تيم أندرسون
اعتمد الاستراليون على الاسطورة القائلة بعدم تواجد أي شعب متحضر على “أرض استراليا” قبل الاستعمار البريطاني. وبهذه الجملة القصيرة من الاختلاق، تجاهل قائلوها حقوق 400 من الشعوب الأصلية التي امتلكت الأرض وعاشت عليها منذ الأزل، وعوملت كما ولو أنها كانت غير موجودة بالأساس.
وبناء على هذه الأسطورة المركزية ” وضعت في نهاية المطاف كمبدأ قانوني يرجع إلية باسم “الأراضي المجهولة”، تنامت غابة بشعة من الممارسات العنصرية، من التطهير العرقي في وديان أستراليا والأراضي الخصبة إلى الاستعمار واستعباد شعوب جزر المحيط الهادئ، فيما يسمى بسياسة أستراليا البيضاء، عدا عن تحفيز الهجرة على أساس العرق و المشاركة في سلسلة من الحروب الإمبريالية في الخارج في أشكال فريدة من الإبادة الجماعية المادية والثقافية والتي شملت معسكرات الاعتقال المتنوعة وسرقة أطفال السكان الأصليين من أسرهم.
هذه العقلية الاستعمارية شكلت تأثيراً كبيراً على نطاق واسع، وهي ما تشكل نهج استراليا في تأثيرها بالصراع الدائر في الشرق الأوسط وتحديداً في سوريا الآن. مستندة في الغالب إلى قاعدة أن “الشعوب في الشرق الأوسط – السوريين وغيرهم- لا وجود لهم بالأساس” باستثناء تواجدهم أحياناً كضحايا ظاهرين أو لاجئين. والكثير من المتابعين الذين عرفوا القليل من التحركات الاسترالية البطيئة نحو سوريا، والتي لم تدن أعمال النظام السوري ولم تتعامل مع ممثلي الشعب السوري حتى، حيث كان الطابع الأساسي للتصرفات الحكومية الاسترالية متمثلاً في حظر السفر إلى سوريا أو الحديث إلى السوريين فيما يخص أوضاع بلادهم الداخلية بالإضافة إلى عدم الاعتراف أو التعامل مع المؤسسات السورية بما فيها تلك التي نشأت بمظلات دولية.
العنصرية، هو مصطلح يستخدم بكثرة للتعليق على ما يمس الفرد البسيط، ولكنه أداة أخرى لتهوين الموروثات العرقية التي تتبع العقلية الاستعمارية النافية لوجود شعوب أخرى تسعى للهيمنة أو السيطرة، مهملة بكل ذلك تشريد أو طرد السكان من تلك الأراضي الواقعة تحت النزاع. هذا الإنكار لوجود الناس ضمن بؤرة الصراع أو تنحيتهم حتى عن التفكير، يتطلب الكثير من أيديولوجيات الإقصاء الممنهج ونزع الانسانية لكي يتحقق في عمق التفكير كما هو حاصل الآن في استراليا.
يجمع النهج الحكومي في استراليا بين هذه الفرضيات العنصرية منذ وقت طويل، بالإضافة الى التعاون المرؤوس من القوى العظمي. وذلك يشير إلى حقيقة تاريخية مفادها أن المتعاونين يصبحون في أحيان كثيرة أكثر تطرفاً من اسيادهم، وذلك لأنهم حريصون على إظهار ولائهم وإثبات تبعيتهم في موجة كبيرة من التبعية والتملق.
هذا هو حال سياسة كانبيرا – العاصمة الاسترالية – في الشرق الأوسط، في شهر نوفمبر 2015، أعلنت وزيرة الخارجية الاسترالية بوجه جرئي استبعاد استراليا من محادثات فينا حول سوريا، وقدمت بعد ذلك الزعم “السخيف” بأن أستراليا كانت ثاني أكبر مساهم في الحملة العسكرية التي يشنها التحالف الدولي ضد قوات داعش في العراق وسوريا، ويلاحظ في هذا التصريح أن موقف استراليا ارتبط أساساً بواشنطن بعيداً عن أي التزام تجاه سوريا مركز الحديث والصراع.
