لم يحدث من قبل أن شهدت سوريا قتالاً كالذي شهدته على مدى السنوات الخمسة الماضية. تقول خلود حلمي، أحد مؤسسي صحيفة العنب البلدي، “أنها تعرف فتاة لا يتجاوز عمرها 7 سنوات قتلت في منطقة صلاح الدين – أحد أحياء حلب”. خلود التي تعمل في الصحيفة تتابع تفاصيل الصراع دقيقة تلو الأخرى من مكان اقامتها الحالي في جنوب تركيا حيث انتقلت الى هناك من أجل ضمان الأمان. كانت تملك خلود أحلاماً بسلمية الثورة وأحلاماً بتدخل المجتمع الدولي لإيقاف نظام الأسد عن قتل السوريين وتقديم المساعدة. لكن مع مرور الوقت، تخلت خلود عن احلامها هذه، بعد أن استمرت علميات القتل وأزاح العالم نظره بعيداً عن الصراع في سوريا، وقالت:” ليس لدي أي امل بعد الآن في أن يتخذ العالم أي خطوة أخرى، الأمور تزداد حدة والناس يموتون بشكل يومي”.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قامت خلود وغيرها من نشطاء الصحافة والمجتمع المدني وعمال الإغاثة في تعريف العالم والمنظمات الدولية بمأساة سوريا، لكن ووفقاً لخلود فلم تقدم الامم المتحدة أي شيء لوقف حصار حلب –مؤخراً- كما لم تفعل شيئاً لوقف الضربات الجوية الروسية وبات أهل حلب غير مهتمين بالأمم المتحدة أو المجتمع الدولي.
وقبل أن تبدأ معركة حلب هذا العام، كانت حلب المدينة الأكبر في سوريا من حيث عدد السكان، حيث اشتملت على 6.5 مليون مواطن سوري ونازح.
ووفق كريستي ديلافيلد، ضابط الاتصالات في مؤسسة ميرسي كير غير الحكومية:” المناطق التي كانت آمنة لم تعد كذلك، لا يمكن تحديد نقطة آمنة للمدنيين هنا”. وأضاف:” لقد عملت في مخيم غير رسمي على الحدود التركية، وكان النازحون يتوافدون عليه ذهاباً وإياباً، تكرر قصف المخيم كثيراً وأخذت مساحة المخيم بالتقلص، لم تسلم المشافي او المدارس من القصف حتى، وتم استهداف مخيمات اللاجئين الداخلية ايضاً”.
والواقع يشير إلى وصول الحالة في سوريا بحيث لم يعد هناك أي مكان آمن للمدنيين. ففي حالات كفرار الناس من حلب إلى إدلب فإن الناس يهربون من مناطق تحت النار إلى مناطق أخرى تحت النار. ولهذا غادر سوريا ما يزيد على 4 ملايين انسان، ومع توالي الاشتباكات لم ترحب الدول الأخرى بالنازحين وهو ما زاد من سوء خيارات السوريين.
من جهته يقول جورج ريدينج، المسؤول في لجنة الإنقاذ الدولية والتي تتمركز في عمان :” نحن محاصرون مئة في المئة في هذا الصراع، ومن الصعب حقاً أن نفكر في تعزيز جهودنا في الوقت الذي يتم تسييس المساعدات الإنسانية بشكل كبير في سوريا”. ويضيف أيضاً:” لقد تم إعادة تعريف طبيعة وصول المساعدات الانسانية إلى المناطق السوريا، لقد فقدت هذه المساعدات معناها الحقيقي”. وكانت فكرة هذه المنظمات تتمحور حول إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المختلفة في سوريا بشكل محايد، وأن هذه المساعدات ستصل إلى المدنيين الذي لم يكونوا جزءً من القتال – وبالتالي لن يكونوا اهداف لهذا القتال.
ويتابع ريدينج يتابع ويقول :” نحن الآن نتحدث عن حوادث مفردة مثل تسيير قافلة مساعدات لمرة واحدة أو توزيع المساعدات وفق الاقتراح الروسي – ممرات إنسانية- في حلب، وهذه الاقتراحات مهمة لتلبية احتياجات المدنيين السوريين الذين يعيشون في تلك المناطق”.
لكنه يشير إلى ما تم ملاحظته عبر الصراع السوري في أن المساعدات والمعونات الإنسانية يتم تسييسها بشكل كبير وأنها أصبحت تستخدم كأداة في محاولة تشجيع المجموعات للمشاركة ضمن المفاوضات الدبلوماسية. ويعزز ذلك ما أشار له ريدينج من عدم تمكن الجهات المسؤولة من إيصال أي معونات إنسانية لمناطق النزاعات في سوريا بسبب توقف المفاوضات السياسية.
زاهر سحلول، الطبيب المقيم في شيكاغو والذي يعمل على تقديم المساعدات الطبية داخل سوريا كجزء من عمله ضمن الجمعية الطبية الأمريكية – الروسية:” الناس لا يستطيعون الهرب، ولا يتاح لهم القيام بأي إجلاء، ولا يستطيعون الحصول على الغذاء او الدواء، بل إن الممرات الإنسانية التي أدعى الروس فتحها لم يتمكن احد من استخدامها في حلب، وباتت تسمى “أروقة الموت”.
وكنتيجة للجمود الحاصل في الجهود الدبلوماسية وإنتشار المعارك الكبير وتوسعها، باتت الخسائر البشرية تفوق التصور الآن. فقد انتقلت دور الرعاية والملاجئ تحت الأرض، وأصبحت المستشفيات تعمل تحت الأرض في ظل ظروف صعبة ومعاناة من قصف متواصل. وعلى مدار السنوات الخمسة الماضية تجاوز عدد القتلى في سوريا 400 ألف شخص على الأقل.
يؤكد ريدينج أن الناس لا يملكون أي مكان للجوء اليه ويضيف:” يجب أن يكون المدنيون آمنين في منازلهم إن كانوا يريدون البقاء هناك بسلام. لكن الناس في سوريا لا يجدون أي مكان آمن للاختباء به ولا يستطيعون كذلك عبور الحدود، حتى أن مخيمات اللاجئين داخل سوريا باتت عرضة للقصف والاشتباكات المستمرة”.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الكارثة، لا يبدو أن أي طرف قادر على تحسين الأمور للمدنيين في المستقبل القريب. فكل طرف يريد تحقيق مكاسب ميدانية في ساحات المعارك قبل إعادة بدء محادثات جنيف التي توقفت مؤخراً. وكلا الأطراف تسعى للسيطرة على مزيد من الأراضي دون اعتبار او احترام لحقوق الحياة المدنية.
يجب على المجتمع الدولي استخدام الثقل الدبلوماسي من اجل السعي لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل حقيقي وغير مقيد للمدنيين داخل سوريا. اما وقف الأعمال العدائية فينبغي ان يكون غير مرتبط بالضرورات السياسية لكل طرف وينبغي على العالم أيضاً ان يبقي عينه مفتوحة وضغطه موجهاً تجاه الأطراف المتحاربة لحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر وهم المواطنون الذي لا يقاتلون في الحرب المشتعلة هناك، ولا يملكون أي مكان آخر للذهاب إليه.
هذه المادة مترجمة من موقع فورين أفيرز، للحصول على المادة الأصلية إضغط هنا