نشرت صحيفة “معاريف” العبرية تقريرا خاصا بمناسبة مرور 30 سنة على اتفاقية لندن. في الواقع، جمعت هذه الاتفاقية السرية بين شمعون بيريس، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك، وبين العاهل الأردني. تطرقت هذه الاتفاقية بالأساس إلى قضية إعادة الضفة الغربية إلى عهدة السلطة الأردنية.
ومن هذا المنطلق، سيخوض هذا التقرير في تفاصيل الاتفاقية وجهود كلا الطرفين للحفاظ على سريتها. والجدير بالذكر أن اتفاقية لندن قد باءت بالفشل ولم يتوصل بيريس والعاهل الأردني إلى حل يرضي كل الأطراف.
في 10 من نيسان/أبريل سنة 1987، انطلقت سيارة أجرة صغيرة بسرعة فائقة من مطار هيثرو الدولي باتجاه العاصمة لندن. كان الوقت ظهرا، وكان في سيارة الأجرة رجلان، أحدهما السائق الذي يبلغ من العمر 50 وبجانبه مسافر لم يتجاوز 30 سنة، الذي وصل قبل وقت قصير لمنطقة هبوط الطائرات الخاصة.
نجح كلا الرجلين في تجنب إثارة الريبة والشك من حولهما، حتى أن الشرطي الذي اعترض طريق السيارة ليتحقق من أوراق الثبوتية لم يشك مطلقا في هويتهما. انتابت الرجلان نوبة من الهلع عندما اقترب الشرطي من السيارة وطلب منهما تمكينه من الأوراق اللازمة حتى يفحصها. كان الوضع ينذر بالخطر، ففي حال تم كشف أمرهما سيتعرض الكثير من الناس إلى الأذى.
وعادت الذاكرة بأحد الرجلين إلى أحداث ذلك اليوم، “كنت أشعر بأنها نهاية العالم”. وأضاف المصدر ذاته في حوار جمعه بالصحيفة، “كنت قلقا للغاية من أن يكتشف أمرنا. حقا لم أكن أعلم ما الذي قد يحدث لو شك الشرطي في أمرنا لبرهة”.
في واقع الأمر، كان في داخل السيارة المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، يوسي بيلين. وقد كان بيلين متنكرا حتى لا يقع التعرف عليه. وفي هذا الصدد، أورد بيلين، “لقد وضعوا لي شعرا مستعارا وذقنا. أصبحت شخصا آخر. كان من المستحيل أن يُكتشف أمري”.
وفي الأثناء، بادر سائق سيارة الأجرة بالنزول لإلهاء الشرطي، في حين سيطر التوتر على بيلين الذي التصق بمقعد السيارة. في الحقيقة، كان السائق مسؤولا كبيرا في الموساد الإسرائيلي، يدعى افرايم هاليفي، وقد أصبح في وقت لاحق رئيسا للموساد. وفي هذا السياق، أقر بيلين، أنه “من حسن الحظ أن افرايم كان يحمل الجنسية البريطاني”.
وأضاف بيلين، “شرع افرايم في التحدث مع الشرطي. لم أستطع سماع ما كان يدور بينهما. وبعد مرور بضع دقائق، بدت وكأنها دهر، تركنا الشرطي، حتى نواصل طريقنا”. وأشار بيلين إلى أن “مارغريت ثاتشر كانت على علم بقدومنا، ولكنهم لم يتعرفوا علينا في المطار, نظرا لأننا لم نستعمل هويتنا الحقيقية”.
كان بيلين يتحدث بصفة الجمع نظرا لأن شخصية إسرائيلية مهمة جدا قد وصلت في اليوم نفسه في طائرة خاصة. لقد كان وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في الوقت ذاته.
والجدير بالذكر أن السائق الخاص باللورد البريطاني، فيكتور ميشكون، قد تولى مسؤولية نقله من المطار، مع العلم أن هذا السائق محب لليهود ويتسم بالقدرة على حفظ الأسرار. وبالتالي، وفي حال كنت شخصية سياسية إسرائيلية وترغب في مقابلة أي مسؤول آخر من دولة معادية، فما عليك سوى أن تحظى بسائق كتوم وأمين.
على العموم، قدم كل من بيلين وبيريز للندن بغية مقابلة الحسين بن طلال ملك الأردن ورئيس الوزراء، زيد الرفاعي الذين وصلوا إلى بريطانيا بسرية تامة.
ستة لقاءات
نهاية هذه القصة لا تشبه النهايات السعيدة في هوليوود، بل العكس تماما فقد كانت مريرة ومحبطة. في واقع الأمر، اجتمعت الأطراف المعنية رجال في منزل اللورد ميشكون وذلك بهدف إيجاد حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. في المقابل، فشل الرجال الأربعة في تحقيق مآربهم على الرغم من أنهم كانوا قريبين جدا من ذلك. ففي اليوم التالي، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق شامير باختراق العملية فور سماعه بما يدور خلف الكواليس.
ولسائل أن يسأل هل قام شامير بذلك بدافع سياسي أم أخلاقي؟ وهل كان بيريز السبب وراء فشل مبادرته؟ ماذا قيل خلف الأبواب المغلقة في كل من إسرائيل وبريطانيا؟ وقبل كل شيء، هل يمكن القول، بعد مرور 30 سنة، إن “فرصة لا تعوض” قد ضاعت، وفقا لما صرح به وزير الدفاع، افيغادور ليبرمان في مقابلة مع صحيفة معاريف في حزيران / يونيو سنة 2011. أم أن الغرض من هذا الاجتماع كان ضمان التزام الطرفين بما ورد في الاتفاقية التي عرفت فيما بعد باسم “اتفاقية لندن”؟ مع العلم أنه لم يتم التوقيع على هذه الاتفاقية من قبل أي شخص.
وفقا لوزير المالية، موشيه نسيم، فإن الشروط التي تضمنتها الوثيقة لم تكن قابلة للتطبيق. في المقابل، صرح عضو الليكود والرئيس الإسرائيلي الحالي، رؤوفين ريفلين، أن الاتفاقية كانت بمثابة “إنجاز عظيم لبيريز”. أما بالنسبة لبيريز نفسه، فقد آمن حتى آخر يوم في حياته بأن اتفاقية لندن كان بالإمكان أن ترى النور. وفي هذا الصدد، قال بيريز، خلال مقابلة له مع صحيفة “ميكور ريشون” في سنة 2014، إنه “لم يكن لدينا مشاكل مع يهودا والسامرة أو مع القدس”.
قبل شهرين من هذه المقابلة، نشر بيريز على صفحته الخاصة على الفيسبوك، قائلا: “الزي التنكري ليس مخصصا فقط لعيد المساخر”. وأرفق منشوره بصورة قديمة له وهو يلبس شعرا مستعارا ونظارات شمسية. وعلق بيريز، قائلا أن “هذا الزي التنكري الذي ارتديته خلال فترة السبعينات عندما ذهبت لمقابلة ملك الأردن من أجل إبرام معاهدة السلام”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه اللقاءات تعتبر اجتماعات عادية خصوصا بين دولتين تتشاركان في الحدود. فضلا عن ذلك، ليس من الغريب أن يجتمع المسؤولون الإسرائيليون والأردنيون للخوض في قضايا تربط الدولتين على غرار العملة الأردنية المسموح للإسرائيليين بإدخالها عبر “معبر النبي” ومشكلة الطاقة الكهربائية المنبعثة من مطار إيلات، التي تشوش على الطائرات الأردنية المحلقة.
وفي شأن ذي صلة، التقى بيريز، الذي عُين في سنة 1984، رئيسا للوزراء في الحكومة الإسرائيلية، في العديد من المناسبات مع العاهل الأردني. في حقيقة الأمر، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بالملك الأردني للمرة الأولى بغية التباحث حول مناقشة مسألة ضم فلسطين كجزء من اتفاقية سلام شامل. وفي الأثناء، تفاعل الملك الأردني بشكل إيجابي مع هذا المقترح، حيث اعتبره أمرا “مثيرا للاهتمام”. وعقب هذا اللقاء، اجتمع الملك الأردني ببيريز ما لا يقل عن ستة مرات، وذلك وفقا لشهود عيان.
عرض لا يفوت
كان الاجتماع بين مختلف الأطراف يعد مسألة عادية، لولا انعقاده في بيت ميشكون في لندن. وفي السياق ذاته، أورد بيلين، أنه “عندما كنا على متن الطائرة، سألني بيريز عن رأيي فيما يتعلق بتجهيز نص الاتفاقية الأولي، الذي من شأنه أن يحدث تغييرات جذرية في المستقبل”.
تتمحور الاتفاقية بالأساس حول سيطرة الأردن على الضفة الغربية مقابل تعزيز العلاقات بين إسرائيل والأردن. ونظرا لسرية الاتفاقية، أدركوا أن هذه المبادرة لا بد أن تكون برعاية مصدر خارجي ويفضل أن يكون الولايات المتحدة الأمريكية. وذلك مثلما حدث خلال “حرب أكتوبر” عندما تدخلت كل من القوات البريطانية والفرنسية بين مصر وإسرائيل، حتى يظهروا للعالم أنهم قوات سلام.
وفي هذا السياق، أفاد كل من بيريز وبيلين، أنه “كان من الضروري أن تتم العملية تحت “مظلة دولية” تقوم بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة الطرفين(الأردن وإسرائيل) لتوقيع الاتفاقية بشكل علني. وبالتالي، سيتبادر لذهن الجميع أن هذه المبادرة دولية تقودها الولايات المتحدة وليست عملية سرية بين إسرائيل والأردن”.
في المقابل، رفض حينها حزب الليكود بقيادة شامير فضلا عن افرايم هليفي، هذه الفكرة، علما وأنه لم يعبر عن رأيه حول هذا الموضوع. وفي هذا الإطار، أقر بيلين، أن مشكلته مع الليكود كانت رفضهم للاتفاقية. وفي الأثناء، كان لهليفي جملة من التحفظات بشأن الاتفاقية، حيث صرح بعد مرور 30 سنة، أن “الحل الدولي لم يكن سيظهر إسرائيل كجانب متعاون وإيجابي بل على العكس”.
في اليوم التالي، اجتمع المسؤولون في بيت اللورد البريطاني الفخم في لندن. ونظرا لسرية الاجتماع، أخلى ميشكون بيته من كل العاملين فيه. كان بيريز وبيلين أول الحاضرين، وبعد نصف ساعة حضر الملك حسين ورئيس وزرائه الرفاعي.
أما بالنسبة ميشكون، فقد كان موقفه من القضية الفلسطينية واضحا، وهو ما يتجلى من خلال إرساله لبرقية شديدة اللهجة للحكومة الإسرائيلية بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، قال فيها، إن “ما حدث للأطفال والنساء الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا ما هو إلا عمل بربري ووحشي على يد قوات مسيحية بأوامر يهودية”. في الحقيقة، اقتصرت وظيفة ميشكون وزوجته على خدمة الضيوف والحرص على أن يشعروا بالراحة.
حظي الحدث بانتباه الكثيرين وكتب بخصوصه العديد من الأشخاص، حتى أنهم تطرقوا إلى تفاصيل العشاء الذي سبق الاجتماع، حيث قام بيريز والملك حسين بعد الانتهاء من المأدبة بالمساعدة في تنظيف الصحون وترتيب المكان.
وفي السياق ذاته، أشار بيلين، إلى أنه لم يكن محبا للأردن بعكس بيريز. وأضاف بيلين، قائلا: “لم أكن أؤمن أن هذا الاجتماع سيكون كفيلا بتغيير الكثير من المعطيات. لقد كانت لدي تحفظاتي الخاصة بشأن الاتفاقية”. كما تطرقت وسائل الإعلام إلى العديد من الأحداث الثانوية التي وقعت آنذاك، على غرار اضطرار الملك حسين لحضور اجتماع آخر في لندن، وقد طلب من بيلين والرفاعي أن يكتبوا نص الاتفاقية بناء على ملاحظاته.
