كشفت ثماني منظمات، في تقرير نشرته مؤخرا، عن مساهمة أربعة بنوك فرنسية، بالإضافة إلى شركة فرنسية للتأمينات، في رأس مال شركات إسرائيلية، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ما يثبت تورطها في عمليات الاستيطان الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما يُعتبر مخالفا للقانون الدولي.
ومن خلال هذا التقرير، تبين أن تلك الجهات الفرنسية الخمس تربطها علاقات خطرة مع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كل هذه المعطيات وردت ضمن التقرير الصادر في 29 آذار/مارس، عن رابطة حقوق الإنسان، والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، والكونفدرالية العامة للشغل، ونقابة التضامن العمالي، واللجنة الكاثوليكية ضد الجوع ومن أجل التنمية، ومنظمة “الحق” الفلسطينية غير الحكومية، وجمعية فرنسا-فلسطين للتضامن، فضلا عن منظمة أخرى فرنسية.
وفقا لهذه الوثيقة، التي تحتوي على 28 صفحة، فإن الدعم المستمر الذي تقدمه شركات “سوسيتيه جنرال”، و”بي إن بي باريبا”، و”كريدي أجريكول”، و”بي بي سي إي”، فضلا عن “أكسا” الفرنسية للتأمينات، للمصارف والشركات الإسرائيلية العاملة في المستوطنات، يساهم بصورة مباشرة في ديمومة وتطور هذه المستوطنات. وللكشف عن طبيعة هذه العلاقة، اعتمد التقرير على تحليل تفصلي أجرته الشركة الهولندية “بروفاندو”، المختصة بالقطاع المالي والمسؤولية الاجتماعية في الفترة الممتدة بين شهر آذار/مارس وشهر يونيو/حزيران سنة 2016.
وفي السياق ذاته، كشفت الوثيقة التي استندت على دراسة المنشورات المالية للشركات، وتوظيف قواعد البيانات المتخصصة، وفحص الملاحظات الميدانية، أن ما لا يقل عن خمسة بنوك إسرائيلية، منها بنك “هبوعليم”، وبنك “لئومي”، وبنك “هَبينلِؤمي”، وبنك “ديسكونت إسرائيل”، وبنك “مزراحي تفحوت”، توفر البنية التحتية المالية اللازمة لأنشطة الوكالات الحكومية، والشركات، والأفراد في المستعمرات.
فضلا عن ذلك، توفر هذه البنوك قروض الرهن العقاري، والقروض التجارية لمشاريع البناء. كما أنها توفر خدمات مالية للسلطات المستوطِنة، والشركات، والمواطنين الإسرائيليين الذين استقروا هناك. ويملك بعض منها فروع في المستوطنات الأكثر سكانا، مثل مستوطنات أرييل وبيتارعيليت، ومعاليه أدوميم، وموديعينعيليت، وبسغات زئيف، وغيلووراموت.
إلى جانب هذه البنوك، توجد شركات إسرائيلية أخرى؛ على غرار شركة الكهرباء الإسرائيلية، التي تزود المستوطنات بالكهرباء، وشركتا “بيزك” و”سيلكوم” اللتان توفران خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وشركة “إلبيت سيستمز”، المتخصصة في أنظمة المراقبة. فضلا عن ذلك، تساهم شركة “ديلك” للبترول، بشكل فعال في تطوير الأنشطة الاستعمارية الإسرائيلية، ودعم إستراتيجية الاستعمار، بغض النظر عن الحكومة الإسرائيلية التي تتولى السلطة آنذاك، وذلك منذ توقيع اتفاقية أوسلو، في سنة 1993. في الواقع، كانت هذه الإستراتيجية ناجحة نسبيا، نظرا لأن عدد المستوطنين قد زاد في ربع قرن من حوالي 268 ألفا إلى أكثر من 620 ألفا.
ومن خلال دراسة السجلات المالية لهذه الشركات الإسرائيلية، وتلك التابعة للمجموعة المالية الفرنسية، اكتشف كاتبو هذا التقرير أن المصارف الفرنسية تملك صلات خطيرة مع الاستيطان الإسرائيلي. وحسب هذا التقرير، فإن البنوك الفرنسية الأربعة وشركة أكسا للتأمينات، تدير ممتلكات مالية في إسرائيل، فضلا عن أنها تمتلك أسهمًا في البنوك والشركات الإسرائيلية التي تساهم في تمويل مشاريع المستعمرات.
