تعتبر الحالة الفصائلية التي تعم الشمال السوري، وتشكل جزءً أساسياً من تركيبة المعارضة السورية واحدة من أهم الظواهر التي برزت بفعل الثورة السورية،
إذ يزدحم الشمال السوري اليوم بالعديد من الفصائل المنضوية في تشكيلات أكبر،
منها “الفيلق الثالث” والذي تشكل “الجبهة الشامية” عماده الرئيسي، بالإضافة إلى”جيش الإسلام” الذي انتقل من الغوطة الشرقية(دمشق) منذ عام 2018.
و”حركة ثائرون” التي تضم: “فرقة السلطان مراد”، “فيلق الشام – قطاع الشمال”، “ثوار الشام”، “فرقة المنتصر بالله”، “الفرقة الأولى” بمكوناتها (لواء الشمال والفرقة التاسعة واللواء 112)، وغيرها.
ثم انضمت إلى حركة ثائرون “الجبهة السورية للتحرير” التي تضم: “فرقة الحمزة”، و”فرقة السلطان سليمان شاه”، و”صقور الشمال”، إضافة إلى “فرقة المعتصم”.
يضاف إلى هذه التشكيلات مكون آخر وهو “حركة التحرير والبناء”، من اندماج عدة فصائل، وهي: “أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية” و”الفرقة 20″ و”صقور الشام (قطاع الشمال)”.
بينما تسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على منطقة إدلب، وتدار المنطقة إدارياً عبر جسم إداري (حكومة الإنقاذ) التي توصف بأنها ذراع إداري لهيئة تحرير الشام.
من الناحية الفكرية يمكن تمييز الفصائل المتواجدة في الشمال السوري إلى صنفين رئيسيين:
- الفصائل ذات البعد الإيديولوجي وتنظر لنفسها على أنها صاحبة رؤية أو مشروع، وتحاول وهذه تشمل بشكل أساسي فصيلين: الجبهة الشامية وهيئة تحرير الشام، ويلحق بهما فصائل أخرى سبق وكانت ذات حضور فاعل في المشهد مثل أحرار الشام وجيش الإسلام وغيرها، ولكنها الآن عملياً جزء من قرار فصائل أخرى.
- الفصائل التي لا تتبنى مشروعاً أو رؤية خاصة، مثل فيلق الشام والسلطان مراد وثائرون، وتقدم نفسها كقوة مسلحة وظيفتها حماية مكتسبات الثورة، وهي في معظمها عبارة عن مجموعات كانت جزءً من فصائل من النوع الأول وانشقت عنها وشكلت كيانات خاصة بها، ويقوم على قيادتها شخصيات معظمها لا تتمتع بمستوى عال من التعليم أو المكانة الاجتماعية، وهو ما ساهم إلى حدٍ ما بتشكيل رأي عام مناهض لها.
عوامل تمايز الفصائل السورية
تعدد الفصائل السورية وتنوع مسمياتها يدفع دائماً للسؤال حول ما يميز هذه الفصائل عن بعضها البعض وعن سبب استمرار بعضها دون الآخر، وهي عوامل يرتبط ويتداخل بعضها ببعض يمكن تصنيفها كالتالي:
- العلاقة مع الفاعل الدولي: لطالما تمتعت الفصائل المقربة أو المرضي عنها من الطرف التركي -باعتباره حالياً الطرف الضامن والمشرف على منطقة الشمال السوري-، بنوع من الحصانة، والمنعة من هجمات وتغول الفصائل الأخرى، وهو ما استغلته بعض المجموعات في هذه الفصائل لتعمق من سيطرتها على تفاصيل الحياة اليومية في المناطق التي تتواجد فيها على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي.
- توفر الموارد الإضافية: يتم توفير رواتب الجنود المنضوين تحت قيادة كل فصيل عبر منحة (تركية – قطرية) ولكن الدخل الذي توفره هذه المنحة للمجند أقل من اللازم لتحقيق العيش الكريم، وهو ما يدفع هذه الفصائل ومنتسبيها للبحث باستمرار عن وسائل دخل إضافية بشكل جماعي أو على مستوى فردي، بالإضافة إلى أن الاعتماد بشكل كامل على المنحة قد يرهن قرار الفصيل وتحركاته وتوجهاته للطرف الداعم، توفر وتنوع مصادر الدخل للفصيل لا يساهم فقط في استقرار وتماسك عناصره ولكنه أيضاً يساعده على تقديم خدمات إضافية للمناطق التي يشغلها والمجتمع الذي يتعامل معه وهو ما يعزز مكانته الاجتماعية ويبرز قياداته.
- العلاقة مع الحاضنة الشعبية: تتميز بعض المجموعات والفصائل بامتداد شعبي أو بتداخلها مع المكون الاجتماعي الذي تتواجد في جغرافيته وهو ما يعطي لتحركاتها وقراراتها زخماً وشرعية كبيرين ويسمح لها بالتداخل مع العمل المدني والإداري في مناطق سيطرتها بشكل سلس، ولكنه في نفس الوقت يشكل عبئاً ليس بالهين لأن الحاضنة الاجتماعية بالمقابل ستستقوي به في كل صغيرة وكبيرة تعرض لها مع الآخر أو فيما بينها البين، وتضعه باستمرار أمام مسؤوليات قد لا يكون قادراً على القيام بها أو قد لا تكون من نطاق عمله من الأساس.
