منذ أن اندلعت الاحداث الدامية في سوريا، تمكن قرابة 9.5 مليون سوري من الفرار خارج سوريا، لكن كان هناك عشرات الآلاف الآخرين الذين عانوا من الاعتقال في سجون النظام السوري ولم تكن لديهم أي فرصة للهرب.
وخلال مشاركتي في اعداد تقرير خاص بمحققي الأمم المتحدة، قابلت قرابة 500 شخص تم اعتقالهم في سجون النظام. أكد جميع من قابلت تعرضهم للتعذيب أثناء الاحتجاز، عدا عن أن أكثر من 200 منهم شاهدوا زميلاً آخر لهم يلفظ أنفاسه الأخيرة في السجن على أيدي قوات الأمن. ووفقاً للتقرير فإن معاملة المدنيين داخل سجون النظام تصل إلى سياسة الإبادة كجريمة ضد الإنسانية.
ويؤكد الباحثون في تقريرهم أن هناك العديد من جرائم الحرب التي ارتكبت في السجون، ورغم ذلك، لم يذكر المحققون أسماء المشتبه بهم المسؤولين عن هذا التعذيب والذين سيتعرضون بلا شك لعقوبات دولية من مجلس الأمن الدولي.
في المقابل، معظم الجماعات المسلحة الأخرى بما في ذلك جبهة النصرة وداعش قامت بتعذيب المحتجزين في سجونها كذلك. لكن التقرير الذي نشر يوم أمس الإثنين يثبت أن الأفعال الأكثر وحشية التي مورست ضد السجناء تمت في سجون النظام السوري بين الفترة الممتدة 10 مارس 2011 و30 نوفمبر 2015 وهي الفترة التي يغطيها التقرير.
وكان من بين من لقوا حتفهم في سجون النظام السوري أطفال لا تتجاوز أعمارهم 7 سنوات، وذكرت إحدى العائلات السورية المقيمة في صيدا الآن أنها فقدت ابنها ذو ال 13 عاماً بعد ان اعتقلته قوات النظام، حيث قامت سلطات النظام بتسليم جثته إلى العائلة بعد موته وكان عليها الكثير من آثار التعذيب والتشويه. ويثبت التقرير أن حراس السجن كانوا يعذبون السجناء ويقتلونهم أمام زملائهم بشكل متواصل.
وفي 2014، أجبر السجناء في سجن دمشق على مواجهة الجدار بوجوههم بينما قام حراس السجن بضربهم بشكل كبير في جميع أنحاء اجسادهم. يصف أحد الناجين من الحادثة ما حدث لزميل له هناك قتل بسبب التعذيب، حيث طلب المتوفى من زملائه إخبار أهله بما حصل معه. ولاحقاً لم يجد زملائه أمامهم إلا أن يلفوه ببطانية عسكرية قارئين بعض آيات القرآن عليه في قلوبهم.
بينما أشار أحد السجناء من حمص إلى شهادته على حادثة موت أحد المسنين بعد أن قام حراس السجن بإحراق عينيه بالسجائر، ثم طعنوه بمعادن ساخنة، وعلقوه من معصميه وهو ما استغرق 3 ساعات كاملة حتى يفارق الحياة.
وفي حالات أخرى، استغرق الأمر أكثر من ذلك حتى تحدث الوفاة، ففي عام 2014، قام حراس أحد سجون النظام التابع للفرقة الرابعة من الجيش السوري بتشويه الأعضاء التناسلية لأحد المعتقلين وتركوه يعاني آلاماً لا توصف ونزيفاً حاداً لثلاثة أيام قبل أن يفارق الحياة.
وفي كثير من الأحيان، أصيب من تعرض بالتعذيب بعدد كبير من الفيروسات والإلتهابات وذلك لأن جراحهم تركت دون أي علاج طبي. أحد السجناء في فرع مخابرات القوة الجوية السورية في حلب، ترك ضباط السجن أحد المعتقلين في الردهة حينما أيقنوا أنه غير قادر على الوقوف مجدداً من شدة التعذيب، وأخذ الأمر أكثر من يوم حتى تيقن الضباط من موته، فيما قالت عائلة المعتقل القتيل أنها لم تستطع التعرف عليه بسهولة بعد أن استلموا جثته من السلطات السورية.
ووفقاً لهذه المقابلات التي احتواها تقرير الأمم المتحدة الأخير، فإن ظروف الاعتقال كانت متشابهة في مختلف مناطق سوريا. فالزنازين كانت مكتظة بالمعتقلين للغاية، وغالباً ما يضطر المعتقلون إلى النوم وقوفاً وجلوساً بسبب ضيق المساحة. عدا عن عدم تمكن المعتقلين من استخدام المراحيض بشكل طبيعي وهو ما يدفع المعتقلين في كثير من الأحيان للتغوط في الزنازين تحت الإضطرار، حتى لو كانت مزدحمة بالمعتقلين. هذا عدا عن حالات انتشار القمل والجرب وبعض الحالات المرضية التي انتشرت بين المعتقلين.
يضاف إلى ذلك النقص الحاد في تغذية السجناء إلى حد المجاعة، وحتى لو توفرت المواد الغذائية فتكون فاسدة تسبب القيء والاسهال الشديد للمعتقلين. هذا عدا عن حالات الوفاة التي حدثت بسبب الإهمال الطبي بمعالجة مرضى السكري والربو وقصور القلب.
وحتى في حالات نقل المعتقلين للمستشفيات لم تكن الرعاية الطبية كافية لإنقاذ حياتهم، بل كان يطلب منهم دوماً تكفين زملائهم المتوفين والذين توفوا بالمستشفى في ظل العناية الطبية السيئة للغاية.
ويشير عدد من الناجين من الأسر في سجون النظام إلى استسلام بعض زملائهم إلى الاضطرابات النفسية خاصة بعد احتجازهم لفترات طويلة، وهو ما دفع الكثير منهم للتوقف عن الأكل والشرب وانتهى بهم الأمر إلى الموت في زنازينهم.
ووفق التقرير أيضاً، فإن هناك حالات أخرى قامت بها قوات النظام بتصفية المعتقلين خارج نطاق القضاء ضمن حملات قتل وتصفية جماعية. ففي عام 2013، طفت فوق نهر قويق في حلب أكثر من 140 جثة لمعتقلين لدى النظام السوري معظمهم تعرضوا لإطلاق النار في رؤوسهم أثناء تقييد أيديهم خلف ظهورهم وهو ما حدث وفق شهود عيان في مناطق سيطرة النظام.
أما النظام فكان رده المتكرر حول حالاة الوفاة هذه مرتبط بكونها ناتجة من نوبات قلبية، وهو ما رفضته اسر الضحايا في كثير من الأحيان واصفة قبولها بهذا التبرير بمنحها إذن للنظام لقتل أبنائهم.