على ألمانيا أن تستقبل حوالي 300 ألف مهاجر سنوياً للأربعين سنة المقبلة، حتى تتمكن من وضع حد لانخفاض عدد سكانها
أثبتت الوثيقة التي قامت صحيفة “راينش بوست” الألمانية بنشر مقتطفات منها في أوائل الشهر الماضي، أن الحكومة الألمانية تعول على الهجرة الجماعية الدائمة، التي من المفترض أن تكون قادمة من أفريقيا، وآسيا والشرق الأوسط، حتى تحافظ على استقرار عدد السكان الألمان (82.8 مليون نسمة)، وثبات هذا المعدل في المستويات نفسها إلى حدود سنة 2060.
علاوة على ذلك، كشف هذا التقرير أن قرار المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بالسماح بدخول حوالي مليون ونصف مهاجر، أغلبهم من المسلمين، بين سنتي 2015 و2016، لم يكن في إطار خطوة إنسانية، ولكنه كان محاولة مدروسة بهدف تجاوز مشكلة انخفاض عدد السكان في ألمانيا والحفاظ على الاستمرارية المستقبلية لدولة الرفاهية.
وفي هذه الحالة، إذا كان أغلب المهاجرين الوافدين على ألمانيا، خلال العقود الأربعة القادمة، من العالم الإسلامي، فذلك يعني أن عدد السكان المسلمين في ألمانيا سيرتفع إلى أكثر من 20 مليون نسمة، وبذلك ستتجاوز نسبة السكان المسلمين سقف 25 بالمائة من مجموع السكان في ألمانيا، في مطلع سنة 2060.
عموماً، يشير منتقدو سياسة ميركل للهجرة، التي تعرف بسياسة “الأبواب المفتوحة”، إلى أن الارتفاع الأخير لعدد المسلمين في ألمانيا، الذي تجاوز ستة ملايين شخص في سنة 2016 لأول مرة، من شأنه أن يغير وجه البلاد إلى الأبد. من جهة أخرى، لوحظ أن الهجرة الجماعية قد ساهمت في تنامي الإسلام في ألمانيا. وفي الأثناء، كانت هذه الظاهرة سببا في تراكم العديد من المشاكل خاصة على المستوى الاجتماعي.
وفي الوقت الذي لاقت فيه سياسة “الأبواب المفتوحة” رواجاً كبيراً، لم تعلن الحكومة الألمانية عن مخططاتها لدمج هذه النسبة من المهاجرين، الذين تنوي استقبالهم، في المجتمع الألماني. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن ألمانيا قد لجأت إلى حل مشكلة انخفاض عدد السكان في البلاد، من خلال أسلمتها تحت راية التعددية الثقافية.
فضلاً عن ذلك، وحسب التقرير الذي حرره مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، تتوقع الحكومة أن ينخفض عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة إلى 73 مليون نسمة في سنة 2060، وقد تتراجع هذه النسبة إلى مستوى 67.6 مليون نسمة في أسوأ الحالات. وفي الوقت الراهن، تعمل الحكومة على التدقيق في هذه الأرقام، مع الأخذ بعين الاعتبار التوقعات حول الهجرة، ومعدل الولادات وكذلك متوسط العمر المتوقع.
وتجدر الإشارة إلى أنه، ووفقا لمجموعة من البيانات التي كشف عنها مكتب الإحصاء الاتحادي، فقد وصلت البلاد إلى مستوى قياسي في عدد السكان قدر بحوالي 82.8 مليون ساكن في نهاية سنة 2016، وذلك نتيجة للهجرة الإيجابية الصافية في ألمانيا.
ونظراً لانخفاض معدل الخصوبة لدى المرأة، الذي يبلغ حوالي 1.6، تحتاج ألمانيا إلى موجة متواصلة التدفق من المهاجرين على البلاد، بمعدل 300 ألف مهاجر في السنة حتى تحافظ على استقرار عدد السكان.
وركز التقرير على ضرورة إدماج المهاجرين بشكل سريع في سوق العمل، حتى يتمكنوا من تسديد نفقات نظام الرعاية الاجتماعية. وفي هذا الصدد، ورد في هذا التقرير المسرب أنه “حسب التجربة السابقة، فإن (عملية إدماج المهاجرين) ليست سهلة وعادة ما تستغرق وقتا أطول من المتوقع”. وأضاف التقرير ذاته، أن ” تحقيق نجاحات ملموسة على هذا المستوى، لن تصبح ظاهرة للعيان إلا على المدى المتوسط أو البعيد”.
ووفقاً لدراسة أجرتها صحيفة فرانكفورتر العامة، فقد تبين أن أكبر ثلاثين شركة ألمانية قد انتدبت 54 لاجئ فقط، علما وأن 50 من بينهم يعملون كسعاة بريد في صلب شركة الخدمات اللوجيستية دويتشه بوست، وفي هذا السياق، وحسب مسؤولين في الشركة، فإن العائق الأكبر أمام المهاجرين هو افتقارهم للمؤهلات المهنية وجهلهم باللغة الألمانية.
وأوضح مكتب العمل الاتحادي، أن المستوى التعليمي للمهاجرين الجدد أقل بكثير مما كان متوقعاً، ومن الجدير بالذكر أن ربع المهاجرين الجدد فقط حاصلون على شهادة الدراسة الثانوية، في حين أن الثلاثة أرباع المتبقين لا يملكون أي تكوين مهني. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أربعة بالمائة فقط من بينهم، متحصل على شهادة تعليم عال.
من جانب آخر، تم إسناد شهادات تعليمية من طرف الدولة الألمانية للغالبية العظمى من المهاجرين الذين دخلوا التراب الألماني بين سنتي 2015 و2016. حيث تلقى المهاجرون ومراكز الإيواء إعانات بقيمة 21.7 مليون يورو خلال سنة 2016، وقد تلقوا القيمة ذاتها تقريبا خلال السنة الحالية.
وكانت وزارة المالية الألمانية قد ذكرت أن أزمة الهجرة من المرجح أن تكلف الدولة الألمانية حوالي 93.6 مليون يورو، انطلاقاً من هذه السنة إلى حدود سنة 2020. وفي هذه الأثناء، سيخصص حوالي 25.7 مليون يورو، في مجال الإنفاق الاجتماعي، على غرار إعانات البطالة والمساعدات السكنية، كما سيخصص ما لا يقل عن 5.7 مليون يورو لتسديد نفقات دورات اللغة، إضافة إلى ما لا يقل عن 4.6 مليون يورو بهدف إدماج المهاجرين في سوق العمل.
علاوة على ذلك، أدت الهجرة الجماعية إلى زيادة الطلب على المساكن، كما ارتفعت تكاليف الإيجار في البلاد. وحتى تستجيب للطلبات المتزايدة، يتعين على الدولة الألمانية توفير ما يربو عن 350 ألف شقة في السنة. وفي الإطار ذاته، وحسب راينش بوست، فقد تم بناء حوالي 245 ألف شقة فقط، خلال سنة 2014 ، وحوالي 248 ألف شقة خلال سنة 2015.
ووفقا لتقارير أمنية، فقد تبين أن المهاجرين قد ارتكبوا 208.344 تجاوزا خلال سنة 2015، لترتفع بذلك نسبة التجاوزات إلى حوالي 80 بالمائة مقارنة بتلك التي سجلت خلال سنة 2014. وبالتالي، فقد ارتكب المهاجرون معدل 570 تجاوزا في اليوم، بين شهري كانون الثاني/ يناير وكانون الأول/ ديسمبر سنة 2015.
وفي هذا الصدد، أوردت الوثيقة المسربة “بهذه الطريقة، تستورد ألمانيا التطرف، والصراعات الوطنية والأخلاقية للشعوب الأخرى. وفي المقابل فإن الأجهزة الأمنية الألمانية غير قادرة على إدارة هذه المشاكل ومجابهتها”.
وفي مقابلة مع صحيفة دي فيلت الألمانية، صرح أحد كبار المسؤولين الأمنيين أن “التدفق الكبير للمهاجرين من جميع أنحاء العالم، سيؤدي إلى انعدام الاستقرار في البلاد، فضلا عن أن فتح باب الهجرة الجماعية سوف يكون سببا في إنتاج المتطرفين”.
وأضاف المسؤول ذاته، “أصبح المجتمع يميل شيئا فشيئا إلى التطرف والراديكالية نظرا لأن أغلبهم يرفضون استقبال اللاجئين. خلافا لذلك، فإن النخب السياسية تسعى إلى فرض سياسة اللجوء الألمانية…”.
من جهة أخرى، كشفت استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة يوجوف مؤخرا، أن حوالي 68 بالمائة من الألمان يعتقدون أن الوضع الأمني في البلاد قد تدهور بسبب الهجرة الجماعية. بينما أعرب حوالي 50 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع عن خوفهم وقلقهم حول مستقبل حياتهم وممتلكاتهم، في حين أن ما لا يقل عن 63 بالمائة منهم قد عبروا عن عدم إحساسهم بالأمن خاصة في المناسبات العامة.
ومن جهتها كشفت دراسة استطلاعية أخرى قام بها معهد “إنسا” لقياسات الرأي العام، أن حوالي 60 بالمائة من الألمان يعتقدون أن الإسلام دخيل عن ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك، يشعر نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع تقريبا، أي قرابة 46 بالمائة، بالقلق تجاه أسلمة المجتمع الألماني.
ومع ذلك، من المرجح أن تفوز أنجيلا ميركل في الانتخابات الألمانية القادمة، بسهولة تامة وستكون بذلك مستشارة لمدة أربع سنوات أخرى. وحسب استطلاعات الرأي التي قام بها معهد “إنسا” لقياسات الرأي العام، لصالح صحيفة “بيلد” الألمانية في الثاني من شباط/ فبراير، فقد تبين أن الحزب الديمقراطي المسيحي، أي حزب ميركل، سيتفوق بنسبة 33 بالمائة من الأصوات، مقابل 27 بالمائة لصالح الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بينما سيحصل الحزب المناهض للهجرة، أي حزب البديل من أجل ألمانيا، على نسبة 9 بالمائة فقط من الأصوات.
تعداد السكان المسلمين القاطنين بألمانيا
من المتوقع أن تضم ألمانيا في المستقبل أكبر عدد من السكان المسلمين في أوروبا، لتتفوق بذلك على فرنسا. ولعل من بين أبرز عوامل زيادة نسبة السكان المسلمين في ألمانيا، مسألة الهجرة الجماعية، إذ يقدر عدد المهاجرين المسلمين إلى ألمانيا خلال سنة 2016، بحوالي 300 ألف مهاجر، علما وأنه قد وصل التراب الألماني أكثر من مليون مهاجر في سنة 2015.
وتجدر الإشارة إلى أن ما لا يقل عن 80 بالمائة من الوافدين الجدد إلى ألمانيا يعتبرون من الجالية المسلمة، وهو ما يعادل حوالي 800 ألف مهاجر سنة 2015 و240 ألف مهاجر سنة 2016، وذلك حسب ما ورد على لسان المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. ووفقا للدراسة التي أجراها مركز “بيو” للأبحاث حول تزايد عدد المسلمين في أوروبا، فإنه، وإلى جانب المهاجرين الجدد، يقدر معدل النمو السكاني للمجتمع المسلم المستقر في ألمانيا بحوالي 1.6 بالمائة سنويا.
واستنادا إلى توقعات مركز بيو للأبحاث، بخصوص أزمة الهجرة الحالية، فإن عدد السكان المسلمين في ألمانيا من المرجح أنه قد بلغ حوالي 5.145 مليون ساكن في موفى سنة 2015. وإذا أضفنا لهذا الرقم 800 ألف مهاجر وصل إلى ألمانيا في سنة 2015، وكذلك 240 ألف مهاجر وصل إلى البلاد في سنة 2016، جنبا إلى جنب مع 77 ألف من المواليد الجدد لهذه الجالية، فسيرتفع بالتالي عدد السكان المسلمين في ألمانيا من 1.117 مليون إلى حوالي 6.262 مليون في نهاية سنة 2016. وهو ما يمثل نسبة 7.6 بالمائة من مجموع سكان ألمانيا، الذي يقدر بحوالي 82.8 مليون ساكن.
وقد أوضح رئيس المجلس البلدي لمدينة بافاريا، أوفا براندل، أن “عدد المسلمين القاطنين بألمانيا يمكن أن يصل إلى 20 مليون شخص في سنة 2020”. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التوقعات قد اعتمدت بالأساس على مبدأ “لم شمل الأسرة”، أي أن الأشخاص الذين يتمكنون من الحصول على اللجوء سيقومون تبعا بجلب ما بين أربع أو ثمانية من أفراد أسرهم إلى ألمانيا.
في الحقيقة، ومنذ أكثر من عقد من الزمن، رجح المؤرخ الأمريكي برنارد لويس، أن أوروبا، وفي ظل استمرار عمليات الهجرة المكثفة، سوف تتحول إلى دولة إسلامية في نهاية القرن الحادي والعشرين. وفي الأثناء، ستكون النخب السياسية في ألمانيا في المقدمة من أجل تحقيق مثل هذا التوقع.
سورين كيرن – صحيفة أليرتا ديجيتال
هذه المادة مترجمة عن صحيفة أليرتا ديجيتال الألمانية، يمكنكم الاطلاع على المادة الأصلية من هنا