشعار. وقد ورد في مذكرة إيرانية أنه “تم الموافقة على إجراء الاختبارات في هذه الغرفة”.

يتألف جزء من الأرشيف النووي من مجموعة من آلاف الصور، بعضها من نوع السيلفي، التي يظهر فيها العلماء والساسة الإيرانيون أثناء تأدية عملهم. وفي سلسلة من تلك الصور، يظهر رجل مسن، ذو شعر أشيب، وهو يرتدي قميصاً أبيض اللون، ويقف أمام إحدى غرف التفجير في مفاعل بارشين، مرتدياً واقيات للأذن ونظارات لحماية العينين. وقد ظهرت الابتسامة والرضا على وجه ذلك الرجل بعد أن تابع إحدى التفجيرات التجريبية.

واستطاع الإسرائيليون تحديد هوية الرجل، حيث كان أستاذ الفيزياء النووية والرئيس الحالي لجامعة “الشهيد بهشتي” في طهران، الدكتور محمد مهدي طهرانجي. وتشير مشاركة طهرانجي في المفاعل النووي الإيراني إلى مدى الترابط الوثيق بين البحث النووي السلمي والعسكري.

وفي صيف 2003، أثار احتلال الجيش الأمريكي للعراق غضب نظام الملالي في إيران. وقد أعلن الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، في خطبه الرنانة أن محور الشر في العالم يتألف من ثلاث دول، وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية. وقد زرعت تلك الخطب الخوف في قلوب الإيرانيين من أن يعقب استيلاء الولايات المتحدة على بغداد، زحفاً نحو طهران. كما عكست تلك الوثائق المناقشات التي دارت بين شخصيات من طبقة “النومنكلاتورا” الإيرانية.

فعلى سبيل المثال، قال وزير الدفاع الإيراني آنذاك في بيان داخلي إن “البرنامج النووي سينقسم إلى جزأين؛ جزء مكشوف للجميع يتكون من البنية الأساسية الاعتيادية والمعروفة، أما الجزء الآخر فلن يكون معلوما للجميع، وستكون بنيته الأساسية سرية”، معللاً ذلك “بعدم ترك أي أثر يمكن تتبعه”.

وفي آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2003، تبادل العديد من العلماء النوويين الإيرانيين رسائل بريدية تؤكد أن الأنشطة الظاهرة من البرنامج النووي ستقدم على أنها جزء من الأنشطة للبرنامج النووي المكشوف، وليست جزءاً من مشروع أكبر، يحتوي على جزء سري. أما فيما يتعلق ببحوث النيوترون، فلم تستطع طهران تقديم تفسير منطقي لها، لذلك، كان لابد أن تبقى هذه الأبحاث سرية.

وقد لفت هذا المنحنى الجديد انتباه المراقبين الدوليين. ففي سنة 2007، أصدرت جميع أجهزة الاستخبارات الأميركية تقييماً مشتركاً للوضع، قالت فيه: “إننا على يقين من أن إيران أوقفت برنامج الأسلحة النووية الخاص بها سنة 2003. ونستخلص من ذلك، أن إيران تركت الخيار مفتوحاً أمام استئناف تطوير الأسلحة النووية”. وقد بدا أن التقنيين الإيرانيين تمكنوا من تجنب وكالات الأنباء الأميركية في ذلك الوقت، والاستمرار في عملهم سراً.

ماذا يحدث في حال توترت الأوضاع مرة أخرى؟

تثبت الوثائق أيضاً، أن إيران تقدمت في برنامجها النووي في نهاية التسعينيات، وأن ذلك التقدم لم يكن لأغراض مدنية أو سلمية. وقد أظهرت تلك الوثائق كذلك أنه في سنة 2003، بدا جلياً أن الحكومة في طهران لن تتخلى عن نيتها في المضي قدماً في برنامجها النووي غير السلمي، ولكنها ستحول جزءاً منه إلى برنامج سري، يجب أن يبقى مخفياً أن أنظار العالم. وبالتالي، يبدو أن إيران كذبت على العالم، ليس إلى غاية سنة 2003 فحسب، بل بعد ذلك أيضاً.

مع ذلك، لا تقدم الوثائق دليلاً ملموساً على أن إيران اقتربت من صنع قنبلة نووية. وبهذا، لا تعتبر إيران قد انتهكت الاتفاق النووي لسنة 2015، الذي تعهدت فيه القيادة الإيرانية بالتخلي عن تطوير الأسلحة النووية. لقد كانت الوثائق مخبأة في أحد المخازن غير الملحوظة، لأن الحكومة الإيرانية شعرت أنها ملتزمة بصورة ما بالاتفاق النووي، دون الاضطرار إلى تقديم تفسير عن قيامها بأنشطة نووية سابقة.

رغم ذلك، تعتبر هذه الخطط مفجرة للوضع السياسي، لأن القيادة الإيرانية لم توضح حتى الآن إلى أي مدى وصلت في تطوير برنامجها النووي. وحيال هذا الشأن، يقول الخبير النووي ومستشار الحكومة الأميركية أثناء مفاوضات الاتفاق النووي، دافيد ألبرايت، إن “التقدم الذي أحرزته إيران أكبر مما توقعناه جميعاً”.

وحتى يومنا هذا، اختفت كافة المعدات والماكينات عالية التقنية، التي استخدمتها إيران، من على وجه البسيطة، إلا أن الصور الحالية ومقاطع الفيديو، التي ظهرت حديثاً، أثبتت وجودها بالفعل. ولكن السؤال هنا، ماذا سيحدث بعد عشر سنوات من انقضاء الاتفاق النووي؟ وماذا سيحدث أيضاً في حال توترت الأوضاع مرة أخرى؟

في تشرين الثاني/نوفمبر، سيعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن المرحلة التالية من العقوبات المفروضة على طهران، التي تهدف إلى فرض خناق مالي على إيران. ومن بين تلك العقوبات؛ استبعاد إيران من نظام “سويفت”، وهو نظام مطور من أجل المدفوعات الدولية. ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل التعامل مع إيران اقتصادياً شبه مستحيل.

من جهة أخرى، ما زال الأوربيون، بالإضافة إلى الصين وروسيا، ملتزمين بالاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يسمح لها بالتحرك دون قيود في مجال التجارة العالمية. ولكن يبدو أن موعد العقوبات القادمة يقترب، وحينها، ستجد طهران نفسها غير مضطرة للاقتصار على الأبحاث النووية السلمية فحسب. فعندما تصبح العقوبات فعّالة بصورة كبيرة، لن يكون هناك عائق أمام طهران من أن تضغط زر التكنولوجيا النووية. وفي ذلك الوقت، من غير المستبعد أن ينجح المتشددون في مسعاهم، ويستأنفوا البرنامج النووي غير السلمي.

وتعتبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا هي الجهة المختصة المنوط بها توضيح إلى أي مدى تطور البرنامج النووي الإيراني، وتقديم تفسير لما حدث للبنية الأساسية النووية في إيران. وتضم الوكالة الدولية للطاقة الذرية 170 دولة، وهي المسؤولة عن مراقبة الأنشطة النووية في كافة أنحاء العالم. وعادة ما يفضل المدير العام للوكالة، يوكيا أمانو، الإعلان عن أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي المنظمة الوحيدة القادرة على تقييم الأنشطة النووية في أي دولة.

وبالفعل، بدأت مجموعة من خبراء الوكالة في تقييم البيانات الجديدة والوافرة، التي قدمتها إسرائيل عن إيران. في الأثناء، لا زال أمانو يتعامل مع تلك المعلومات بحذر، خاصة وأنها قادمة من إسرائيل. ويرفض التابعون للوكالة حالياً الحديث حول الأمر بناء على طلب من أمانو نفسه.

ووفقاً لأحد المتحدثين من الوكالة، الذي رفض ذكر اسمه، فإن هناك تقييماً صادراً خلال شهر أيار/مايو من السنة الجارية، يفيد أن هناك نشاطاً إيرانياً نووياً منذ سنة 2003، وأن ذلك النشاط لم يكن جزءاً من البرنامج البحثي المتفق عليه. وأكد أمانو أن تحليل الوثائق الجديدة سيستغرق وقتاً طويلاً.

ضع تعليقاَ