نشر موقع ناشيونال انترست مقالاً تحليلياً حول كم ومدى الخطورة التي يشكلها داعش لإسرائيل، وأشار التقرير إلى بعض الحقائق المتعلقة بنشطاء داعش الذين تم إلقاء القبض عليهم أو التحقوا بصفوف داعش. وننوه هنا إلى أن المصطلحات الواردة في هذا التقرير كما وردت من المصدر، وبامكانك الاطلاع على المادة الأصلية عبر الضغط هنا
في نهاية أكتوبر 2015، أطلق تنظيم داعش أول فيديو دعائي له باللغة العبرية، وتضمن الفيديو تهديداً نصه ” لن يبقى يهودي واحد في القدس”. وبعد ذلك بشهرين ظهر تسجيل صوتي لأبي بكر البغدادي، زعيم التنظيم حمل في تهديداً مباشراً لإسرائيل لأول مرة وقال فيه :” لن تكون فلسطين أرضكم أو منزلكم.. بل إنها مقبرة لكم”. وبعد ذلك بأسابيع قليلة وتحديداً في يناير 2016 قال الرئيس الإسرائيلي “رؤوفين ريفلين”:” داعش بالفعل باتت هنا – أي في إسرائيل”.
وقع الاشتباك الأول بين مقاتلي داعش وجيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مرتفعات الجولان، وهجوم إرهابي فاشل استهدف فريق كرة القدم الإسرائيلي أثناء تواجده في ألبانيا في شهر نوفمبر عام 2016، وأثار هذان الاشتباكان سؤالاً مهماً حول مدى خطوة داعش على إسرائيل.
ومن أجل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن نقيم ثلاثة مسارح رئيسية من حيث تواجد الجماعات التابعة لداعش والتي تتوزع حسب الآتي: 1. المناطق الحدودية لإسرائيلي 2. داخل الأراضي الفلسطينية واخيراً 3. داخل إسرائيل.
-
المناطق الحدودية: سيناء ومرتفعات الجولان
تواجه القاهرة تمرداً خطيراً في شبه جزيرة سيناء. وينشط هناك تنظيم داعش عبر ولاية سيناء الإسلامية ويركز هجماته على قوات الأمن المصرية المتواجدة في سيناء موقعاً مئات الضحايا في صفوفها. ويبدو أن حملة قوات الأمن المصرية لدحر قوات داعش من شبه الجزيرة لاقت بعض النجاح انطلاقاً من صيف عام 2016 حيث انخفضت فعالية وحدة هجمات التنظيم. بالنسبة لإسرائيل، فإن هدوء الحدود الحالي لا يلغي شكوك وتوقعات جيش الاحتلال الإسرائيلي عن حتمية تعرض إسرائيل لهجوم من داعش في نهاية المطاف، وبالتالي فإن جيش الاحتلال يكثف من رقابته على الحدود بشكل متواصل.
الحرب الأهلية السورية تضع إسرائيل في مواجهة وضع أمني متفجر في مناطق الشمال. وكان هناك العديد من الحوادث التي شهدتها الحدود الإسرائيلية – السورية على مدار السنوات الأخيرة، كان منها تعرض الدوريات العسكرية الإسرائيلية لهجمات بقذائف الهاون او المدفعية بين الفينة والأخرى. إسرائيل من جهتها حافظت على طلعاتها الجوية بين الحين والآخر في سوريا لتحقيق الردع الكافي ومع ذلك يمكن القول بأن الوضع الأمني العام في مرتفعات الجولان هادئ إلى حد ما.
ومع نهاية نوفمبر 2016، تعرضت وحدة استطلاع من لواء جولاني لهجوم من قبل جيش خالد بن الوليد (جماعة تابعة لداعش كانت تعرف سابقاً باسم كتائب شهداء اليرموك). وفعلياً كان هذا أول اشتباك مباشر بين مقاتلي داعش وإسرائيل، والزمن وحده كفيل بإثبات ما إذا كان هذا الحادث حالة معزولة عن غيره أم أنه جاء في سياق نقطة تحول للأحداث في مرتفعات الجولان.
وهناك سيناريو آخر تراقبه إسرائيل عن كثب، يتمثل في احتمال زعزعة استقرار الأردن على يدي داعش. وهنا نضع في اعتباراتنا أن إسرائيل تشترك مع الأردن في أطول حدود لها. ويمثل أعضاء الإخوان المسلمين المحبطين بالإضافة إلى السلفيين والفلسطينيين المهملين وأبناء القبال المهملين اقتصادياً قاعدة جيدة لداعش من أجل التجنيد. ومع ذلك، أثبتت الأجهزة الأمنية الأردنية قدرة وولاءً عالياً للنظام في الأردن.