- المرجعية الشرعية: تعتبر الحالة الدينية أحد أهم أوجه الشرعية التي يتمتع بها الفاعل الثوري وخصوصاً الفصائل العسكرية، تتميز بعض الفصائل (مثل الجبهة الشامية) بدعم شبه رسمي من قبل المرجعية الدينية الرسمية السورية (المجلس الإسلامي) وهي إضافة مهمة للفصيل أمام الحاضنة الشعبية وأمام الفصائل الأخرى المنافسة، بينما تتميز هيئة تحرير الشام ببعد عقدي وتوجيه ديني فاعل يشكل دعامة أساسية في ترابط عناصرها.
- المرجعية السياسية: لا يمكن القول بأن الشمال المحرر لديه مرجعية سياسية ناضجة ومجمع عليها أو مرضي عنها شعبياً، ولكن الفصائل التي تتبع للجيش الوطني، عملياً هي تتبع للحكومة المؤقتة والائتلاف المعترف به دولياً وهو ما يعطيها شرعية سياسية بدرجة معينة، تحميها من التصنيف على الأقل وتسهل حصولها على الدعم، هناك مرجعية أخرى، أيضاً ذات طابع سياسي تسود في المنطقة وتلعب دوراً معيناً وهي الشرعية الثورية، يمثلها طيف واسع ومتفرق من الشخصيات والمؤسسات التي تنشط في الشمال السوري أو خارج سوريا، على كل المستويات وترفع علم الثورة وتنادي باستمرارها وتطبيق مبادئها والحفاظ على مكتسباتها، ويشار إليها عادة بالشارع الثوري، هذه المرجعية -إن صح الوصف- تمثل إضافة مهمة يستقوي بها الفصيل إذا استطاع التناغم مع توجهاتها أو مطالبها.
- تماسك الرؤية والتنظيم: تتمتع بعض الفصائل الأخرى ببنية تنظيمية مميزة في تماسكها أكثر من غيرها، وأحياناً تتمتع بوفرة الاختصاصات والخبرة الأمنية بالمقارنة مع فصائل أخرى وهو ما يجعلها أكثر قدرة على المناورة والصمود بل وابتلاع الآخرين، خصوصاً إذا ما روهن على عامل الزمن، كما أن هذه الميزة تعطي للفصيل مكانة خاصة لدى الأطراف الدولية والجهات الفاعلة، وتضعه في مقدمة الجهات التي يمكن أن يُنسق معها أو التي يجب تفكيكها.
- امتلاك الخبرات والتخصصات أو القدرة على استيعابها: بحكم سيطرة الفصائل على مقدرات المنطقة التي تتواجد فيها فهي بحاجة لاتخاذ قرارات بخصوص القطاعات المختلفة من التعليم والصحة والأمن والاقتصاد وغيرها، وهذا يتطلب وجود خبراء و مختصين ونخب تعمل في هذه المجالات وتديرها، عدم امتلاك بعض الفصائل للمقومات اللازمة للتعامل مع الكفاءات العلمية والإدارية، يضعف دورها ويساهم في تأجيج الغضب الشعبي ضدها باستمرار لأن إدارة هذه القطاعات بكفاءات ضعيفة يفتح المجال واسعاً أمام الفساد وتدني مستوى الخدمات.
- تسليح الفصيل و امتلاكه لأسلحة نوعية وثقيلة: تمكنت بعض الفصائل خلال الفترة الماضية من الاستحواذ على أسلحة نوعية -نسبياً- أو على كم مؤثر من السلاح الثقيل -دبابات مثلاً- ، امتلاك الفصيل لهذا المستوى من التسليح ومعرفته باستخدامها يشكل ميزة إضافية له.
- التمثيل السياسي: تمتلك معظم الفصائل العاملة في الشمال السوري تمثيلاً سياسياً من نوع ما، حيث تتبع لها مكاتب علاقات خارجية، وبعضها يمتلك مكاتب سياسية، وعدد منها له ممثل سياسي في هيئات المعارضة الرسمية -الائتلاف والحكومة المؤقتة-، عدا عن مشاركة عدد منها في مسارات الحل السياسي عبر ممثلين سياسيين، مثل أستانة وسوتشي وجنيف، التمثيل السياسي للفصيل مؤشر إلى امتلاكه لرؤية معينة بخصوص الحل في سوريا، ومؤشر أيضاً إلى رغبة الفصيل للاشتباك بمسارات الحل السياسي والنشاط فيها والتأثير عليها، ويمكن اعتباره ميزة إيجابية للفصيل في أغلب الأحيان، مع أن التمثيل السياسي للفصائل السورية شكل عبئاً كبيراً عليها في بعض المحطات لأنه وضعها أمام تحديات معقدة وحملها مسؤوليتها.