تركز معظم التحليلات والدراسات التي تُنشر مؤخراً حول العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط على تراجع الحضور الأمريكي في هذه المنطقة، ليس على المستوى العسكري فحسب ولكن على المستوى السياسي أيضاً، فقد أعلنت الولايات المتحدة عن عدة انسحابات وإعادة تموضع لقواتها وقواعدها العسكرية، سواء منها تلك المتواجدة في سوريا حيث تخوض إسرائيل مواجهة معقدة مع إيران وميليشياتها، أو في مناطق أخرى من الشرق الأوسط مثل الخليج العربي وتركيا وغيرها.
المؤكد والرسمي لحد الآن أنّ تخفيضاً معيناً في أعداد القوات والعتاد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط قد حصل، لعل من أبرز مظاهره سحب بعض بطاريات الصواريخ والطائرات المقاتلة وإعادة تموضع بعض القوات الأمريكية في مناطق أخرى من العالم.
من وجهة نظر إسرائيلية فإن المشكلة لا تتعلق فعلياً بحجم الأصول العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة بقدر ما تتعلق باستعداد الولايات المتحدة ورغبتها باستخدام هذه الأصول عند الحاجة إليها.
إذ تتقاسم إسرائيل والولايات المتحدة -اللتان تصفان علاقتهما بالتحالف الوثيق-، العديد من المصالح المشتركة في الشرق الأوسط مثل مكافحة الوجود الإيراني والإرهاب والطاقة وغيرها، ولكن مؤخراً بدأت تشكو إسرائيل من ضعف المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط وهو ما شجع إيران لتشكل تهديداً متزايداً لإسرائيل ودول أخرى في أنحاء المنطقة.
وفي هذا السياق، سعت إسرائيل إلى بناء شراكات إقليمية جديدة مع محيطها لتدعيم أمنها، هذه الشراكات بين إسرائيل والدول العربية كانت موجودة قبل عام 2020 بفترة طويلة ولكن بدرجة أقل فاعلية وذات طبيعة سرية، ثم تطورت بعد 2010 مدفوعة بالانتفاضات العربية والمخاوف المشتركة بشأن إيران وصعود جماعة الإخوان المسلمين، من بين تهديدات أخرى، ومع الإعلان عن تراجع الدور الأمريكي أصبحت هذه الشراكات استراتيجية إسرائيلية أساسية، حيث تستمر إسرائيل بتعضيد علاقاتها مع الدول العربية كجزء من استراتيجيتها الأمنية، بالتوازي مع استمرار المساعدات والدعم الأمريكي المباشر أو غير المباشر.
لقد سمحت اتفاقات أبراهام بشيء لطالما أرادته واشنطن: (كتلة من دول الشرق الأوسط يمكنها حماية المصالح الأمريكية، والسماح للولايات المتحدة بتقليل تواجدها في المنطقة)، وهنا لابد من التأكيد على عدم الخلط بين استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة لفرض إرادتها وبين افتقارها لهذه القوة والتشكيك بتفوقها، فتراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يعني أنّ التفوق الأمريكي في المنطقة وحتى العالم أصبح مشكوكاً فيه، أو أنّ الولايات المتحدة تفتقر للقوة اللازمة لفرض إرادتها عندما ترغب بذلك، على العكس تماماً فقد أثبتت العديد من الأحداث مؤخراً أنها تتمتع بالقدرة عند اللزوم.
العملية الأميركية الأخيرة في سوريا في 03 شباط/فبراير 2022، مثال مهم على ذلك، فقد قامت قوات خاصة أمريكية بمهاجمة مقر قائد تنظيم تنظيم داعش وقتلته مع عدد من المتواجدين معه في نفس المنزل، وحرصت على احتكار المشهد بالكامل وعدم ظهور طرف آخر في الصورة لتؤكد على عدم صحة الحديث المتكرر حول تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث تملك الولايات المتحدة أكبر تواجد عسكري فعّال في المنطقة،
ولكن -وبالمقارنة مع سنوات سابقة- فإن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة أقل بكثير مما كان عليه سابقاً وهذا ينعكس على قدرتها على الردع، ويمكن سوق العديد من الأمثلة على ذلك، لعل من أبرزها ادعاء إدارة أوباما أنها نجحت في تفكيك وتعطيل سلاح النظام الكيماوي في سوريا، وهو ما بدا جلياً أنها فشلت فيه عندما تجاوز نظام الأسد الخطوط الأميركية الحمراء مرة أخرى واستخدم هذه الأسلحة في يناير 2020، كذلك الأمر بخصوص إدارة ترامب التي أقدمت على اغتيال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، لكنها فشلت في الرد هجمات إيران والحوثيين على المنشآت النفطية السعودية وعلى المصالح الأمريكية، والأمر نفسه بالنسبة لإدارة بايدن، التي تشن من وقت لآخر غارات في سوريا، لكنها نادراً ما تتعرض لإيران وهجمات ميليشياتها المتكررة على المصالح والقواعد الأمريكية في العراق وسوريا. وحتى في حالة الإمارات التي تعرضت لعدة هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ من طرف الحوثيين، وبعض هذه الضربات استهدفت قاعدة الظفرة الجوية الأمريكية، ورغم أن الولايات المتحدة أعلنت أنها عززت الدفاعات الجوية الإماراتية وأرسلت المدمرة الأميركية كول وطائرات إف 22 إلى الإمارات للرد الهجمات ولكن -حتى الآن- فإن هذه الأسلحة والتعزيزات لم تستخدم فعلياً، ولا يوجد ما يؤشر على تفعيل دورها على المدى القريب.
وبمقابل هذه الأمثلة وغيرها التي شكلت لدى معظم القوى في المنطقة -وليس فقط إسرائيل- قناعة بأنه لم يعد بالإمكان الاستناد بالكامل إلى الولايات المتحدة كضامن للأمن، شهدنا انخراطاً متزايداً لكل من روسيا والصين في المنطقة -وهي دول ينظر شركاء واشنطن العرب إليهما كفرصة وليس كتهديد-، دون أن يظهروا أي استعداد لتولي دور عسكري إقليمي في الشرق الأوسط يعوض الدور الأمريكي، كما وسعت إيران من أنشطتها بشكل ملحوظ في الفترة الماضية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، وأظهرت موقفاً أكثر تشدداً فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وأصرت على الرفع الكامل للعقوبات للمضي بالمحادثات، حتى أصبحت على بُعد أشهر من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاحها النووي الأول.
وفي مواجهة الواقع الجديد الذي يتضمن مشاركة أمريكية أقل وضغوطاً جديدة، قررت الإمارات أنها تريد أن يُنظر إليها على أنها ليست كما يسميها الأمريكيون “سبارتا الصغيرة”، وإنما ما يسميه المسؤولون الإماراتيون “سنغافورة الصغيرة”: (دولة تستفيد من ثرواتها وانفتاحها ليس فقط في جذب المستثمرين الدوليين ولكنها أيضًا قادرة على أن تكون جسراً للقوى الخارجية لمنطقتها)، بناء عليه قلصت الإمارات من تدخلها في اليمن إلى حد كبير – هاربة من الازدراء الدولي. وسعت إلى وقف التصعيد مع منافسيها الإقليميين: إيران وقطر وتركيا، ومن قبل ذلك فإن توقيع اتفاقات أبراهام لم يكن تطورًا مفاجئاً ولا خروجاً عن سياق التفكير الإماراتي، بل كان تجسيداً طبيعياً لطريقة تفكير الدولة، ووسيلة مباشرة لحماية نفسها وسط قدر كبير من عدم اليقين الجيوسياسي، ومع ذلك لم تسلم أبو ظبي من الهجمات ولا يبدو أنها ستسلم منها في وقت قريب.
والأمر نفسه بالنسبة للسعودية التي خطت خطوات واضحة في التطبيع مع إسرائيل ولكن ذلك لم يجنبها هي أيضاً هجمات إيران ووكلائها، لأن إيران ببساطة تستشعر ضعف هذه الدول وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بدون تدخل فاعل من الولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن أصبحت إيران على أعتاب امتلاك السلاح النووي.
أمام هذا الواقع وكل هذه المعطيات يبدو أن إسرائيل بدأت بالعمل وفق استراتيجية جديدة للتعامل مع الوضع في المنطقة تبعاً للمعطيات الجديدة التي نشأت وتبلورت نتيجة الطبيعة الجديدة للمشاركة الأميركية.
وعلى الرغم من عدم انضمام دول جديدة إلى الاتفاقات مؤخراً، إلا أن الموقعين الأوائل حافظوا على التزامهم بالاتفاق واستمرار العلاقات رغم تطورات مهمة حدثت في المنطقة تتعلق بهذا الملف من أهمها حرب غزة في أيار/مايو 2021،
على صعيد الولايات المتحدة فقد حاولت إدارة بايدن وما زالت، إدخال دول إسلامية أخرى لاتفاقيات أبراهام مثل إندونيسيا، والسعودية -التي تعتبر المرشح الأهم- ولكن لا يبدو أنه من المرجح أن تنضم في أي وقت قريب، فقد يتطلب انضمام الرياض إلى الاتفاقية تقارباً بين واشنطن وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وربما بعض التقدم المهم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، حالياً تسمح المملكة العربية السعودية للرحلات الجوية المتجهة إلى إسرائيل أو القادمة منها بالتحليق فوق المجال الجوي للمملكة، مما يسهل بشكل كبير السفر الإسرائيلي إلى الخليج وما وراءه، وتواصل إسرائيل اتصالاتها عبر قنوات غير مباشرة مع السعودية وتركز بشكل أساسي على معالجة المخاوف الأمنية المتبادلة بين السعودية وإسرائيل مثل الحوثيين في اليمن وهيمنة حزب الله في لبنان.
من وجهة نظر إسرائيلية وأمريكية تعتبر المملكة العربية السعودية رائدة في العالم الإسلامي ولاعب أكبر بكثير من الإمارات العربية المتحدة في الاقتصاد العالمي، وتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية من شأنه أن يعزز إلى حد كبير مكانة إسرائيل بين الدول التي تتخوف تقليديًا من إسرائيل، ويزيد من نموها، ويفتح أمامها مجال تعاون عسكري جديد ومهم، غير أن عقبات التطبيع ما زالت هائلة، إذ سيتعين على الرياض أن تتخلى ضمنيًا أو تعدل مبادرة السلام العربية للملك الراحل عبد الله، والتي وضعت السلام الإسرائيلي الفلسطيني كشرط مسبق لتطبيع عربي أوسع، كما يتطلب هذا الأمر قبولاً معيناً في الأوساط الشعبية السعودية وهذا يبدو بعيد المنال، كما أن دور الولايات المتحدة في صفقة إسرائيلية – سعودية سيكون أكثر صعوبة بعد التوترات المتلاحقة في العلاقات السعودية الأميركية والطريقة التي تعاملت فيها الولايات المتحدة مع السعودية في السنوات الأخيرة في قضايا مثل الحرب ضد الحوثيين في اليمن ومقتل جمال خاشقجي وغيرها، كل هذا يقف عقبة أمام إمكانية عرض الولايات المتحدة على الرياض المغريات التي قدمتها لأبي ظبي وغيرها من الموقعين على الاتفاقات، مثل بيع مقاتلات F-35 أو تقديم تعاون نووي مدني.
وعلى المدى الطويل، فيبدو أنّ التطبيع مع إسرائيل يتماشى مع نظرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمستقبل المنطقة والعالم، حيث سعى الأمير محمد إلى تغيير دور المملكة العربية السعودية في اقتصادها ومجتمعها ودورها الإقليمي، بما في ذلك موقف الرياض من الحركات والتيارات الإسلامية وتقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على صادرات النفط والغاز، وتطوير العلاقة مع أبي ظبي كشريك منافس للرياض.
فيما يخص الدبلوماسية الإسرائيلية فلم تقتصر على الموقعين على اتفاقيات إبراهام بل تعدتهم إلى أطراف أخرى مستعدة للتعاون في المنطقة فمنذ توقيع اتفاقيات أبراهام وقعت إسرائيل اتفاقيات لبيع الغاز لمصر والأردن، وبعضه قد ينتقل إلى لبنان عبر سوريا، كما انضمت إسرائيل إلى منتدى غاز شرق المتوسط ومقره القاهرة، والذي يضم قبرص ومصر وفرنسا واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية من بين أعضائه. بالإضافة إلى بناء بصمة إسرائيل في مجال الطاقة، ساعدت هذه التواصلات والاتفاقيات في توسيع الفرص الاقتصادية الأخرى، مثل شراكة الطاقة مقابل المياه بين إسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة والتي تم الإعلان عنها في نوفمبر 2021.
بالتزامن مع كل هذا جاءت إشارات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استعداد تركيا لتحسين العلاقات التركية الإسرائيلية، التي تدهورت على مدى العقد الماضي. وأثار مسؤولون أتراك حديثاً حول إمكانية إجراء ترتيبات حول الغاز مع إسرائيل، واستقبل أردوغان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في تركيا.
وإلى ما هو أبعد من ذلك، تمتد الجهود الإسرائيلية لإقامة شراكات دولية لتشمل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهذا ظهر أثره في عدة محطات من أبرزها الحوار الذي أقيم في أواخر عام 2021 بين الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة.
التموضعات الجديدة تفتح المجال أمام مشاركة إسرائيل بشكل متزايد في المهام الأمنية الأمريكية مع دفاعاتها الاستخباراتية والجوية والإلكترونية، وتعزيز العمليات المشتركة بين شركاء الولايات المتحدة الإقليميين، خصوصاً وأن بعض الأدوار المشتركة بين إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين ليست جديدة، فعلى مدى سنوات، تبادلت إسرائيل المعلومات الاستخباراتية والقدرات السيبرانية مع دول الخليج، ودعمت إسرائيل أمن الحدود الأردنية وعمليات النظام المصري في سيناء، بينما اعترض نظام الدفاع الصاروخي صواريخاً استهدفت ميناء العقبة في الأردن.
هذه الشراكات والعلاقات لم تكن معروفة بشكل دقيق للآخرين وخصوصاً جماهير الشرق الأوسط، ولكن اتفاقيات أبراهام سمحت ليس فقط بتعزيز الدور الإسرائيلي ولكنها ساهمت بالإعلان عنه ومواجهة العالم به، وهو ما تم ترسيخه في زيارات دبلوماسية مباشرة رفيعة المستوى مع البحرين والإمارات، قام بها مسؤولون إسرائيليون مثل هرتسوغ ونفتالي بينيت ويائير لابيد لبلورة علاقات أمنية إسرائيلية متنامية مع هذه الدول وغيرها، خاصة بعد تزامن الضربة الحوثية على الإمارات مع زيارة هرتسوغ. وبالمثل، فإن زيارات بينيت ووزير الدفاع بيني غانتس للبحرين تشير إلى مسار مشابه والأمر نفسه بالنسبة لإعلان تعيين ضابط بحري إسرائيلي في المنامة ليكون ضابط الاتصال مع القيادة المركزية الأمريكية، الأسطول الأمريكي الخامس.
ولأن الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية وصواريخ كروز الإيرانية تهدد عددًا متزايدًا من الدول في الشرق الأوسط، فقد نما الطلب على قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلية أيضًا التي تخضع لسياسات صارمة بخصوص مشاركة أنظمة الأسلحة المتقدمة خوفاً من تسرب التكنولوجيا، لكن الاتجاه العام يصب في استخدام تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية، بدلاً من أنظمة الولايات المتحدة، حيث تأمل إسرائيل أن تتطور الشراكة الدفاعية الإقليمية ضد التهديدات الجوية والصاروخية الإيرانية إلى تحالف دفاع جوي في الشرق الأوسط.
عملياً وبالأرقام وعلى الصعيد الاقتصادي يظهر أن إسرائيل والإمارات عززتا شراكتهما في التعاون الاقتصادي، بشكل كبير إذ تجاوزت التجارة الثنائية الإسرائيلية الإماراتية في عام 2021 المليار دولار بينما كانت 180 مليون دولار فقط في عام 2020، والآن يخططان لإبرام اتفاقية تجارة حرة هذا العام، والتي تقدر مؤسسة RAND أنها ستضيف 0.8٪ إلى الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات على مدى العقد المقبل. كما تتوقع مؤسسة RAND أن تؤدي اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع البحرين والمغرب والسودان والإمارات إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنسبة 2.3٪ خلال العقد المقبل.
لطالما تخلف الشرق الأوسط عن كل منطقة أخرى في العالم تقريبًا في مقياس التكامل الاقتصادي الإقليمي، ففي أوروبا مثلاً 66٪ تقريباً من التجارة تتم بين البلدان الأوروبية بينما لا تتجاوز النسبة الـ 13٪ في الشرق الأوسط.
حالياً يجري تعديل هذه النسبة ولكن بمشاركة محورية من إسرائيل، حيث ستضيف اتفاقية التجارة الحرة متعددة الأطراف بين البحرين وإسرائيل والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة ما يقدر بنحو 2-3٪ إلى إجمالي الناتج المحلي، وهذه أرقام كبيرة جداً بالمفهوم الاقتصادي والتنموي سيكون لها أثرها على موازين القوى في الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد العسكري وبقدر ما تحاول الإمارات عدم تصوير شراكتها مع إسرائيل على أنها استهداف لمنافسيها أو أعدائها الإقليميين إلا أن إسرائيل لا تخفي أبداً تصورها المتعلق بضرورة انعكاس هذه الشراكة إلى تعاون أمني واسع ومفتوح ضد التهديدات (المشتركة) كما تصفها إسرائيل، وبالفعل في أكتوبر 2021، ولأول مرة، حضر قائد سلاح الجو الإماراتي مناورة “العلم الأزرق” الإسرائيلية متعددة الأطراف بصفة مراقب، ولاحقاً بعد أن هاجمت مليشيا الحوثي العاصمة في يناير 2022 عرضت إسرائيل تقديم مساعدة “أمنية وعسكرية” لأبي ظبي، وكل هذا يأتي بعد وقت قصير إضافة إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، الأمر الذي سمح بمشاركة إسرائيل في تمرين القيادة المركزية الأمريكية في نوفمبر 2021 والذي شمل أيضًا البحرية البحرينية والإماراتية. ما يفسح المجال أمام الضباط الإسرائيليين والعرب لبناء علاقات في كليات الأركان والقواعد الإقليمية والعمليات التي تديرها واشنطن.
كل ما سبق يشير إلى حقيقة مهمة مفادها أنه وبالرغم من تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل هو أحد الركائز الأساسية للأمن القومي الإسرائيلي إلا أن تقليص النشاط الأمريكي في الشرق الأوسط لن يؤدي بالضرورة إلى إضعاف إسرائيل، لإن شركاء وحلفاء الولايات المتحدة وأصحاب المصالح معها مستعدون للتعامل مع إسرائيل والتنسيق معها لمواجهة التهديدات وسد أي فراغ يمكن أن يترتب على التموضع الجديد للولايات المتحدة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ أهم أوجه دعم الولايات المتحدة لإسرائيل هي في حقيقتها مستقلة عن المعطى المتعلق بحجم القوات العسكرية الأمريكية وعن استعداد واشنطن لاستخدامها من عدمه،
توجد ركيزتان من أركان السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل لا علاقة لهما بالانتشار العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الأولى هي الدعم السياسي الكبير من طرف الولايات المتحدة لإسرائيل واستخدامها حق النقض والذي بدونه ستواجه إسرائيل على الأرجح تجريماً دولياً غالبًا ما تدعمه الصين وروسيا، كما هو الحال في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. والثانية التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على ما يسمى بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل، مما يعطي إسرائيل القدرة على مقاومة الضغط عليها من خلال الوصول إلى الصناعات والتقنيات الأمريكية المتطورة. وهكذا، فإن قوة الدفاع الإسرائيلية المتقدمة، وقدرات الردع الراسخة، والدعم الاستراتيجي الأمريكي تستمر في دعم وضعها الأمني حتى مع تقليص واشنطن تركيزها على الشرق الأوسط، وهو ما يمكّن إسرائيل من خوض معاركها دون أن تعتمد بشكل مباشر على الولايات المتحدة أو على قوات أي دولة صديقة أخرى لحمايتها.