خضعت علاقات استراليا الخارجية عبر وقت طويل إلى سياسة تقيدها بدعم خطة واشنطن لتغيير الأنظمة من أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا، وتظاهرت حكومة كانبيرا بأن هذه الشعوب “الأخرى” غير موجودة ببساطة أو على الأقل لا أصوات لهم لتمثلهم أمام المجتمع الدولي ومنه استراليا.
وحتى في مجال التغطية الإعلامية، يقترب الأداء الاسترالي من إظهار أخبار دول كالعراق أو سوريا أو إيران أو حتى روسيا بإزدراء شديد، هذا حتى إن لم يكن تداول الأخبار محظوراً بالأساس. وذلك يأتي بالأساس لأنه هذه البلدان لا تحظى باعتراف أو تأهيل ما يسمح بتواجدها في العقلية الاسترالية.
هذه هي العنصرية العميقة و المعضلة الغربية الناشئة من قوة امبراطوريتها المبينة على تاريخ استعماري حافل، وهو ما يجعل استراليا تعتقد أن ظهور أي دولة أخرى على أجندة دول العالم يأتي بإذن من القوى العظمي أولاً، كما كانت الحالة معها.
لم تكن الوزيرة “بيشوب” أعظم قوة في الشرق الأوسط حينما انتقدت في اواخر العام 2012 أداء سلفها السناتور بوب كار، والذي كان قد دعا إلى اغتيال بشار الأسد في سبيل إنهاء الصراع في سوريا. ادعت الوزيرة حينها أن حزب الله والقاعدة تحالفا ضد النظام السوري ويحاربانه الآن، وذلك تصريح مخلف ومبني على كثير من الجهل فالواقع يقول أن حزب الله يدعم نظام الأسد العلماني بتحالف وثيق للغاية.
ومع ذلك، امتلكت استراليا مكانة في خارطة حل سوريا المستقبلية. وكان الجهل حاجزاً دائماً أمام أي تدخل تفكر استراليا في الاقدام عليه في سوريا. وكان الرئيس المحافظ الجديد لاستراليا مالكوم تريبنول بالتأكيد أكثر فصاحة من سلفه توني أبوت، حين ارسل رسالته الأولى في بيان طرق تسيير السياسة الاسترالية مشبهاً اياها بالسير على الحبل المشدود والمحافظة على الخطوات القريبة من واشنطن وسياستها في المنطقة.
من ناحية أخرى، ووفقاً لفيليب كووري المسؤوال المالي في الحكومة الاسترالية، فإن استراليا امتلكت وجهة نظر تختلف عن وجهة النظر الأمريكية والفرق بينهما هو البراغماتية والحلول الوسط. حيث كان السياق الغربي متراجعاً عن مطالب رحيل الاسد، وهو الاقتراح الذي ساهمت استراليا في تعزيزه عبر دور بناء من كانبيرا شخصياً وفق ما صراح المسؤول الاسترالي.
ويبدو أن هذا الدور “المميز” من تيرنبول والسياسين الاسترالييين جاء بسبب التقصير الأمريكي في سوريا، وهو يفضي إلى أن شكلاً من أشكال الانتقائية في تقسيم السلطة في سوريا قد يكون حلاً ممكناً للطرح، خاصة وأن كانبيرا سيكون لها مساهمة واضحة في هذا الطرح.
هذه الفطيرة الاسترالية الجميلة، طبق صعب الطهي والفهم. لكن التاريخ يخبرنا أن المكون الرئيس للعقلية السياسية الاسترالية هو الولاء الشديد لأمريكا. ففي عام 1966 قال الرئيس الاسترالي – المحافظ – هارودل هوت :”ندعم ليندون جونسون بكل طريقة وشكل” مؤكدا وقتها التزام استراليا بدعم امريكا في حربها الكارثية في فيتنام والتي اودت بحياة 3 ملايين فيتنامي هناك.
وبعد أربعين عاماً، تأتي حكومة هوارد المحافظة لتتبع واشنطن في كل خطوة كذلك وتقف في وجه التجمع الكوبي لإدانة الحصار الاقتصادي الامريكي لجزر كوبا في البحر الكاريبي. ومع أن هذه الخطوات كانت مخالفة للقانون الدولي إلا أن الحكومة الاسترالية وجدة لنفسها مخرجاً بشكل دائم لدعم خطوات أمريكا هناك.
وبرز حينها رد الفعل الكوبي بعد أن قام وزير الخارجية الكوبي” فيليب بيريز” باستدعاء النهج الاسترالي وهاجم كانبيرا لدعمها معسكرات التعذيب في غوانتانامو مشيراً في تصريحاته إلى أن استراليا قدمت نظاماً عنصرياً ضد سكانها الاصليين، بما يشبه نظام الفصل العنصري وبالتالي ليس لها الحق أبداً في انتقاد تصرفات كوبا أو ما تسميه استراليا بمخالفة القانون الانساني. وبعد بضع سنوات وجدت استراليا نفسها مضطرة للتعاون مع كوبا في مجال بعض الصناعات لتقع في حرج كبير مخالفة لمحاولات أمريكا فرض الحصار هناك.
استمر التملق الاسترالي لأمريكا لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ففي عام 2010، رفضت الرئيس من حزب العمل جوليا جيلارد المطالبات الشعبية لسحب القوات الاسترالية من افغانستان مشيرة ألى أن استراليا لن تتخلى عن افغانستان أبداً، وبدت في خطابها عاطفية ومنفعلة للغاية. لاحقاً اتخذ اوباما قرارا في العام التالي بسحب القوات الامريكية لتجد رئيس الوزراء نفسها مضطرة لبث خطاب عاطفي آخر تبرر فيه تتبع الخطوة الأمريكية في ذلك.
وخلال الحرب الحالية، التي تسعى إلى الإطاحة بالنظام السوري عن طريق استخدام مجموعات اسلامية تقاتل عن داعميها الأجانب. كانت كانبيرا حريصة على لعب الدور المتوقع منها. لكن ما هو الخط الصحيح لذلك؟ كانت فكرة استبدال الحرب على الإرهاب باسم “التدخل الانساني” والمشكلة أن جميع المؤيدين الرئيسيين للمجموعات المقاتلة في سوريا هم من أقرب حلفاء واشنطن “السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل”.
والشيء الوحيد الذي ميز النهج الاستعماري الاسترالي في سوريا هذه المرة كان مشاركة العديد من اليساريين والأكاديميين في مناقشاته. وبطريقة او بأخرى كانت مهمة “انقاذ” شعب أجنبي مجهول مثيرة لليبراليين بما يكفي للانضمام إلى القوات هناك بشكل علني.
وعلى سبيل المثال، كوري اوكلاي في كتابه العلم الأحمر (2015)، قدم مجموعة من الأوراق الاشتراكية البدلية وادعى أن هناك دلائل واضحة على التنسيق بين النظام السوري وداعش. كان هذا التكرار لهذه الأسطورة التي ولدت في واشنطن بهدف الحفاظ على تمييز مصطنع بين الجماعات “الإرهابية” المعتدلة منها والمتطرفة في سوريا. وقبل أيام قليلة أصرت واشنطن على أن داعش تمكنت من التقدم في حلب بعد تنسيق جيد مع النظام هناك.في الواقع فإن الولايات المتحدة وحلفائها يقدمون الدعم لكل الجماعات الإرهابية في سوريا ومعظم الضحايا هناك إما أعضاء في جيش النظام أو من المدنيين الموالين للنظام.
وتابع أوكلاي في كتابه انتقاد الولايات المتحدة لعدم توفيرها السلاح اللازم للمجموعات المتمردة بالشكل الكافي. ويتابع الكاتب إشادته بتركيا والسعودية التي اتخذت قرارها أخيراً بتقديم الدعم الحقيقي للثوار في سوريا بما يسهل الجهاد والغزو هناك. ولعل هذا التوجه ساهم في إنجاح تحالف “جيش الفتح” الذي ضم مجموعة من مقاتلي أحرار الشام ومقاتلي جبهة النصرة المقربة من القاعدة.
كاتب آخر قدم دلائل أخرى في كتاب العلم الأحمر (2015) تدعم حيل واشنطن القائلة بأن النظام السوري قائم على أساس الانقسامات الطائفية الضيقة، ومردداً مزاعم بان النظام العلوي الحاكم في سوريا يعاني معارضة من اسرائيل ودول الخليج لخلفيته الطائفية.
في الواقع، يعود الأمر لعام 2011 حين دعت جماعة الاخوان المسلمين للجهاد في سوريا وعلى وجه التحديد لمواجهة “النظام العلماني” وامتلك الثوار حينها ضماناً بأن الثورة ستكون إسلامية خالصة. وتمت مشاركة هذا الرأي بين جميع الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والنظام السوري. ووفق تقرير المخابرات الأمريكية في عام 2012، فإن القوى المشاركة على وجه الخصوص في معارك سوريا هي “القوى السلفية والإخوان المسلمون وتنظيم القاعدة في العراق وبلاد الشام”. وكانت خطتهم تقضي بإقامة إامارة سلفية في “شرق سوريا” وهو ما ارادته الحكومة الأمريكية وفق اعترافات أجهزة مخابراتها.
وبشكل مماثل، احتفل عضو “التضامن” مارك جوودكامب بانتصارات الثوار المتجددة والتي جاءت تحت مسمى جيش الفتح. ومع تدفق آلاف المتشددين طائفياً من عشرات الدول إلى سوريا وعبر تركيا وبتمويل سعودي وقطري كبير وأسلحة امريكية بما ساهم في تحقيق تقدم كبير لقوات المعارضة. وررد جوودكامب ادعاءات واشنطن خلال احتفاله بأن الحكومة السورية أسوأ من داعش وكانت “مسؤولة عن الغالبية العظمى من القتلى المدنيين”. وفي الواقع، لا يوجد أي مصدر حقيقي يمكن الاعتماد عليه لتصديق هذا الادعاء. وإنما يستحضر هذا الادعاء لمساعدة واشنطن في حربها القذرة مستنداً إلى نفي وجود الامة السورية والاحتفال بالرجعيين من الثوار.
واتسعت المشاركة في التدخلات الرنانة هذه حتى من جانب الأكاديميين، حيث قدم توم سويتزر من مركز الدراسات الأمريكية بجامعة سيدني ” التي انشئت بأموال حكومية لمواجهة حملة العداء الأمريكا بعد المشاركة الاسترالية في غزو العراق عام 2003. قدم الباحث توم بحثه وختمه باقتراح يقضي بتقسيم سوريا والعراق إلى دويلات طائفية صغيرة في سبيل حل الأزمة هناك. يقول توم في بحثه”” العراق وسوريا لن تعد كما عرفناها من قبل، العراق ليس شعباً واحداً بل ثلاثة شعوب وسوريا كذلك”. تلقى هذه الفكرة دعماً شديداً من تل أبيب، وذلك لأن إسرائيل ستستفيد بشكل كبير من التطبع مع الدول الطائفية الصغيرة في المنطقة المنشأة على أساس طائفي بحت. وهذه الفكرة كانت دوماً تحتل مرتبة الخطة الثانية بالنسبة لأمريكا حال فشلها في تطويع الحكومات الجامحة في سوريا والعراق.
فكرة التقسيم هذه فصلت ودرست من معهد بروكينغز الأمريكي بشكل مفصل قبل ستة اشهر، والحل الذي شمل تفتيت الدولة الحالية إلى حكومات اقليمية يحكمها نظام فدرالي أو حتى مناطق حكم ذاتي دون وجود أي حكومة مركزية في الدولة. ويحث تقرير بروكينغز على ايجاد منطقتيين مستقلتين تحظى بحماية دولية على حدود تركيا والأردن بما يسمح بايجاد خطوط نقل آمنة للمساعدات الانسانية و الامدادات العسكرية.
كل هذا، بطبيعة الحال، سيكون بشكل انتهاك كامل للقانون الدولي، ويمكن تصوره إذا تم تدمير الدولة القومية السورية وجثوها على ركبتيها.وهو ما فشلت واشنطن بتحقيقه حتى اللحظة. وهذه الأفكار الأكاديمية لديها عامل مشترك واحد هو “فرق تسد” وهو ما يشكل مصدر إلهام متصل للقوى الكبرى العازمة على الهيمنة على المنطقة.
