تحدثت مراسلة صحيفة لوفيغارو الفرنسية ديفين مينوي، في حوارا خاص مع الصحيفة عن حياتها في ظل نظام آيات الله، قبل أشهر قليلة من نهاية ولاية الرئيس حسن روحاني وفترة حكمه الإصلاحية.
تأتي حادثة إعدام المملكة العربية السعودية لحوالي 15 سعوديا من المنتسبين لأقلية الشيعية في البلاد، بتهمة التجسس لصالح إيران أكبر “عدو للمملكة”؛ في إطار الحرب القوية بين القوتين من أجل الهيمنة على أكبر قدر من السلطة والنفوذ في المنطقة.
كما أن إيران لا تخلو من الممارسات الطائفية، بل على العكس، هي متفشية بين حدودها. وفي هذا السياق، قالت مينوي، التي عاشت لأكثر من عقد من الزمن في إيران، إن “اليهودي يتمتع بأهمية أكبر من السني في إيران، فأن تكون يهوديا، يعني أنه لديك امتيازات على السنة في هذا البلد”.
ولا يخفى عن العالم أنه كلما عرفت إيران فترة من “النور”، تشهد البلاد فترة أخرى من “الظلام”؛ فبعد الانفتاح الذي عاشته إيران خلال فترة حكم خاتمي، حكم البلاد محمود أحمدي نجاد، واضعا حدا لهذا الانفتاح، الذي لم يدر أي نفع على الفئة الفقيرة في إيران. وبالإضافة إلى ذلك، ساهم نجاد في إسقاط البلاد في نوع من تراجع للهوية مما أدى إلى سحق آمال التغيير في البلاد.
أما فترة حكم حسن روحاني، فقد تميزت بتراجع الاضطهاد إثر تخفيفه من حدة الممارسات القمعية التي اعتمدها في السنوات الأخيرة؛ ربما خوفا من الربيع العربي، والوضع في سوريا واليمن، وكذلك بسبب المفاوضات التي قادها بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
وحول الانتخابات المقبلة في إيران، قالت الكاتبة ديفين مينوي إن “الرئيس الإيراني المقبل سيواجه العديد من التحديات، أمام وصول ترامب إلى الحكم الذي أدان التقارب بين واشنطن وطهران. وعموما، فإن هذه التقلبات والمد والجزر في ميزان إيران العالمي، ستضيف المزيد من التوتر في منطقة الشرق الأوسط”.
الصحيفة: في كتابك “مثل امرأة منتصرة، ترفض الكشف عن جراحها”، لماذا شعرت بهذا الإحساس في إيران؟
ديفين مينوي: “لكي أستقر في البلاد، أقمت روابط قوية بين حدودها. وبسبب هذه الروابط المتينة، لم أتمكن من الابتعاد عنها على الرغم من العقبات التي واجهتها، والضغوط التي تمارسها أجهزة المخابرات، التي ألقت القبض على أصدقائي”.
وكيف تمكنت من الاندماج في المجتمع الإيراني؟
“هناك طريقتين للعيش في إيران: إما الانعزال عن المجتمع داخل مجموعة من المغتربين، أو الانغماس الكلي والعيش مثل الإيرانيين، وأنا اخترت الحل الأخير الذي يتطلب الكثير من التضحيات والمقاومة”.
كما أن “الخوف أمر اعتيادي في إيران، كما أنه ليس أمامك خيار سوى التنازل عن حقوقك كامرأة لتتمكني من العيش في هذا البلد”.
خلال فترة حكم الشاه، كان الإيرانيون يشربون الخمر في الخارج، ويصلون في البيت، أما بعد الثورة فقد أصبح العكس. كيف تعايشت مع هذه الحقائق المزدوجة؟
“صُدمت عند اكتشافي لحقيقة عيش الإيرانيين، فالكثير منهم يعيش في عالمين متوازيين، كما أن كل إيراني يرتدي قناعا مختلفا بحسب الظرف والمكان الذي يتواجد فيه”.
إن “الحياة في هذا البلد، تعاني من الكثير من الانفصام؛ فهناك ثقافة الداخل وثقافة الخارج. وفي هذا الإطار، فإن المرأة في الداخل تنتهك القوانين التي تمنعها من استعمال مستحضرات التجميل، أو ارتداء الملابس الخليعة، أو مشاهدة القنوات الأجنبية”.
وأضافت مينوي أنه “في الداخل، يمكن للنساء تنزيل أفلام هوليود المحظورة، أو طلب المشروبات الكحولية شرط وضعها في زجاجات بلاستيكية مخبأة داخل أكياس القمامة. وفي الخارج، يجب على الكثير من الرجال والنساء التصرف على عكس ثقافة الداخل”.
في أواخر التسعينيات سافرت إلى إيران لتغطية وصول خاتمي بعد أن جاء أحمدي نجاد، الذي اضطهد وعاقب صحفيين مثلك، الأمر الذي اضطرك إلى مغادرة البلاد في عدة مناسبات، إلى حين انتهاء ولاية أحمد نجاد. هل تتوقعين وصول متشدد آخر إلى كرسي الرئاسة الإيراني؟
“الأمر معقد للغاية، فقد تعاقبت على إيران مراحل انفتاح، تتلوها مراحل تكتم وانغلاق. إلا أنه في هذه المرحلة، لا أعتقد أن إيران في طريقها إلى تنصيب متشدد آخر في سدة الحكم”.
وتضيف؛ “في الرئاسة المقبلة، سيتم التركيز على جانبين: الوطنية والمحلية. في بداية الأمر يمكن التنبؤ بأن الناس سيصوتون لصالح إعادة بناء ومعاقبة سياسة روحاني التي كان شعارها “المفاوضات بشأن الاتفاق النووي”. وثانيا، يمكن أن يؤثر استفزاز ترامب رئيس القوة العالمية الأولى لإيران؛ سلبا على البعد الدولي لانفتاح الجمهورية الإسلامية”.
وتشير قائلة؛ “أنا متفائلة، لا أعتقد أنها ستعود فترة مثل التي قادها نجاد، على الرغم من الازدهار القومي الذي عرفته البلاد بقيادته. وعموما فإن المجتمع له تجربة في “الثورات غير المرئية” التي عادة ما يقودها الطلاب والنساء. وحتى لو كانت الحكومة أكثر تحفظا وأكثر قمعية، فإن الناس سيخلقون منابر الحوار الخاصة بهم”.
هل تعتقدين أن ترامب يشكل فعلا خطرا على الاتفاق النووي الإيراني؟
“لا يمكن إنكار أن قدوم ترامب إلى الحكم، قد يضع شكوكا حول مستقبل الاتفاق النووي. وعلى الرغم من أنني أعتقد أنه من السابق لأوانه الإجابة عن السؤال في الوقت الحالي، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بما سيقرره ترامب. كما أننا نشهد في الوقت الحالي نموذجا لذلك الشعبوي الاستفزازي، على غرار ترامب وبوتين…”.
حسب رأيك، هل يرفض الشباب القيام بثورة جديدة تجنبا لتكرار أخطاء آبائهم؟
“ليس هناك موقف موحد بين الشباب؛ فهناك جزء يعتقد أن الديمقراطية الإسلامية، هي تلك الرؤية التي دافع عنها خاتمي في ذلك الوقت، عندما أراد تقديم المزيد من الحقوق للمرأة، وتخفيف الرقابة على الكتب والصحف. لكن هناك جزء آخر لا يوافق هذا الرأي”.
وأضافت “هناك نقاش في الجامعات والدوائر الدينية الإصلاحية حول شكل السلطة الذي ستتخذه إيران في المستقبل، فهناك من يدافع عن النظام البرلماني، في حين أن البعض الآخر، يفضل النظام الرئاسي. كما أنه هناك نقاشات حول فرضية استبدال منصب المرشد الأعلى، بمجلس رقابي متكون من المتدينين الذين لديهم الحق في مراقبة الرئيس”.
هل ما زالت الأقليات الدينية تعاني من الاضطهاد في إيران؟
“إن حقوق الإنسان بعيدة المنال في إيران. كما أن الأقليات الدينية تعاني من القمع، على الرغم من أنه هناك مساحة من الحرية عبر تمثيل بعض الأديان في البرلمان، ففي فترة ما اعترفت إيران بالأقليات اليهودية والمسيحية”.
لكن “الأقليات البهائية والسنية في إيران، تبقى حتى الآن في مواجهة الصعوبات الرئيسية. فاليوم يكتسي اليهودي أهمية أكبر من السني في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة حرب نفوذ بين الرياض وطهران”.
هذه المادة مترجمة من صحيفة أ بي سي للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا