خلال السنوات الأخيرة، بات تحليق الطائرات من دون طيار المزودة بأسلحة مشهداً مألوفا في سماء الشرق الأوسط، لا سيما في مناطق الحروب على غرار العراق وليبيا وسوريا واليمن. ولكن عوضا عن استخدام التكنولوجيا المتقدمة الغربية، صُنعت هذه الطائرات المسيرة بمزيج من المكونات المستوردة من الصين وبعض البدائل المحلية، التي تنشرها القوات المسلحة المحلية.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية دولة رائدة على الصعيد العالمي في مجال تكنولوجيا الطائرات من دون طيار العسكرية، ولكنها تفرض قواعد صارمة على الدول المسموح لها باقتناء مثل هذه الأسلحة، مما أجبر دول الشرق الأوسط إما على تطوير الطائرات التي تملكها أو البحث عن مصادر أخرى بديلة. وقد استفادت الصين من هذه الوضعية.
يعزى ذلك جزئياً إلى أن سعر هذا النوع من الطائرات منخفض نسبياً في الصين. وقد أعربت الحكومة الصينية عن استعدادها لبيع هذه الطائرات لأي دولة ترغب في الحصول عليها. وفي ورقة بحثية نشرها المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، وهو مركز فكر بريطاني يُعنى بالقضايا العسكرية والأمنية، بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر، وُصف المنهج الذي تتبعه بكين بشأن مبيعات الطائرات من دون طيار بأنه من ضمن الأمور “غير القابلة للمساءلة”.
حتى تلك الدول التي لطالما كانت تفضل المعدات العسكرية الغربية لجأت إلى بكين، بعد أن رفضت واشنطن تزويدها بهذه الطائرات. فعندما رفضت الولايات المتحدة تزويد الأردن، مثلا، بطائرات من دون طيار استطلاعية من طراز “بريداتور أكس بي” سنة 2015، اتجهت الحكومة الأردنية نحو الشرق، حيث اشترت في السنة الموالية طائرتين من دون طيار من طراز CH-4B من شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية.
وحصل نفس الأمر مع دول أخرى في المنطقة، مثل العراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا. فعندما لم تسمح الحكومة الأمريكية للعراق بشراء طائرات من دون طيار من طراز MQ-1 أو MQ-9، اقتنت ما لا يقل عن ثلاث طائرات من طراز CH-4B صينية الصنع. ومنذ ذلك الحين، استخدمت وزارة الدفاع العراقية هذه الطائرات لمحاربة قوات تنظيم الدولة. كما اشترت كل من السعودية والإمارات طائرات مسيرة من الصين أيضا.
وفقا للمعهد الملكي للخدمات المتحدة، اشترت المملكة العربية السعودية خلال سنة 2014 طائرتين من دون طيار من طراز CH-4 من شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية، ناهيك عن خمس مركبات قتال جوي مسيرة من طراز وينغ لونغ II، المعروفة بكبر حجمها وفعاليتها، المصنعة من قبل “مجموعة تشنغدو” لصناعة الطائرات.
استخدمت الرياض هذا الصنف من الطائرات في حربها في اليمن، حيث تمركز عدد منها في القواعد الجوية الموجودة في شرورة وجيزان بالقرب من حدودها. ولكن، من المرجح أن معظم الهجمات التي نفذتها الطائرات من دون طيار في اليمن نفذتها إما الولايات المتحدة أو الإمارات. وقد فُقدت بعض هذه الطائرات في خضم الصراع الدائر في اليمن، حيث تحطمت طائرة من طراز CH-4 في شهر آب/ أغسطس من السنة الحالية، في حين فُقدت طائرة أخرى في الشهر الموالي. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه الطائرات سعودية أو إماراتية.
يشمل أسطول الطائرات من دون طيار الذي تملكه الإمارات، طائرات من طراز وينغ لونغ ووينغ لونغ II المصنّعة من قبل “مجموعة تشنغدو” لصناعة الطائرات. وقد بادرت أبوظبي بشرائها بعد أن رفضت الولايات المتحدة مدّها بطائرات قتالية من دون طيار أمريكية الصنع. ووفقاً لتقرير صادر عن فريق خبراء من الأمم المتحدة، فإنه إلى جانب استخدامها في حربها في اليمن، يبدو أن الإمارات قد نشرت طائراتها من دون طيار المزودة بأسلحة في ليبيا لدعم قوات خليفة حفتر، وفي ذلك خرق للحظر الدولي المفروض على الأسلحة في البلاد.
طائرات من دون طيار محلية الصنع
عندما لم تسمح الولايات المتحدة لتركيا بالحصول على طائرات من دون طيار من طراز “إم كيو-1 بريداتور” سنة 2008، لجأت أنقرة في البداية لإسرائيل واشترت طائرات استطلاعية من طراز هيرون تي بي. وفي السنوات الأخيرة، عزمت تركيا تطوير صناعتها المحلية في هذا المجال. وقد تمكنت حتى الآن من تطوير طائرتين من دون طيار: “أنكا-أس”، التي تصنعها الشركة التركية لصناعات الفضاء، و”بايراكتار تي بي 2” من شركة كايل-بايكار. أما النموذج الثالث، “كارايل”، الذي طورته شركة فيستل للصناعات الدفاعية، فمن المرجح أنه لا يزال في طور الاختبار. وفي الواقع، استخدمت القوات التركية طائرة “بايراكتار تي بي 2” خلال هجماتها ضد حزب العمال الكردستاني في تركيا، فضلا عن المناطق الكردية المتاخمة لسوريا.
وفي الوقت الحالي، تسعى العديد من الدول الأخرى لتطوير قدراتها في مجال تصنيع هذا الصنف من الطائرات، حيث تلعب الصين أحيانا دورا في ذلك. فخلال سنة 2017، وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية ترخيص مع شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية لتصنيع طائراتها في المملكة.
وتعتبر إسرائيل أكبر مشغل إقليمي للطائرات من دون طيار. وغالبا ما تستخدم القوات الإسرائيلية الطائرات من دون طيار للقيام بمهام استخباراتية والمراقبة والاستطلاع. ومع ذلك، تملك إسرائيل ما لا يقل عن ثلاثة أنواع من الطائرات الهجومية المسيرة، التي نفذت بها ضربات على غزة، ومن المرجح أنها استخدمتها أيضا في كل من مصر ولبنان والسودان وسوريا. ويتم تصنيع هذه الطائرات من طراز “هيرون تي بي” من قبل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وهرماس 450 وهرماس 900، وكلاهما من إنتاج شركة أنظمة إلبيط.
حسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة، تعدّ إسرائيل من أهم المصدرين النشطين في هذا المجال في المنطقة، حيث زودت عملاءها بـ 165 طائرة من دون طيار خلال العقود الثلاثة الماضية. ومع ذلك، كانت أغلب الأطراف التي استفادت من صفقات بيع هذه الطائرات من خارج المنطقة، باستثناء تركيا. فضلا عن ذلك، تعتبر إيران هي الأخرى من ضمن البلدان التي تمكنت من تطوير قدرات هائلة في مجال تصنيع الطائرات من دون طيار، في الوقت الذي كانت تعاني فيه من عزلة كبيرة عن الموردين الدوليين.
إلى جانب الطائرات من دون طيار الاستطلاعية، نجحت إيران في تطوير نوعين من الطائرات المسيرة القتالية محلية الصنع: المقاتلة “شاهد 129” المصنعة من قبل شركة شاهد للصناعات الجوية، والطائرة التي تم الكشف النقاب عنها مؤخرا “مهاجر6″ المصنعة من قبل شركة قدس للصناعات الجوية. ويشبه تصميم طائرة ‘شاهد 129” إلى حد كبير الطائرة الإسرائيلية “هرماس 450″، ما يحيل إلى أن إيران تمكنت من الاطلاع عليها ربما من خلال إجراء هندسة عكسية للطائرة التي فُقدت في مهمة سرية. وبالنسبة لإيران، تتلاءم الطائرات من دون طيار، التي طورتها للتعويض عن القدرات المحدودة التي تمتلكها قواتها مقارنة بقدرات خصومها، مع مبدأ الحرب غير المتكافئة الذي تعتمده.
الانتشار المستقبلي
من حيث العدد الإجمالي، لا تشكل الطائرات من دون طيار سوى عنصر صغير من الترسانات العسكرية للدول في الشرق الأوسط. ووفقا للمعهد الملكي للخدمات المتحدة، قامت سبع دول، من بين الدول التي شملها التقرير، بصناعة ما بين 128 و174 طائرة من دون طيار واستيراد حوالي 23 طائرة من هذا الصنف من الصين. ومع ذلك، من المرجح أن تصبح هذه الطائرات في المستقبل أكثر الأجهزة المستخدمة في عمليات المراقبة والهجمات. ومن بين المؤشرات الدالة على حجم العمليات التي ستقودها هذه الطائرات في المستقبل، إبرام المملكة العربية السعودية صفقة تهدف لشراء 300 طائرة من طراز “تشنغدو وينغ لونغ”.
وفي هذا الإطار، صرحت أنيسي بصيري تبريزي، الباحثة في المعهد الملكي للدراسات للخدمات المتحدة ومؤلفة مشاركة في التقرير، بأنه “من المرجح أن يستمر انتشار هذه الطائرات”. ومع تزايد انتشار وشيوع استخدام الطائرات من دون طيار، ستصبح عملية تطوير وسائل الدفاع للتصدي لها أكثر أهمية.
خلال هذا الصيف، زار وفد من المسؤولين الإماراتيين الشركات الفرنسية والفنلندية المتخصصة في صناعة الأنظمة المضادة للطائرات من دون طيار. وتتطلع الشركات الأوكرانية إلى بيع التكنولوجيا المضادة للطائرات من دون طيار إلى المنطقة. وفي شهر حزيران/ يونيو، ذكرت شركة “درون شيلد” الأسترالية أن بلدًا من الشرق الأوسط لم تذكر اسمه قد طلب شراء 70 من أنظمة الأسلحة المضادة للطائرات من دون طيار بقيمة 3.2 مليون دولار، التي تم تصميمها لصد الهجمات التي تنفذها الطائرات من دون طيار. وقد أكدت الشركة أن هناك المزيد من الطلبات “في طور الإعداد”.
بعد أن أدركت أنها خسرت أسواقا محتملة، أظهرت الولايات المتحدة دلالات جديدة تشير إلى عزمها على تغيير نهجها والتخفيف من قواعدها الصارمة. وفي نيسان/ أبريل، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن سياسة جديدة لتصدير أنظمة جوية مسيّرة قالت إنها ستزيل من خلالها العوائق أمام السوق العالمية “وتتجنب التنازل عن فرص التصدير لفائدة المنافسين، مبينة أن مثل هذه القيود التي فرضتها على نفسها لا مبرر لها”. ولكن حتى الآن، لم يؤد هذا القرار الجديد إلى عقد أي صفقات في الشرق الأوسط حسب ما تم الإبلاغ عنه.
ولكن في حال سنحت لها الفرصة لتغيير الجهات الموردة التي تتعامل معها في المستقبل، فإنه من المرجح أن تلجأ العديد من حكومات الشرق الأوسط لشراء الطائرات المسيّرة أمريكية الصنع. وفي الوقت الحالي، لا تسمح الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بدمج أنظمتها مع التكنولوجيا الصينية، بما في ذلك الطائرات المسيّرة التي تصنّعها. ولكن بالنسبة للإمارات والمملكة العربية السعودية التي تمتلك قوات جوية قائمة على الطائرات الغربية، فإن هذا يضعف من جدوى الطائرات من دون طيار الصينية.
وفي حين تواصل الحكومات في الشرق الأوسط تطوير قدراتها في هذا المجال، فإن القوى الخارجية لا تزال تعتبر من أكبر المستخدمين لهذا النوع من الطائرات في المنطقة وما حولها حتى الآن، لا سيما الولايات المتحدة التي استخدمتها على نطاق واسع في كل من باكستان واليمن والصومال لسنوات عديدة. ووفقًا لأحد التقارير التي صدرت مؤخرا، فقد شنت الإدارة الأمريكية الحالية 238 ضربة من طائرات من دون طيار في هذه البلدان خلال سنتي 2017 و2018.
المجلة: فوربس
الكاتب: دومينيك دودلي