مارس 28, 2024

ستراتفور: الثابت والمتغير منذ انطلاق الربيع العربي

يميل يناير إلى أن يكون لحظة الاستقراء في العالم العربي كله. فهو شهر يعكس المنطقة في الذكرى السنوية للربيع العربي الذي حدث في عام 2011. يناقش الجميع الآن ما الذي تغير بعد الربيع العربي وربما الأهم من هذا، ماذا لم يتغير حتى الآن. فقبل خمسة سنوات بدت الاحتجاجات العامة في طريقها لإحداث تغيير جذري في المنطقة وسياساتها يتجاوز تغيير وجه الدول العربية إلى تغيير جذري في أساساتها وسياساتها.

وبالفعل نجح الربيع العربي في ذلك، سواءً أكان للأفضل أو الأسوأ.ففي بلدان مثل ليبيا وسوريا واليمن، ترك الربيع العربي خلفه حروباً أهلية لم تنته حتى الآن. بل حملت بعض هذه المعارك صفة الحرب بالوكالة عن المصالح التنافسية المستقبلية لمختلف القوى العالمية والإقليمية. ولكن البلدان التي بدأت بها موجة الثورات – تونس ومصر- كانت على الأقل بعيدة عن العنف الذي حل بجيرانها في المنطقة. ويرجع الاستقرار الذي تم فيها إلى إظهار الحكومات فيها أنها تتبنى نهجاً ديمقراطياً ولو كان ذلك بالظاهر فقط. ومع ذلك، فهناك دلائل تشير إلى استمرار الحكومات القديمة والعميقة في مواجهة تحديات إزاحتهم عن السلطة.

لن يأخذ الأمر وقتاً طويلاً من التحليل والتدليل ليظهر أن التغير الذي طرأ في مصر وتونس كان جزئياً بحق النظام القديم. صحيح استقال زين العابدين بن علي وهرب، وتنحى مبارك كذلك وقد قاموا بذلك فعلاً تحت تأثير شدة الاحتجاجات ضدهم. لكن الواقع الحالي يشير إلى أن الباجي السبسي رئيس تونس كان جزءً أصيلاً من نظام بن علي، وبالنظر إلى مصر فالسيسي، رئيس مصر الحالي، كان محل ثقة المجلس العسكري الحاكم في ظل وجود مبارك أو خلال الفترة الانتقالية. هذا عدا عن أن العديد من الوزراء الحاليين والنواب والقانونيين الآن كانوا يشغلون مناصب مماثلة قبل خمس سنوات.

وجزء من اسباب الاستقرار كان استعداد الحكومات العميقة للخضوع وليس الانكسار أمام موجة التغيير التي قادها الربيع وثواره. والآن، فإن أكبر خطر يهدد الحكومات في تونس ومصر هو الأمن الخارجي الذي يؤثر على الاستقرار الداخلي.

الاضطرابات في ليبيا التي تعج بالميليشيات وداعش والقاعدة فضلاً عن الفراغ الأمني في سيناء، بالإضافة الى الجبال الجزائرية، وبعيداً هناك في العراق وسويا حيث وجهت هجمات تجاه الأراضي المصرية والتونسية عدا عن إغراء العديد من الشباب للالتحاق بالفصائل المقاتلة هناك.

ولاحتواء التهديد الأمني هذا، أعطيت الأولوية للمواقع السياحية المصرية والتونسية لتشكل أولوية في الأمان والحماية.وفي هذا المجال تمكنت مصر من تأمين منشآتها بشكل أفضل من تونس خاصة لأن الأمن التونسي يشعر بعدم تلقيه ما يكفي لتحقيق المهمة.

وقضية عدم كفاية الرواتب وتدني مستوياتها تعود إلى المشاكل الاقتصادية التي كانت سبباً أساسياً في زعزعة كل أسس الحكومات وبطرق مختلف. ارتفعت معدلات البطالة في كلا البلدين وزادت تكاليف المعيشة. أكثر من 60% من الخريجين الشباب في تونس غير قادرين على العثور على عمل ويعيش 30% منهم في البطالة، ولكن البطالة الإجمالية في تونس انخفضت بنسبة 3% منذ 2011. وفي مصر تتجاوز معدلات بطالة الشباب ال 40%.

في تونس، نظمت احتجاجات خلال عطلة نهاية الاسبوع حول نفس المراكز التي انطلق منها الربيع العربي في 2011. وتركزت الشعارات على ما تركزت عليه قبل 5سنوات، وكأن الكلمات بات صداها يتردد في المكان منذ ذلك الوقت. وحتى الشرطة، نظم أفرادها مظاهرة سلمية إلى القصر الرئاسي في قرطاج مطالبين بزيادة في رواتبهم، وحتى الحرس الرئاسي تضامن معهم. من جهتهم، ركز القادة في تونس على تذكير المحتجين بأهمية حفظ الأمن خاصة مع تزايد تهديدات داعش، والتي من الممكن أن تجعل الوضع الاقتصادي أسوأ إذا ما قامت بأي تدخل سلبي.

وبالقدر الذي تحتله قدرة مصر وتونس على التعامل مع مشاكلهم الاقتصادية، أدارت الحكومة الأحزاب المعارضة في البلدين. للحفاظ على الشرعية بين المواطنين والنخب السياسية في كلا البلدين. قبل الربيع العربي، استخدمت الحكومة ضد الإسلاميين والمعارضة طرقاً غير قانونية لا يمكن تصورها.

ففي تونس، ينبغي على حزب النهضة الإسلامي العمل بشكل وثيق مع التحالف الحاكم “نداء تونس” إن كان يريد تحقيق شيء ما . وعلى الحكومة كذلك فعل نفس الشيء. وقد نرى في القريب تفكك نداء تونس إلى تكتلات أصغر من التكتل الأساسي والتي قد يقوم بعضها بالتحالف مع النهضة لإكمال المسيرة في تونس والمحافظة على مؤسسات الدولة.

أما في مصر فالعلاقة بين المؤسسة السياسية  والمعارضة الإسلامية أسوأ من ذلك بكثير. دفعت المجلس العسكري الاحتجاجات الشعبية للتخلص من محمد حسني مبارك وابنه جمال، ففضلاً عن المشاعر السلبية التي تسبب بها الرجلان، قادت الأفكار الاقتصادية لجمال تحديداً إلى خلق الكثير من الأزمات الاقتصادية.

لاحقاً، قام الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بتحميل اللوم والمسؤولية عن الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور في مصر للنظام السابق. وهو ما مكنه من الوصول إلى الحكم، لاحقاً قاد المجلس العسكري بتنظيم انقلاب دموي على مرسي أطاح به من سدة الحكم وعاد النظام الحالي لاستخدام نفس أساليب القمع وقت مبارك.

ومع هذا، تنامى شعور الظلم لدى الاسلاميين، وقد تبدو البلد الآن في حالة استقرار سياسي، لكن الدول الاساسية المعنية بالاستقرار بها وهي السعودية وامريكا واسرائيل تملك كثيراً من القلق حول الوضع هناك ولكن الواقع يقول أن النظام هناك لم تهتز حتى الآن.

يمثل الاختصاص المصري اهتماماً خاصاً للسعودية، وهي التي اعطت قروضاً ضخمة للقاهرة ومنحتها الكثير من الدعم والطاقة. وبعبارة أخرى فإن السعودية تحاول ضمان الموارد الطبيعية لمصر. وتقليدياً، تنظر المملكة العربية السعودية إلى الأحزاب الإسلامية على أنها تهديد لشرعيتها، ولكن الرياض تدرك الآن أن موقفها يجب أن يكون أكثر اعتدالاً ومرتكزاً على الأمن الاقليمي ، وهو ما قد يؤثر على موقف الرياض خاصة وأن حليفاً سنياً قوياً في المنطقة هو “تركيا” يكن الكثير من الاحترام للأحزاب الاسلامية.

وبالنسبة لمصر، فإن الذكرى هذه اختبار مهم لمصر ولقدرتها على الحفاظ على النظام، ويبدو أن الحكومة نجحت فيه أيضاً مع الحد الأدنى من العنف لكن هذا الحد الأدنى جاء بعد عمليات اعتقال واسعة سبقت احتفالات ذكرى الثورة. وربما بعد هذا الانجاز يمكن للقيادة المصرية أن تسترخي قليلاً وتغض الطرف عن احكام الاعدلام الأخيرة بحق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ولكن عليها أن تدرك أن العقبات الآن باتت أقل أمام مصر لتحسين علاقاتها  مع الدول السنية الأخرى في المنطقة.

ضع تعليقاَ