مؤخرا، دقّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر إعلانا عن الكارثة الإنسانية التي تلقي بظلالها على كل من الصومال، ونيجيريا، واليمن، وجنوب السودان. وعلى الرغم من اختلاف المشاكل الداخلية التي تعيشها هذه البلدان، إلا أن الأزمة الغذائية قد جمعت بينها نظرا للأوضاع المتردية التي تشهدها منذ اندلاع الحروب داخلها.
ولعلّ رواية “الجوع” الصادرة في سنة 1890، للكاتب النرويجي، كنوت همسون، تحمل في طياتها أدق وصف لما يعانيه ملايين الأشخاص اليوم، حيث قال همسون، على لسان بطل الرواية الذي كان يصف الجوع الذي كان يلتهمه، “كان ينخر صدري بلا رحمة أو شفقة، بدا وكأن أمرا غريبا، يحدث في الداخل. كنت أحس وكأن 20 مخلوقا صغيرا ودقيقا يميلون برؤوسهم من جهة واحدة فينخرون جسدي قليلا، ثم يميلون برؤوسهم من الجهة الأخرى وينخرون قليلا أيضا، ليخلقوا طريقا دون ضجة أو عجلة، مخلّفين بذلك مساحات فارغة أين ما مرّوا”.
على أرض الواقع، تضيّق أزمة الغذاء الخناق على شعوب هذه البلدان الأربعة، التي من المرجح أنها ستودي بحياة الآلاف منهم في الأيام أو الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة. في الحقيقة، تمثّل الحروب المسلحة والمستمرة في هذه المناطق، القاسم المشترك بينها، إذ أن المخاطر المناخية ليست السبب الوحيد الكامن وراء المجاعة في الوقت الراهن، بل أصبح للإنسان يد في هذه الكارثة أيضا.
جنوب السودان
كانت الانطلاقة من هذا البلد، ذلك أن المجاعة التي غاب لفظها عن التصريحات الرسمية منذ ست سنوات، عادت لتطفو إلى السطح، حيث أعلنت الأمم المتحدة في العشرين من شباط/فبراير الماضي، عن تفشّي المجاعة في ولاية الوحدة بجنوب السودان. وحسب تقديرات الهيئات الإنسانية، فإن حوالي 80 ألف ساكن في جنوب السودان يرزحون حاليا تحت وطأة المجاعة.
والجدير بالذكر أن هذه المنطقة المنكوبة تعد في الواقع مسقط رأس نائب رئيس جمهورية جنوب السودان الأسبق، رياك مشار، وقائد حركة التمرد المسلحة التي تعيث في البلاد فسادا، منذ كانون الأول/ديسمبر 2013. وفي الأثناء، أدت هذه الصراعات، التي تعتبر الأكثر وحشية في العالم، إلى تشوّه معالم المنطقة وزعزعة استقرارها. بالإضافة إلى ذلك، فر ما لا يقل عن مليون ونصف شخص من جنوب السودان، حيث انتقل نصفهم إلى الجارة أوغندا، فيما تحاول الآلاف من النساء والأطفال عبور الحدود يوميا. أما السكان الذين فضلوا البقاء في أراضيهم، فلا يجدون في معظم الأوقات ما يسد رمقهم.
وفي هذا الصدد، صرّح مايكل مانغانو، المسؤول المحلي لوكالة التعاون التقني والتنمية الفرنسية، أن “الحرب التي اجتاحت جنوب الإكوادور في الأشهر الأخيرة، قد ساهمت في تعميق الأزمة التي يعيشها السكان، نظرا لأنها كانت تُعدّ بمثابة مخزن الحبوب الخاص بجنوب السودان. في الواقع، بذلنا مجهودا كبيرا لأخذ الاحتياطات اللازمة على المستوى الزراعي، إلا أن نزوح الأهالي قد دمر مخططاتنا، إذ أنه من المستحيل القيام بأنشطة زراعية في غياب المزارعين”.
وفي الأثناء، تقوم المنظمات غير الحكومية بإسقاط كميات من الغذاء “على الطريقة القديمة”، عبر طائرة الهليكوبتر، في محاولة منها للوصول إلى المناطق التي يتعذّر بلوغها. ووفق تقديرات هذه المنظمات، من المتوقع أن تضرب المجاعة هذه البلاد بقوة أكبر في الأشهر القليلة المقبلة.
ولتبلغ السخرية منتهاها، قامت حكومة جنوب السودان، المسؤولة بالدرجة الأولى عن هذه الكارثة، بزيادة سعر تأشيرات العمل التي يخضع لها أفراد المنظمات الإنسانية الأجانب، حيث أصبحت التكلفة تتراوح بين ألف و10 آلاف دولار. والجدير بالذكر أن ما لا يقل عن نصف ميزانية الدولة، أو على الأرجح أكثر من ذلك بكثير، يتم تخصيصها للجيش، وفق تقرير نشرته الأمم المتحدة.
اليمن
في الحقيقة، يمر أكثر من نصف سكان اليمن، أي ما يعادل 17 مليون شخص، إما “بأزمة غذائية”، أي المرحلة الثالثة على سلم التصنيف المعتمد من قبل المنظمات غير الحكومية، أو “بحالة طوارئ إنسانية” أي المرحلة الرابعة. في حين تمثّل المرحلة الخامسة، أعلى تصنيف في السلم، المجاعة. وفي هذا السياق، أورد ستيفن أوبراين، منسّق الإغاثات الطارئة في الأمم المتحدة أن “الأمر عبارة عن أكبر أزمة إنسانية في العالم”.
وبالعودة إلى ما قبل فترة الحرب، كان اليمن يقتني 90 بالمائة من احتياجاته الغذائية من خارج البلاد. في المقابل، أصيب مسلك الواردات بشلل تام على خلفية الصراع الدائر بين المتمردين الحوثيين، الباسطين سيطرتهم على العاصمة وشمال غرب البلاد منذ عامين من جهة، والقوات الموالية للرئيس، عبد ربه منصور هادي، المدعوم من قبل ائتلاف عدة دول إسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية، من جهة أخرى.
من جهته، أفاد بيار مونديارا، مدير العمليات في منظمة “أطباء بلا حدود”، في حديثه عن الوضع الراهن، أن “مستوى الأزمة الغذائية في اليمن يختلف تماما عن الوضع الذي تشهده أفريقيا، لذا ليس من المناسب حقا الخوض في مقارنة بين الحالتين. من ناحية أخرى، ما يعقّد عملنا في الواقع، هو عجزنا عن الولوج إلى مدينة الحديدة شمال البلاد، نظرا لاستمرار غلق الميناء الرئيسي، المتواجد على خط الجبهة”.
وفي السياق ذاته، أقر أندريه كروماخر، مدير برامج وكالة التعاون التقني والتطوير الفرنسية، أن “المشكلة سياسية بالأساس، فكلا الجانبين المتنازعين يرفضون توزيع المساعدات أحيانا”.
نيجيريا
أعرب أندريه كروماخر عن عميق أسفه فيما يخص الوضع في نيجيريا، حيث صرّح أن “المجتمع الدولي قد تأخّر عن إدراك حجم الأزمة في البلاد. لقد كانت التحركات بطيئة جدا، وبالتالي، فقدنا الكثير من الوقت الثمين”. في الحقيقة، تقتصر حالة الطوارئ الغذائية في نيجيريا على ولاية برنو وحدها، الواقعة في منطقة بحيرة تشاد، التي تغصّ بالسكان.
وفي ظل الأزمة المتفشية، تخل ملايين القرويين عن منازلهم وحقوقهم هربا من الفظائع التي ترتكبها جماعة بوكو حرام أو خوفا من انتقام الجيش النيجيري. نتيجة لذلك، لا يمكن للمنظمات غير الحكومية الوصول إلى للذين نجحوا في بلوغ المدن والمخيمات الكبرى التابعة للأمم المتحدة. ومن المثير للاهتمام أن المنظمات الآنف ذكرها تسعى إلى تنفيذ جملة من البرامج تهدف من خلالها إلى تحويل الأموال إلى النازحين.
وفي هذا الإطار، أوضح مسؤول وكالة التعاون التقني والتطوير الفرنسية، أنه “على عكس الوضع في جنوب السودان، يتوفر الغذاء في الأسواق، إلا أن الأسعار ارتفعت في حين لا يملك النازحون مصادر دخل. بالتالي، نحاول إمدادهم بالمال اللازم لتلبية حاجياتهم الغذائية”. وتعتبر هذه الطريقة، التي لاقت استحسانا من قبل مختلف جهات الإغاثة الإنسانية، إجابة سريعة ومصدر دعم للسوق المحلي.
أما بالنسبة لآلاف النيجيريين العالقين داخل المعارك في المناطق الساخنة، فتُعتمد هناك الإعانات في شكلها التقليدي أي من خلال المواد الغذائية. من ناحية أخرى، لاحظت منظمة أطباء بلا حدود وجود “جيوب مجاعة”، خلال الصيف الماضي، غير أنها تستبعد ظهورها مجددا على المدى القصير.
الصومال
على المستوى الغذائي، تُعتبر هذه البلاد من بين أكثر مناطق العالم ضعفا وهشاشة، حيث أن القرن الأفريقي عانى ويلات المجاعة نتيجة موجات الجفاف الكبرى التي ضربت الصومال خلال سنوات 1972، و1984-1985، و1991-1992، وأخيرا 2011-2012. وفي هذا الصدد، أشار أندريه كروماخر، إلى أن “سنة 2017 هي السنة الرابعة على التوالي التي ستكون فيها محاصيل الغذاء في أسوء حالتها في “أرض البنط” (المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي في أقصى القرن الإفريقي).
وفي هذا السياق، أكد كروماخر أن “”إل نينيو”، الظاهرة المناخية التي تتسبب في اضطرابات عالمية، قد أضرت بالمحاصيل بشكل دراماتيكي”. فضلا عن ذلك، يعصف الجفاف بكل من كينيا وأثيوبيا، أين قُضي على الثروة الحيوانية. في المقابل، يبدو أن شبكات التعاون غير الرسمية، والإجراءات التي تتخذها الحكومات، والتحرّكات العالمية قادرة على التخفيف من حدة الأزمة. وفي الأثناء، يُعتبر الوضع في الصومال، البلد الذي نخرته النزاعات المسلحة منذ ما يزيد عن 20 سنة، مثيرا للقلق.
وفي ظل عجزها عن إحكام سيطرتها على جزء كبير من أراضيها، أعلنت الحكومة الصومالية أواخر شهر شباط/فبراير، عن تواتر حالة “كارثة وطنية”، وفق ما أكدته الأمم المتحدة.
في واقع الأمر، ترفض المنظمة الجهادية “الشباب”، المتواجدة في الجنوب، بشكل مستمر دخول المنظمات الإنسانية إلى المنطقة. وبالتالي، أودى الجفاف بحياة 110 صومالي، خلال يومين فقط في الأسبوع الماضي، وذلك نتيجة الإسهال الناتج عن رداءة المياه التي لا تتوفر في معظم الأوقات. وتجدر الإشارة إلى أن المجاعة قد حصدت أرواح 260 ألف صومالي سنة 2011.
هذا المقال مترجم من صحيفة ليبراسيون، للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا