(هذا التحليل مترجم من موقع صحيفة هاآرتس الإسرائيلية للكاتب تسفي باريل)
تحاول أمريكا العمل مع روسيا من أجل وقف الهجوم على إدلب من خلال التفاوض على اتفاقيات مع مجموعات المعارضة المختلفة التي تسيطر على إدلب، ولكن دون جدوى حتى الآن. كما تُجري روسيا مفاوضات مستقلة مع قادة المليشيات لنفس الغرض، مع شريكها التركي، ولكن دون نجاح يُذكر مرة أخرى.
تعتبر إدلب المعقل الرئيسي الأخير للمعارضة، والتي هاجروا إليها من جميع أنحاء سوريا خلال ثمان سنوات من الحرب الأهلية، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى إتفاقية وقف إطلاق النار التي وفعها النظام السوري مع المتمردين في جنوب سوريا وحلب وحماة ومدن أخرى، مما سمح لمقاتلي المعارضة بالانتقال إلى إدلب بأسلحتهم، ولذلك أصبحت منطقة محصنة تسيطر كل ميليشيا على قطعة منها.
وافقت بعض ميليشيات على التفاوض مع روسيا، وتمت دعوة البعض للاندماج في جيش النظام. لكن آخرين رفضوا الدخول في أي محادثات، مع أن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والتي تعتبر منظمة إرهابية من قبل جميع الأطراف المعنية، هي في الواقع واحدة من الميليشيات الراغبة في التفاوض.
ولكن ما لم توافق جميع المجموعات المسلحة للمعارضة على الحل التفاوضي، فإن الهجوم العنيف ضد المدينة ربما يكون حتمياً. وسيكون هذا آخر هجوم كبير للحرب، وبعد ذلك سيتحول التركيز إلى الخطط الدبلوماسية.
إن الجدول الزمني للمفاوضات لا يترك الكثير من الوقت، فمن المقرر أن يجتمع مسؤولون روس وإيرانيون وأتراك في أوائل أيلول / سبتمبر، للاستعداد لعقد اجتماع مع ممثلي المعارضة والنظام السوري، بينما سيجتمع مسؤولون ألمان وفرنسيون وبريطانيون وسعوديون وأردنيون ومصريون وأمريكيون في 14 سبتمبر في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة الدستور السوري المستقبلي.
من الصعب أن نتوقع أي نتائج عملية من اللقاء الدولي في جنيف، لأن روسيا والنظام السوري والمعارضة سيكونون جميعهم غائبين، وعلى ما يبدو هو يهدف إلى إظهار نوع من المشاركة الدولية وتقديم بديل لتحركات روسيا لا أكثر.
والسؤال الرئيسي هنا هو ما إذا كان الهجوم على إدلب سيسبق هذه الاجتماعات أم لا، والواقع أن بشار الأسد لا ينتظر. إذ ان قواته تحتشد في إدلب، وكان من المقرر أن يقوم وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي هذا الأسبوع بزيارة دمشق لتنسيق العملية العسكرية من هناك.
كانت إسرائيل والغرب مستاؤون في المقام الأول من الإعلان بأن إيران وسوريا قد وقّعتا اتفاقا يعيد بموجبه الايرانيون بناء جيش النظام السوري. لكن وفقاً للملحق العسكري الإيراني في دمشق، أبو القاسم النجاد، فإن المرحلة الاولى من هذا الاتفاق تتضمن علميات تطهير حقول الألغام وعرض لبناء مصانع أسلحة في سوريا فقط.
حاتمي هو أول وزير دفاع إيراني منذ عشرين عاماً لم يأت من صفوف الحرس الثوري الإيراني. تم تعيينه من قبل الرئيس حسن روحاني بسبب النزاع المرير مع الحرس الثوري حول السيطرة على الموارد الاقتصادية للبلاد. إذ تسيطر المنظمة على أكثر من نصف الاقتصاد الإيراني ، ويعتقد روحاني أن هذا يتسبب في أضرار اقتصادية كبيرة.
لذلك طرد وزير الدفاع السابق حسين دهغان ، وهو من الحرس الثوري الموالي. ليصبح مستشار علي خامنئي للانتاج الحربي بدلاً من ذلك، وأعلن أنه يعتزم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021 “لانقاذ البلاد”.
هذا لا يعني أن حاتمي يتفق مع روحاني في كل شيء. لكن خلافاً لسلفه ، فهو على الأقل يستشير الرئيس حول الخطط العسكرية.
إن تصريح حاتمي حول إعادة بناء الجيش السوري يجب أن ينظر له بعين الشك، وذلك بسبب التكلفة المرتفعة التي ستترتب على ذلك، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات
إيران ، التي تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، ستواجه صعوبات في تحمل هذه التكاليف وحدها، خاصة وأن سوريا تدين بالفعل لإيران بنحو 6 مليارات دولار بسبب القروض التي قدمتها إيران. كما أن تورط إيران العسكري في كل من سوريا واليمن قد كلفها 16 مليار دولار أخرى.
كما أن المخاوف من اندماج الجنود الايرانيين أو الميليشيات الموالية لإيران مع الجيش السوري تبدو مريبة. من سيقود هذه الوحدات المختلطة، التي لن يتكلم فيها بعض الجنود اللغة العربية؟ هل ستوافق قيادة سوريا العليا على إنشاء وحدات إيرانية منفصلة ستتلقى الأوامر من القادة الإيرانيين؟
ولا يمكن مقارنة الميليشيات الشيعية في العراق ، التي تمولها وتدرّبها إيران، بالميليشيات التي قد تنشأ في سوريا. ففي العراق، رجال الميليشيات هم مواطنون عراقيون. أما في سوريا ، سيكونون جنوداً أجانب.
علاوة على ذلك، اقترحت روسيا دمج أي ميليشيات متمردة توافق على أن تكون جزءا من الجيش السوري. ومن المؤكد أن المتمردين لن يوافقوا على الخدمة في الجيش إلى جانب الوحدات الإيرانية.
وهكذا يبدو أن إعلان حاتمي كان يهدف في الأساس إلى التعبير عن عزم إيران على البقاء في سوريا والنضال من أجل وضع قوة مؤثرة في سوريا ما بعد الحرب. لكن على هذه الجبهة، تواجه إيران معركة قاسية ضد روسيا من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى.
إذ قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مؤخراً إن روسيا عرضت إعادة نشر القوات الإيرانية إذا أزالت أمريكا قواتها من سوريا. كما قال بولتون إن نظيره الروسي طلب منه تقديم خريطة توضح فيها أمريكا استعدادها للسماح للقوات الإيرانية بالبقاء. بعبارة أخرى، لن تغادر إيران سوريا بالكامل ، لكنها ستقتصر على مناطق معينة.
لكن بولتون قال إنه رفض هذا العرض، وتواصل واشنطن الإصرار على مغادرة جميع القوات الإيرانية.
رداً على ذلك ، أصدرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بيانا شديد اللهجة قالت فيه إن على جميع القوات الأمريكية مغادرة سوريا قبل أن تطلب واشنطن من القوات الأخرى المغادرة. وطالبت بمعرفة سبب انتشار القوات الأمريكية في سوريا من الأساس ومن سمح لها بدخول البلاد.
كما اتهم المسؤولون الروس أمريكا بإيواء الآلاف من مقاتلي الدولة الإسلامية وغيرهم من الإرهابيين في المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة حول معبر تنف الحدودي.
في الوقت الراهن، لا يبدو أن تحذيرات إسرائيل بأنها ستواصل اتخاذ إجراءات ضد القوات الإيرانية في سوريا قد أثارت إعجاب روسيا. لكن استعداد موسكو لمقايضة الانسحاب الإيراني من أجل الانسحاب الأميركي يُظهر أن إيران لا تستطيع الاعتماد بشكل كامل على روسيا. ويشير الحوار الدبلوماسي الروسي مع واشنطن إلى استخدام إيران كورقة مساومة، وإلى استفادة روسيا من اعتماد إيران عليها باعتبارها واحدة من الدول الوحيدة التي ترفض الامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران.
وقد فقدت إيران منافستها بالفعل مع روسيا على الاقتصاد المدني السوري. فقد حصلت إيران على مذكرة تفاهم منذ عام لبناء شبكة خلوية في سوريا وتشكيل شراكة في فوسفات الألغام، لكن المذكرة تبقى على الورق فقط. فلم يتم تنفيذها بعد لأن سوريا تفضل الشراكات التجارية مع الصين وروسيا على إقامة شراكات مع إيران، ولذلك فهي تستخدم بيروقراطيتها الضخمة لتأخير وحتى إعاقة الصفقات الإيرانية.
روسيا ، وليس إيران، هي من فازت بحقوق حصرية لإصلاح وتطوير حقول النفط السورية، وبناء المصافي وتدريب العمال السوريين. كما ستأخذ زمام المبادرة في إعادة إعمار سوريا المدنية، والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
وفي المعارض التجارية في سوريا على مدى العامين الماضيين، فازت الشركات الروسية والصينية والآسيوية الأخرى بأفضل الصفقات، في حين كان على الشركات الإيرانية أن ترضى بالفتات. ويعرف رجال الأعمال الإيرانيون الذين يفكرون في القيام بأعمال تجارية في سوريا أنهم إذا أرادوا الحصول على عقود حكومية سورية، فسيكون عليهم مشاركة أعمالهم مع الحرس الثوري. وبالتالي ، فإنهم يفضلون الآن البقاء خارج الصورة.
وعلى عكس إيران، يمكن لروسيا إنشاء شراكات مع شركات غربية وآسيوية يمكنها التأكد من تسويق النفط السوري بمجرد استئناف الإنتاج الكامل. بينما لن تواجه إيران مشكلة في تكوين ائتلافات تجارية فحسب ، بل ستواجه مشكلة في بيع النفط طالما بقيت العقوبات الأمريكية عليها سارية.
وبالتالي، سيكون على إيران، فيما يبدو، أن تكتفي بالنظر والتواصل عن كثب مع الحكومة السورية، وبدرجة محدودة من التأثير على سياسات الأسد والحفاظ على علاقاتها اللوجستية مع حزب الله عبر سوريا.
هذه الاعتبارات الدولية والألعاب الاستراتيجية التي تشغل كل من قوى العالم ودول المنطقة لا تهم سكان إدلب المخوفين، فحتى قبل أن يبدأ الهجوم العسكري على المدينة، هم يعيشون تحت حكم الإرهاب من قبل ميليشيات المحلية، تقوم باختطاف واعتقال وقتل المدنيين المشتبه في “تعاونهم مع النظام” أو تحريض الدولة الإسلامية.
استمع سكان إدلب إلى وعد الأسد “بتصفية الإرهاب في إدلب” وإنذار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في اجتماع مع نظيره السعودي، لتطهير “الخراج المتقيح” لإدلب. وهم يعلمون أن القوات المهاجمة والطائرات لن تكون قادرة على التمييز بين الإرهابيين والمدنيين الأبرياء.
تركيا ، التي أقامت العديد من النقاط المتقدمة في إدلب ضمن مسؤوليتها في الإشراف على تنفيذ اتفاق التهدئة هناك، لا يمكن أن توفر الحماية للسكان المحليين. وليس هناك أي قوة دولية أخرى يمكن أن تمنع المذبحة المتوقعة. وبالتالي بالنسبة لبعض هؤلاء السكان، فإن أي حل دبلوماسي سوف يأتي متأخراَ.