مارس 29, 2024

فيكتور جايتان: لماذا يختلف ترامب والبابا فرانسيس بشأن السعودية

جذب اللقاء الذي عُقد في 24 أيار بين العملاقين المتضادين “دونالد ترامب” رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والبابا “فرانسيس” الانتباه بسبب الفروق في الأسلوب والمضمون بين الرجلين، ليس ذلك بسبب أنّ هناك أموراً جادةً كان من المتوقع أن تصدر عن لقائهما المختصر الذي دام 30 دقيقة. في الواقع لو أخذنا بعين الاعتبار التراشق الحادّ في الماضي بين البابا وترامب، فقد يبدو من المستغرب أن تتم إضافة الفاتيكان إلى مسار الجولة المكوكية للرئيس أصلاً.

ففي فبراير من عام 2016 تحدّى البابا “فرانسيس” ضمنياً إيمان المرشح الرئاسي آنذاك عندما أخبر المراسلين أن “الشخص الذي يفكر فقط في بناء الجدران…وليس بناء الجسور، ليس مسيحياً” وقد رد ترامب بوصف تعليقات البابا بـ “المشينة”، لنسمع البابا فرانسيس يعيد نسخةً جديدةً من الاتهام قبل أشهرٍ قليلة فقط. لكن خلال مدة بابويته لطالما حثّ البابا فرانسيس على اللقاء و الحوار، لذا فإنه شخصيةً توافق على البحث عن أبواب “مواربة قليلاً على الأقل… و الدخول خطوةً خطوة” مع ترامب. هناك عاملان أدّيا إلى جمع الضدّين معاً، الأول هو التقاليد: لكلّ رئيس أمريكي منذ أن زار هاري ترومان الكرسي الرسولي عندما كان في إيطاليا. (كان ترامب هناك لحضور قمة مجموعة السبعة في صقليا). العامل الثاني هو أنّ البيت الأبيض يضفي على الجزء الأول من جولته الرئاسية الخارجية طابع الجولة للمواطن الدينية، لذا فقد كانت زيارة ترامب للفاتيكان الفصل الأخير للإنتاج المسرحي الذي تم افتتاحه في الرياض.

في النهاية رغم أن الإطار لربما كان مشكلة، في الواقع فمما أثار الاضطراب في الفاتيكان الأسبوع الماضي أن ترامب قد حقق الظفر في السعودية وهي واحدة من الدول القليلة التي ليس لديها علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان. بدءً من معاملة المملكة للمسيحيين الذين يعيشون ضمن حدودها إلى تصديرها الدولي للتعصب، وانتهاءً بالدمار الهائج لحربها في اليمن، فإن لدى البابا فرانسيس والفاتيكان خطوط نقدٍ تجاه السعودية أكثر بكثير مما لدى إدارة ترامب. سبق للإدارة الأمريكية أن تعاونت مع الفاتيكان في العديد من المبادرات الدبلوماسية مثل تطبيع العلاقات الأمريكية الكوبية في عام 2014. كما يشارك مسؤولو الكنيسة في كل أنحاء العالم المعلومات مع الدبلوماسيين الأمريكيين، لكن كل أجهزة الفاتيكان متوجسةٌ من السياسة الخارجية الأمريكية المرتبطة بالملكية الاستبدادية السعودية.

B57E8CE0-E2C6-4154-B187-A0FE68784EB1_cx0_cy4_cw0_w1023_r1_s 

ارتياب الفاتيكان تجاه السعودية

تعدّ الحدود التي تضعها السعودية على التعبير الديني المسيحي مفتاحاً لمصدر التوتر بين آل سعود والفاتيكان. فهناك حوالي 1,5 مليون كاثوليكي يقيمون حالياً في المملكة، معظمهم عمال زائرون من الفلبين، وليس لديهم أي وسيلةٍ لممارسة معتقدهم. في حين يتوفر القدّاس فقط للدبلوماسيين المسيحيين في القليل من السفارات الأجنبية ويكون مقتصراً على العمال الدوليين الأجانب. (التقى البابا الفخري “بينديكت السادس عشر” بالملك “عبد الله” في2007، مثيراً نقاشاً حول افتتاح كنيسة كاثوليكية، لكن لم ينتج شيء عن هذا اللقاء). فالرموز الدينية التعبدية لغير المسلمين محظورة ابتداءً من المسبحة وانتهاءً بكتب الإنجيل. في هذا الأثناء كان الفاتيكان قد تعاون مع حكومات البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة على تأسيس أماكن عبادة كاثوليكية، حيث ازداد عدد السكان من المسيحيين بالإضافة إلى ازدياد التسامح تجاه المسيحية على مدى السنوات العشر الماضية.

الأمر الآخر أن خبراء الإرهاب الكاثوليكيين يعتبرون العقيدة الرسمية للسعودية وهي الوهابية، الحركة السلفية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في شبه الجزيرة، مصدر زعزعة الاستقرار لدى المتطرفين. بالنسبة للفاتيكان فإن التهديد الوهابي هو تهديد وجودي: فالتطرف والمال الوهابي يغذيان العنف ضد المسيحيين وغيرهم من المجتمعات على مدى الشرق الأوسط وما وراءه. ولمقاومة هذا التهديد يقوم الفاتيكان بتنمية علاقات مع مراكز ثقافية إسلامية غير وهابية مثل الأزهر في جامعة القاهرة، والذي زاره البابا فرانسيس الشهر الماضي. كما قام شيخ الأزهر “أحمد الطيب” بزيارة البابا فرانسيس في روما العام الماضي، ويعد هذا تطوراً مهماً حيث أن الطيب كان قد سبق له أن قاد مقاطعة تجاه الفاتيكان في 2011 بعد أن علق البابا “بينديكت” على العنف الموجه ضد المسيحيين في مصر. ويأمل الكثيرون أن تعطي العلاقة الجديدة زخماً جديداً للحوار المسيحي الإسلامي.

كما أنّ الحذر من الوهابية ينطبق أيضاً على سوريا حيث ما زال القادة الكاثوليكيين المحليين متشككين من تغيير في النظام مدعوم من السعودية. إنها حساباتٌ بسيطة: لطالما كانت المجتمعات المسيحية سواءً من الأرثوذكس أو الكاثوليك محمية من قبل بشار الأسد ووالده حافظ الأسد من قبله، لكن قد يجلب التطرف السني معه أحكام الشريعة ومكانة من الدرجة الثانية للمسيحيين. من وجهة نظر الكنيسة فإنه من غير المبشر بخير ان يزرع ترامب نفسه على هذا النحو في المعسكر السعودي.

ثالثاً، عارض الفاتيكان على نحو خاص الحرب العدوانية التي شنتها السعودية على اليمن وهو البلد الذي يعد متسامحاً نسبياً ولديه شيء من الاحترام للحريات الدينية. يصنف الفاتيكان القصف السعودي لليمن كنموذج لـ “حرب ظالمة” غير أساسية لبقاء البلاد، شُنت دون تفاوض مسبق، يمتد دمارها لغير المقاتلين دون رحمة. وفي الحملة الجوية التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الدعم الأمريكي، قامت السعودية بقذف قنابل عنقودية وغيرها من الذخائر المدمرة على السكان المدنيين اليمنيين بما في ذلك المدارس والعيادات الطبية. وقد كان للفاتيكان علاقات دبلوماسية مع اليمن منذ 1998وكان الهدف من العلاقات الثنائية توطيد أفضل لمصالح المؤمنين المحليين بما في ذلك رجال الدين والمبشرين. لذلك بعيداً عن الاضطراب السياسي، فإن الفاتيكان قلق من الحرب التي تدمر ظروف المعيشة. فقد عانى الكاثوليكيون اليمنيون من حملة القصف السعودي العنيف ومن عنف التطرف الإسلامي الذي أخذ يتزايد خصوصاً في الجزء الجنوبي من اليمن الذي يسيطر عليه الرئيس عبد ربه منصور هادي الحليف للسعودية الذي كان قد هرب من العاصمة صنعاء في عام 2015 وأسس متجراً في عدن.

وعلى غرار غيرهم من المدنيين فقد عانى الكاثوليكيون في اليمن على نحو كارثي. فعلى سبيل المثال كانت البعثة التبشيرية الخيرية للأم تيريزا فاعلةً في اليمن منذ عام 1973، كأول اخوية كاثوليكية في البلاد منذ مئات السنين. حيث تقوم الأخوات بإدارة دار للأطفال وساعدن في تنظيم توطين للفقراء. وما زالت الأخوية تحافظ على أربعة مراكز رغم الاضطهاد المتزايد: فقد قام إرهابيو داعش عام 2016 بقتل أربع أخوات وثمان عمال في دار تمريض في عدن بسبب أنهم كانوا مسيحيين. كما قام الجهاديون أيضا باختطاف القس الأب توم “اوزهوناليل” ولا يزال في الأسر. وقد كانت واحدةٌ من الكنائس الكاثوليكية القليلة في البلاد من بين مواقع أخرى تم ضربها بالقصف الجوي السعودي. وقد شددت إذاعة الفاتيكان على التأثير المميت على الأطفال اليمنيين فهناك أكثر من مليون منهم يتضورون جوعاً بسبب الحرب.

يصف المحللون الصراع السعودي اليمني عادةً على أنه تنافس سني شيعي، حيث تواجه السعودية المتمردين الحوثيين، المسلمين الزيديين بصورة رئيسية والذين لديهم بالأصل روابط فضفاضة مع شيعة إيران. ورغم أن الفاتيكان ليس له ارتباط مع الحركة الحوثية، فإنه متعاطف مع الإسلام الشيعي، الذي لديه كهنوت عالي الثقافة منظم في تسلسل هرمي، ولاهوت يوازي المسيحية، واحترام عام للكنيسة المسيحية ومؤمنيها. طوّر الفاتيكان علاقةً متعاطفةً مع القيادة الدينية الإيرانية كما كان داعماً بشدة للاتفاق النووي الأمريكي الإيراني. تعود العلاقات الحديثة بين البلدين الى 1954 وتمت المحافظة عليها طوال الثورة الإسلامية. وتعد السفارة الإيرانية في روما واحدةً من أكبر وأكثر البعثات نشاطاً في الفاتيكان الذي يرى في إيران مفتاحاً لحل الأزمة في سوريا.

أما آخر مصدر للتوتر بين ترامب والبابا فقد كان إعلان ترامب عن صفقة سلاح بقيمة 110 مليار دولار مع المملكة لأن الكنيسة الكاثوليكية تخشى أنّ مؤمنيها وقادتها المحليين وعمالها الخيريين معرضون لخطر العنف الممول سعودياً في أجزاء متزايدة من الشرق الأوسط. فقد انتقد الكاردينال الغاني “بيتر توركسون”، الذي يرأس المجلس البابوي للعدالة والسلام، قرار ترامب على تويتر في اليوم الذي حطّ فيه الرئيس في روما. كما كان البابا فرانسيس نفسه صاخباً جداً في اعتقاده بأن تجار السلاح هؤلاء، متل الولايات المتحدة، مذنبون أخلاقياً بسبب الموت والدمار الذي يقال ان الأسلحة خلفته. ووفقاً لمركز “ستوكهولهم الدولي لأبحاث السلام” تعد الولايات المتحدة أكبر تاجر سلاحٍ في العالم، حيث قدّمت 33 في المائة من إجمالي صادرات الأسلحة من عام 2012 إلى عام 2016، وتذهب 47 في المائة من مبيعاتها إلى الشرق الأوسط. وتعدّ المملكة العربية السعودية، ثاني أكبر مشترٍ في العالم (بعد الهند) أكبر عميل لدى الولايات المتحدة. بالنسبة للبابا فرانسيس السلاح يغذي الحرب. وقد تساءل في خطابه للكونجرس في 2015 “لماذا يتم بيع الأسلحة الفتاكة لأولئك الذين يخططون لنقل معاناة لا توصف للأفراد والمجتمع؟”، “ببساطة بسبب المال؛ المال الذي تخضّب بالدماء، غالباً دماء الأبرياء… إنه لمن واجبنا أن نوقف تجارة السلاح”. وهو أيضاً السبب الذي جعل البابا يهدي ترامب هديةً موضوعها السلام في زيارته و هي ميدالية تصوّر الحرب على أنها صدعٌ في الأرض؛ و نسخة موقعة من رسالته بمناسبة رأس السنة الميلادية “اللاعنف: أسلوب السياسة من أجل السلام”، و ذيّله المنشور الرسولي ” “Laudato Siالذي يعتبر أنّ السلام هو الجانب من الصالح العام الذي يجب أن يسعى له الجميع. و Evangelii Gaudium”  وهو توجيه رسوليّ يصف السلام بأنه ليس مجرد غياب الصراع، و لكنه نتاج غرس دائم للعدل و الوحدة و الكرامة الإنسانية.

 

هل سيتطور الحوار؟

غالباً ما يشير البابا فرانسيس إلى حرب عالمية ثالثة “تدريجية” تجري حالياً. من وجهة نظر الفاتيكان بدلاً من نزع فتيل الحرب، فإن دعم إدارة ترامب للرياض قد أذكى الانقسام الإسلامي السني الشيعي الخطير. وقد وجد البابا فرانسيس في دفاعه الدائم ضدّ الصراع الطائفي حلفاءً من بين الدول الإسلامية كعُمان وباكستان وقطر المستاءة من الهيمنة السعودية وما يرون أنه هاجسها المضاد لإيران. بالطبع فإن البابا فرانسيس قد بدأ الحوار فقط مع ترامب. والوقت دائماً يقف إلى جانب مؤسسة تقيسه بآلاف السنين.

 

الكاتب فيكتور جايتان

المصدر: https://www.foreignaffairs.com/articles/saudi-arabia/2017-06-02/why-trump-and-francis-diverge-saudi-arabia

ضع تعليقاَ