القاسم المشترك الحقيقي بين هذه الروايات الزائفة سواء من اليساريين او الأكاديميين، وبصرف النظر عن تكرارها من واشنطن، إلا أنها تحتوي على احتقار كبير للشعب السوري. فأي من الكتاب أعلاه لم يعر انتباهاً للمؤسسات الوطنية الرسمية أو ممثليها سواء في سوريا أو العراق ودورها الفعال حتى الآن. وهنا يبرز التأكيد على الطراز الاستعماري الذي يعتمد بشكل شبه كامل على مصادر غربية بما يتفق مع مواضيع العنصرية الاستعمارية والتي منها: رفض الاستماع لصوت الآخرين ورفض احترام المنظمات وهو ما يعني رفض إدراك وجود الشعوب الأخرى.
وعلى الرغم من التخيلات الاستعمارية في الثورة والتقسيم، إلا أن محادثات فينا الأخيرة أكدت ان مصير الشعب السوري لن يقرره إلا قيادته السياسية. والتي لا يمكن أن تقبل بتقطيع أوصال سوريا. وإعادة تأكيد هذا المبدأ يأتي بعد أن وجدت دمشق نفسها في موقف عسكري أقوى بكثير، خاصة بعد أن حصل النظام على دعم واسناد كبير من القوات الروسية الداعمة والميليشيات اللبنانية والعراقية القادمة من إيران والعراق ولبنان، وهو ما يعني أن الخطة الأمريكية مصيرها الفشل بالنهاية وستجد القيادة الأمريكية نفسها باحثة عن حل لحفظ ماء الوجه قبل الانسحاب من سوريا.
وفيما يتعلق بالمبادرة الاسترالية التي عرضت أواخر العام 2015، والتي تضمنت ان سوريا الدولة الموحدة ذات الدستور التعددي الحقيقي، يجب أن تتخلى عن نموذجها وتتحول بشكل أشبه إلى النموذج اللبناني الطائفي. هذا الدستور الطائفي الجديد، جاء بدعم من رئيس الوزراء الاسترالي تيرنبول بحجة أن المسلمين السنة في سوريا “محرومين”. ويدعي الاقتراح أيضاً أن القاعدة الشعبية التي تستند إليها داعش في سوريا والعراق هم من السنة المحرومين في سوريا والسنة المقهورين في العراق الذين يئسوا من محاولات الدخول ضمن نظام حكومي في إحدى الدولتين. وهو ما يعني أن النظام اللبناني على سبيل المثال سيساعد في تخفيف الاحتقان الطائفي في سوريا أو العراق بشكل أو بآخر، وهو ما ينتفي فور دراسة نتائح النظام الطائفي اللبناني ونتائجه.
تحاول الأطراف الآن إملاء هذا الاقتراح على السوريين عبر حشو جيوبهم بالأموال الأجنبية وهي طريقة يتوقع لها الفشل الكبير. ومع ذلك، اشتمل الاقتراح الاسترالي للدستور السوري الجديد إهمالاً لإقرار حق تقرير المصير ويبدو أن السيد تيرنبول دعم فكرة عدم الاعتراف بحق السوريين هذا على اعتبار أن معظم سكان سوريا سيكونون استراليين في حينها.
وبالعودة إلى تقرير المخابرات الأمريكية، فقد برزت حقيقة مرة أخرى في عام 1982، حيث فشل تمرد الإخوان المسلمين في حماه، وفي تقرير مايو من ذاك العام، قدرت أجهزة الولايات المتحدة ضحايا الأحداث هذه بقرابة 2000 شخص من بينهم 300 إلى 400 من اعضاء الجهاز السري للإخوان المسلمين. وكعادتهم المثالية في تضخيم الأرقام، أعلن الاخوان المسلمون ان عدد الضحايا وصل إلى 40 ألف مدني، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة دعمت هذا التمرد عبر وكلائها في السعودية وصدام حسين وملك الأردن، إلا أن المخابرات الأمريكية خلصت إلى أن السوريين براغماتيون ويرفضون أي دور لحكومة الإخوان المسلمين في حكمهم، وهذه الملاحظة الأخيرة حقيقة واضحة جداً الآن.
هذا الادعاء “الأحمق” بأن السنة المسلمين “محرومين” في سوريا شبيه بادعاء أن المسيحيين البروتستانت محرومين في استراليا لأن رئيسا الوزراء كانا من الكاثوليك على مدار دورتين من الحكم. جميع السوريين يملكون مواطنة كاملة في سوريا بغض النظر عن دينهم وكما يحدث دوماً فإن معظم أعضاء مجلس الوزراء السوري هم من عائلات مسلمة سنية في الواقع. وهذا الادعاء مساوٍ للغباء باعداء أن حكومة بغداد “حكومة شيعية” وذلك ببساطة لأن معظم السكان وبالتالي معظم النواب من الشيعة.
إن المطالبة بإعادة الشعوب العربية مرة أخرى إلى المربع الطائفي الايديولوجي العنصري هو نتاج مدرسة عنصرية قديمة واستخدمت كثيراً في الكثير من المستعمرات من قبل القوى الكبرى التي ترى مصلحتها في التقسيم. واستخدام رئيس الوزراء الاسترالي لاصطلاح الدولة العربيةا لسنية هو كناية واشنطن عن دول الخليج الاستبدادية والتي هي ذات شرعية أقل في المنطقة وتمول الإرهاب بشكل متصل.
وبد أسابيع قليلة من المبادرة الأسترالية هذه، قرر مجلس الأمن الدولي جعلها غير ذات صلة، ودعا إلى وضع حد للصراع السوري، مطالباً بأن يقرر الشعب السوري حكومته بما في ذلك استبعاد الجماعات الارهابية من اي هدنة أو تشكيل لحكومة وطنية موحدة.
ومن ضمن المبادئ التي أقرها مجلس الأمن ما هو متعلق بتصويت السوريين على تغيير دستوري محتمل، ولكن وزير الخارجية الروسي سيرخي لافروف أشار حينها إلى دعم بلاده للحفاظ على الدستور السوري الموحد للطوائف المتعددة وهو ما صوتت سوريا عليه عدة مرات وحافظت على تقدمها فيه باعتبارها صاحبة أفضل دستور تعددي بالمنطقة وفق ما قال لافروف المستشار الدائم للحكومة السورية وبالتالي المطلع على الأوضاع بشكل أفضل من تيرنبول صاحب المبادرة السيئة.
وإثر ذلك، وضعت الحكومة الاسترالية حداً لالتزاماتها العسكرية بتدريب العراقيين المساعدة في الحملات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها قالت أنها ستدرس تقيدم الدعم الانساني لسوريا والعراق بالتشاور مع شركائها في التحالف. ووفق الطريقة الاستعمارية التقليدية فإن استراليا لن تتشاور مع سوريا على هذا “الدعم الانساني”.
الخبر السار في هذا كله أن التدخلات العنصرية من استراليا ومحاولتها لاخضاع سوريا لن يكون لها أي تأثير يذكر. حيث قرر العراق الانضمام مع إيران وسوريا وحزب الله وروسيا لهزيمة الميليشيات المدعومة من الغرب وداعش وجبهة النصرة وتجمع أحرار الشام والبقية.
وهذا سيشكل بداية النهاية لفورة واشنطن الدامية بتغيير النظام في جميع انحاء المنطقة والتي تهدف إلى ايجاد تكتلات الشرق الأوسط الجديد الذي تقوده أمريكا. وهو ما حاولت كانبيرا استخدامه لتسميم الأجواء في الشرق الأوسط مقابل الحفاظ على منزلتها كأول تابع للسياسة الأمريكية في العالم.
إنها المعضلة الاسترالية التي لا طالما سادت في ثقافة التعاون مع القوى الكبرى والعنصرية الاستعمارية، حيث تبحث استراليا دوماً عن ذرائع للتدخل رافضة أن تستمع إلى صوت الشعب الآخر ورافضة احترام منظماته بل وقد يصل بها الأمر إلى رفض الاعتراف بوجوده حتى. إن العنصرية هذه بدأت تذهب إلى ما وراء الحكومة والإمبريالية بشكل علني نحو الثقافة المتفرعة في الأوساط الأكاديمية واليسار الاسترالي.
لقد خدعوا بسبب الحرب القذرة على سوريا والعودة إلى أسوأ تقاليدنا في التدخل والتحيز العنصري وسوء التفكير في تاريخنا يبدو أن الأمل الرئيسي لاستراليا لاستعادة بعض التفاهمات اللائقة من خلال التقاليد باستخدام العقل والمبدأ الاخلاقي في التصرف والبحث عن أدلة مستقلة عن إطار الحليف الأمريكي المسيطر.