دير الزور
تشمل محافظة دير الزور في سوريا أهم ولايات (محافظات) تنظيم الدولة؛ على غرار ولاية الفرات، وولاية البادية، وولاية الخير، ضمن نطاق جغرافي يمتد من جنوبي العراق إلى وادي نهر الفرات الأوسط في شرقي سوريا. وستكون هاتان الولايتان، أي ولاية الخير، وولاية البادية (التي تمتد من المناطق الواقعة غرب مدينة دير الزور باتجاه منطقة وادي نهر الفرات الأوسط إلى منطقة البوكمال)، فضلاً عن ولاية الفرات (التي تمتد من منطقة البوكمال في سوريا إلى مدينة القائم في العراق)، الهدف التالي لحملة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، تعد منطقة وادي نهر الفرات الأوسط الهدف الحالي للقوات الموالية لحكومة بشار الأسد، التي تتمتع بوجود كبير في المحافظة عن طريق السيطرة على مطار دير الزور وجزء كبير من المدينة. من جهة أخرى، يتقدم تحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من قبل الولايات المتحدة، بمساعدة مجلس دير الزور العسكري، نحو مدينة دير الزور.
وتجدر الإشارة إلى أن الحصار الذي فرضه تنظيم الدولة على المناطق التي يسيطر عليها الأسد في دير الزور، والتي تضم نحو 200 ألف شخص، بمن في ذلك المشردون داخلياً من المناطق الريفية في المحافظة، أدى إلى حدوث أزمة إنسانية كبيرة في ظل الحرب الأهلية السورية الحالية.
بالإضافة إلى ذلك لا يزال مصير سكان دير الزور على المحك؛ نظراً لأن حكومة الأسد وحلفاءها، وكذلك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، يستعدون لإجراء حملات منفصلة ضد تنظيم الدولة في المحافظة. وأفاد نشطاء محليون، قبل فترة من هذه الحملات العسكرية، أن عشرات الآلاف من المدنيين قد فرّوا من المحافظة، في حين يضطر البعض الآخر إلى دفع آلاف الدولارات في شكل رشا إلى ضباط تنظيم الدولة المحليين، أي من دير الزور، لتجنب اعتقالهم وإكراههم على الخدمة العسكرية، أو التعذيب. وكان سكان دير الزور يتعرضون، في بعض الحالات القصوى، للإعدام عند محاولتهم مغادرة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
وتقع دير الزور في المنطقة الشرقية الإستراتيجية من البلاد على الحدود مع العراق، وتبعد المحافظة نحو 500 كيلومتر عن دمشق. ويحدّها من الشمال الشرقي محافظة الحسكة، ومن الشمال الغربي محافظة الرقة، وأما من الغرب والجنوب فتوجد محافظة حمص. وتصل مساحة المدينة إلى نحو 33.060 كيلومتراً مربعاً (20.543 ميلاً مربعاً).
وكان قرابة 1.7 مليون شخص يعيش في دير الزور قبل الانتفاضة ضد حكومة الأسد في سنة 2011. في المقابل، وعلى مدى الحرب الأهلية السورية، من المحتمل أن هذا الرقم قد انخفض بشكل كبير، وذلك بحسب سكان المحافظة الذين شهدوا نزوح كثيرين من عدة قرى. والجدير بالذكر أن الاقتصاد المحلي والشبكات الاجتماعية في قرى ريف دير الزور بدأت تضعف حتى قبل سنة 2011.
وقد أصبحت العديد من القرى الصغيرة في المحافظة مجرد بلدة تابعة، يسعى معظم سكانها للحصول على فرصة اقتصادية في مدينة دير الزور. وقد أدى ذلك إلى تراجع عدد سكان هذه القرى على مدار السنة بشكل كبير، حيث انتقل كثير منهم، وخاصة الشباب، إلى مدن في غربي سوريا، مثل دمشق وحلب، وحمص، أو خارج سوريا، مثل لبنان ودول الخليج العربي.
من السمات الرئيسية لتضاريس دير الزور نهر الفرات الذي يتدفق عبر محافظة الرقة وصولاً إلى العراق، والصحراء السورية، التي تحيط به على الضفتين. ويُطلق السكان على المناطق الواقعة فوق الضفة الشمالية لنهر الفرات اسم “الجزيرة”، في حين تدعى المناطق التي تقع تحت الضفة الجنوبية للنهر باسم “الشامية”. فضلاً عن ذلك، يتدفق نهر آخر يُطلق عليه اسم الخابور من محافظة الحسكة، ويلتقي مع نهر الفرات في دير الزور في بلدة البصيرة الكبيرة.
وقد نضبت مياه نهر الخابور حالياً بسبب الجفاف الذي دام قرابة عقد من الزمان، والذي دمّر الكثير من موارد سوريا بين سنتي 2003 و2010 (في دير الزور والحسكة). ويرتبط ذلك بتداعيات سوء إدارة حكومة الأسد للمياه، فضلاً عن الاضطرابات الناجمة عن الحرب الأهلية. ومن دون الفرات، وبدرجة أقل الخابور، كانت أرض دير الزور أرضاً صحراوية، كما هو الحال داخل الحزام الضيق الذي يوجد بالقرب من نهر الفرات.
من جانب آخر، يشمل الاقتصاد الزراعي في المنطقة زراعة مجموعة واسعة من المحاصيل، لا سيما القمح والقطن وبنجر السكر والذرة، وتربية الدواجن والماشية والأغنام. وتشكل حركة البضائع، المشروعة وغير المشروعة، وخاصة داخل العراق وخارجه، عنصراً رئيسياً آخر من مكونات الاقتصاد المحلي في دير الزور.
وتحتكر دير الزور، في الوقت ذاته، معظم الموارد النفطية في سوريا، حيث يوجد ما لا يقل عن ثمانية حقول نفط رئيسية منتشرة في جميع أنحاء المحافظة. وتتركز هذه الحقول خاصة على جانب الجزيرة من نهر الفرات، وصولاً إلى الحدود السورية العراقية.
واعتبرت الموارد النفطية في دير الزور، في أوائل الثمانينات، ذات فوائد تجارية، ولكن منذ ذلك الحين وحتى الانتفاضة سنة 2011، نادراً ما تم تجنيد السكان المحليين للعمل في صناعة النفط في المحافظة. بالإضافة إلى ذلك لم تستثمر حكومة الأسد عائدات النفط المستمدة من تلك الحقول في البنية التحتية، أو في استخدام المال لبناء الاقتصاد المحلي في المحافظة؛ ممَّا شكّل مصدراً آخر للتوتر بين سكان المدينة ودمشق.
خلال سنة 2012، وبعد أن سيطرت قوات المعارضة المسلحة، التي تم تعبئتها أساساً من المليشيات القبلية المحلية، على معظم مدينة دير الزور، باتت السيطرة على موارد النفط في المحافظة مصدراً للنزاع بين الجماعات المسلحة المحلية والقبائل. وقد خدمت بعض الجماعات المسلحة التي تم حشدها محلياً، ولا سيما لواء جعفر الطيار، الذي كان فرعاً من جيش الإسلام، الذي يتخذ من دمشق مقراً له، مصالح الجهات الفاعلة خارج المحافظة، وزودّتهم بالإيرادات التي عززت من قوتهم في مناطقهم المحلية.
وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة تمكّن، منذ أن أصبح يمثل السلطة التشريعية التي تتمتع بقوة عسكرية في مناطق واسعة من المحافظة في صيف سنة 2014، إلى حدٍ كبير من وقف الصراعات القبلية على موارد النفط. واستهدفت الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، منذ سنة 2015، بشكل منهجي البنية التحتية للنفط التي يسيطر عليها تنظيم الدولة؛ ما أدى إلى حصول انخفاض حاد في إنتاج وتصدير إمدادات النفط المحلية، ومن ثم خفض أرباح بيع نفط دير الزور.
لقراءة التقرير كاملاً مترجماً إلى اللغة العربية وتحميله كملف Pdf: فيمَ يتمثل مشروع التخطيط القبلي في دير الزور؟
المصدر: مركز الأمن الأمريكي الجديد (Center For a New American Security)
الرابط: https://www.cnas.org/publications/reports/deir-azzour-tribal-mapping-project
الكاتب: نيكولاس هيراس، بسام بربندي، نضال بيطاري