مرت عشرة سنوات على الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، التي دامت حوالي 34 يوما والتي خلفت ضحايا مدنيين من الجانبين. كما مثلت سنة 2006 نقطة تحول بالنسبة لهذا التكوين اللبناني.
وجاء في بيان حزب الله سنة 1985 أنه “ينص نهجنا الرئيسي في الحرب ضد إسرائيل على أن الكيان الصهيوني عدواني منذ نشأته، وافتك أراضي من أصحابها على حساب حقوق الشعب المسلم. لذلك، فإن نضالنا لن يتوقف إلا عندما ينتهي هذا الكيان من الوجود. نحن لا نعترف بأية معاهدة مع اسرائيل، لن نوقف إطلاق النار ولن يكون هناك أي اتفاق سلام، سواء كان فرديا أو جماعيا”.
وقد ظهر حزب الله سنة 1982، بعد أن انشق عن حركة أمل المسلحة في خضم الحرب الأهلية اللبنانية التي ضربت البلاد من سنة 1975 إلى سنة 1990. ويرجع انفصاله عن حركة أمل إلى اختلاف وجهات النظر بينهما حول قضايا بالغة الأهمية مثل السياسة والدين: فحزب الله كان أقرب إلى دولة إسلامية شيعية، على نهج إيران خامنئي، وهو آية الله الإيراني والزعيم السياسي والروحي للثورة الايرانية سنة 1979.
يضع الغرب هذه المجموعة على لائحة التنظيمات الإرهابية، وعلى الرغم من ذلك، فإنه على عكس باقي التنظيمات المسلحة، حافظ حزب الله في المقام الأول على هيكلين داخل نظامه؛ الأول سياسي اجتماعي، والثاني مسلح. ويتركز نظام حزب الله على القيام بوظيفتين رئيسيتين؛ أولا تذكير إسرائيل بأن لها عدو دائم، وثانيا مساعدة حلفائه والموالين له.
ويمكن القول إن حزب الله في هيكله الأول، مشروع سياسي ديني من أجل تطبيقه في لبنان. كما يعرف حزب الله بأنه منظمة إسلامية شيعية وممولة جزئيا من قبل إيران، وهو واحد من الأركان الأساسية في المقاومة ضد الصهيونية في المنطقة ولاعب أساسي في الحفاظ على التوازن فيها.
كما أنه قادر على توفير إجابة عسكرية كافية لمواجهة أي بلد، وفضلا عن ذلك، فهو قادر على حشد عدد لازم من السكان وتمويل كاف من أجل الحفاظ على المنظمة في أفضل الحالات. وهذا ما حوله إلى الرمز الأول للأمن والاستقرار في البلاد.
الأيديولوجية
يعتبر بيان 1985، المنشور العلني الأول لحزب الله والذي يصف بوضوح إيديولوجيته وأهدافه الرامية إلى إقامة جمهورية إسلامية في البلاد، والذي يعرّف إسرائيل والولايات المتحدة أعداءه رقم واحد. كما أنه من أهدافه طرد كلاهما، جنبا إلى جنب مع فرنسا من البلاد.
وكانت سنة 2009، تاريخ البيان الثاني للمنظمة الذي تكوّن من 30 صفحة، التزم فيها بإقامة ديمقراطية صحيحة وعلمانية. كما تحدثت المنظمة في هذا البيان عن الدولة ونظام الحكم السياسي اللبناني والقضية الفلسطينية والعلاقات الدولية للبلاد.
وجاء في بيان حزب الله سنة 2009، في النقطة الثالثة من الفصل الثاني أن “المشكلة الأساسية في النظام السياسي اللبناني، والتي تمنع إصلاحه وتطويره وتحديثه بشكل مستمر هي الطائفية السياسية. كما أن قيام النظام على أسس طائفية يشكل عائقا قويا أمام تحقيق ديمقراطية صحيحة يمكن على ضوئها أن تحكم الأكثرية المنتخبة وتعارض الأقلية المنتخبة، ويفتح فيها الباب لتداول سليم للسلطة بين الموالاة والمعارضة أو الائتلافات السياسية المختلفة”.
ويكمن التغيير الأكثر أهمية في الحد من الخطاب الديني وعدم الانسياق في تفسير نظرته الدينية، من أجل التركيز على مجموعة المصالح التي من شأنها أن تدمج المنظمة في المجتمع. هذا بالإضافة إلى تجنب أي إشارة حول تأسيس جمهورية إسلامية في لبنان التي تم الحديث عنها في البيان الأول.
إلا أنه في هذا البيان، واصل حزب الله تأكيده على أنه لا زال يعتبر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أعداء له. ويذكر أنه في سنة 1983، تعرضت المصالح الأميركية إلى أسوأ هجوم قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وكان ذلك في لبنان وأودى بحياة 241 جنديا، وهو ما أعطى لحزب الله المزيد من السلطة والتفوق والقيادة، سواء في الداخل أو في بقية دول العالم.
كما جاء في نفس البيان، في النقطة الثانية من الفصل الثاني أن “دور المقاومة ضرورةٌ وطنيةٌ دائمةٌ دوامَ التهديد الإسرائيلي ودوامَ أطماع العدو في أرضنا ومياهنا ودوام غياب الدولة القوية القادرة، وفي ظل الخلل في موازين القوى ما بين الدولة والعدو – الخلل الذي يدفع عادةً الدول الضعيفة والشعوب المستهدفة من أطماع وتهديدات الدول المتسلطة والقـوية، إلـى البحث عن صيغ تستفيد من القدرات والإمكانات المتاحة – فإنّ التهديد الإسرائيلي الدائم يفرض على لبنان تكريس صيغة دفاعية تقوم على المزاوجة بين وجود مقاومة شعبية تساهم في الدفاع عن الوطن في وجه أي غزو إسرائيلي، وجيش وطني يحمي الوطن ويثبّت أمنه واستقراره، في عملية تكامل أثبتت المرحلة الماضية نجاحها في إدارة الصراع مع العدو وحققت انتصارات للبنان ووفرت سبل الحماية له”.
وبفضل المساعدات من بلدان مختلفة، من بينها سوريا وإيران، تمكنت المجموعة المسلحة اللبنانية من الحفاظ على التحرك واتخاذ اجراءات وفق أبعاد مختلفة، بدءا من السياسي والاجتماعي وصولا إلى البعد المسلح البحت والبعد القتالي.
وفي المجمل، يمكن التمييز بين ثلاثة أبعاد، تلخص حقيقة حزب الله اللبناني:
حزب الله كلاعب سياسي
كانت بداية التسعينات، المرة الأولى التي يشارك فيها حزب الله في الانتخابات الوطنية اللبنانية. وبفضل كلمة ألقاها في صالح النظام الإسلامي، والتي تنتقد الفساد بشدة، وقد فاز بحوالي 12 مقعداً وهو أكبر عدد من المقاعد تفوز به كتلة حزبية منفردة. أما حاليا فيملك حزب الله 27 مقعدا في البرلمان اللبناني وخمس وزارات؛ وهي المالية، والأشغال العامة والنقل، والصناعة، والشباب والرياضة ووزارة الدولة لشؤون مجلس النواب.
حزب الله كلاعب اجتماعي
يعرف الدكاترة جون مكارثي وماير زالد الحركات الاجتماعية على أنها “تراكم للآراء والمعتقدات بين السكان الذين يمثلون ويؤسسون أولويات لتغيير بعض عناصر البنية الاجتماعية أو توزيع الرفاه الاجتماعية”.
ولذلك فإنه عندما نكون في مواجهة مع الحركات الاجتماعية الأصولية التي تحمل رسالة أيديولوجية، يصبح الفرد مفتاح التغيير الاجتماعي.
وفي هذا السياق، عملت المجموعة المسلحة على موازنة اقتصاد وخدمات الحكومة اللبنانية من أجل خدمة مواطنيها الشيعة. كما أن جمعيته غير الحكومية جهاد البناء، التي أنشئت في سبتمبر 1988، سعت إلى تخفيف حدة عواقب الحرب الأهلية اللبنانية خاصة في أحياء ذات أغلبية شيعية. وركزت هذه الجمعية أهدافها على إعادة إعمار البنية التحتية، من أجل رفع المستوى الاجتماعي للسكان.
حزب الله كميليشيا أو كحركة مسلحة
تعتبر عديد البلدان هذه المجموعة المسلحة، حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ويشارك هذه النظرة الخارجية أيضا المواطنون داخل التراب اللبناني. ولهذا السبب كان دعم السكان لحزب الله اللبناني خلال الصراع بين إسرائيل ولبنان في عام 2006، يعادل نسبة 80 بالمائة.
وعلى عكس الدول التي تصنف حزب الله على أنه منظمة إرهابية، فإن للاتحاد الأوروبي رؤية من نوع آخر، حيث يعتبر الجناح المسلح التابع لحزب الله فقط تكوينا ارهابيا.
وفي عام 2013، قرر حزب الله دعم بشار الأسد، خوفا من توسع الارهاب نحو الحدود اللبنانية؛ ونجح بالفعل في هذه المهمة دون أن يفقد السيطرة على الوضع في لبنان. كما عزز وجوده في البلد المجاور واكتسب خبرة في ساحة المعركة الأجنبية.
وفي الختام، يمكن القول إن في حال انتصر الأسد في الحرب في سوريا، أحد الأطراف الحامية لحزب الله، فإن الجماعة المسلحة ستكون أكثر صرامة، وأقوى من أي وقت مضى.
هذه المادة مترجمة من صحيفة الأوردن مونديال للكاتب ديفيد غاريغا للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا