الكتاب: عواقب الفوضى: أزمة سوريا الإنسانية وفشل الحماية
المؤلف: اليزابيث جي فيريس، كمال كيريسي
الناشر: مطبعة معهد بروكنجز
تاريخ الإصدار: 26 أبريل 2016
عدد الصفحات: 203
اللغة: الإنجليزية
(1)
أَجبَرت الحرب السورية- التي تتفق الصحف ومراكز الأبحاث الأجنبية على تسميتها “حربًا أهلية”- نحو 10 مليون نسمة، أي أكثر من نصف سكان البلاد، على ترك منازلهم، ما تسبب في واحدة من أكبر موجات النزوح البشري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
محنةٌ تشهد عليها عناوين الصحف اليومية، ومأساةٌ متفاقمة سواء داخل سوريا، أو في البلدان التي فرّ المدنيون إليها هربًا من الحرب. بيدَ أن عواقب الفوضى تتجاوز أعداد المشردين المتزايدة، لتشمل الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعيدة المدى، المترتبة على هذا التدفق الهائل من البشر.
يتفق الجميع سواء الدول المجاورة التي تستضيف آلاف أو حتى ملايين اللاجئين، أو الحكومات الغربية التي دعت إلى تقديم المساعدة المالية وحتى بناء منازل جديدة للاجئين، وأيضا المنظمات الإقليمية والدولية التي تكافح لتلبية مطالب الجميع من الغذاء والمأوى- كلهم يتفقون- على أن أزمة سوريا خلقت تحديات ساحقة. الأمرٌّ من ذلك، هو أن التحديات المتمثلة في إيجاد حلول للمشردين بسبب النزاع من المرجح أن تستمر لسنوات، وربما لعقود.
تثير أزمة النزوح السورية تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين العمل على حل النزاعات والمساعدات الإنسانية لمساعدة الضحايا، وتوضح حدود الاستجابة الإنسانية، حتى على نطاق واسع، لحل الأزمات السياسية.
كما أن الطبيعة الأزمة طويلة الأمد بشكل متزايد تبرز أيضا ضرورة ألا يقتصر تفكير المجتمع الدولي على المساعدات الإغاثية، وتبني سياسات تنموية لمساعدة اللاجئين في أن يصبحوا أعضاء منتجين داخل المجتمعات المضيفة.
(2)
نصف سكان سوريا مُشَردٌ إما في الداخل أو الخارج. ورغم مرور ستة أعوام على هذه الكارثة الإنسانية، لا يزال المجتمع الدولي يكافح لمواجهتها، في ظل موارد محدودة سواء لدى الحكومات المضيفة أو وكالات الإغاثة أو المنظمات غير الحكومية، وغيرها من الجهات الفاعلة.
في غياب حلول سياسية قابلة للاستمرار، لا نهاية تلوح في أفق الحرب، ولا يوجد ما يكفي من أموال لدعم النازحين الذين تتزايد أعدادهم باطراد، ويستبعد أن تتوافر حلول مستدامة في المستقبل.
وبناء على ذلك، أصبح النازحون السوريون- الذين لا ينبغي النظر إليهم باعتبارهم مجرد ضحايا بل ناجين- يتولون شؤونهم بأنفسهم: يغادرون سوريا بأعداد كبيرة، ويخوضون غمار رحلات خطيرة؛ التماسًا للأمان في مكان آخر.
(3)
يقترح الكتاب تطبيق نهجٍ عالميّ جديد من أجل سوريا، يجمع بين حكومات الدول المضيفة للاجئين، والأمم المتحدة، وغيرها من الوكالات الحكومية الدولية والهيئات الإقليمية والمنظمات الدولية غير الحكومية والجهات الفاعلة المحلية في المجتمع المدني والحكومات المانحة؛ لبحث واعتماد نظام جديد لتقاسم الأعباء.
ويركز هذا المقترح على ما يلي:
- إعادة التأكيد على مبدأ أن حماية اللاجئين هو مسئولية دولية.
- دعم نهج قانوني وسياسي مشترك لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة، يتضمن توفير فرص عمل.
- التشديد على إعادة التوطين باعتباره عنصرًا أساسيًا لحماية اللاجئين ومساعدتهم، مع تلبية احتياجات الأكثر ضعفا بشكل خاص.
- توفير منتدى للتفكير الإبداعي لإيجاد حلول للنازحين داخليا.
- إقامة علاقة جديدة بين الجهات الفاعلة الإنسانية والتنموية.
- إشراك الفاعلين في مجال التنمية مثل البنك الدولي بشكل أكثر فعالية.
- وضع الأساس لجهود إعادة الإعمار والإنعاش على المدى الطويل في سوريا.
ويرى المؤلفان أن تطوير هذا النهج العالمي الجديد من أجل سوريا يمكن أن يحدث عبر عملية تشاورية مع الجهات المعنية خلال فترة تتراوح ما بين ستة إلى 12 شهرًا.
وسيتم ذلك بقيادة مشتركة بين الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي، ويمكن أن يُتَوَّج باجتماع دولي أوائل عام 2007.
ويلفت المؤلفان الأنظار إلى عدم وجود نقص في الأفكار الإبداعية لتعزيز كل هذه العناصر، بدءًا من تعزيز التوطين وصولا إلى تعزيز تقوية التنسيق بين الوكالات الإنسانية والتنموية.
لكن التحدي الرئيس- كما هو الحال دائمًا- يتمثل في التنفيذ، بحيث تتولى عملية التطبيق طائفة من الجهات الفاعلة، تشمل الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية. وإذا نجح تنفيذ هذا النهج العالمي الجديد من أجل سوريا سوريا، يتوقع الكتاب أنه سيؤدي إلى نتيجتين مربحتين لجانبين:
– أولا وقبل كل شيء، للاجئين والنازحين السوريين،
– وأيضا للبلدان المضيفة الرئيسية وكذلك الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن المجتمع الدولي الأوسع.
(4)
هذا النظام الجديد الذي يجمع بين الإغاثة والمساعدات الإنسانية مع النهج التنموي قد يشكل هيكل إدارة أزمة اللاجئين على الصعيد العالمي الأوسع، فضلا عن إصلاح طريقة إدارة المنظومة الإنسانية على المستوى الدولي.
وبالفعل تم اتخاذ بعض الخطوات الأولية نحو تنفيذ هذا النهج:
– ففي مطلع شهر فبراير، شهد مؤتمر “دعم سوريا والمنطقة” في لندن تعهدات بتقديم أكثر من 11 مليار دولار.
– وفي مارس، عقدت المفوضية اجتماعا رفيع المستوى دعا الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى زيادة كبيرة في برامج إعادة التوطين الخاصة باللاجئين السوريين.
– أما الاتفاق الذي عقد في مارس الماضي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا فقد واجه انتقادات كبيرة، لكنه قد يمثل نقطة تحول من حيث المشاركة الإقليمية في هذه المسألة.
ومع ذلك، الأمر الذي لا يزال ناقصًا هو اتباع نهج شامل ومنسق بشكل جيد لمعالجة أزمة النزوح السورية، بالتزامن مع الجهود المبذولة لتثبيت التهدئة في سوريا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين، والضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع.
(5)
بعد الحرب العالمية الثانية، لعب علماء بروكنجز دورًا فعالا في مساعدة الولايات المتحدة على صياغة نظام عالمي، وبناء مجموعة من المؤسسات الداعمة، تشمل ما بات يُعرَف بـ خطة مارشال، تكريمًا لـوزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جورج مارشال.
اليوم، يستحضر برنامج السياسة الخارجية في بروكنجز هذا المنعطف التاريخي الهام لإطلاق سلسلة كتب جديدة، تحت عنوان “أوراق مارشال”، وجزء من مشروع “النظام من رحم الفوضى”.
هذه الكتب القصيرة تتيح أبحاثًا يمكن الوصول إليها حول الأسئلة الملحة على الساحة العالمية، تهدف إلى تحفيز النقاش بشأن الطريقة التي ينبغي على الولايات المتحدة والآخرين اتباعها لتعزيز نظام عالمي يواصل احتضان السلام والازدهار والعدالة.