-
الأراضي الفلسطينية
لا يوجد حتى الآن سوى بعض المؤشرات القليلة جداً حول أي وجود مباشر لداعش في الضفة الغربية. فإلى جانب العمل الفعال من أجهزة الأمن الإسرائيلية (تتعاون في بعض الأحيان مع أجهزة الأمن الفلسطينية)، يبدو ان دعم وتأييد داعش داخل الضفة الغربية محدود جداً. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن 3% فقط من الفلسطينيين يعتبرون ان داعش تمثل “الدولة الإسلامية الحقة”. أما في غزة فإن نسبة من اعتبر داعش كذلك وصلت إلى حدود 9%.
وفي يوليو 2015 نشرت داعش شريط فيديو مصور ظهر فيه بعض المقاتلين الفلسطينيين في سوريا ينشطون ضمن صفوف داعش، وخلال الفيديو دعوا الفلسطينيين لمبايعة داعش والالتحاق بصفوفها. وعلى الأقل فقد تأثر بعض المهاجمين – ضمن عمليات الذئب الوحيد- وخلال الفترة التي شهدت إسرائيل فيها موجة من الأعمال الإرهابية بين أكتوبر 2015 وربيع 2016 كانت بتحريض من داعش او مستوحاة منها، وتسببت هذه الهجمات على الاٌل في مقتل 4 إسرائيليين. ولعل الهجوم الإرهابي الأعنف في هذا الصدد كان ما نفذه فلسطينيين من سكان يطا جنوب الضفة الغربية حينما استهدفوا مطعم “سارونا” وسط مدينة تل أبيب في 8 يونيو 2016 وتسببوا بمقتل 4 إسرائيليين. وأقر حينها جهاز الشاباك الإسرائيلي أن هذا الهجوم كان مستوحى من داعش، ومع ذلك فقد اكد الشاباك أن المهاجمان تصرفا بدافع شخصي ولم يتلقيا أي دعم من التنظيم. وهكذا، تشكل داعش قبل كل شيء مصدر إلهام للفلسطينيين يدفعهم للجوء إلى العنف أو استلهام تجاربها في هذا الميدان.
من ناحية أخرى، يظهر قطاع غزة كقصة مختلفة هنا. فالسلفية متجذرة بعمق في أجزاء من المجتمع الغزي. وسبق للجماعات السلفية في غزة أن قدمت البيعة لداعش. لكن البغدادي رفض هذه البيعة وأشار إلى أن هذه الجماعات كانت ضعيفة جداً وغير فاعلة ولا يمكن اعتبارها – او لا ترقى- لتنال اسم امارة إسلامية هناك.
وتحاول الجماعات السلفية جر إسرائيل إلى تصعيد عسكري آخر من خلال إثارة الطرف الإسرائيلي للريد على إطلاق الصواريخ او العبوات الناسفة على طول السياج الحدودي. وتأمل هذه الجماعات في إضعاف حماس على اعتبار انها العدو الرئيسي لها في هذه المرحلة. وتعتبر داعش ومؤيدوها أن هدفهم الرئيسي في قطاع غزة يتمثل في استهداف تضليل حماس والمشروع النضالي الوطني الفلسطيني والاستعاضة عنه بتشجيع إنشاء وتمدد الخلافة. أما حماس فترى في السلفيين تحد خطير يهدد حكمها لغزة، وعادة ما تلجأ إلى التعامل معهم بالقوة من وقت لآخر.
وبالتالي، يتوجب على إسرائيل مراقبة النشاطات الإسلامية المتعلقة بداعش في الأراضي الفلسطينية عن كثب. مع ملاحظة ان التطورات الداخلية في قطاع غزة تمثل تحدياً لسيطرة إسرائيل على الأوضاع هناك.
-
إسرائيل
السيناريو الأكثر خطورة في هذا السياق ينبع من العرب الساكنين داخل إسرائيل ويدعمون داعش. وقد ينظر الشاباك الإسرائيلي بشكل متزايد نحو الهجمات المستوحاة من طريقة عمل داعش وتضع إسرائيل في دوائر خطيرة كثيرة. ويشكل الانترنت أفضل وسيلة تستخدمها داعش لنشر فكرها او تجنيد المقاتلين. وقد أظهرت استطلاعات الرأي في عام 2015 أن هناك 16% من سكان إسرائيل العرب يتوافقون مع أفكار داعش. وتبدو هذه النسبة مثيرة للقلق فعلاً، فهي تعد أعلى بكثير من نسب تأييد داعش في الأردن حيث لا تتجاوز حدود 3% او في لبنان التي تصل النسبة فيها إلى صفر. وفي عام 2015 ألقي القبض على 4 إسرائيليين لشبهة الانتماء لداعش (اعتبرت المنظمة إرهابية وممنوعة في سبتمبر 2014) وفي عام 2016، وصل عدد المعتقلين داخل إسرائيل إلى 46 تحت شبهة الانتماء لداعش.
