أدى إعلان منظمة الصحة العالمية الرسمي بتصنيف فايروس زيكا على انه وباء عالمي إلى إحداث حالة كبيرة من الطوارئ على مستوى العالم. وكان الإعلان قد جاء بعد اجتماع استثنائي بمنظمة الصحة العالمية لتقييم آثار انتشار الفيروس على مستوى كبير في الأمريكيتين ودول العالم المختلفة.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن إعلان الفيروس كوباء قد يحسن من فرص السيطرة عليه، وذلك تحت تأثير تدفق الأفراد والمنظمات العالمية لتقييم انتشار الفيروس والعمل على الحد منه. ومن المنتظر أن يتبع هذا الإعلان مضاعفة وتسريع الجهود لإيجاد لقاح شافي للفيروس. وعلى الرغم من التسارع في العمل على مكافحة الفيروس إلا أن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً حتى يحدث.
ومن المتوقع أن يصيب الفيروس قرابة 4 ملايين شخص خلال هذا العام، حيث ينتشر الفيروس بسرعة كبيرة في مناطق جنوب ووسط أمريكا، وسجلت حالات الإصابة به في أكثر من 20 إقليماً بما فيها بنما وغواتيمالا وبربادوس وبوتوريكو. ويعتمد الفيروس في انتشاره على البعوض. وعلى الرغم من عدم تسببه بأعراض خطيرة ظاهرة لمعظم المصابين إلا أن ارتباطه بالتسبب بعيوب خلقية خطيرة رفع مستوى الحذر في التعامل معه.
وحين متابعة تأثير المرض على المستوى الجيوسياسي فمن المهم الاهتمام به ليس لكونه وباءً عالمياً محتملاً، بل للآثار الاقتصادية المحتملة أثناء محاربته. خاصة وأن تكاليف إدارة الفيروس ومكافحة انتشارة ستكون مكلفة جداً بما في ذلك طرق التعامل مع أعداد الضحايا والقتلى الكبيرة الناتجة عنه.
هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تضرر مسار التجارة العالمية عدا عن ما سيرافق الإجراءات من فحص لمنع انتقال الفيروس عبر الحدود وتطوير العلاج واللقاحات التي تتطلب استثمارات ضخمة للغاية. كما كان الحال خلال تفشي فيروس الأيبولا في أفريقيا مؤخراً.
يضاف إلى ذلك الخسارة الانتاجية التي سيتسبب بها المرض وانتشاره، وهذا لا ينطبق فقط على المصابين بل يتعداه إلى رافضي العمل أو العاملين الذين سيضطرون لأخذ إجازات طويلة بهدف العناية بأقربائهم المصابين. وهو ما سيزداد مع سرعة انتشار المرض بشكل كبير وتوسع رقعة المصابين وفق المتوقع أو أكثر من ذلك.
يضاف إلى ذلك أن المخاوف بشأن العيوب الخلقية المرتبطة بالإصابة بالفيروس ليست مفهومة بشكل كاف حتى الآن خاصة وإن هناك صعوبة كبيرة في الكشف عن الإصابة. وتجري حالياً بعض التجارب لإثبات علاقة الفيروس بصغر الرأس، حيث ربطت العديد من الدراسات بين صغر الرأس ووجود إعاقة في الجهاز العصبي بالإصابة بالفيروس زيكا وهو ما أثبتته دراسات أجريت مؤخراً في البرازيل.
هناك أيضاً بعض الدراسات التي تحدثت عن ارتباط الفيروس بمتلازمات نقص المناعة المكتسبة، مثل متلازمة غيلان – بارب. وهو ما يحتاج إلى بحوث أكثر حتى يتأكد التحليل هذا.
من المهم أيضاً الإشارة إلى أن الفيروس “زيكا” سمي بذلك إشارة إلى غابات العاصمة الأوغندية، كمبالا، حيث تم اكتشافه لأول مرة. ومن هناك سرعان ما انتشر إلى مناطق مختلفة حول العامل من أفريقيا حتى جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ. فانتشار الفيروس هذا مشابه لانتشار فيرو شيكونغونيا الذي تتزايد نسب انتشاره فور تعرضه لكثافة سكانية عالية.
ولا يعد فيروس “زيكا” هو الأول من نوعه الذي يثير المخاوف حول تأثيره على الأطفال، حيث تعد “الحصبة الألمانية” صاحبة سابقة تاريخية في الأمر. وقد تم تطوير لقاح للفيروس هذا خلال عقد من الزمن بعد عزل الحصبة الألمانية. وبالنظر إلى الضجة المصاحبة لفيروس “زيكا” وانتشاره في مناطق قريبة من امريكا وإعلان منظمة الصحة العالمية الأخير فمن المحتمل تسارع وتيرة البرامج الهادفة إلى إيجاد اللقاح الخاص به. ومع ذلك، فإن هذا اللقاح لن يوجد في أي وقت قريب من الآن وستكتفي كثير من الدول باتخاذ تدابير وقائية كرش المبيدات الحشرية والحد من تواجد المياه الرادكة لمنع انتقال الفيروس.
وتشمل التدابير الوقائية على الصعيد الشخصي إستخدام “ناموسيات” جدية في المنازل، وإرتداء ملابس بأكمام طويلة واستخدام كميات معقولة من المبيد الحشري. وبالنسبة للكثيرين الذين يقطنون المناطق الاستوائية، فإن هذه الإجراءات شيء يومي مستخدم في جل أيام حياتهم.
ولسوء الحظ، فإن تدابير الحماية الكفاية ليست متوفرة دوماً، خاصة في المجتمعات الفقيرة. فزيكا ليس المرض الوحيد الذي ينقله البعوض للقاطنين في الأمريكيتين، فحمى الضنك والشيكونغونيا والملاريا انتشرت بشكل كبير بين سكان المناطق هذه. وبدون جهود جماعية ضخمة للقضاء على الفيروس كتلك التي تمت في منتصف القرن العشرين فمن غير المرجح أن ان تغادر هذه الأمراض والفيروسات مناطق انتشارها بشكل طبيعي. ولعل الصعوبات السابقة التي ترافقت مع انتشار بعض الأمراض الأخرى تعطي مؤشراً حقيقياً على صعوبة السيطرة على فيروس زيكا.
ستكون هناك صعوبة في التحكم في مناطق انتشار الفيروس وصعوبة متعلقة بالتكاليف المرتبطة بإجراءات مكافحة انتشار المرض عدا عن علاجه والأمراض الأخرى المرافقة لذلك، وهو ما سيضع ضغطاً كبيراً على البلدان التي تعاني ضائقة مالية بالأساس، وهو ما تسبب في تدهور اقتصادات كثير من تلك المناطق تحت تأثير الأوبئة والأمراض.
ومع ذلك، فإن التأثير الأكبر لانتشار هذا الفيروس لن يظهر حتى 18 عاماً من الآن، فالخوف من زيكا والمشاكل المرتبطة به وخاصة الجينية منها قد يؤدي إلى انخفاض معدلات الحمل في المنطقة، وربما يتم ذلك بمبادرات سياسية من الحكومات التي ستطلب كما حدث في السلفادور وكولومبيا وجامايكا وهندوراس من النساء تأخير الحمل حتى يتم السيطرة على انتشار الفيروس.
وخلافاً لعدد من الدول التي تواجه أزمة سكانية في العقدين القادمين، فإن دول أمريكا اللاتينية تملك معدل نمو ديمغرافي صحي، خاصة مع وجود قاعدة سكانية كبيرة وزيادة نسب الشباب، فإن هذا الفيروس قد يساهم في تعزيز خطط الحكومة لتخفيض معدلات الانجاب، اما الدول التي لا تملك قاعدة قوية ديمغرافية ترتكز عليها سيؤدي هذا الفيروس بكل تأكيد إلى إحداث إرباك كبير في مجهوداتها الديمغرافية أو تحسين نسب سكانها.