من جهة أخرى، أشارت هذه الوثيقة إلى أن مجموعة “كريدي أجريكول” تحافظ على علاقات متينة مع تسع شركات إسرائيلية، فضلا عن شركة “أل سي أل” التي تعتبر شركة تابعة لبنك “كريدي أجريكول”، وبنك “ناتيكسيس”، الذي يملك أسهما في ست شركات إسرائيلية متورطة في عمليات الاستيطان غير القانونية، بالإضافة إلى شركة “سوسيتيه جنرال”، و”أكسا” للتأمينات.
تناقضات البنوك المتهمة
في الحقيقة، تواطؤ البنوك الفرنسية لم يقتصر على الأسهم السرية التي تملكها في بنوك إسرائيلية، بل أخذ هذا التواطؤ شكلا أكثر نشاطا؛ ففي سنة 2014، وقعت بنوك “بي أن بي باريبا”، و”سوسيتيه جنرال” و”ناتيكسيس”، و”أل سي أل”، التي اجتمعت تحت راية مجموعة من البنوك الدولية، بقيادة بنك “دويتشه”، أربع اتفاقيات قروض بقيمة 288 مليون يورو، لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية. ومن المتوقع أن تموّل هذه القروض، التي سوف تسلّم للأطراف الإسرائيلية سنة 2020، مشروعا يهدف لتوسيع محطتين للغاز لشركة الكهرباء الإسرائيلية، الذي سيتم تنفيذه من قبل الشركة الفرنسية “ألستوم”، بالتعاون مع شركة “سيمنس” الألمانية.
في واقع الأمر، تعتبر الصلات التي تربط الشركات المالية الفرنسية بشركة الكهرباء الإسرائيلية مريبة بعض الشيء، نظرا لأن الشركة الإسرائيلية التي توفر الكهرباء قد اتهمت مرارا وتكرارا بقطع التيار الكهربائي عمدا عن الفلسطينيين الموجودين في مناطق الضفة الغربية؛ مثل نابلس وجنين، وأيضا في قطاع غزة.
والجدير بالذكر أن المجتمع الدولي يفرض عقوبات على الأطراف المسؤولة عن عملية قطع الكهرباء في الأراضي الفلسطينية. ومن هذا المنطلق، يعتبر هذا التصرف محظورا بموجب القانون الإنساني الدولي.
ومن خلال المشاركة في هذا المشروع، أوضح معدو التقرير، أن البنوك الأربعة “فشلت بوضوح في الوفاء بالمسؤوليات الموكلة إليها، وفقا لما جاء في المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية ومنظمة الأمم المتحدة، التي تنص على (وقف العلاقات المالية مع الجهات المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان)”.
من جانب آخر، أخلاقيا “وسياسيا”، يتعارض هذا التعاون الفرنسي السري مع سياسة الاستيطان الإسرائيلية تعارضا واضحا مع التزامات الشركات الخمس الفرنسية التي تضمنّها هذا التقرير. فضلا عن ذلك، يُعتبر هذا التعاون انتهاكا متعمدا ومتكررا للقانون الدولي. فوفقا لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، المعنية بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، فإن “نقل المدنيين في الأراضي المحتلة من قبل القوة المحتلة يُعتبر محظورا”.
والجدير بالذكر أن “القرار 2334″، الذي اعتُمد في 23 كانون الأول/ديسمبر سنة 2016، من قبل مجلس الأمن الدولي، يعتبِر أنّ “عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي انطلقت منذ سنة 1967، ليس لها أي شرعية قانونية، بل تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وعقبة رئيسية أمام تنفيذ حل الدولتين الشامل والعادل والدائم”. علاوة على ذلك، دعا هذا القرار جميع الدول إلى “التمييز في المعاملات بين الكيان الإسرائيلي، والأراضي المحتلة منذ سنة 1967”.
وخوفا من تدهور الأوضاع أكثر في إسرائيل، ومن انتهاك القانون الدولي، اتخذت المؤسسات الأجنبية، العامة والخاصة، في السنوات الأخيرة قرار وقف الاستثمار في البنوك والشركات المتورطة في عمليات إنشاء المستوطنات الإسرائيلية. وفي سنة 2010، صنفت صناديق التقاعد العالمية للحكومة النرويجية مجموعة “شي كون” و”بنوي”، وشركة “ألبيت سيستمز” ضمن قائمة الشركات المستبعدة من الحصول على الاستثمارات الخارجية.
وفي سنة 2013، سجّل صندوق التقاعد الدولي خمسة بنوك إسرائيلية مشاركة في عمليات الاستيطان في قائمة الشركات المستبعدة. أما في سنة 2014، فقد سحب صندوق تقاعد لكسمبورع استثماراته من هذه البنوك الإسرائيلية، في حين أدرج كل من البنك الدنماركي “دانسكي”، و”دويتشه بنك” بنك “هبوعليم” الإسرائيلي على القائمة السوداء.
في الواقع، لم تمنع كل هذه القيود، التي فرضت على الشركات الإسرائيلية الشركات الفرنسية من ربط صلات مع بنوك إسرائيلية تشكل “أداة أساسية في سياسة الاستيطان”، على الرغم من أن ذلك يتناقض مع التزاماتها الأخلاقية والقانون الدولي. ويرجع هذا الانتهاك الفرنسي للقانون الدولي للتهاون الذي تبديه الحكومات الفرنسية تجاه المواضيع المتعلقة بإسرائيل، علما وأن ذلك يتنافى مع تصويت فرنسا لصالح قانون 2334، الذي ينص على أن “الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ الذي يعتبر انتهاك خطير للقانون الدولي”.
ومن هذا المنطلق، يجب على فرنسا وجميع دول الاتحاد الأوروبي احترام “سياسة التمييز السياسي” التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص “المبادئ التوجيهية” التي اعتُمدت سنة 2013، والتي تجعل “الكيانات الإسرائيلية المقيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، غير مؤهلة للحصول على الدعم المالي الأوروبي”. في المقابل، يؤكد تجاهل باريس وسكوتها تواطؤ هذه المجموعة من الشركات الفرنسية مع المشروع الاستيطاني.
كان المجتمع الدولي يحاول، من خلال كل القيود والقرارات التي اتخذها، الضغط سلميا على الحكومة الإسرائيلية. ويوم الجمعة الماضي في جنيف، صوّت مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على قرار ينتقد العمليات الاستيطانية، وقد حظي بأغلبية 36 صوتا، مقابل معارضة دولتين على هذا القرار (بما في ذلك الولايات المتحدة)، وامتناع تسع دول أخرى عن التصويت، وهو ما يدعو الدول والشركات الأجنبية لتجنب أي ارتباط مباشر أو غير مباشر مع المستعمرات، وفرض حظر على جميع المساعدات المُوجّهة لإسرائيل، فضلا عن فرض حظر التجارة مع المستعمرات.
على هذا الصعيد، وبالرجوع إلى “المبادئ التوجيهية” الأوروبية لسنة 2013، والمبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المنقحة في سنة 2011، يدعو معدو هذا التقرير إلى “وضع حد فوري لأي دعم مالي يسهّل وجود وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، فضلا عن تأكيدهم على ضرورة عدم تجديد القرض الممنوح لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وعلى أهمية إيلاء جميع البنوك الفرنسية المزيد من الاهتمام لحقوق الإنسان”.
على صعيد آخر، فإن الحكومة الفرنسية مطالبة “بالوفاء بشكل جدي بالتزاماتها الدولية، بما في ذلك التزامها بحماية حقوق الإنسان، وضمان عدم إلحاق الضرر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجهات الفاعلة غير الحكومية. وعلى نطاق أوسع، يدعو التقرير الحكومة الفرنسية لدفع وزارة الخارجية إلى عدم تشجيع الشركات، من جميع القطاعات، على الاستثمار في المستوطنات الإسرائيلية.
هذه المادة مترجمة من صحيفة ميديا بارت، للكاتب ريني باكمان للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا