أبريل 19, 2024

ستراتفور: ماذا تعني المصالحة التركية – الروسية للشرق الأوسط

ربما لا يمكن لشيء أن يجسد العلاقة الدافئة بين روسيا وتركيا أفضل من الغداء الذي جمع كلاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بعد أن رسما لوحات من المصافحة وتبادل التحايا – لكن الضربات المشتركة التي تستهدف داعش بدأت تقترب. فيوم أمس الخميس بدأت كل من تركيا وروسيا اجتماعات في سان بطرسبورغ وركزت بشكل خاص على كيفية معالجة الصراع السوري في إطار “آلية ثلاثية” تتضمن دمشق وإيران أيضاً في محاولة للوصول إلى حل عملي، ومن المتوقع ان يلتقي وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف نظيره التركي والرئيس أردوغان في 12 أغسطس الجاري خلال زيارته لأنقرة، وبدأت الشائعات بالانتشار عن أن الحوار بين روسيا وإيران وتركيا سيتوسع قريباً ليشمل سوريا بشكل مباشر.

ترى دمشق ومن خلفها حلفاءها إمكانية ضرب الصفقة التركية في الحرب الأهلية السوري كفرصة ذهبية، فتركيا تلعب دوراً محورياً في تسليح المتمردين الذين يحاربون حكومة الأسد. ومن دون الدعم التركي، فالمتمردين – الذين خسروا مؤخراً أراضٍ في الجنوب وحولوا تركيزهم باتجاه الشمال ومدن حلب- سيكونون بلا شك أضعف بكثير في مواجهة هجمات الموالين للنظام السوري والمدعومين من إيران وروسيا. وكجزء من الاتفاق مع الحكومة السورية، يمكن لتركيا أن تتوقف عن مساعدة المتمردين، ويمكنها أيضاً أن تستخدم موقعها الحساس لإيقاف تدفق المساعدات للمتمردين عبر الداعمين الآخرين كقطر والسعودية. وفي الواقع، إذا تمكنت دمشق من إقناع الحكومة التركية بتغيير سياستها بشأن سوريا، فإن هذا يمثل بالنسبة لها ضماناً للفوز. وعلى أي حال، يبقى هذا النوع من الاتفاق والتوجه مستبعداً جداً من الطرف التركي.

وحتى لو لم توافق تركيا على التخلي عن دعم المتمردين السوريين، فإنها قد تتعامل مع إيران وروسيا بشأن الأهداف المشتركة، بما في ذلك تلك الأهداف التي تضم قواعد لداعش والأكراد المتمردين. ونظراً لأن القوات الدولية والمحلية تعمل ضد الحكومة التركية في الوقت الراهن، فمن المنطقي بالنسبة لتركيا وضع خلافاتها مع روسيا وإيران جانباً بشأن بعض جوانب الصراع السوري وذلك للتعاون فيما لديهم من مصالح مشتركة. فعلى سبيل المثال، تملك تركيا مثل روسيا علاقات اقتصادية كبيرة مع إيران. وكان وزير التجارة التركي قد صرح في 10 أغسطس الجاري أنه ومنذ رفع العقوبات عن إيران في يناير الماضي حصل زيادة بنسبة تصل إلى 30%  في التبادل التجاري بين البلدين، وكلا الطرفين يرغبان في تعزيز هذه العلاقات.

على الرغم من أن تركيا لن تتخلى تماماً عن المتمردين وأجندتها في توسيع النفوذ السني في سوريا، إلا أن قد تغير من استراتيجيتها في البلاد لاسترضاء كل من إيران وروسيا. فأردوغان ما عليه سوى النظر إلى بوتين من أجل الإرشاد: فروسيا صورت نفسها على أنها الممثل العملي في المفاوضات مع الولايات المتحدة حتى في الوقت الذي كانت تستهدف فيه قوات المتمردين المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا. وبالمثل يمكن للأتراك أن يعملوا على الوصول إلى مساومات مع الروس والإيرانيين دون وقف دعم المتمردين. في الواقع، إذا ساعدت تلك الصفقات تركيا في اكتساب القدرة في ساحة المعركة السورية، فإن أنقرة ستنشر قواتها الجوية في شمال سوريا ضد داعش ووحدات حماية الشعب الكردي.

ويبدو أن تركيا على الأغلب في طريقها لتقديم تنازلات لكل من إيران وروسيا بشأن سوريا، فقد قال وزير الخارجية التركية “مولوت جاويش أوغلو” أنه لا يمكن أن يكون حل في سوريا بدون الدعم الروسي وأن المفاوضات بشأن سوريا يجب أن تبدأ وفق أرضية مشتركة. وعلاوة على ذلك، اشارت تركيا إلى استعدادها لإعادة النظر في معارضتها للضربات الروسية في سوريا، إذا اقتصرت على المتمردين الأكثر تطرفاً فقط. وإغلاق تركيا الأخير لمعبر باب الهوى حتى وإن جاء مؤقتاً يمكن أن يأتي ضمن التنازلات التركية المقدمة لروسيا. وبطبيعة الحال فإذا ما تم التوصل إلى اتفاق ما فستكون داعش هي الهدف المشترك، وعليه فستصبح رؤى كل سلطة واضحة في سوريا لهزيمة هذا العدو المشترك.

وخلال أي مفاوضات، فإن جميع الأطراف المعنية ستسعى لتعزيز مصالحها الخاصة. وخلال المصالحة مع روسيا، سعت تركيا إلى مسح العقبات في شمال سوريا التي تمنعها من استهداف داعش والميليشيات الكردية عدا عن تعزيز اقتصادها. ومن خلال اقتراحها شن ضربات مشتركة مع روسيا ضد داعش، فإن تركيا تريد تقليل خطر الانتقام الروسي منها للتدخل في سوريا، لكن روسيا تواجه الأطراف بإصرارها على الحفاظ على رقابة مشددة في ساحة المعركة السورية. ويمكن أيضاً لروسيا وإيران أن تستفيدا من التحالف مع تركيا – حليف الولايات المتحدة والعضو في الناتو- لجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها الناشز غير المنطقي الوحيد في سوريا. وعليه، يبدو أن مصالح روسيا هنا تتعارض مع بعضها البعض، لكن روسيا ستستجيب لاقتراحات تركيا وستساعد في تحديد مسار الصراع السوري.

التحكيم الإيراني

وبنفس القدر من الأهمية يبرز ما يشاع عن الاجتماعات المقررة بين الحكومتين التركية والسورية والتي من المقرر أن تجري بوساطة إيران. فعلى الرغم من الجزم بعدم اتجاه تركيا لدعم الأسد بأي حال من الأحوال، إلا أنها قد تقرر الحديث مباشرة مع الأسد أو دعم حكومة انتقالية يكون الأسد جزء مها. وبالنسبة لإيران، فإن دعم الأسد مسألة هامة جداً لاستراتيجيتها الإقليمية، وتكمن مصلحة إيران في الحفاظ على هذه العلاقة. والشيء الوحيد الذي من المنتظر أن تتوافق تركيا وسوريا عليه هو معارضة “وحدات حماية الشعب الكردية”.

لعله يبدو مع استعداد تركيا للتفاوض أن كل شيء ممكن الحدوث، لكن تركيا يجب أن تحذر من أن الطرق الدبلوماسية مع إيران وورسيا قد ترتد بنتائج عكسية، ففي حال لو أصبحت تركيا صديقاً مقرباً مع أي من هاتين الدولتين، فإن هذا يعني أن علاقتها مع وكلاء المتمردين السوريين سوف تنهار، وفي الواقع، فإن بعض الجماعات المتمردة تنأى بنفسها فعلياً عن أنقرة. ولعل الضرر الأكثر احتمالاً هو ما سيصيب علاقة تركيا بأمريكا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي وهي العلاقة المتوترة أصلاً.

وبشكل عام، تعد عضوية تركيا مسألة حاسمة لكل من حلف شمال الأطلسي وتركيا نفسها، وعليه فستكون تركيا حذرة في كيفية تطوير علاقتها الجديدة مع كل من روسيا وإيران، وهما خصوم منظمة حلف شمال الأطلسي الأبرز.

وفي نهاية المطاف، فإن تركيا لا تتحدى الولايات المتحدة بشكل صريح عبر تحسين علاقاتها والتحالف مع من تنظر إليهم واشنطن على أنهم معارضين لها، فالولايات المتحدة نفسها تفكر في توسيع نطاق تعاونها مع روسيا. وفي حالة نزاع وعقد ومستعصي كما هو الحال في سوريا، فإن الكثير من البلدان تظهر خياراتها المتاحة أمامها كتنازلات تكتيكية حتى لو ظهرت معارضة لمصالحها الاستراتيجية بشكل جذري.

هذه المادة مترجمة من موقع ستراتفور والمصطلحات الواردة في الترجمة وفق ما ورد في المادة الأصل 

ضع تعليقاَ