ومن هنا فإن التزام الولايات المتحدة بمواجهة التهديد الإيراني لإسرائيل يظل بالغ الأهمية، بغض النظر عن حجم التواجد الأمريكي في المنطقة، فدعم واشنطن القوي لإسرائيل ضروري في مجلس الأمن والمحافل الدولية لموازنة القوى العظمى الأخرى، وضمان الردع الشامل لإسرائيل. ودعم التحالفات الإقليمية الجديدة لإسرائيل، وتعزيز الموقف الإقليمي لإسرائيل.
علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة مبنية على أساس متين على مدى عقود من العلاقات الوثيقة والثقة المشتركة بين القادة والمسؤولين. كما أنها تستند أيضاً إلى علاقات قوية بين الشعوب، وهذا يتضمن وجود أكبر جالية يهودية في العالم في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التغييرات في المنطقة والقوى الصاعدة وحركات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتغيرات الداخلية في كلا المجتمعين اليهودي والأمريكي كلها عوامل تتحدى تلك العلاقة على المستوى الرسمي والشعبي.
ستستمر كل من إسرائيل والولايات المتحدة على المدى القصير والمتوسط بالتنسيق معًا لمنع صعود أي قوة مناهضة للاحتلال الإسرائيلي من خلال تعزيز البدائل العسكرية المحتملة في حال لم تتمكن القوى الغربية من التوصل لاتفاق دبلوماسي مع إيران.
ولكن على المدى البعيد فإن إسرائيل والولايات المتحدة تكيفان نفسيهما لمواجهة التحديات بطريقة تلعب فيها الولايات المتحدة دورًا أقل نشاطًا في الشرق الأوسط، وتمارس فيها القوى الإقليمية والقوى العالمية الأخرى التي تنخرط بشكل متزايد في الشرق الأوسط دوراً أكبر في ضبط الأوضاع.
وهذا يعني أن إيران سيكون لديها الدافع والمساحة لتوسيع دورها في المنطقة وستعزز من تحركاتها ونشاطها في دول الإقليم، وفي نفس الوقت سيدفع هذا الوضع اللاعبين الإقليميين للتوجه أكثر نحو إسرائيل بتقنياتها المتقدمة وأصولها الاقتصادية، لعقد شراكات ثنائية وإقليمية مدعومة من الولايات المتحدة، وكل هذا سيأتي على حساب قضايا شعوب المنطقة وطموحاتها في التحرر والحكم الرشيد حيث تأمل الأنظمة الحاكمة استثمار الثناء والقبول الدولي الذي يأتي من تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي لفرض نفسها وصرف الانتباه عن هذه القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي يتدهور الاهتمام الدولي بها منذ فترة.
اشترك في القائمة البريدية لمركز إدراك لكي يصلك كل جديد
مصادر
- The End of the Middle East | Foreign Affairs
- Axis of Abraham | Foreign Affairs
- Israel’s New Strategy | Foreign Affairs
- سياقات وتبعات قرار ضم “إسرائيل” إلى القيادة الأميركية العسكرية الوسطى idrak – إدراك
- حان الوقت لإنهاءِ “العلاقة الخاصّة” مع إسرائيل idrak – إدراك
- How Biden Can Rebuild U.S. Ties With the Gulf States