في الذكرى السادسة لاندلاع الصراع الدامي في سوريا، أدى مراسل صحيفة لافانغوارديا الإسبانية، توماس ألكوفيرو، زيارة إلى سوريا للقاء الرئيس، بشار الأسد. والجدير بالذكر أن شرارة الربيع العربي التي وصلت في وقت متأخر إلى سوريا، قد حولت البلاد إلى مسرح حرب دولية.
وعلى عكس كل التنبؤات والتحاليل التي تكهنت بسقوط الأسد بشكل سريع ومدوي، تمكن بشار الأسد، بفضل مساعدة حلفائه، روسيا وإيران، من تعزيز مكانته على رأس السلطة في سوريا. علاوة على ذلك، تمكن جيشه من استعادة حلب، المدينة العظيمة، القريبة من الحدود التركية.
وفي الوقت نفسه، أزاح الأسد كل الجماعات المعارضة التي كانت تتحصن بهذه المدينة الاستراتيجية، والتي كانت تطمح لتركيز عاصمتها في هذه المدينة، تماما مثلما حدث في بنغازي التي أراد الثوار السيطرة عليها بعد مقتل العقيد معمر القذافي. وعلى الرغم من أن المعارضة في لم تكسب المعركة، إلا أن الأسد لم يفز في الحرب بالكامل.
خلال هذا اللقاء، لم يستقبل الأسد ضيفه في قصره الجذاب والحديث، أي القصر الرئاسي على قمة جبل المزة، الذي يتميز بحدائقه الشاسعة، وممراته اللامتناهية، وغرف الاستقبال والمكاتب التي لا تحصى ولا تعد، والذي تهيمن مساحته على أراضي العاصمة دمشق. بل على العكس تماما، كان اللقاء مع مراسل الصحيفة في المقر السابق لرئيس الدولة، وهو عبارة عن قصر صغير سري في أحد أحياء سفوح جبل قاسيون. وقد بني هذا القصر في سنة 1920، خلال العصر العثماني، على يد ناظم باشا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا القصر كان مقر حافظ الأسد إلى غاية بناء قصر المزة المذهل. كما أن هذا المقر شهد زيارة العديد من رؤساء الحكومات ورؤساء الدول وكبار الدبلوماسيين، مثل هنري كيسنجر؛ الذي وصف حافظ الأسد في إحدى المناسبات أنه “بسمارك الشرق الأوسط”. وخلال تلك الفترة، كان العديد يردد مقولة، “كل طرق الشرق الأوسط تمر من دمشق”.
عموما، حظي الأسد الأب بمكانة دولية مرموقة نظرا لامتداد تأثيره للبنان فضلا عن مناوراته الدبلوماسية. وحتى بالنسبة لمعارضيه، فلم يبق أمامهم إلا القبول به، على مضض، باعتباره زعيما عربيا كبيرا يعول عليه أهل الشام. وإثر وفاته في سنة 2000، اعتلى ابنه بشار الأسد سدة الحكم بعد وفاة ولي العهد، باسل الأسد على إثر حادث سير في الطريق المؤدية إلى مطار دمشق.
في الواقع، يبدو القصر القديم بسيطا للغاية وتحيط به حديقة صغيرة. كما أن أثاثه والمرايا المعلقة فيه ذات الطابع الدمشقي، تفتقر لمظاهر الفخامة. وفي هذا القصر، وعلى رف في غرفة الانتظار التي تطل نوافذها على الحديقة، يتواجد كتاب مصور حول مدينة إيبلا الأثرية، التي تخضع الآن لسيطرة تنظيم الدولة. وفي أعماق هذا القصر، تتلخص سياسة الشرق الأوسط في المعضلة الوجودية التي تحتم مبدأ “أنت تقتلني وأنا أقتلك”.
وفي هذا السياق، أفاد بشار الأسد في حواره مع مراسل الصحيفة، أن “ذلك المبدأ ليس مجرد سياسة، بل ثقافة وطريقة تفكير، إلا أن هذه الثقافة ليست جزءا من جوهر وجودنا الأصلي. في الحقيقة، تعتبر هذه الثقافة مفهوما جديدا، لم يسبق له مثيل في العقود السابقة”.
ويعلل الأسد كلامه قائلا إن “هذه الثقافة تعد إحدى عواقب تأثير الأيديولوجيا الوهابية، التي تقصي باقي الأيديولوجيات. وفي الأثناء، لا تضر هذه الأيديولوجيا متبعي المذهب الوهابي فقط، وإنما يمكن أن تكرس مفهوم الرفض على مستويات مختلفة في صلب المجتمع”.
ويواصل الأسد حديثه قائلا، إن “هذه الأيديولوجية لم تنجح في التغلغل في المجتمع، إلا أنها يمكن أن تتسلل إلى جزء منه. ونتيجة لذلك، سيكون هناك جزء من المجتمع ليس على استعداد للقبول بالآخر، وهو ما يطرح فرضية حدوث حرب أهلية. وفي هذه الحالة، يحق لنا محاربة هذا الفكر وهذه المجموعات الوهابية التي تحارب باقي المجتمع. ولكن في نهاية هذه الحرب، من المرجح أن تنشأ خريطة سياسية مختلفة”.
وبالنسبة للرئيس السوري، فإن “ثقافة العنف” لم تصبح متداولة فقط على الصعيد المحلي. وفي هذا الصدد، أوضح بشار الأسد أن “ثقافة العنف لها تأثير بليغ في صلب مجتمعنا وفي المجتمع الأوروبي على قدم المساواة. ويمكن للأوروبيين أن يعاينوا ذلك في بلدانهم التي أصبحت مستقرا للبؤر التخريبية، خاصة في فرنسا، التي سمحت باستقرار الأئمة الوهابيين في أراضيها… وهي الآن تدفع ثمن ذلك غاليا”.
وأضاف الأسد، أن “غالبية القادة الوحشيين للتنظيمات الإرهابية على غرار تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة، والنصرة، المتغلغلة في سوريا؛ قد انبثقوا من قلب أوروبا وليس من بلداننا العربية. وعلى الرغم من أن الكثير من المقاتلين من أصول عربية قد انتسبوا إلى هذه التنظيمات، إلا أن قادتهم من أصول أوروبية على وجه الخصوص”.
من جانب آخر، وبالاستناد إلى الخرائط الحالية لسوريا التي نشرتها منظمة الأمم المتحدة، يمكن التمييز بين أربعة مناطق جغرافية: الأولى، يسيطر عليها النظام السوري، والثانية، يهيمن عليها تنظيم الدولة، في حين تستقر جماعات متطرفة أخرى في المنطقة الثالثة، أما بالنسبة للمنطقة الرابعة، فيسيطر عليها الأكراد. وفي الإجمال، تثير هذه التقسيمات العديد من الأسئلة حول مستقبل الوضع في سوريا خلال فترة ما بعد الحرب.
وبخصوص هذا الموضوع، صرح الأسد أنه “أولا وقبل كل شيء، تعتبر الحرب بمثابة درس لأي مجتمع. وعموما، سينجح أي بلد، خلال فترة ما بعد الحرب، في تحسين وضعه نظرا لأنه قد اعتبر من الدروس التي تعلمها خلال فترة الحرب”. ولم يقتصر حديث الأسد على إلقاء اللوم على التدخل الأجنبي، حيث اعترف أن هناك تحديات داخلية يجب إيجاد حلول ناجعة للتعامل معها.
وخلال هذا الحوار، ذكر الأسد أنه “في حرب مصدرها الرئيسي أطراف خارجية، التي تعمل على توظيف أقاليمها المحلية إلى جانب المقاتلين الأجانب، لمواصلة هذا الصراع القائم في سوريا، لا يمكننا أن نكتفي بانتقاد الآخرين، على غرار الحكومات الغربية والممالك النفطية التي تدعم الإرهابيين. في المقابل، يجب علينا أن نسأل أنفسنا لماذا حدث هذا الأمر، وما هي الجوانب المتأكلة والهشة في بلدنا. أنا لا أتحدث هنا بصفتي رئيسا للجمهورية، وإنما كمواطن سوري”.
وفيما يتعلق بمستقبل سوريا، أشار الأسد إلى أن “الحديث عن سوريا خلال فترة ما بعد الحرب ليس في قائمة جدول أعمالي في الوقت الحالي”. وأضاف الأسد، “تتمثل خطتي الحالية في تسهيل سبل الحوار بين السوريين لمناقشة حيثيات النظام السياسي الذي يريدون إرسائه؛ سواء كانوا يفضلون نظاما رئاسيا أو برلمانيا، وأي نظام للمؤسسات يريدون إنشاءه وأيضا أي نظام للجيش يرغبون في تكوينه…”.
وفي السياق نفسه، أوضح الأسد، “نحن في حاجة ماسة إلى حوار شامل يجمع بين جُل شرائح المجتمع السوري، فضلا عن أننا نرغب في تنظيم استفتاء. لن أقدم وجهة نظري بشأن مستقبل سوريا قبل أن يحدده السوريون. أما في الوقت الراهن، تتمحور أولوياتنا حول مكافحة الإرهاب. حقيقة، ليس من الصائب الحديث عن السياسة في حين أننا نحن معرضون للموت في كل لحظة وفي كل دقيقة”.
وأردف الأسد، أن “مكافحة الإرهاب يعد أبرز أولوياتنا، ومن ثم يأتي في المرتبة الثانية دعم المصالحة الوطنية. وعندما نحقق هذه الأهداف، يمكننا معالجة القضايا التي تتعلق بمستقبل الشعب”.
في حقيقة الأمر، يسيطر الأسد في الوقت الراهن على ما يسمى “بسوريا الضرورية”، وهي المنطقة الإقليمية التي تضم مدنا مثل دمشق وحلب وحمص، وحماة، واللاذقية، وطرطوس، والسويداء، وتدمر وجزءا من منطقة دير الزور. والجدير بالذكر أن في هذه المنطقة الإقليمية تتركز الغالبية العظمى من السكان.
أما بالنسبة للمعارضة السورية، فلا تزال تسيطر على الجزء الصحراوي الشرقي للبلاد، مع العلم أنه يضم حقول نفط وغاز وأيضا حقول قمح، وهي عناصر ضرورية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي عن الدولة.
خلال الحوار داخل القصر العثماني الذي تم تحديثه، كان الرئيس السوري يقضا، كما كان هادئا وواثقا في نفسه، حيث كان ينظر مباشرة إلى عيني محاوره.
هذه المادة من اعداد الصحفي توماس ألكوفيرو في صحيفة لافانغوارديا للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا