ملخص
وضعت كل من إسرائيل ومصر السلطات الحاكمة في غزة تحت حصار شامل منذ العام 2007. انتقد تركيا الحصار بشكل مستمر، خاصة في أعقاب حادثة أسطول الحرية عام 2010، حيث وصلت العلاقات التركية الإسرائيلية في تلك اللحظة إلى نقطة جمود كبيرة، ورفضت تركيا البحث في المصالحة الدبلوماسية إلا بعد أن ترفع إسرائيل العراقيل التي تفرضها على غزة. وتحقيقاً لهذه الغاية، انطلقت مفاوضات بعيداً عن الأضواء بهدف حل المشكلة وإصلاح العلاقات بين البلدين. ويبدو أن هناك اتفاقاً مبدئياً وشيكاً سيظهر للعلن خلال الفترة القريبة القادمة، خاصة بعد التسريبات التي تم تأكيدها في فبراير الماضي عن حل الكثير من الخلافات بين الجانبين. وفي 15 ابريل الجاري، أعلن مستشار الرئاسة التركية أن إسرائيل وافقت على رفع الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة مشيراً إلى أن الجانبين يضعان اللمسات الأخيرة على الاتفاق النهائي الآن.
تحليل
بدأ الحصار على قطاع غزة عام 2007 بعد أن تمكنت حماس من السيطرة على القطاع. وكان الحصار منذ ذلك الحين موضوعاً للنقاش. تصر تركيا أن الحصار يعرض 1.8 مليون إنسان يسكنون غزة للخطر. أما إسرائيل فتدعي أن رفع الحصار سيتيح لحماس لجلب الأسلحة والمواد الأولية التي تجعل إسرائيل أكثر عرضة للهجمات. لكن إسرائيل باتت موقنة بفشل استراتيجية الحصار بتقويض قدرات حماس الهجومية، بل إن الحصار تسبب في تفاقم المشاعر المعادية لإسرائيل بين الفلسطينيين ودعم انتشار الجماعات المتشددة الإسلامية. هذا عدا عن الإزدراء التركي الذي باتت إسرائيل تواجهه، والإدانة الدولية المستمرة للحصار المفروض على غزة.
الميناء
أحد أهم الحلول المقترحة لرفع الحصار عن غزة يتمثل في إنشاء ميناء على جزيرة صناعية تبعد عدة كيلومترات قبالة سواحل قطاع غزة. ثم يربط جسر مع نقطة تفتيش يربط بين الجزيرة والقطاع. إسرائيل سوف تتعامل مع عمليات التفتيش الأمنية للبضائع والميناء البحري، في حين أن الإشراف على الميناء نفسه سيكون من اختصاص قوات دولية. يعد الميناء منفذاً مستقلاً ويمكن أن تدخل وتخرج البضائع والأفراد منه وإليه. بل إن هناك حديثاً عن إلحاق مطار بالميناء.
ميناء غزة فكرة تلقى رواجاً كبيراً الآن، لكنها لم تكن فكرة جديدة. فقد وردت الفكرة ابتداءً كجزء من اتفاق أوسلو عام 1993، وتم توقيع عقود البناء في وقت مبكر من عام 1994، لكن الخلافات الأولية بشأن ترتيبات العمليات الحيوية والأمنية في الميناء أدت إلى توقف الخطة. وفي عام 2000 بدأ البناء الفعلي بالميناء بعد تحقيق تقدم إثر توقيع امذكرة شرم الشيخ عام 1999. ولكن المشروع اجل إلى أجل غير مسمى بعد أن قامت إسرائيل بقصف ما تم بناؤه من الميناء خلال الانتفاضة الثانية.
نوقشت فكرة الميناء مراراً وتكراراً بعد عملية القصف تلك، رغم كمية الجدل التي تحيط بها في إسرائيل. وكرد على مخاوف إسرائيل المتعلقة بالميناء، قدمت اقتراحات بديلة، بما في ذلك بناء ميناء في مصر أو استخدام المنافذ البحرية الموجودة في قبرص أو أسدود. وبطبيعة الحال، نظراً لعلاقتهما المتوترة حالياً لن تسمح مصر على الأغلب لتركيا ببناء ميناء على أراضيها، بينما ترى تركيا أن ميناء أسدود لا يشكل خياراً كافياً للتنازل.
وبقدر ما تسعى تركيا لحل الأزمة الإنسانية في غزة، تطمح عبر هذا الميناء إلى زيادة نفوذها في الأراضي الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط ككل، من خلال تقديم الدعم لغزة وهو ما سيكسب أنقرة مصداقية كبيرة كلاعب أساسي ضمن القوى الإقليمية.
على الصعيد الإقتصادي، ترى تركيا فرصة جيدة في ميناء غزة. فالشركات التركية تسعى لبناء الميناء والاستثمار في مشاريع البنية التحتية في غزة. وفعلاً سمحت إسرائيل لمجموعة كبيرة من رجال الأعمال الأتراك بزيارة قطاع غزة لاستكشاف الفرص الاستثمارية فيه أوائل فبراير الماضي. ويستعد رجال الأعمال الأتراك لتقديم خطة إعادة إعمار تصل قيمتها إلى 5 مليار دولار، تذهب 3.5 مليار دولار منها إلى غزة أما الباقي (1.5 مليار دولار) تذهب إلى رام الله. هذا عدا عن الاجتماعات التي شهدتها الفترة الماضية بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين وفلسطينيين بهدف مناقشة خطة إقامة منطقة تجارة حرة في الضفة الغربية.
مشاكل محتملة
لن تحظى هذه الخطة بتأييد كل قوى المنطقة، فعلى سبيل المثال، لم تؤيد الحكومة الإسرائيلية خطة إنشاء الميناء، ونتنياهو صرح برفضه لهذا المشروع. مصر والسلطة الفلسطينية، بزعامة عباس، أبديا قلقهما من تزايد النفوذ التركي في قطاع غزة. وسبق للسلطة الفلسطينية ان استنكرت استبعادها من المفاوضات الأولية على المنفذ المقترح والتي كانت قد بدأت في ديسمبر الماضي. وهو ما يعزز عدم رضاها خاصة في ظل عدم وجود حكومة وحدة وطنية فلسطينية، فلن تتمكن السللطة من السيطرة على الطريق البحري في قاطع غزة. مصر، من جانبها تخشى أن يساهم الميناء في تعزيز شرعية حماس، هذا بالإضافة إلى الخوف المصري من تركيا بسبب دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين منذ إنقلاب السيسي عام 2013 والذي أطاح بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، وهو ما عمق الفجوة بين البلدين لاحقاً.
وعلى الرغم من الجدل الدائر حالياً حول هذا الميناء إلا أن هناك الكثير من المقاييس الحقيقية التي تثبت أن إسرائيل وتركيا على وشك استعادة علاقتهما مجدداً، ولن يكون الأمر قريباً من الحالة المثالية. فالفرص مازالت متاحلة لمزيد من النزاعات على بناء الميناء وإدارته وتنظيم العملية الأمنية فيه. وطالما استمرت تركيا في التعامل والتعاون مع حماس، التي تعتبرها إسرائيل تهديداً فإن التطورات في غزة قد تتسبب في زيادة أو إعادة التوتر للعلاقة بين الدولتين.