من جهته، طرح بيلين، السؤال التالي: “هل بإمكان الملك حسين بعد مضي 20 سنة على “حرب الستة أيام” أن يطمح في السيطرة على الضفة الغربية من جديد؟”
في الحقيقة، لم يكن الملك حسين قادرا على الالتزام ببنود الاتفاقية، في حين آمن كل من بيريز وبيلين بإمكانية تحقيق ما جاء فيها على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، أوضح بيلين، أنه “في وقت ما كنت ساذجا لدرجة أنني صدقت أن هذه الاتفاقية قد تنجح فعلا”.
في المقابل، لم يكن شامير متحمسا لفكرة عقد اتفاقية مع الأردن، على عكس موشيه نسيم الذي كانت تجمعه علاقة طيبة ببيريز. وفي اليوم الذي تلى اجتماع لندن، التقى الاثنين رفقة بيريز في مكتب وزارة الخارجية.
وفي هذا السياق، أورد موشيه نسيم، أنه “بينما كنت أتحاور مع شامير حول مسائل عدة، قاطعنا بيريز قائلا إنه قد أبرم اتفاقية مع ملك الأردن”. وأضاف نسيم، قائلا: “لقد ظننت أن عقد اتفاق مع الأردن أمر جيد. ولكن بالنسبة لي فضلا عن أغلب اليمين، لم نكن متحمسين لفكرة إبرام اتفاقية دولية”.
وفي الأثناء، قام بيريز بإرسال بيلين إلى فنلندا من أجل مقابلة وزير الخارجية الأمريكي، جورج شولتز، على أمل أن يتبنى شولتز الاتفاقية قبل أن يعارض شامير ذلك ويعرقل مجريات المفاوضات مع الأردن. في المقابل، نفى بيلين صحة هذا الادعاء، حيث أكد أن الخبر قد ترامى إلى مسامع شولتز بطريقة ما، وقد أبدى دعمه الواضح لهذه المبادرة.
ونتيجة لذلك، وفور تأكده من موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، سارع بيريز للقاء الرئيس الأمريكي في مساء اليوم ذاته. والجدير بالذكر أن شامير لم يكن على علم بحقيقة الاجتماعات الأردنية الإسرائيلية، ولكنه تفطن إلى ذلك إثر مقابلة بيريز للرئيس الأمريكي. وقد كان ذلك تجاوزا واضحا لمركز شامير وأول أخطاء بيريز، مما دفعه لتنحية بيريز من منصبه إثر الانتخابات التي أجريت بعد سنة ونصف، أي في سنة 1988.
وفي الإطار ذاته، أورد نسيم أن “بيريز قد أجل مقابلة رئيس الوزراء شامير واعلامه بحقيقة الاتفاقية السرية التي تجمع إسرائيل والعاهل الأردني، إلى أن وردته أخبار مؤكدة عن موافقة الولايات المتحدة الأمريكية”. وأردف نسيم، أنه “من المرجح أن ذاك هو السبب الرئيسي وراء تجريد شمعون بيريز من حقيبة الخارجية”.
وفي هذا السياق، نقل نسيم تصريحات شامير أثناء لقاء جمع بينهما، حيث أفاد شامير، أن “شمعون بيريز قد تجرأ على إبرام اتفاقات شخصية وخاصة دون علمي. هذا التصرف مرفوض تماما. أعتقد أنه من الأفضل أن يتولى شخص آخر حقيبة الخارجية حتى نتفادى الكثير من المفاجآت في المستقبل”. وفي مساء 12 من نيسان/ أبريل سنة 1987، أدرك بيريز أن جميع المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء قد علموا بحقيقة الاتفاقية السرية في لندن. وقد كان ذلك خطأ بيريز الثاني، حيث اخفى الأمر عن شامير.
من جانب آخر، أفاد موشيه آرنز، أن “شامير تعامل مع المسألة من منظوره الشخصي، فقد كان منذ البداية غير متحمس لمثل هذه الاتفاقية. وعلى الرغم من أن الاتفاقية لم تكن لتضمن السلام بين إسرائيل وفلسطين، إلا أن تهميشها وتعنت شامير وإصراره على رفضها يعتبر تصرفا غير مسؤول”.
في واقع الأمر، لعبت كل الأسباب التي ذكرت آنفا دورا رئيسيا في إحباط مساعي بيريز وفشل اتفاقية لندن. والجدير بالذكر أن شامير قد طلب، مباشرة، مقابلة وزير الخارجية الأمريكي حتى يعلمه بقرار إلغاء الاتفاقية بين الأردن وإسرائيل، مع العلم أن مثل هذا التصرف من شأنه أن يمس مصداقية إسرائيل أمام المجتمع الدولي، عموما، وأمام الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.
قامت إحدى الصحف بإجراء مقابلة مع موشيه نسيم، وطرحت عليه جملة من الأسئلة حول “اتفاقية لندن”. وقد تساءلت الصحيفة عن سبب إلغاء شامير لهذه الاتفاقية، هل كان ذلك لدوافع شخصية أم لأسباب سياسية؟ أم أنه اشتبه في أن بيريز يحيك مؤامرة سياسية من وراءه؟
وردا على هذا الاستفسار، صرح نسيم، أنه “من الضروري التطرق للموضوع من وجهة نظر رئيس الوزراء. فهل يمكنك أن تتقبل فكرة أن يقوم أحد الوزراء الذين يعملون تحت امرتك بعقد اجتماع سري دون علمك وموافقتك أو حتى استشارتك. ثم تكتشف بعد ذلك صدفة أن وزير خارجيتك يحاول إقناع وزير الخارجية الأمريكي بمساعيه، على أن يقوم بدوره بعرض الاتفاقية عليك”.
وأضافت الصحيفة، هل سبق لك وسمعت عن مؤامرات كهذه تحاك في صلب الحكومة الإسرائيلية؟ أليس من الغريب أن يتم إلغاء اتفاقية كان من الممكن أن تحدث تغييرا جوهريا؟
وفي هذا الصدد، أوضح نسيم أنه “لا يمكن لحكومة فعلية أن تعمل بهذه الطريقة، إذ أنه من غير المقبول بتاتا أن يقدم الوزراء على عقد لقاء سري مع أطراف أخرى دون علم رئيس الوزراء”.
وأضاف نسيم قائلا: “مما لا شك فيه أن بيريز كان يعي جيدا أن الليكود ورئيس الوزراء سيعارضون مثل هذه الخطوة. وعلى الرغم من ذلك، سعى بيريز للتوصل إلى حل مع الأردن، وإبرام اتفاقية تتعارض تماما مع وجهة نظر رئيس الوزراء”.
بروز نتنياهو على الساحة السياسية في وقت مبكر
كانت النهاية متوقعة، فبعد أن تم الإعلان عن الاتفاقية، سرت موجة من الغضب العام، في حين قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب. ونتيجة لذلك، همشت اتفاقية لندن وتهاوت حتى قبل أن ترى النور.
من جهة أخرى، توقع الملك الأردني أن يقدم بيريز استقالته ولكنه لم يقم بذلك، مع العلم أن الاجتماع الذي عقد في بيت ميشكون في نيسان / أبريل سنة 1987، كان اللقاء الأخير بين الملك حسين وبيريز. في المقابل، وجه الأردن ضربة قاضية لمساعي بيريز، حيث أعلن الملك الأردني، في تموز/ يوليو سنة 1988، عن انسحاب بلاده التام وتخليه عن كل المسؤوليات القانونية والإدارية في الضفة الغربية.
إثر هذه الوقائع، تيقن كل من بيريز وبيلين أن الاتفاقية لن تطبق على أرض الواقع. خلافا لذلك، رأى البعض الآخر أن انسحاب الأردن من الضفة الغربية يعد بمثابة فرصة لتحسين صورة إسرائيل. ولعل أبرز الأطراف التي كانت تؤيد هذا الفكر، بنيامين نتنياهو الذي كان يشغل آنذاك منصب ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة.
في واقع الأمر، اعتبر نتنياهو أن فشل اتفاقية لندن يعد أفضل دافع لإسرائيل للاستيلاء على أراضي الضفة الغربية وفرض سيطرتها المطلقة عليها.
هذه المادة مترجمة من صحيفة معاريف العبرية للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا