أبريل 24, 2024

محمد أيوب: هل ستغادر إيران سوريا؟

مطاردة السراب لا يمكن أن تؤدي إلى سياسة خارجية ناجحة

هذه المادة مترجمة عن موقع the national interest ، يمكنكم الاطلاع على المادة الأصل من هنا

بقلم: محمد أيوب
ترجمة: سحقي سمر

التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن John Bolton نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف Nikolai Patrushev الأسبوع الماضي في جنيف. ومن بين القضايا التي نوقشت كان الطلب الأمريكي بأن تقنع روسيا إيران -كدولة متعاونة مع روسيا في الدفاع عن نظام الأسد- لإزالة قواتها من سوريا، وفي حين يبدو أن باتروشيف قد اتفق مع بولتن على أن هذه الخطوة يجب القيام بها، إلا أنه أوضح أن روسيا ليس لديها القدرة على إجبار إيران على مغادرة سوريا.

مطالبة الرئيس ترامب بسحب إيران لقواتها من سوريا ليس جديدا، ففي خطابه الذي ألقاه في الثامن من ماي والذي أعلن فيه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، طالب الرئيس ترامب بأن يتضمن الاتفاق الذي تم إعادة التفاوض بشأنه قبول إيران للقيود الدائمة حول برنامجها لتخصيب اليورانيوم مع الموافقة على وقف برنامج تطوير الصواريخ، لكن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، إذ ذكر أنه يجب على إيران أيضا أن توقف “سلوكها الخبيث في المنطقة”، وهو تصريح مشفر للانسحاب الإيراني من سوريا والتخلي عن جهودها الساعية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.

انسحاب أميركا الأحادي من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات صارمة على إيران بشكل يعيق قدرتها على المشاركة في السوق الدولية، ويقلل إلى حد كبير من قدرتها على بيع النفط، وخنق الاستثمارات الأجنبية الحالية والمحتملة لم يكن له التأثير المطلوب على طهران حتى الآن، فعلى الرغم من التأثير الضخم الذي فرضته العقوبات على الاقتصاد الإيراني خاصة على قيمة عملة البلاد، لم يأت النظام الإيراني إلى واشنطن مترجيا عقد صفقة جديدة _في الواقع استبعدت القيادة الإيرانية بحزم خيار إعادة التفاوض قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق_.

وبالمثل فإن دعوة الرئيس ترامب إلى تخلي إيران عن طموحاتها الإقليمية في الشرق الأوسط لم تلقى آذانا صاغية، فقضية الاختبار لهذه المسألة هي الوجود العسكري الإيراني في سوريا، إلى جانب الدعم العسكري الروسي الذي ساعد الرئيس الأسد على إعادة فرض سيطرته على معظم أرجاء البلاد، وفي حين ساعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه العملية من دون قصد من خلال القضاء على الدولة الإسلامية كانت إيران وروسيا مسئولتان بشكل أساسي عن مساعدة الأسد في التغلب على مجموعة المتمردين المتنافسة على سلطته.

ينبغي على المرء أن يفهم أن المصالح الإيرانية والروسية في سوريا ليست متطابقة، وأن طهران وموسكو تشكان في نوايا بعضهما البعض، لكن هذه المصالح تسير موازية لبعضها البعض مع الالتزام ببقاء النظام السوري. ومع ذلك فإن التزام إيران ببقاء النظام يختلف نوعيا عن التزام روسيا، فقبل عامين، قبل أن يتحول المد العسكري بشكل حاسم لصالح نظام الأسد، بدت موسكو مستعدة لعزل الرئيس بشار الأسد من أجل التوصل إلى تسوية بين النظام وقوى المعارضة لطالما سيسمح ذلك لروسيا بالاحتفاظ بتأثيرها على سوريا وخاصة مواصلة استخدام قاعدتها البحرية في طرطوس.

من ناحية أخرى، يعود تحالف إيران مع عائلة الأسد إلى عام 1980 عندما كانت سوريا تحت حكم حافظ الأسد والدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب إيران عندما تخوف صدام حسين من تأثير الثورة الإيرانية على الأغلبية الشيعية في العراق، وشن حربا دامية ضد إيران استمرت لثماني سنوات وخلفت مليون قتيل.

تخوفت المملكة العربية السعودية ومشايخ الخليج مثلها مثل العراق من تأثير الثورة الإيرانية على مواطنيها، بحيث مولت حرب صدام بعشرين مليار دولار، كما دعمت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا الديكتاتور العراقي ضد آية الله – بداية من خلال تقديم ما يُطلق عليه باسم “الائتمانات الزراعية”، وتقديم معلومات عن المعارك التي التقطتها الأقمار الصناعية إلى الجيش العراقي وختاما تزويد بغداد بأسلحة متطورة. وعليه كان أحد الأسباب التي دفعت إيران إلى دعم نظام الأسد منذ عام 2011 هو أن العديد من أعضاء النخبة في النظام الإيراني يرون أن هذا الدعم هو وسيلة لتسديد الديون التي يدينون بها لبشار الأب.

بالطبع، كانت هناك العديد من الحسابات الواقعية التي حددت موقف إيران بمجرد تعرض نظام الأسد لتحديات. وشملت هذه الحسابات الدعم الذي قدمه عدو إيران السعودية وحلفاؤها في الخليج إلى الفصائل المتمردة، وكذلك التصميم الأمريكي الأولي للإسراع في تغيير النظام في دمشق. كما أثر اللون المسلم السني المتزايد للتمرد السوري على الدعم السعودي للفصائل المتشددة المناهضة للشيعة، على القرار الإيراني بشأن سوريا.

الآن، يبدو أن نظام الأسد قد استعاد السيطرة على جزء كبير من سوريا، وبالتالي فإن إيران ترغب في جني ثمار مساعدتها للنظام في أسوأ أوقاتها. في الواقع، يمكن أن يُعزى الكثير من نجاحات النظام السوري إلى التدريب العسكري والمشورة التي قدمها الحرس الثوري الإيراني إلى جيش الأسد والقدرة القتالية لقوات حزب الله المتشددة من لبنان التي دربها الحرس الثوري الإيراني IRGC. علاوة على ذلك قُتل أكثر من ألف إيراني، بمن فيهم أعضاء كبار في الحرس الثوري، يقاتلون نيابة عن نظام الأسد منذ عام 2012. إن إيران حريصة على جني أرباح مالية من برنامج إعادة الإعمار الذي يتبع نهاية الحرب الأهلية والأهم من ذلك لا ترغب إيران في التخلي عن موطئ قدمها الإستراتيجي في سوريا، الذي سيكمل وجودها السياسي في العراق من خلال وكيلها حزب الله في لبنان.

هذه ليست إستراتيجية من أجل خلق “هلال شيعي” في قلب العالم العربي بقدر ما تعبر عن رغبة طهران في المساعدة على استقرار الأنظمة الصديقة في العراق وسوريا ولبنان وذلك من أجل مواجهة التحركات السعودية التي تمنع إيران من دخول العالم العربي كجزء من الحرب الباردة المحتدمة بين القوتين الرئيسيتين في الخليج الفارسي. لذلك، فإن توقع قيام إيران بالقضاء أو حتى الحد من تواجدها في سوريا لا يعدو كونه حلما مزعجا. على الرغم من التكهنات التي تشير إلى عكس ذلك، فإن الأسد مرتاح جدا للوجود العسكري الإيراني في البلاد لأنه يخدم غرضه المباشر للحفاظ على النظام، ولأنه لا يريد أن يعتمد بشكل مفرط على روسيا. يشك الأسد في أن موسكو قد تقرر سحب دعمها للنظام السوري، حيث بدا أنها مستعدة للقيام بذلك في عام 2016، إذا ما كان ذلك يخدم مصالحها الأكثر إلحاحا.

وفي الواقع، وقعت إيران وسوريا اتفاقا جديدا للتعاون العسكري في اجتماع عُقد يوم الاثنين 27 أوت بين وزيري الدفاع للبلدين في دمشق، مما عزّز روابطهما الدفاعية، وصرح خلالها الملحق العسكري الإيراني في دمشق أبو القاسم علي نجاد: “إن استمرار وجود المستشارين الإيرانيين (العسكريين) في سوريا كان جزءا من اتفاقية التعاون العسكري بين طهران ودمشق”.

في ظل هذه الظروف تبدو الجهود الأمريكية لحث روسيا بإقناع إيران بمغادرة سوريا غير مجدية. لقد أكدت روسيا لإسرائيل أنها ستحتفظ بالقوات الإيرانية على مسافة خمسة وثمانين كيلومترا من الحدود الإسرائيلية لأنها لا تريد التورط في انفجار شرق أوسطي (باستثناء منطقة دمشق وما حولها حيث تشمل تواجدا إيرانيا هائلا تعتبره طهران غير قابل للتفاوض)، لكن روسيا ليست في وضع يمكنها من إجبار إيران على مغادرة سوريا أو حتى الحد من وجودها العسكري والسياسي. هذه الحقيقة الحياتية التي يجب على واشنطن أن تتعلم كيف تعيش معها. يجب أن تضع هذا العنصر أيضا في إستراتيجيتها المستقبلية تجاه إيران. فمطاردة السراب لا تؤدي إلى سياسة خارجية ناجحة.

ضع تعليقاَ