وحتى الآن تمكنت أجهزة الأمن الإسرائيلية من تحييد معظم خلايا داعش في مراحل نشأتها المبكرة. وهكذا فإن عدد المؤامرات الإرهابية التي انتقلت من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ كان قليلاً جداً. وألقي القبض على بعض الإسرائيليين بالفعل حينما كانوا على وشك الانضمام إلى صفوف داعش. فعلى سبيل المثال، في أغسطس 2015 ألقت السلطات التركية القبض على ايمان خانجو وجرى ترحيلها إلى إسرائيل. وكانت ايمان صاحبة 44 عاما وطالبة الدكتور في الدراسات الإسلامية وأم لخمسة أطفال في طريقها إلى العبور إلى سوريا للانضمام إلى صفوف داعش. وكانت هناك قصص التحاق ناجحة أيضاً، حيث استخدم شاب يبلغ من العمر 23 عاماً طائرة شراعية انطلق بها من هضبة الجولان باتجاه سوريا في أكتوبر 2015 ونجح في الوصول إلى صفوف داعش. وتشير التقديرات إلى أن هناك ما بين 50 إلى 100 إسرائيلي يقاتلون في سوريا والعراق، ويرجح أن معظمهم ينشطون في صفوف داعش.
وهنا يشكل العائدون الخطر الأكثر وضوحاً، فهناك قرابة 12 إسرائيلي عادوا مرة أخرى إلى إسرائيل بعد أن شاركوا في القتال وتم اعتقالهم. ففي سبتمبر 2016 تم احتجاز افراد اسرة بأكملها لدى عودتهم على إسرائيل. وكان الزوجان مع أطفالهما الثلاثة وهم من مدينة سخنين العربية قد سافرا إلى تركيا وانضما لصفوف داعش بعد أن عبروا الحدود إلى سوريا.
ويخرج دوماً التهديد الأكبر من الخلايا الإرهابية التي قد تنشط في إسرائيل. ففي يوليو 2015 تم القاء القبض على ستة من سكان قرية حورة البدوية وكان بينهم 4 معلمين بتهمة السعي لإنشاء خلية تتبع داعش وتوزيع دعايتها بين طلابهم. وفي ديسمبر 2015 كشف الشاباك عن اعتقاله لخمسة أشخاص من مدينة الناصرة قدموا البيعة لداعش. وفي أكتوبر 2016 اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية ستة من سكان مخيم شعفاط في القدس بدعوى التخطيط لهجوم إرهابي مستوحى من هجمات داعش.
وعلى الرغم من نجاح الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في إيقاف الخلايا المرتبطة بداعش في مراحل مبكرة، إلا أن هناك اتجاه مثير للقلق داخل إسرائيل وهو ما يعرف باسم “الذئب المنفرد”. وهم الأفراد الذين لا ينتمون إلى أي تنظيم إرهابي او الخلايا الصغيرة التي تعمل بوحي أو تحريض من داعش ولا تملك أي صلات بهياكل التنظيم. وتشبه طريقة العمل هذه هجمات سان برناردينو في ديسمبر 2015 واورلاندو في يونيو 2016 في الولايات المتحدة، وغيرها في العديد من بلدان العالم وهو ما يشير إلى أنها أضحت مشكلة عالمية تعاني منهما معظم الدول.
ملخص
في سياق المخاطر الأمنية المختلفة داخل إسرائيل، تشكل داعش حالياً تهديداً كبيراً لكنه لا يرقى لأن يكون تهديداً يمس الدولة اليهودية. فالمجموعات التابعة لداعش داخل حدود إسرائيل او في مصر أو سوريا لا تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل. وحتى إذا ما قررت هذه المجموعات مهاجمة إسرائيل، فإنها لا تملك قوة عسكرية من الدرجة الأولى يمكن لها ان تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي. وكما أشار عاموس يدلين في حديث له :” تتألف داعش من بضعة آلاف من المسلحين الإرهابيين ببنادق كلاشنكوف ينتقلون على شاحنات بيك آب”.
السكان العرب في الأراضي الفلسطينية او في إسرائيل يشكلون فعلاً تهديداً أكثر خطورة من غيرهم. وعلى الرغم من نجاح قوات الأمن الإسرائيلية في منع معظم الهجمات الإرهابية عبر جهودها المتواصلة، إلا أن ذلك كشف عن هوية المزيد من المتعاونين مع داعش.
ويمكن القول أن أي هجوم تنفذه داعش بحق إسرائيل يشكل نصراً دعائياً كبيراً لها. وهكذا فإن داعش التي تعاني كثيراً من النكسات العسكرية الآن في سوريا والعراق قد تتجه إلى توجيه هجوم إرهابي يستهدف إسرائيل بشكل كبير. كما أن الهجوم الأخير الذي تم احباطه في ألبانيا وكان يستهدف فريق كرة القدم الإسرائيلي في نوفمبر 2016 يشير إلى أن المؤسسات الإسرائيلية واليهودية في الخارج يمكن أن تصبح اهدافاً محتملة لداعش في أي وقت.
مارسيل سر: مساعد مدير المعهد الألماني البروتستاني للآثار في القدس