نشر “مركز الدراسات والمعلومات السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالشرق الأوسط وشؤون إيران السياسية” دراسة تحدث فيها عن العلاقات الروسية الإيرانية التي تتسم بالبراغماتية.
تلك الدراسة ذكرت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ناقش مع نظيره الإيراني حسن روحاني، في المحادثات الأخيرة التي جرت في موسكو، العديد من القضايا الدولية الحساسة والمهمة، المتعلقة بالشؤون الداخلية لكلا البلدين، وشؤون الشرق الأوسط ككل، ومن أهم القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، قضية محاربة الإرهاب كأحد أولويات الثنائي الإيراني الروسي.
علاوة على ذلك، تطرق الزعيمان إلى آفاق توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية. كما أكد بوتين وروحاني دعمهما لتشكيل منطقة تجارة حرة بين إيران والمجموعة الاقتصادية الأوراسية، بالإضافة إلى عزم الدولتين مواصلة العمل لتنفيذ مشروع ممر النقل الدولي “شمال-جنوب”.
إضافة إلى ذلك، وفي نطاق تعزيز علاقات التعاون بين البلدين، أكد الجانب الروسي اهتمامه بانضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون. وقد أشار الخبير في “معهد الدراسات الشرقية”، ستانيسلايف برتشين، إلى مراقبة فلاديمير بوتين وحسن روحاني للمنحى السلبي الذي تتخذه العلاقات الإيرانية الأمريكية منذ تولي دونالد ترامب للحكم، وتأثير ذلك على مكانة إيران في الشرق الأوسط، وعلى العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، نظرا لعلاقات الصداقة والتعاون الوثيقة بين روسيا وإيران.
والجدير بالذكر، أن العداوة التي عبّر عنها دونالد ترامب، منذ توليه الحكم، تجاه إيران، لها علاقة وثيقة بشركائه الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط، على غرار المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وكما نعلم، فإن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران تتسم بالتنافس على الدور الإقليمي الريادي في المنطقة منذ عدة عقود. علاوة على ذلك، تصف إسرائيل إيران بالإرهاب، وتتهمها بدعم الجماعات الإرهابية.
في هذا السياق، لعبت العديد من العوامل والظروف على الساحة الإقليمية والدولية دورا في ترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك، وسعى كل منهما إلى تكوين علاقات مع دول المنطقة لتعزيز نفوذه. إذ تحالفت السعودية مع العراق في فترة ما، ومع مصر في فترة أخرى، من أجل كبح صعود الدور الإيراني، فيما اتجهت طهران إلى إقامة علاقات مع سوريا وحزب الله، وظهر دورها الريادي في المنطقة خلال الحرب السورية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر التدخل الروسي في سوريا على دور إيران، التي تبدو واثقة من تحالفها مع موسكو. في المقابل، من غير الواضح من هم الحلفاء الرئيسيون الحاليون للمملكة العربية السعودية، إلا أن قرار ترامب المتمثل في إلغاء الاتفاق النووي، الذي أبرمه أوباما مع إيران في فترة حكمه، يخدم المصالح السعودية.
وعلى الرغم من كل ما سبق، فمن غير المرجح أن تساهم قرارات ترامب الجديدة في إنقاذ الشرق الأوسط من الوضع المتوتر، المنتشر من اليمن إلى سوريا، مرورا بالعراق وفلسطين والبحرين. ولهذا، فإنه رغم العقوبات التي تتعرض لها إيران، ورغم العداوة التي تواجهها من عدة أطراف في المنطقة، لا زال بإمكانها الحفاظ على قدر لا بأس به من النفوذ في الشرق الأوسط.
وعلى صعيد الحوار الإيراني الروسي، فيبقى حوارا براغماتيا بالدرجة الأولى، يمتلك مسارات رئيسية، تتمثل أولا وقبل كل شيء في التسوية السورية، وثانيا، في التعاون بمنطقة بحر قزوين. والجدير بالذكر أن إيران بالنسبة لروسيا جزء من المشاريع الكبرى في المنطقة، ومن المحتمل أن يتم تطوير التبادل التجاري بين البلدين، خاصة أن إيران تمتلك إمكانيات اقتصادية كبيرة جدا، وفقا للخبراء والمحللين.
وبالعودة إلى مجريات اللقاء، فقد تم توقيع 10 اتفاقيات مهمة، وخطة طريق لتعزيز العلاقات بين البلدين. إحدى الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين تعلقت بالتجارة الحرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم روسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان وبيلاروسيا، وتعلقت اتفاقية أخرى بالاتفاق الإيراني الروسي حول إلغاء تأشيرات الدخول للمجموعات السياحية، كمقدمة لإجراء محادثات حول إلغاء التأشيرات بين البلدين نهائيا.
بالإضافة إلى ذلك، ناقش الرئيسان إمكانية إنشاء ائتلاف دولي واسع النطاق لمحاربة الإرهاب. إلا أنه وفقا لما أكده الخبراء، من الصعب إنشاء ائتلاف شامل، لأن الارهاب -للأسف- جزء من السياسة الخارجية لبعض البلدان، تستخدمه في المنطقة، منها المملكة العربية السعودية، حسب رأي الخبراء أنفسهم. ولعل ذلك يفضي إلى القول بأن الائتلاف الشامل في نطاق محاربة الارهاب بشكل فعال، غير ممكن من حيث المبدأ.
ومن وجهة نظر أحد الباحثين في “معهد الدراسات الشرقية”، تتفق وجهات النظر الروسية والإيرانية في مجال محاربة الإرهاب؛ إذ من الضروري لروسيا محاربة “الوهابية” و”الإسلام الراديكالي”، مما يجعل إيران حليفا طبيعيا لها. أما فيما يتعلق بحصول إيران على العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، فتعد المسألة معقدة إلى حد ما، نظرا لعدم ارتباط العضوية بقرارات روسيا.
بناء على ذلك، فإن العلاقات الروسية الإيرانية، رغم أنها ضاربة في القدم، ولها تاريخ واسع من التفاعل الذي تطور منذ انطلاق الصراع السوري، الذي مثّل مساحة سانحة لمزيد من التفاعل بينهما، لا تخلو من البراغماتية. إذ أن كلا الطرفين يحاول الاستفادة من الآخر، وخدمة مصالحه الداخلية على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري. فبينما تحاول روسيا استخدام إيران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، تبذل إيران قصارى جهدها للحصول على دعم روسيا في المجال الاقتصادي.