مارس 29, 2024

المركز الدولي الروسي: سياسة البيت الأبيض تجاه الأكراد وموقف تركيا من ذلك

نشر المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية دراسة تطرق من خلالها إلى العلاقات الأمريكية التركية والتدهور الكبير الذي شهدته في الفترة الأخيرة. وذكرت الدراسة أن المقابلة الشخصية الأولى التي جمعت قادة الدولتين كشفت عن برود العلاقات غير المسبوق بين أنقرة وواشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن قد أعلنت مؤخرا عن دعمها العسكري لأكراد سوريا، فضلا عن أنها أطلقت سلسلة من الهجمات العسكرية لتحرير الرقة وذلك بمشاركة القوات الكردية.

في الواقع، لم يكن رد الفعل السلبي من الجانب التركي مستغربا، في أعقاب إعلان البيت الأبيض أن القوات الأمريكية على استعداد لدعم  الأكراد عسكريا. وفي هذا السياق، انتقد الوزير التركي بن علي يلدرم تحركات واشنطن، حيث أورد أنه “من المؤسف أن بعض حلفاء تركيا لجأوا لوحدات حماية الشعب الكردية السورية كشريك لهم في الحرب ضد الإرهاب في سوريا”.

من جانب آخر، وصف مسؤول تركي الوضع السوري قائلا أن “الساحة السورية، في الوقت الراهن، أصبحت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى”. وأضاف المصدر ذاته أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تستبعد تركيا من الساحة السياسية والعسكرية في سوريا ما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي الوقت نفسه، حذر يلدرم من تبعات هذا القرار الأمريكي وما ستؤول إليها الأمور بسبب ذلك.

وفي شأن ذي صلة، حاولت أنقرة إقناع واشنطن وثنيها عن دعم الأكراد. وفي هذا الصدد، أرسل أردوغان وفدا ضم رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان ورئيس الأركان العامة الجنرال خلوصي آكار ووزير العدل بكير بوزداغ والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين إلى واشنطن للتفاوض مع الجانب الأمريكي حول القضية الكردية. وقد عقد هذا الوفد اجتماعا مع مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي الجنرال، هربرت ماكماستر، لكنهم فشلوا في إقناع الجانب الأمريكي بالتخلي عنه خطة دعم الأكراد.

أهم التطورات التي شهدتها العلاقات التركية الأمريكية

في السنوات القليلة الماضية، اتسمت العلاقات التركية الأمريكية بالاستقرار. فلطالما، مثلت تركيا نافذة للولايات المتحدة الأمريكية على الشرق الأوسط، نظرا لمدى أهمية الدور التركي في المنطقة. في المقابل، أخذت العلاقات بين الدولتين في التداعي في فترة حكم باراك أوباما، وذلك لعدة عوامل لعل أبرزها إستراتيجية البيت الأبيض في مكافحة الإرهاب التي تعتمد بالأساس على إشراك الأكراد السوريين.

 وقد تعمقت الفجوة بين واشنطن وأنقرة خلال فترة حكم باراك أوباما، في حين اتجهت تركيا لإنشاء علاقة جديدة مع روسيا على اعتبارها حليفا وشريكا موثوقا. وفي الوقت الذي اعتلى فيه ترامب سدة الحكم وتغيرت فيه الإدارة الأمريكية، تجدد أمل أنقرة في أن تعود العلاقات الثنائية بين البلدين إلى سالف عهدها. فضلا عن ذلك، كانت تركيا تتوقع أن تتغير سياسة واشنطن تجاه أكراد سوريا وغيرها من القضايا الإستراتيجية الأخرى.

من جهته، أعرب أردوغان عن رغبته في تطوير العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن، في حين كانت العديد من بلدان العالم الإسلامي تخشى من سياسة ترامب الخارجية في ظل كرهه الواضح للإسلام. وفي الأثناء، مثّل اتصال ترامب بنظيره التركي وتهنئته بنجاح الاستفتاء الدستوري، حافزا بالنسبة للرئيس التركي حتى يعمل على دفع العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها. والجدير بالذكر أن افتقار الإدارة الأمريكية الجديدة لإستراتيجية واضحة فيما يتعلق بالوضع في الشرق الأوسط فضلا عن حالة الفوضى التي كان يشهدها البيت الأبيض، كانت بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة لتركيا حتى تثبت حضورها في المنطقة.

وقد كشفت تطورات الأحداث في الأشهر الأخيرة عن حقيقة أن تعزيز العلاقات الأمريكية التركية لم يعد من أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، على عكس ما كان عليه الأمر في عهد باراك أوباما. فمنذ تنصيبه، وضع أوباما تركيا على لائحة الدول الأكثر أهمية في إطار السياسة الخارجية لبلاده.

وفي سياق متصل، جاءت زيارة أردوغان إلى واشنطن في السادس عشر من أيار/ مايو، متأخرة نوعا ما. فقد التقى الرئيس الأمريكي في وقت سابق كلا من العاهل الأردني، عبد الله الثاني والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي وولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، فضلا عن قادة من إسرائيل وفلسطين والعراق. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن قادة الدول الآنف ذكرهم يصنفون ضمن قائمة قيادي العالم الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن، في حين لا تشمل هذه القائمة تركيا.

لماذا لجأت الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد؟

وفقا لبعض الخبراء الدوليين، تعاني الإدارة الأمريكية من العديد من التناقضات في صلبها فيما يتعلق بأولويات السياسة الخارجية بشكل عام والسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، بشكل خاص. فقبيل التصويت على الاستفتاء الدستوري التركي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية  بيانا انتقدت من خلاله هذا الاستفتاء. في المقابل، وإثر بضع ساعات إعلان نتائج التصويت، بادر ترامب بتهنئة نظيره التركي إثر فوزه، مما أثار استغراب الكثيرين، الذين أكدوا أن هناك غيابا واضحا للتنسيق بين أعضاء الإدارة الأمريكية.

من ناحية أخرى، أعرب جميع الأطراف في صلب الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، عن موافقتهم بشأن قرار دعم وتسليح وحدات حماية الشعب والقوات الكردية. وتجدر الإشارة إلى أن القيادة المركزية الأمريكية لعبت دورا رئيسيا في دفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ مثل هذا القرار، خاصة وأنها على يقين تام بأن الأكراد السوريين سيكونون خير حليف لها في حربها ضد تنظيم الدولة.

وفي شهر آذار/ مارس الماضي، أعلن الجنرال الأمريكي، ستيفن تاونسند أن الأكراد السوريين سيشاركون في عملية تحرير الرقة، وأنه لا يملك أي أدلة تفيد بأن هناك علاقة تربط بين القوات الكردية وحزب العمال الكردستاني.

وفي سياق متصل، نفى البنتاغون وجود أي التزامات طويلة الأمد تجمعه بوحدات حماية الشعب، موضحا أن دور الأكراد يقتصر على تنفيذ مهمة عسكرية محددة. من جانب آخر، أوردت وزارة الدفاع الأمريكية في التاسع من أيار/ مايو، أن الأكراد يعتبرون القوة الوحيدة القادرة على تحرير الرقة في وقت قياسي. وعلى الرغم من المخاوف التركية في هذا الصدد، إلا أن واشنطن أكدت أنها ملتزمة بعدم تهديد أمن تركيا.

على العموم، تؤمن الإدارة الأمريكية أن تسليح الأكراد السوريين، يعد بمثابة الطريق الأقصر لتحقيق أحد أهم أهدافها في المنطقة ألا وهو هزيمة تنظيم الدولة، وذلك وفقا لما ورد على لسان بعض الخبراء الدوليين.

من جهتها، اقترحت تركيا على الولايات المتحدة الأمريكية العمل جنبا إلى جنب مع قوات الجيش السوري الحر لمواجهة تنظيم الدولة والقضاء عليه. في المقابل، رفضت واشنطن عرض أنقرة لسببين أساسيين. ففي المقام الأول، تعتقد القوات الأمريكية أن القضاء على تنظيم الدولة في الرقة، في ظل مشاركة تركيا وقوات الجيش السوري الحر سيستغرق الكثير من الوقت. ثانيا، فشلت كل من القوات التركية وقوات الجيش السوري الحر في إثبات قدرتها في ساحة القتال خلال عملية “درع الفرات”، فضلا عن أنها لم تحرز أي تقدم يذكر على حساب تنظيم الدولة.

في واقع الأمر، هناك اختلاف جلي وواضح فيما يتعلق بأولويات واشنطن وأنقرة بخصوص القضية السورية. فبالنسبة لأردوغان، يتمثل هدف أنقرة الرئيسي في منع هيمنة وتوسع النفوذ الكردي في شمال سوريا. وقد شكلت هذه النقطة، محور الصدام بين كل من واشنطن وأنقرة التي ما فتئت تنتقد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الأكراد. علاوة على ذلك، أعربت أنقرة في العديد من المناسبات عن رفضها التام لهذه السياسة مؤكدة على أنها لن تقبل بمسألة امتلاك الأكراد لأسلحة.

على الرغم من الدعم الكبير الذي يحظى به الأكراد من قبل واشنطن، إلا أن ذلك مجرد أمر مؤقت في إطار مساندتهم للقوات الأمريكية في مهمة محددة، وقد ينقلب الأمر ضدهم في نهاية المطاف. ففي الحقيقة، لا يبتغي الأكراد، من خلال مشاركتهم للقوات الأمريكية في حربهم ضد تنظيم الدولة، الحصول على أسلحة أمريكية متطورة أو تطهير منطقة الشرق الأوسط من تنظيم الدولة، بل يطمحون لإنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا.

والجدير بالذكر أن هدف الأكراد السوريين لن يتحقق إلا من خلال مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لهم. وعلى هذا الأساس، يتوقع الأكراد أن يحظوا بهذا الدعم مقابل تحرير الرقة. وفي الأثناء، يبقى هذا الاحتمال ضئيلا للغاية نظرا للمقاومة الشديدة التي سيظهرها الرئيس التركي أردوغان.

وفي هذا الإطار، لسائل أن يسأل، هل ستكون واشنطن قادرة على الدفاع على الأكراد ومساعدتهم لتحقيق هدفهم المنشود إثر اتمامهم للمهمة الموكلة لهم؟ وهل ستقبل واشنطن الدخول في صدام مع أنقرة خدمة لمصالح الأكراد؟

وعلى ضوء هذه المعطيات، وكما دفعت المصلحة العسكرية البيت الأبيض للتقرب من الأكراد، قد تجبره المصلحة السياسية على دفع العلاقات الإستراتيجية مع تركيا والحفاظ عليها. لكن، وفي حال أحجمت واشنطن عن تقديم الدعم السياسي للأكراد في أعقاب نجاحهم في هزيمة تنظيم الدولة، قد يهدد ذلك أمن المنطقة، كما قد يؤثر على معالم الدولة السورية في المستقبل.

التأثير على مثلث العلاقات الأمريكية-التركية-الروسية

على المدى الطويل، قد تعمق القضية الكردية الفجوة بين الجانب التركي والجانب الأمريكي. علاوة على ذلك، قد تؤثر عملية تزويد وحدات حماية الشعب الكردية بشكل جوهري على السلطات التركية كما قد تضر بمصالحها الحيوية. من ناحية أخرى، تكاد القضية الكردية تتحول، بالنسبة لبعض الأطراف، إلى مؤامرة خارجية لوضع أنقرة في موقف عصيب فيما يتعلق بسياستها الداخلية والخارجية والأمن الوطني التركي.

ومن وجهة نظر أخرى، قد يدفع قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتسليح الأكراد السوريين، بأنقرة إلى “أحضان” موسكو، ما قد يؤدي إلى حدوث تغيرات غير متوقعة بالنسبة لواشنطن. وفي ظل الوضع الاقتصادي والعسكري الذي تشهده تركيا في منطقة الشرق الأوسط، سيؤثر التوتر القائم بين الولايات المتحدة وتركيا على أحد الأهداف البارزة بالنسبة لترامب، حيث يسعى الرئيس الأمريكي لاحتواء الخطر الإيراني. ومن هذا المنطلق، قد تستفيد طهران بشكل كبير من الجمود السياسي بين واشنطن وأنقرة.

وفي الأثناء، من المتوقع أن تقوم أنقرة بحظر استخدام قاعدة إنجرليك الجوية على الولايات المتحدة الأمريكية، مع العلم أنها تمثل مركزا أساسيا في صلب عملياتها العسكرية ضد تنظيم الدولة. وعلى المدى القصير، من المرجح أن تستمر العلاقات الثنائية بين الدولتين على وضعها الحالي. في الوقت نفسه، قد تبادر تركيا بالانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون.

ووفقا لبعض الخبراء، لا يجب تهويل مدى تأثير قرار البيت الأبيض بتسليح الأكراد على التوجهات الإستراتيجية للسياسة الخارجية التركية. فبغض النظر عن التطورات التي تشهدها كل من سوريا والعراق، إلا أن سياسة “المناورة” التي تعتمدها أنقرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، تعد إحدى مميزات السياسة الخارجية التركية، التي تعتبر من العوامل المؤثرة على الساحة الإقليمية والعالمية.

 

رابط الدراسة الأصلية على المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية

ضع تعليقاَ