روسيا تخسر المعركة إعلامياً وبسرعة كبيرة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تخسر الحرب وأن ما تعانيه من عقوبات وعزلة لم يكن محسوباً من وجهة نظر روسيا
فكما أن الولايات المتحدة والأوروبيين ربما تعمدوا جر روسيا إلى حرب استنزاف فإن روسيا ربما تكون قد تعمدت عدم الاهتمام بالقدر الكافي بصورة التقهقر التي ترسم عنها.
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عدة أيام، كانت التصريحات الرسمية من موسكو قليلة للغاية بالمقارنة مع الأوكرانيين، ومعظمها ذات طابع تقني، بينما كان المسؤولون الأوكرانيون على المستويين الوطني والمحلي ينشرون كماً هائلاً من المعلومات في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، وساعدتهم وسائل الإعلام الغربية التي تغطي أوكرانيا على تضخيم أثرهم الإعلامي، وهذا ما تسبب بالانتشار الواسع لكل الأخبار السارة (أوكرانياً)، حتى أن هذه التغطية لاقت انتشاراً في موسكو نفسها بحسب جهات رصد مختصة.
صحيح أن بوتين كان قد وعد شعبه بالنصر وهدد مناوئيه بالدمار، إلا أنه ومنذ البداية كان واضحاً ودقيقاً في تحديد الدافع وراء شن الحرب، بأن روسيا لم يكن أمامها من خيار سوى غزو أوكرانيا، ثم ذكر تفاصيلاً تتعلق بتهديدات وتجاوزات الناتو ومظالم تاريخية تعود إلى الحرب العالمية الثانية،
وهذا يعني أن المعركة ومن وجهة نظر روسية رسمية ليست بدعوى الانتصار أو الغلبة بقدر ما هي وسيلة لتحسين ظروف التفاوض.
وفي نفس السياق فإن إعلان بوتين وضع قوات الردع النووي بحالة تأهب بالتزامن مع الإعلان عن محادثات بدون شروط مسبقة جرى تغيير مكان انعقادها وفق رغبة الأوكرانيين، هذا الإعلان يأتي استعداداً لوقف متوقع لإطلاق النار من المفترض أن ينتج عن هذه المفاوضات، بعد الحصار الاقتصادي والسياسي غير المسبوق الذي تفرضه دول أوروبا والولايات المتحدة على روسيا، حيث يختصر الخبراء دوافع بوتين من التلويح باستخدام السلاح النووي بأنها طريقة الكرملين للرد على الدعاية السيئة بحق روسيا وتصوير روسيا بمظهر الضعف والانكسار وهو ما ينعكس سلباً على معنويات الروس في الداخل وحلفائهم في الخارج، كما أن هذا الإعلان عن التأهب النووي من شأنه أن يُوصل رسالة إلى الولايات المتحدة والأوروبيين بأن روسيا مستعدة للذهاب بهذا الصراع حتى النهاية، ومن ناحية أخرى تدرك روسيا جيداً أن العديد من الدول الأوروبية تشعر بالرعب الشديد من استحضار شبح الأسلحة النووية والتلويح بها وبالتالي قد تتوقع روسيا من هذه الدول التراجع عن مشاركتها في حصار روسيا إذا ما التلويح باستخدام هذا السلاح الفتاك.
في المقابل ورغم الاحتمالية الضئيلة -حالياً- لاستخدام الأسلحة النووية مع ذلك يُنظر للتلويح الروسي باستخدام السلاح النووي، بقدر كبير من الجدية، لأن التراجع العسكري وخسارة بوتين -إن وقعت- في أوكرانيا فستضعف وضعه الداخلي كثيراً وقد تعني إزاحته عن السلطة وربما انهيار المنظومة التي أنشأها هو وأتباعه، وفي مثل هذا الموقف اليائس فإن استخدام الأسلحة النووية وإن لم يكن الاحتمال الأكبر ولكنه أمر وارد في العقيدة البوتينية.