نشرت مؤسسة “كونراد أديناور” دراسة تناولت فيها آخر تطورات المشهد الإيراني خاصةً إثر فوز روحاني بولاية جديدة. وتطرّقت الدراسة إلى التحديات التي يواجهها روحاني بعد نجاحه في الظفر بكرسي الرئاسة، وذلك إثر معركةٍ انتخابيةٍ حامية الوطيس.
يوم الأحد الماضي، وبعد أن أغلقت مكاتب الاقتراع في إيران أبوابها، أشارت معظم استطلاعات الرأي إلى التقدم المريح للرئيس حسن روحاني في النتائج. والجدير بالذكر أن نسبة المشاركة خلال هذه الانتخابات بلغت قرابة 73 بالمائة، حيث أدلى حوالي 41.22 مليون مواطن بأصواتهم من مجموع 56.41 مليون ناخب مسجل في القوائم الانتخابية.
وفي مدينة طهران، بلغ عدد المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم حوالي 5.7 مليون، في حين شارك حوالي 2.3 مليون ناخب فقط في الانتخابات الرئاسية السابقة التي انعقدت سنة 2013. وقد حظي روحاني بنسبة 57.13 بالمائة من مجموع الأصوات، إذ أنّ قرابة 23.549.616 ناخباً صوّتوا لفائدة هذا المرشح الإصلاحي. في المقابل، صوّت ما يقارب 15.786.449 شخصاً لصالح رجل الدين “إبراهيم رئيسي” وبالتالي حاز على 38.30 بالمائة من أصوات الناخبين.
ونتيجة لذلك، حقق روحاني فوزاً ساحقاً مقارنةً بالانتخابات الرئاسية سنة 2013، حيث حصد الرئيس الإيراني، آنذاك، قرابة 18.613.329 صوتاً بنسبة تصويت تقدر بحوالي 50.71 بالمائة. من جهةٍ أخرى، حقق المرشحان “مير سليم” و”مصطفى هاشمي طبا” نتائج ضعيفةً للغاية، حيث لم تتجاوز نسبة التصويت لهما عتبة 1.16 بالمائة.
في الواقع، انخرط في خضم هذا السباق الانتخابي ستة مرشحين استقال أربعة منهم لفائدة روحاني ورئيسي، اللذان خاضا منافساتٍ محتدمةً فيما بينهما. ففي 15 أيار/مايو الماضي، سحب عمدة طهران “محمد باقر قاليباف”، ترشحه لينضم للحملة الانتخابية لرئيسي، فيما أعلن نائب الرئيس “إسحاق جهانغيري”، في 16 أيار/مايو، عن انسحابه ليعلن عن مساندته لروحاني.
في الوقت ذاته، دعا “مصطفى هاشمي طبا” إلى انتخاب روحاني، لكنه لم يسحب ترشحه، مع العلم أنه قد حاول سابقاً الفوز بكرسي الرئاسة في سنة 2001، إلا أنه احتل المرتبة العاشرة إثر صدور نتائج الانتخابات. أما بالنسبة لقاليباف، فيعدّ ترشحه للانتخابات الرئاسية لهذه السنة الثالث من نوعه على الرغم من أن القانون الانتخابي لا يسمح بالترشح لأكثر من مرتين.
شهدت الحملات الانتخابية الكثير من التجاوزات
في الواقع، كانت الحملات الانتخابية حامية الوطيس، مع العلم أنها شهدت العديد من التجاوزات بشكل فاق كل التوقعات. وفي الأثناء، قامت وسائل الإعلام بإجراء ثلاث مناظراتٍ جمعت المرشحين الستة.
والجدير بالذكر أن ترشح القاضي “إبراهيم رئيسي”، قد خلق جدلاً واسعاً على الساحة السياسية الإيرانية، نظرا لتورّطه في سلسلةٍ من أحكام الإعدام الجماعيّ في حقّ الآلاف من المعارضين سنة 1988. فقد كان رئيسي عضواً في لجنةٍ مكونةٍ من أربع قضاة قامت بإصدار أحكام جائرة طالت أعداداً كبيرةً من الإيرانيين. وفي هذا الإطار، أفادت منظمة العفو الدولي أن سلسلة أحكام الإعدام الجماعي، التي كان لرئيسي يدٌ فيها، قد أودت بحياة حوالي 4000 شخصٍ على امتداد أكثر من خمسة أشهر.
في الحقيقة، تعتبر هذه الموجة من الأحكام الجائرة من أكثر الفترات المظلمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن المثير للاهتمام أن أحكام الإعدام قد شملت في ذلك الوقت مسؤولين في الدولة على غرار نائب المرشد الأعلى “حسين علي المنتظري” وذلك نتيجة لاختلافه مع السلطات الإيرانية فيما يتعلق بالعديد من المسائل. وقد أهلته مواقفه الصلبة ليصبح رمزاً من رموز الحركة الإصلاحية في إيران. وإثر مرور سبع سنوات من وفاة المنتظري، نشر ابنه أحمد أحد خطاباته على شبكة الإنترنت، الأمر الذي دفع السلطات لاعتقاله في آب/أغسطس سنة2016 وسجنه لمدة 21 سنة.
قبل أربعة سنوات، وخلال حملته الانتخابية، دعا “حسن روحاني” إلى التحرر السياسي والانفتاح على الغرب على الرغم من المعارضة الشديدة التي لقيها من المعسكر المتشدد.
في المقابل، وخلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد، تزايدت أحكام الإعدام الجماعي، في حين تم وضع القياديين في التحرك الأخضر الإيراني والمرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية سنة 2009، “مير حسن موسوي” و”مهدي كروبي” تحت الإقامة الجبرية. وعلاوةً على ذلك، أصبحت وسائل الإعلام تتجنب الحديث عن الرئيس الإيراني الأسبق، “محمد خاتمي” الذي كان يحمل توجهات إصلاحية.
في الوقت الراهن، تحتاج الثورة الإيرانية إلى مراجعةٍ شاملةٍ من شأنها أن تمهّد الطريق أمام تغيير الثقافة السياسية في إيران بشكل يتماشى مع طموحات الشباب الإيراني.
الإصلاحات الداخلية
ركز “حسن روحاني” خلال حملته الانتخابية على الإصلاحات الداخلية، الأمر الذي أثار إعجاب العديد من النساء الإيرانيات اللاتي صرن يحضرن اجتماعات مرشحهن المفضل بشكلٍ مكثف. علاوةً على ذلك، تطرّق الرئيس الإيراني إلى قضية الاتفاق النووي الذي يعد من أبرز إنجازاته.
خلافاً لذلك، يعتبر الملف النووي الإيراني السبب المباشر في اعتماد سياسة الانعزال خلال عهد الرئيس السابق “محمود أحمدي نجاد”. وفي السياق ذاته، مثلت عودة إيران إلى المجتمع الدولي والاعتماد على سياسة المفاوضات بالنسبة لمعظم الإيرانيين نقطة التحول الأبرز على الساحة السياسية، التي من شأنها أن تعزز العلاقات الدبلوماسية لبلادهم مع بقية الدول في العالم.
في واقع الأمر، يسعى روحاني إلى دعم مصداقية بلاده في صلب المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار، انتقد الرئيس الإيراني التجارب الصاروخية التي أجرتها بلاده سنة 2016. كما لم يتوان روحاني عن توجيه بعض الملاحظات شديدة اللهجة للجيش الإيراني، خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي أثار اهتمام الدول الغربية.
إلى جانب ذلك، أدّى رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 6.4 بالمائة وانخفاض نسبة التضخم إلى 8.6 بالمائة، فضلاً عن ازدهار العلاقات التجارية وانفتاح السوق الإيرانية نحو شركاء جدد.
من جهتهم، انتقد كل من “قاليباف” و”رئيسي” سياسة “روحاني” في إطار تعاطيه مع مختلف أطياف المجتمع الإيراني. وفي هذا الصدد، أورد “قاليباف” أن “سياسة روحاني موجهة نحو 4 بالمائة فقط من الشعب الإيراني”. ولكن في الحقيقة، استفاد المعسكر المتشدد من 110 اتفاقية اقتصادية أبرمت خلال عهد روحاني التي أمنت قرابة 80 مليار دولار أمريكي للجمهورية الإيرانية.
من جهةٍ أخرى، ارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب وأصحاب الشهادات العليا إلى قرابة 12 بالمائة. وعلى الرغم من أنّ روحاني لم ينجح في تنفيذ معظم وعوده الانتخابية، إلا أنّه يحظى بشعبيةٍ واسعة لدى الشباب، الأمر الذي يؤكد أنّ الناخب الإيراني لا ينتظر نهضة اقتصادية في بلاده. والجدير بالذكر أن الإيرانيين لا يعيرون أيّ اهتمامٍ للوعود الشعبوية للمرشح المتشدد، “إبراهيم رئيسي”.
لا يوجد أي توافق حول هوية خليفة خامنئي
قد يعقّد فوز روحاني بولايةٍ جديدةٍ مهمّة تزكية خليفةٍ للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية “علي خامنئي” علماً أنّ اسم رئيسي مطروحٌ لتقلّد أهم منصب في إيران. في الواقع، لم تحدّ هزيمة رئيسي في الانتخابات الرئاسية من حظوظه في خلافة خامنئي، خاصةً وأنّ رئيسي يعد عضواً في مجلس خبراء القيادة الذي يتكفل بتعيين المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات المحافظة تسيطر على هذا المجلس منذ الانتخابات الداخلية التي شهدها سنة 2016. وقد عيّن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية رجل الدين “إبراهيم رئيسي” سنة 2016 في منصب مدير مكتبة “آستان قدس رضوي” المركزية بمدينة مشهد.
في الحقيقة، نادت العديد من الجهات الإيرانية بمراجعة نظام ولاية الفقيه منذ وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية “روح الله الخميني” لاسيما وأنّ بعض الأطراف ترى أنّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الحالي غير قادر على الاضطلاع بمهامه على أكمل وجه.
عقب فوز روحاني بولايةٍ جديدة، وجّه خامنئي خطاباً للشعب الإيراني قال فيه إن “الفائز في الانتخابات الرئاسية هو مرشح الشعب الذي تمكن من الظفر بالسلطة على الرغم من كل العراقيل التي واجهته”.
عموماً، يكرس فوز روحاني بولايةٍ جديدة النهج الإصلاحي الذي تتبناه إيران في الوقت الحالي.
المصدر: مؤسسة كونراد أديناور
الرابط: http://www.kas.de/wf/doc/kas_48964-544-1-30.pdf?170522145223
