slot dana slot toto toto 4d slot pulsa slot gopay slot ovo slot bet 200 slot bet 100 situs bet 200 situs bet 100 situs slot dana situs slot toto jagung77
ديسمبر 15, 2025
الرئيسية » سوريا الجديدة: محاولات التقويض والدفع نحو “التوحش”

سوريا الجديدة: محاولات التقويض والدفع نحو “التوحش”

لا تواجه الدولة السورية الجديدة تحدّيات انتقال سياسي تقليدية، بل تخضع منذ لحظة تشكّلها لمحاولات دفعٍ حثيثة نحو نموذج “الدولة المتوحشة”

باسل حفّار

لا تواجه الدولة السورية الجديدة تحدّيات انتقال سياسي تقليدية، بل تخضع منذ لحظة تشكّلها لمحاولات دفعٍ حثيثة نحو نموذج “الدولة المتوحشة”، من خلال أدوات التشويه الضغط الإعلامي، والتقويض السياسي، والتشكيك بالشرعية، وصولاً إلى الاستنزاف الأمني المركّز.

أحد أبرز تجلّيات هذا الاستهداف ظهر في الخطاب المتصاعد الذي أعقب حادثة تدمر الأخيرة(13 ديسمبر 2025). فبدلاً من التعامل معها باعتبارها اختباراً أمنياً محتملاً في سياق دولة خارجة من نزاع طويل، سارعت جهات معينة إلى إصدار بيانات لم تكتفِ فيها بتوصيف الحادثة والتعاطف مع الضحايا، بل ذهبت إلى التشكيك بقدرة الدولة السورية على أداء وظائفها الأساسية، مع الإيحاء بالجاهزية لتولّي هذه المهام بديلاً عنها على امتداد الجغرافية السورية. وقد جرى ذلك بدلاً من المبادرة إلى وضع الإمكانات والمقدّرات في خدمة الدولة لمنع تصاعد الهجمات أو تكرارها، وهو المنطق الذي يُفترض أن يحكم سلوك أي جهة وطنية واعية في مثل هذا الظرف الحرج.

هذا الخطاب لا يمكن فصله عن منطق نزع الشرعية الوظيفية عن الدولة، وتقديم كيان أمرٍ واقع بوصفه بديلاً عملياً، في خطوة تتجاوز النقد السياسي المشروع إلى الطعن المباشر بأسس السيادة ووظائف الدولة.

ولدى أطراف أخرى، يتخذ الخطاب شكلاً مختلفاً، لكنه يلتقي في الجوهر. إذ تواصل مجموعات معيّنة توصيف السلطة في دمشق بأنها “داعشية” أو امتداد لتنظيمات متطرفة، عبر استخدام مكثّف لوسم أيديولوجي يهدف إلى نزع أي مشروعية أخلاقية أو سياسية عنها. هذا التوصيف، بصرف النظر عن خلفياته أو دوافعه، لا يفتح باباً للحوار أو لبناء الضمانات المتبادلة، بل يكرّس منطق القطيعة، ويغذّي سرديات التدخل الخارجي أو الوصاية الأمنية.

ويتداخل مع كل ذلك ويغذيه، خطاب صادر عن فلول النظام السابق وحواضنه، يتمحور حول تقييم سلبي شامل للدولة السورية الجديدة، لا باعتبارها تجربة قيد التشكل، بل بوصفها سلطة فاقدة للأهلية منذ لحظة ولادتها، ليترافق هذا الخطاب، في بعض تجلياته، مع دعوات صريحة أو مبطّنة إلى الانفصال أو الحكم الذاتي، في استعادةٍ لخيارات لطالما طُرحت تاريخياً كلما ضعفت الدولة المركزية، اذ تكمن خطورة هذا المسار ليس في مضمونه السياسي فحسب، بل في استثماره الذاكرة الجمعية للخوف والانكفاء، وتحويلها إلى أداة ضغط سياسي على الدولة الوليدة.

ويكتسب هذا المسار التقويضي دلالة إضافية إذا ما وُضع في سياقه الزمني والسياسي. إذ يبلغ ذروته بالتزامن مع الذكرى الأولى لتحرير سوريا، وهي ليست محطة رمزية عادية، بل تمر للمرة الأولى مرفقة بجملة من الإنجازات والمعالجات العملية، شملت تثبيت السلطة، وترميم مؤسسات الدولة، والتعامل مع ملفات أمنية وخدمية معقّدة، ومواجهة تحدّيات داخلية وخارجية وتحقيق انجازات دبلوماسية في ظروف بالغة الصعوبة. وقد تُوّج هذا المسار مؤخراً بقرار رفع العقوبات بشكل كامل وغير مشروط عن سوريا، في تحوّل نوعي يعكس اعترافاً دولياً متزايداً بواقع الدولة الجديدة ومسارها، ويمنحها هامشاً أوسع لإعادة الاندماج السياسي والاقتصادي والتعامل مع استحقاق اللحظة التاريخية التي تمر بها المتمثل باعادة لم شمل مكونات هذا الوطن من جديد بعد عقود من حكم الاستبداد والفرقة.

في هذا التوقيت تحديداً، لا يبدو تصاعد حملات التشكيك والضغط والاستنزاف الأمني حدثاً عرضياً، بل أقرب إلى محاولة كبح نتائج هذا التحوّل ومنع ترسيخ معادلة دولة قابلة للحياة ومجتمع قادر على تعويض ما فاته.

في المحصّلة، لا يمكن قراءة هذه الخطابات بمعزل عن السياق الأوسع. فهي، رغم اختلاف مصادرها ودوافعها، تصبّ في اتجاه واحد: تصوير الدولة السورية الجديدة ككيان عاجز أو خطر، والدفع نحو تآكل شرعيتها السياسية والوظيفية في آنٍ معاً. ومع تصاعد الهجمات ضد قوى الأمن والجيش في أكثر من منطقة، يصبح المشهد أقرب إلى محاولة إدخال الدولة في حلقة استنزاف دائمة، تُستنزف فيها الموارد، وتُقزَّم القدرة على الفعل، وتُفتح الأبواب أمام مشاريع موازية للسلطة.

المفارقة أن هذا المسار يُسوَّق غالباً باسم حماية المكوّنات، أو منع الاستبداد، أو معاقبة السلطة على توجهات أو قرارات أو سلوكيات بعينها، فيما تكون نتيجته العملية تقويض أي إمكانية لبناء دولة جامعة وقابلة للحياة. فالدولة التي تُحاصر إعلامياً، وتُطعن بشرعيتها، وتُستنزف أمنياً، لا تُدفع نحو الاعتدال والاستقرار، بل نحو خيارات قسرية متوحشة يرفضها الجميع نظرياً، فيما يساهم بعضهم عملياً في إنتاج ظروفها.

إن السؤال الجوهري اليوم لا يتعلّق بتأييد السلطة السورية الجديدة أو معارضتها، فالتأييد والمعارضة حقّان مكفولان، بل بكيفية التعامل مع دولة خارجة من حرب طويلة دون إعادة إنتاج أسباب انهيارها. فإما مقاربة مسؤولة تُخضع الدولة للمساءلة ضمن منطق البناء، أو استمرار خطاب التقويض، مع ما يحمله ذلك من مخاطر لا تقتصر على سوريا وحدها، بل تمتد إلى الإقليم بأسره.

ضع تعليقاَ