الأمر ليس لعبة كريكت، هكذا ببساطة يصف البريطانيون أمراً يرون فيه من الأهمية مكان أو يرون فيه فعلاً غير عادلاً، هكذا فعلياً كانت ردة فعلي على خبر مصادرة إسرائيل لبعض أراضي شرقي القدس وإعطائها للمستوطنين، فيما أدارت المنظمات الحقوقية ظهرها للفلسطينيين أصحاب الأراضي.
وأسرائيل، صاحبة العضوية في مجلس الكريكيت الأوروبي قامت بمصادرة أرض من عائلة أبوطه في مناطق شرقي القدس ونقلت ملكيتها إلى ما تسميه “أمانة القدس” وهي المؤسسة الوسيطة التي تعمل على إنشاء المستوطنات ونقل ملكية الأراضي للجهات الاستيطانية المختلفة.
الضربة كانت هنا مزدوجة، فالأمر تعدى مصادرة الأرض من العائلة. بل تم تسريب ملكية الأرض إلى منظمة اسرائيلية تهدف في المقام الأول إلى إنشاء مقرات خاصة للمستوطنات على حساب أراضي الفلسطينين وهذه المرة في قلب مناطق شرق القدس – الفلسطينية وفق تعريفات الأمم المتحدة.
شكلت مؤسسة أمانة كامتداد لحركة “غوش ايمونيم” المسيحية الصهيونية والتي يديرها زئيف هيفر، الإرهابي المدان من قبل المحاكم البريطانية لمساهمته في تشجيع الاستيطان في مناطق الضفة الغربية. تملك المؤسسة تاريخاً طويلاً ومتقبلاً من اختلاق وثائق لسرقة الأراضي والممتلكات الفلسطينية تحت ذريعة أنها كانت ملكاً لليهود في يوم من الأيام، أو تزوير عمليات بيع لم تتم بالأساس. ووفق ما تم عقد تأسيسهاعام 1976 فإن أمانة تهدف إلى “إنشاء المجتمعات” الخاصة باليهود في الأراضي المحتلة.
وفي تحقيق نشرته صحيفة الوطن، كشفت الصحيفة أن الشركة التي يديرها هيفر تملك 14 عقاراً من أصل 15 وفق ما تبين أنه وثائق مزورة، الأمر هنا ليس كريكيت مرة أخرى.
“العاد” مجموعة أخرى تعمل لتولي مسؤولية الممتلكات الفلسطينية في شرقي القدس وتسهيل استحواذ اليهود عليها، تشير تحقيقات صحيفة هآرتس إلى أن هذه المجموعة تلقت ما يصل إلى 115 مليون دولار كتبرعات بين عامي 2006 و 2013، والتي جاءت معظمها – وفق الصحيفة – من شركات مسجلة في الملاجئ الضريبية العامة مثل جزر البهامات وجزر فيرجن وسيشل ومن غير الواضح من يسيطر أو يملك هذه الشركات المتبرعة.
ومنظمة أخرى تستفيد من هذه التبرعات هي منظمة “عطيرت كوهانيم” والتي تعمل من أجل خلق أغلبية يهودية داخل مناطقل البلدية القديمة وشرقي القدس والأحياء العربية في المدينة.
وتكشف الوثائق أن اثنين من أبرز مؤسسي هذه المجموعة هما رجل الأعمال اليهودي الأمريكي “إيرفينغ موسكوفيتش” وزوجته ” تشيرما موسكوفيتش”. ومنذ العام 2000 تعمل مؤسسة “عطيرت كوهانيم” من أجل الحصول على الأراضي الفلسطينية في مناطق شرقي القدس والأحياء الفلسطينية من خارج البلدة القديمة في القدس أو ما يسمونه بحول مدينة داود والذي يعد جزءً من الحي الفلسطيني المعرف “سلوان”. ولا تنتهي قصص الفلسطينيين في سلوان وهم يصفون كيف استيقظوا ذات يوم على مجموعة من المستوطنين تطلب منهم اخلاء منازلهم بدعوى امتلاكها.
تتنوع الأساليب المستخدمة للسيطرة على الأرض والممتلكات أو تأجيرها وفق عقود مختلفة للفلسطينيين. وهذا هو واحد من المطالبات التي يقوم بها اليهود على اعتبار أن إنشاء إسرائيل ينبغي ان يكون وفق أساس يهودي، وبالتالي يجب أن يتضمن طرد العائلات الفلسطينية وتسليم ممتلكاتهم إلى المستوطنين ومؤسساتهم التى تعمل باسمهم، وعلى الرغم من الجهد المبذول قضائياً إلا أن جميع الدعاوى الفلسطينية تفشل في استعادة الحقوق الفلسطينية من بين أنياب المستوطنين ويستمر مسلسل ” الترانسفير”.
الفلسطينيون من جهتهم لا يرون هذه كوسيلة من أجل الاحلال والابدال، بل يرون فيها شكلاً من اشكال التحريض الممارس ضدهم، انها ليست لعبة كريكت.
نقطة ساخنة أخرى يركز عليها المستوطنون في عمليات الاستيلاء وهي مدينة الخليل. فمنذ احتلال المدينة بعد عام 1967 انتشر المستوطنون بشكل كبير فيها، ونشطوا بشكل واضح من أجل السيطرة على المباني المختلفة ونقل ملكيتها بغية تحقيق انتقال ديمغرافي قي مركز المدينة.
وكمثال على هذه العملية، كان استيلاء المستوطنين على عشرات من المحلات الفلسطينية في شارع الشهداء الواقع في قلب المدينة. زعم المستوطنون حينها أنهم اشتروا جميع محلات ذلك الشارع، واستغلوا حماية الجيش من أجل السيطرة على المنطقة. ولا يخفى على أحد ما يفعله المستوطنون وقوات الاحتلال من ترويع لسكان المدينة من أجل مغادرة المنطقة. ترافق ذلك مع تقسيم للمسجد الإبراهيمي بدعوى أن هناك مغارة البطريرك وهو ما جرى ضد إرادة السكان المسلمين بالمدينة – 100% نسبة المسلمين من الفلسطينين هناك. انها ليست لعبة كريكيت.
سياسة الإغراء بالمبالغ المالية من اجل بيع العقارات للمستوطنين تعتمد على شركات تؤسس خصيصاً لهذا الأمر، وفي حال فشل هذا النهج المباشر تبدأ هذه المؤسسات بالاعتماد على وسائل ملتوية للسيطرة على العقارات. وقد تتنوع المبالغ المعروضة وتتضخم، وتستمر عادة الفلسطينيين في التعامل القاسي مع كل من يوافق او يحاول بيع شيء للمستوطنين بل حتى من يحاول تسهيل هذه العروض المشبوهة.
قانون أملاك الغائبين، وسيلة أخرى للاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين ونقلها للمستوطنين، ويسمح هذا القانون لإسرائيل بمصادرة الممتلكات الفلسطينية في حال مغادرة المالك أو أجبر على الفرار نتيجة إنشاء إسرائيل ولم يكن للمالك القدرة على العودة – وفق قوانين إسرائيل.
بداية، لم تطبق إسرائيل هذا القانون على مناطق شرقي القدس، لكن الوضع تغير في عام 2015، عندما قضت المحكمة العليا بشمول القانون لمناطق شرقي القدس وهو ما يجعل نقل جميع هذه المنازل أمراً قانونياً داخل إطار الدولة الإسرائيلية. هذا تحد واضح للقانون الدولي، بحيث يشمل تسريب حاد للأراضي في مناطق شرقي القدس.
لا يوجد تقديرات حقيقة لحجم التسريب الذي حدث نتيجة لقانون مصادرة أملاك الغائبين، لكن روبرت فيسك نقل عن أحد الحاخامات في إسرائيل أن نسبة ما تم السيطرة عليه وفق هذا القانون تجاوز 70% من مساحة إسرائيل.
ومما سبق يظهر لنا أن إسرائيل ومنظماتها تعمل بجد من أجل زيادة عدد السكان اليهود الذين يعيشون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة مستخدمة مزيجاً من أساليب التزوير والقوانين والخداع والقوة الغاشمة بشكل صريح لتولي الممتلكات الفلسطينية وزيادة التواجد اليهودي في مناطق شرقي القدس والخليل على وجه الخصوص.
حالة أراضي عائلة أبوطه في الشيخ جراح أخذت الصراع خطوة أخرى إلى الأمما. فالدولة هذه “إسرائيل” استخدمت كل خدعة بالإمكان لإتمام عملية نقل الأراضي هذه والتي لا يراها الفلسطينيون إلا كجزء من التلفيق والتسفير والسرقة.
وكما تسعى فرنسا لإحياء عملية السلام بين الطرفين، سيكون هناك حديث طويل عن إجراءات بناء الثقة بين الطرفين وخلق مناخ مساعد يوفر فرصة لكلا الطرفين لتقديم بعض “التنازلات الضرورية” وهو ما يتطلب من إسرائيل تقديم كثير من التنازلات والتراجع عما تقوم به الآن علانية.
كامل هواش: استاذ بريطاني من اصل فلسطيني يعمل في جامعة برمنجهام وعمل كنائب لرئيس حملة التضامن مع فلسطين.