أبريل 17, 2024

مضاوي الرشيد: لماذا تعجز الولايات المتحدة عن التحكم بمحمد بن سلمان؟

تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد المتبقي، الذي يمتلك ما يكفي من النفوذ لكبح جماح محمد بن سلمان.
ولهذا الغرض، يتوجب على إدارة الرئيس دونالد ترامب، إعادة التفكير في أسس العلاقات الأمريكية مع السعودية.

مضاوي الرشيد

هذا المقال مترجم عن موقع ForiegnAffairs

كبح جماح الأمير المارق

أدى قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول، لإلحاق ضرر بصورة النظام السعودي ومصداقيته أمام العالم. حتى أن حلفاء المملكة السعودية، الذين لطالما أثنوا على علاقاتهم المتينة مع نظامها الحاكم وتجنبوا الانتقاد العلني لسياساتها الداخلية القمعية، مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، رفعوا أصواتهم هذه المرة بعد عملية القتل، مطالبين بتحقيق واضح ونزيه.

يشار إلى أن احتجاز وتصفية المعارضين والمنتقدين، ليس أمرا جديدا في السعودية، ولكن قتل خاشقجي سلط الأضواء على التجاوزات التي يرتكبها هذا النظام الذي يزداد سلطوية. ففي الماضي، كان الحكام السعوديون، ولو بشكل جزئي، يخضعون لنظام اقتسام للسلطة يسيطر فيه أمراء مختلفون على فروع مؤثرة في نظام الحكم، وكان الملك يخضع لمحاسبتهم جميعا.

ولكن الملك سلمان تخلى عن هذا النموذج، إثر وصوله للحكم في العام 2015، عندما دفع بابنه محمد بن سلمان إلى التقدم نحو مركز القيادة في المملكة، بصفته وليا للعهد. وهكذا انتقل النظام الملكي السعودي من نظام يحكمه التوافق بين أبناء العائلة المالكة، إلى نظام يمتلك فيه فرد واحد النفوذ المطلق.

يبدو أن جريمة قتل خاشقجي تعكس جنوح هذه السلطة نحو أقبح درجات التطرف. حيث أن هذه الحادثة تطرح تحديات جديدة وخطيرة أمام حلفاء وشركاء المملكة السعودية، وبشكل خاص الولايات المتحدة. ففي ظل تعرض باقي أفراد العائلة المالكة والشعب السعودي للتهميش التام، تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد المتبقي، الذي يمتلك ما يكفي من النفوذ لكبح جماح محمد بن سلمان.
ولهذا الغرض، يتوجب على إدارة الرئيس دونالد ترامب، إعادة التفكير في أسس العلاقات الأمريكية مع السعودية. ولكن في ظل التفاعل غير الجاد من دونالد ترامب مع قضية خاشقجي، فإن هذا الأمر يبدو مستبعدا.

الانحراف نحو الاستبداد

في خضم الأزمة الحالية في المملكة السعودية، يطرح موضوع انتقال السلطة. ففي الماضي كان نظام الحكم في السعودية متكونا من إقطاعيات متعددة، مع وجود مجموعة من الأمراء المسؤولين عن الوزارات الهامة، وكان الملك على رأس الدولة وفي نفس الوقت على رأس العائلة المالكة.

هذا النظام كان يؤدي أحيانا إلى نشوب خلافات بين الأمراء، ولكن بشكل عام كان فعالا في تحديد سلطات الملك، الذي كان مجبرا على التشاور مع إخوته حول القضايا الكبرى. وكان الملك في الواقع يحتل المرتبة الأولى بين مجموعة من الأمراء المساوين له، مع وجود درجة من التوازن المفروض بين مختلف أفرع عائلة آل سعود.

وكان الملك عبد الله (1924-2015) آخر ملك يحكم البلاد وفقا لهذا النظام، إذ أنه على غرار الملوك الذين سبقوه، فهم أنه لن يكون بمقدوره حكم المملكة فعليا إذا تجاهل إخوته الأكبر سنا وتصرف عكس مشيئتهم. ولكن في مصادفة غريبة، كان عبد الله أول ملك يشهد وفاة وليي عهد اثنين: الأول هو أخوه غير الشقيق الأمير سلطان الذي توفي في 2011، والثاني هو أخوه الشقيق الأمير نايف الذي توفي في 2012.

أثناء مرض وليي العهد، أنشأ الملك عبد الله منصبا جديدا، هو نائب ولي العهد، تحسبا لوقوع فراغ في السلطة. وقد عين أخوه غير الشقيق الأمير سلمان في هذا المنصب، وأصبح سلمان هو الملك بعد وفاة عبد الله في 2015. وفي 2007، كان الملك عبد الله قد أنشأ هيئة البيعة، المكونة من 35 من كبار الأمراء وأبنائهم، للإشراف على انتقال السلطة في حال وفاته هو أو ولي عهده.

ولكن الملك سلمان منذ توليه السلطة، قام بإضعاف نظام تقاسم السلطة الذي كان معتمدا لدى العائلة المالكة، وقد تمكن من القيام بهذا الأمر بسبب الواقع الديمغرافي لعائلة آل سعود. إذ أن أغلب إخوة الملك توفوا في الوقت الذي وصل فيه هو إلى العرش، وهو ما مكنه من إبعاد إخوته الذين لا يزالون على قيد الحياة، وحتى أبناء عمومته الكبار.

الشخص الوحيد الذي كان مؤهلا لمنصب ولي العهد هو شقيق الملك، الأمير أحمد. ولكن فيلا ظل ابتعاد هذا الشخص عن الأضواء، حيث أنه لم يحتل من قبل منصبا هاما في الحكومة لفترة طويلة من الزمن، رغب الملك سلمان في أن يضمن انتقال السلطة إلى أبنائه فقط، وقرر تجاهل الأمير أحمد.

بعد أشهر من توليه العرش، قام الملك سلمان بإبعاد الأمير مقرن، ثم عزل ولي العهد محمد بن نايف في 2017، وفضّل عدم تعيين أي شخص آخر في منصب ولاية العهد. وعند تعيينه لابنه، تجاهل الأمير سلمان هيئة البيعة، لتكتمل الإجراءات التي اتخذها من أجل فتح الطريق أمام صعود ابنه للسلطة.

ولا يوجد أي أمير قبل محمد بن سلمان شغل عدة مناصب في السلطة في هذه السن المبكرة، إذ أنه إلى جانب كونه وليا للعهد، يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية. وهو أيضا رئيس أرامكو، المؤسسة الحكومية المسؤولة عن استغلال الغاز والنفط.

كما يسيطر هذا الأمير الشاب على وسائل القوة الناعمة التي تمتلكها الدولة السعودية، مثل هيئة الترفيه التي تم تشكيلها مؤخرا. وهكذا تحولت المملكة السعودية فعليا إلى نظام شمولي، تتركز فيه كل قوة الدولة في يد رجل واحد.

وقد قام محمد بن سلمان بغلق العديد من قنوات النفوذ، التي كان الرأي العام السعودي وأفراد العائلة المالكة يستطيعون من خلالها التأثير على سياسات الدولة. فقد تلاشت هيئة البيعة بعد تعرض كثيرين من أعضائها للاعتقال، في الحملة التي رفعت شعار مكافحة الفساد التي تم شنها في 2017. كما قام محمد بن سلمان بفك الروابط بين مختلف أجنحة العائلة، وتهميش المؤسسات الدينية، واعتقال المنتقدين ورجال الأعمال.

كما فرض ولي العهد سياسات فوقية، دون منح الشعب السعودي فرصة لمناقشتها، ناهيك عن انتقادها. ومن بين هذه القرارات، كان رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، ونشر ثقافة موسيقى البوب والترفيه.

هذه الإصلاحات السطحية كان يراد لها أن تبدو كإصلاحات جوهرية، كان الهدف منها توفير بديل شعبي عن الإصلاح السياسي. وهي مصممة أيضا لصرف انتباه السعوديين عن تصاعد وتيرة القمع، وخاصة اضطهاد الأصوات المعارضة وإسكات الحوار في الفضاء العام. فحتى باقي أعضاء العائلة المالكة أصبحوا محرومين من حرية التعبير عن رأيهم. هذا النظام الاستبدادي السعودي الجديد، الذي يستوجب الخنوع والولاء العام لولي العهد، أدى في النهاية إلى اندلاع فضيحة قتل خاشقجي.

ملوك ورؤساء

في ظل عدم وجود أي شخص من الداخل قادر على كبح جماح محمد بن سلمان، فإنه يجب كبح جماح هذا الشاب من الخارج. والولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على تسليط الضغط من الخارج. حيث أن واشنطن هي الضامن الأساسي لأمن النظام الحاكم في الرياض، وهي تبيع أسلحة للسعودية أكبر من أي دولة أخرى غربية.

في واشنطن، لا يزال ينظر إلى المملكة على أنها شريك استراتيجي (رغم أنها شريك محرج من وجهة نظر الرأي العام والإعلام الأمريكي). وتعامل الولايات المتحدة السعودية على أنها شريك هام في الحرب على الإرهاب، وطرف مهم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وجدار صد أمام النفوذ المتزايد لإيران في الشرق الأوسط.

لسوء الحظ، فإن العلاقة الأمريكية مع السعودية مبنية بالكامل على الروابط الشخصية بين قادة البلدين، عوضا عن المعايير الدبلوماسية. وهذه العلاقات هي التي تقف الآن حائلا أمام تنفيذ سياسات أمريكية فعالة تجاه ولي العهد.

يشار إلى أن هذه العلاقات المشخصنة إلى حد بعيد بين الرؤساء الأمريكيين والملوك السعوديين، تعود إلى العام 1945، حين التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز ابن سعود، على متن السفينة الحربية “يو أس أس كوينسي” في قناة السويس. هذا اللقاء أسفر عن إنشاء أول قاعدة عسكرية في أرض المملكة، التي حافظت فيها الشركات النفطية الأمريكية على مصالحها منذ 1933.

وقد ساهم النفط في تمتين العلاقة بين واشنطن والرياض، كما أن الموقع الاستراتيجي للأخيرة كان مهما جدا بالنسبة للعمليات العسكرية الأمريكية في آسيا. هذه المصالح المشتركة مثلت الأرضية التي مارس عليها زعماء كلا البلدين العمل الدبلوماسي.

منذ ذلك اللقاء، ظلت الولايات المتحدة تنظر إلى سياستها الخارجية تجاه السعودية على أنها مشروطة بوجود الملك المناسب، الذي تستطيع إنجاز الأعمال معه. ومنذ 1983 إلى 2005، كان هذا الشخص هو الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في الولايات المتحدة. إلا أنه تمت دعوته للعودة للسعودية في أعقاب هجمات أيلول/سبتمبر الإرهابية، عندما اكتشفت الولايات المتحدة أن 15 من مجموعة خاطفي الطائرات كانوا سعوديين، وكان حينها من الصعب الدفاع عن موقف المملكة.

كما أن الأمير تركي الفيصل وعادل الجبير، الذين خلفا بندر بن سلطان في منصب السفير، لم يكونا قادرين على إرضاء رغبة واشنطن في إيجاد محاور سعودي يكون في نفس الوقت مقربا من الملك، ومواليا للمصالح الأمريكية. فقد تم إرسال الأمير تركي إلى واشنطن في إطار حملة دعائية لخفض التوتر الذي نشأ في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ولكنه انتقد السياسات الأمريكية في عدة قضايا، من بينها موقفها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

كما أنه وجه انتقادات للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، على تقييمه الإيجابي لثورات الربيع العربي في 2011. وكان الأمير تركي يعتبر أن إيران، وليست السياسات الداخلية وغياب الديمقراطية، هي التي تمثل أكبر تهديد للسعودية والمنطقة. هذه التوترات تصاعدت أكثر بعد توقيع الولايات المتحدة والدول الغربية على الاتفاق النووي مع إيران في العام 2013، دون إشراك المملكة السعودية، على إثر خوض مفاوضات سرية في عمان.

عندما وصل محمد بن سلمان للسلطة، أرسل شقيقه خالد بن سلمان لواشنطن كسفير جديد. وهكذا أصبح الأخ الأول يحكم في الرياض، والثاني مقربا من ترامب وصهره جاريد كوشنر، في وضع أصبح يشبه أكثر الروابط العائلية أكثر من كونه علاقة دبلوماسية بين دولتين صاحبتي سيادة. ولسوء الحظ، يبدو أن العلاقات الشخصية منعت المسؤولين عن السياسة الخارجية في واشنطن، من القيام بعملهم الجاد، المتمثل في إجراء تقييم نقدي للتغييرات التي طرأت على الأولويات والمصالح الوطنية في البلدين.

كما أن العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية يزداد تعقيدها، بسبب كون المملكة تفتقر تماما لأي مؤسسات فعالة، مثل حكومة منتخبة، أو برلمان مؤثر، أو قضاء مستقل، وهي مؤسسات كان يمكن أن تساعد على توزيع السلطات ومراقبة النفوذ المطلق للملك.

من اللافت أن الولايات المتحدة لم تستعمل قط نفوذها، للضغط على حليفها السعودي من أجل إنشاء هذه المؤسسات. إذ أن الأمراء يمثلون فقط وسيلة اتصال تستعملها واشنطن لمعرفة كيف تتعامل مع المملكة، ولذلك لا توجد إجراءات دبلوماسية معروفة تستخدم لمحاسبة أمير مارق. وهذه المرة، يمكن أن تختار الولايات المتحدة التعامل مع هذا الاستبداد السعودي الجديد والمفضوح على أنه مجرد تطور محرج ومؤسف، في واحدة من أهم العلاقات بالنسبة لها، حتى بعد مقتل خاشقجي.

إذ أنه بعد قتل الصحفي السعودي المعارض، تراوح موقف ترامب بين التنديد بالجريمة والبحث عن مخرج لولي العهد، من خلال التلميح إلى أن الجريمة يمكن أن تكون من صنيع “عناصر مارقة” في الدولة. ولكن في نظام استبدادي تتركز فيه كل السلطات في يد رجل واحد، لا يمكن أبدا التصديق بأن المسؤولية على هذه العملية تقع على عاتق أي شخص آخر غير ولي العهد.

وتصريحات ترامب تكشف غيابا كاملا لفهم السلطة السعودية وآليات الحكم فيها. فمن وجهة نظره هو، فوائد الشراكة الأمريكية السعودية تجعل هذه العلاقة فوق التقييم الجدي.

الأمير المارق

في المستقبل، سوف يحتاج السعوديون لإيجاد طريقة لإعادة فرض أنفسهم في المشهد السياسي في بلادهم. إذ أنه تحت حكم محمد بن سلمان، وبعد إسكات كل المؤسسات الدينية والمالية وأفراد العائلة المالكة، أصبح السعوديون أساسا محكومين بالخوف، وقد أدى قتل خاشقجي إلى شد انتباههم نحو الحدود التي يمكن أن يصل إليها النظام، في سعيه لتحقيق السلطة المطلقة. وكنتيجة لذلك، ينتظر الشعب السعودي من المجتمع الدولي كبح جماح ولي العهد الخطير.

يمكن للولايات المتحدة أن تشرع في هذا التمشي، من خلال جعل دعمها لمحمد بن سلمان مشروطا باعترافه بحريات الشعب السعودي وعلوية القانون. هذا سيساعد على تقييد هذا الأمير الشاب الباحث عن افتكاك السلطة، والذي أظهر إلى حد الآن عدم إيلائه أي احترام للمجتمع الدولي، وقام بانتهاك خطير للثقة الدبلوماسية، خاصة مع دولة تركيا.

ولكن إذا لم تفض جريمة قتل خاشقجي إلى أي نتائج، وعادت الأمور إلى سالف عهدها بالنسبة للولايات المتحدة، فهذه لن تكون آخر جريمة مروعة نشهدها. فالتفاعل الأمريكي اللامبالي سيوجه رسالة واضحة لمحمد بن سلمان، مفادها أن هذا الأمير الشاب يمكنه ممارسة القتل دون محاسبة.

ضع تعليقاَ