يعتبر صعود السلفية المتشددة -وهو توجه إسلامي يتبع التفسير الحرفي للقرآن، ويدعو إلى استعادة ما يسمى بالخلافة الإسلامية- توجهاً مثيراً للقلق في غزة. فحماس، التي تتكون أيديولوجيتها من مزيج من القومية الفلسطينية والسياسة الإسلامية المتشددة، تتعرض للضغط من قبل هذه المنظمات الإرهابية الأكثر عنفاً وتطرفاً، وقد تقترب الفصائل الفلسطينية بقيادة حماس وحركة فتح من المصالحة في غزة، ولكن الجماعات السلفية الجهادية التي تقوم بهجمات جريئة يمكن أن تفسد أي تقارب، ومن المحتمل أن تجر الفلسطينيين إلى نزاع آخر. ففي آب/أغسطس قام انتحاري بتفجير عبوة ناسفة في قطاع غزة بالقرب من الحدود مع مصر؛ ممَّا أدى إلى مقتل أحد أفراد فريق الأمن في حماس وجرح عدد آخر. وبعيداً عن كونه حادثاً فردياً، إلا أن هذا الهجوم يمثل ظهور فصيل مسلح آخر عنيف في قطاع غزة، وهو قطاع مكتظ بالسكان الذين يصل تعدادهم إلى ما يزيد على 1.8 مليون شخص، في منطقة يبلغ حجمها تقريباً ضعف حجم واشنطن العاصمة. ويرجع هذا التحول الكبير نحو بيئة أكثر تطرفاً وعنفاً إلى تصاعد الحركة السلفية في غزة، وهي ظاهرة جديدة تهدد التوازن المؤقت لهذه المنطقة المضطربة في الشرق الأوسط.
مصممة على تدمير إسرائيل وشن حرب على الجماعات الفلسطينية التي تعتبرها هذه المنظمات معتدلة جداً.
أيديولوجيا معززة
كانت السلفية تتجذر تاريخياً في غزة في السبعينات، عندما عاد الطلاب الفلسطينيون من الدراسة في الخارج، خصوصاً من المدارس الدينية في المملكة العربية السعودية. ولا يزال عدد من الجماعات السلفية في غزة يتلقى الدعم والتمويل من الرياض اليوم، وفقاً للصحفي جاريد ماسلين. والمجموعات الأربع الرئيسية هي جند أنصار الله وجيش الإسلام وجيش الأمة وجيش التوحيد والجهاد. وعلى الرغم من أن هذه الجماعات لم تؤدِ دوراً رئيسياً في السياسة الفلسطينية فإن هذا الأمر قد تغير في السنوات القليلة الماضية. ففي البداية اكتسب السلفيون قوة في فراغ السلطة الذي نتج عن الصراع الداخلي بين حماس وفتح في صيف عام 2007. وفي عام 2009 أعلن الزعيم السلفي عبد اللطيف موسى، زعيم جند أنصار الله، عن “إمارة إسلامية” في جنوب مدينة رفح، قبل أن يقتل في غارة شنتها حماس.
إن نجاح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي تعتبر جماعة سلفية متشددة، زاد من تعزيز السلفيين في غزة. فقد تضمنت البيانات الإعلامية التي أصدرتها الجماعات السلفية التي تتخذ من غزة مقراً لها، على سبيل المثال، أغاني وصوراً تم إنتاجها أصلاً من قبل الجناح الدعائي لتنظيم داعش. وعلى نطاق أوسع، ساعد إعلان داعش للخلافة، وهو إعلان رسمي عن نية الجماعة حكم دولة يحكمها القانون الإسلامي الصارم، على تجديد الأيديولوجية السلفية. وكان النداء العالمي للمنظمة دليلاً واضحاً على قدرتها على تجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب، وزراعة عشرات الآلاف من المؤيدين على الإنترنت، الذين يروجون للدعاية وينشرون رسالتها، بغض النظر عن الخسائر التي تلقتها الدولة الإسلامية على مدار الأشهر الستة الماضية. فالنجاح المؤقت للمجموعة كان دليلاً على على أن تشكيل الخلافة التي تحكم وفقاً لمبادئ إسلامية صارمة ليس ممكناً فحسب، بل إنما هو واجب إلهي.
تفادي حماس
مع الأخذ في عين الاعتبار نجاح داعش في الاستيلاء على مساحات واسعة من سوريا والعراق، فإن الجماعات السلفية الناشطة في غزة قد بذلت جهوداً كبيرة لإظهار نفسها على أنها أكثر المنظمات تطرفاً داخل الأراضي المحتلة. هذه المجموعات تعتبر أعضاء حماس كفاراً لاستعدادهم للمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006. الجماعات السلفية هي في حد ذاتها معارضة للانتخابات؛ لأنهم يعتقدون أن القانون لله وحده، وأن الشريعة ليست سوى منصة الحكم . وقد قامت هذه الجماعات حتى الآن بتجنيد أعضائها لتخريب وإغلاق محلات بيع الفيديو ومقاهي الإنترنت والعديد من المؤسسات التي صنفوها على أنها “غير إسلامية”.
كما انتقد السلفيون في غزة حماس لموافقتها على وقف إطلاق النار مع إسرائيل في عدة مناسبات، كان آخرها في منتصف عام 2015، مدعية بأن الجماعة الفلسطينية (حماس) التي كانت مخيفة من قبل، والتي عرفت باستخدام التفجيرات الانتحارية، هي الآن مذنبة بالتعاون مع العدو الصهيوني. وأشارت جماعة تعرف باسم جنود كتائب التوحيد إلى حماس بأنها “منحرفة” و”ملتوية”، وأضافت أنها “لن تتوقف عن استهداف قادة” حماس، و”كسر عظامها، وتنظيف الأرض النقية في قطاع غزة من هذه الفظائع”.
ولتخريب وقف إطلاق النار، دأب أنصار داعش في غزة على إطلاق صواريخ على الحدود الإسرائيلية بشكل متقطع في حالة من العصيان. ورداً على ذلك شنت حماس حملة ضد السلفيين، وتم تغريم عشرات منهم وسجنهم دون محاكمة أو إجراءات قانونية. وقد تصاعدت التوترات حتى اندلعت معارك بين حماس والسلفيين، الذين قاموا بالتهديد مراراً وتكراراً بإطلاق الصواريخ على إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، في تحدٍ صريح لحركة حماس.
وفي الواقع، فإن هذه الجماعات السلفية تتحدى حماس بأنها أكثر الجماعات الإسلامية التي تتبع النهج الإسلامي الحقيقي بين مختلف المنظمات الفلسطينية. وبذلك فإنهم يمتلكون القدرة على دفع حماس نحو موقف أكثر تشدداً. وفقدت حماس بالفعل بعض أعضائها الأكثر تطرفاً، بمن فيهم كثيرون من جناحها العسكري، إلى هذه الجماعات التي تدعو إلى موقف أكثر عسكرية تجاه إسرائيل.
وجهة نظر إسرائيل
إسرائيل أكثر قلقاً من حماس بشأن صعود الجهاديين السلفيين في غزة. ورغم أن الدولة اليهودية محاطة بجيران يشكلون تهديداً عليها فإن الخطر الذي يشكله الجهاديون عبر الحدود الوطنية خطير بشكل خاص. وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت محصنة نسبياً من هجمات القاعدة، لكن وجود تنظيم قوي ومقره في شبه جزيرة سيناء في مصر، عبر الحدود من غزة، قد قدم لتل أبيب تحدياً أمنياً آخر. وقد اشتبك هؤلاء المتمردون بشكل منتظم مع قوات الأمن المصرية، وكانوا مسؤولين عن الهجوم على طائرة ميتروجيت رقم 9268 التي أسقطتها قبل عامين قنبلة داعش، وأدت إلى مقتل 224 شخصاً كانوا على متنها. وفي الشهر نفسه، حذر مقطع فيديو من داعش صدر باللغة العبرية من أنه “لن يبقى يهودي واحد في القدس”.
وعلى الرغم من أن البعض قد يرفض هذا التهديد ويعتبره مجرد تنفيس عن الغضب، فإن إسرائيل تأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد. فإسرائيل فمن جانبها لا تعترف بالفرق بين الهجمات التي شنها السلفيون وتلك التي شنتها حماس. وتعتبر إسرائيل حماس، حكومة الأمر الواقع المعترف بها في غزة، مسؤولة عن جميع الهجمات الصادرة من غزة. وهذا يعني أن الهجمات التي قام بها السلفيون يمكن أن تؤدي بالفعل إلى أعمال انتقامية إسرائيلية تستهدف البنية التحتية والممتلكات التابعة لحماس. يبدو أن معاقبة حماس على أفعال السلفيين مرهقة؛ لأنها يمكن أن تدمر بسهولة ما كان يعتبر فترة هادئة نسبياً خلال وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي ظل ثابتاً في معظمه منذ نهاية عملية “الجرف الصامد” في أواخر آب/أغسطس 2014.
وسيؤدي الحد من التهديد الذي يشكله السلفيون في غزة بالضرورة إلى الحد من المجموعة المحتملة من المجندين. يذكر أن الجيل الحالي من شباب غزة قد شهد 3 حروب متعاقبة مع إسرائيل، بالإضافة إلى البطالة ونقص في البضائع والمعروضات، وقد تم تسمية هذا الجيل من الشباب بـ”جيل حماس”. ولكن إذا استمرت الحالة الاقتصادية في غزة في التدهور، نتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرضته مصر، فإن الشباب الفلسطيني قد يصبح في نهاية المطاف معروفاً باسم “الجيل السلفي”.
ومثلما كان ظهور حماس بداية كسوف فتح في أواخر الثمانينيات، باعتبارها التنظيم الفلسطيني الأكثر تطرفاً وعنفاً، فإن السلفيين في غزة يمكن أن يفوقوا حماس باعتبارهم أخطر تهديد للفلسطينيين الآخرين ودولة إسرائيل. ومن المرجح أن تكون هذه النتيجة كارثية، إذ إنها يمكن أن تشير إلى تخريب فرصة أخرى للتقدم نحو حل سلمي لواحدٍ من أطول الصراعات في العالم.
المصدر: فورين أفيرز
الكاتب: كولين كلارك
الرابط: https://www.foreignaffairs.com/articles/israel/2017-10-11/how-salafisms-rise-threatens-gaza