ينجح مجلس التعاون الخليجي كثيراً في تحقيق الغاية منه ومن مسماه في كثير من الأحيان – على الأقل حينما تكون ظروف السياسة الخارجية مواتية. فبقيادة مركزة من السعودية والإمارات – وقطر إلى حد ما – تملك الكتلة رؤية استراتيجية مشتركة للوحدة والقوة وضمان أمن منطقتها على الساحة العالمية. ورغم توافق دول المنظمة على هذه الأهداف المحددة للسياسة الخارجية، إلا أنها تميل إلى تحقيق أهدافها بشكل مختلف، مستخدمة مجموعة من العلاقات الدبلوماسية والتجارية والأمنية وفق ما يتناسب مع مصلحتها الفردية حتى عندما يقتصر الأمر على التعامل مع نفس البلد. وينطبق نفس الأمر على التعامل مع منطقة شمال افريقيا التي تمثل منطقة مخاطر وفرص في آن معاً لدول الخليج.
ينبع اهتمام دول الخليج في منطقة شمال افريقيا من أساس منطقي واضح للغاية. فدول الخليج مضطرة لتحسين علاقاتها مع هذه الدول لأغراض أمنية. وتسعى دول الخليج إلى تثبيت قواعدها هناك وتعزيز علاقاتها العسكرية مع هذه الدول بما يتيح لدول الخليج طبقة حماية إضافية من الهجمات العسكرية التقليدية. (بدأت الإمارات في تطوير منشآت عسكرية في ارتيريا). علاوة على ذلك، يعطي الصراع في اليمن دول الخليج سبباً لفرض رقابة أكبر على دول مثل إرتيريا والسودان والصومال، والتي تجري عبرها عمليات واسعة لتهريب الأسلحة والمقاتلين للمنطقة بشكل عام. وقلق آخر يعيش في عقلية دول الخليج مرتبط بأن غيابها عن هذه البلدان الافريقية سيفتح المجال أمام إيران – منافسها الشيعي- للسيطرة والتوغل هناك.
وتعد الزراعة سبباً آخر يدفع دول الخليج للاهتمام في منطقة شرق أفريقيا. فعبر البحر الأحمر ترى الدول العربية مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة والتي يمكن أن تغذي الناس عدا عن توفير العاملين اللازمين لذلك. وتحقيقاً لذلك، وجهت السعودية والإمارات أولويات استثمارها نحو الجانب الزراعي في المنطقة. وسبق للرياض أن مولت مشاريع زراعية في السودان لبعض الوقت، خاصة تلك المرتبطة بالماشية والفواكه والخضار. وقام مسؤولون سعوديون مؤخراً بزيارة لإثيوبيا خصصت لمناقشة الاستثمار في الثروة الحيوانية. وخلال المنتدى الذي عقد في مايو 2015 في أبو ظبي، ناقش المسؤولون الإماراتيون والسودانيون سبل مضاعفة الاستثمارات الإماراتية في السودان 3 مرات وخاصة الزراعية منها. (قطر كذلك استثمرت مؤخراً بشكل في قطاعات الزراعة والسياحة في السودان).
عقبات يمكن التغلب عليها
على الرغم من بساطة أسس منطق استراتيجية دول الخليج في افريقيا، إلا أن الديناميات الداخلية في منطقة شمال شرق افريقيا تشهد اختلافاً في التنفيذ. فمصر على سبيل المثال، والتي تحتوي على النيل – أهم مصدر للمياه- والذي يربط مصر ويوفر لها مصدراً أساسياً للمياه من أجل البقاء. لكن مسألة الوصول إلى المياه واستخدام مياه النيل حرض مصر ضد دول المنبع وخاصة أثيوبيا التي يمر عبرها 59% من المياه المتدفقة في نهر النيل. وتوترت العلاقة المصرية – الاثيوبية كثيراً بعد أن شيدت أديس أبابا سد النهضة والذي من شأنه أن يؤثر كثيراً على امدادات المياه في مصر.
وهناك نزاعات أخرى مندلعة في المنطقة، فالعلاقة المتوترة بين اثيوبيا وارتيريا – لم يكن مفاجئاً، خاصة وأن ارتيريا تمكنت من انتزاع استقلالها من اثيوبيا مطلع التسعينات.
العقبات التي أنشأتها هذه الظروف غير عصية على الحل، لكنها تشكل تحديات هامة بالتأكيد. فالاستثمارات السعودية الزراعية في السودان واثيوبيا سيؤدي إلى زعزعة علاقة الرياض بمصر. فالماء هنا سلعة نادرة ومن غير المتوقع أن لا يشكل نقطة خلاف كبيرة هنا. هذا عدا عن أن تطوير منشآت عسكرية إماراتية في اريتريا وسعي السعودية لتحسين علاقاتها الاقتصادية مع اثيوبيا سيتسبب في خلق صراع مبطن بين هذه الدول.
هذا لا يعني أبداً أن أيا من الرياض أو أبو ظبي قد تتجهان لدعم دولة ضد أخرى أن وصلت الأمور إلى لحظة الحسم، لأن هذا من شأنه أن يتعارض مع مصالحهم. كما أنها ليست مهتمة في التورط في صراع من شأنه ان يكلفها الكثير من الوقت والمال الذي بإمكانها أن تنفق في أماكن أخرى وعلى نحو أفضل.
لكن هذا الوضع يدل على مدى الصعوبات التي تواجهها السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه منطقة شرق افريقيا. فدول السعودية والإمارات تشعر بضرورة الوصول إلى علاقة أفضل مع مصر على سبيل المثال، خاصة وأن أغلب سكانها من السنة، لكن الواقع يشير إلى امتلاك أبو ظبي لعلاقة مميزة بالقاهرة مقارنة بجارتها الرياض. فالحكومة المصرية لم تبد استعدادها للاستسلام لمطالب الرياض في السياسة الخارجية. وتختلف مصر مع السعودية حول دعم الإسلاميين، حيث تبدي الرياض استعداداً أكبر لتقبل الأمر حال وجود فرصة للاستفادة كما هو الحال في اليمن. أما الإمارات، فقد كانت صاحبة دعم ثابت لمصر، خاصة عندما يتعلق الأمر في تعامل السلطات المصرية مع الإسلاميين في الداخل وفي بلدان أخرى مثل ليبيا. وهذا ما يفسر سبب العلاقة الدافئة بين البلدين منذ عام 2013.
دلالة على الأهمية
حتى الآن، استمت استراتيجية دول الخليج بالنجاح النسبي بعض الشيء. ففي حين امتلكت كل من السودان والسعودية علاقة اقتصادية قوية منذ فترة طويلة، إلا أنها كانت تتجه نحو إيران لتأمين احتياجها الأمني لكن الأمر لم يعد كذلك الآن. فبعد أن بدأ الصراع في اليمن، تمكنت السعودية من إقناع السودان في الانضمام إلى ائتلاف الرياض. وعبر ضم الخرطوم لائتلافها تمكنت الرياض من إضافة قات إضافية إلى حلفها والأهم من ذلك أنها ساهمت في تعطيل عمليات التهريب الإيرانية على طول الساحل السوداني، وبالمثل تمكنت الإمارات من سحب ارتيريا من مجال النفوذ الإيراني وهذه نقطة قوة كافية بحد ذاتها.
وهكذا نجحت دول الخليج في خلق هيكل تحالف فضفاض في مناطق شمال شرق أفريقيا، وهو تحالف من شأنه أن يوهن الخصوم ويساهم في تقوية دول الخليج. ورغم وجود فرصة للصراع والتصدع في ثنايا هكذا تحالف، خاصة وأنه يتشكل من دول تملك فيما بينها مصالح متباينة، إلا أنه يوجد هناك إمكانية للوصول إلى الهدوء والاستقرار وإن كان الأمر بعيد المنال. وفوق كل هذا، إن تمكن التحالف من اقناع دول مصر واثيوبيا أن الفوائد الاقتصادية للسلام تفوق تكلفة الصراع، يمكن لهذا التحالف أن يخلق نوعاً من الاستقرار بين هذه الدول.
وفي كلتا الحالتين، فمن غير المرجح أن تنتهج دول الخليج استراتيجية مختلفة في هذه المنطقة. وبدلاً من صياغة سياسة موحدة لهذه الدول، ستستمر السعودية والإمارات في العمل على إيجاد علاقات ثنائية في كل بلد منها، حتى عبر التفاوض او الاستثمار مع المحافظة على جوانب مختلفة من المنافسة التاريخية. وبرغم كل هذه الإشكاليات المتوقعة، إلا أن دول الخليج ستستمر في سعيها لتحقيق علاقة مثالية مع منطقة شرق افريقيا في دلالة واضحة على مدى أهمية المنطقة لهذه الدول.
هذه المادة مترجمة من موقع ستراتفور، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا