صرح التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والمكون من مقاتلين أكراد وسوريين أنهم سيطروا على مدينة الرقة، ممَّا أدى إلى إنهاء حكم ما يسمى “بالدولة الإسلامية” بعد ثلاث سنوات من سيطرتها على المدينة.
إن هزيمة تنظيم “داعش” في عاصمة “الخلافة” التي اعتمدها تعتبر انتصاراً كبيراً في المعركة، لإجبار الجماعة الجهادية على الخروج من العراق وسوريا. وقد شنت قوات سوريا الديمقراطية هجماتها على الرقة في حزيران/يونيو الماضي، قبل شهر من إعلان القوات العراقية الموالية للحكومة “تحرير” مدينة الموصل، في أعقاب هجوم استمر تسعة أشهر بدعم جوي وبري من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
كما قامت القوات العراقية مؤخراً بتطهير معاقل داعش في تلعفر والحويجة، ممَّا جعل الجهاديين يسيطرون على قطعة أرض على طول وادي نهر الفرات في الصحراء الغربية، بالقرب من الحدود مع سوريا. ولا يزال تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على أجزاء كبيرة من الوادي في محافظة دير الزور السورية المجاورة، لكنه يتعرض لضغوط من جانب قوات سوريا الديمقراطية، والقوات السورية الموالية للحكومة المدعومة من قبل الغارات الجوية الروسية والمقاتلين من حزب الله اللبناني.
كانت الرقة أولى وأكبر المدن التي استولت عليها داعش في سوريا عام 2014، وبدأت المجموعة بعدها في الاستيلاء على مساحات واسعة من البلاد، امتدت من الحدود مع العراق في الشرق حتى حلب والحدود التركية في الشمال الغربي.
وفي العراق قام مقاتلو داعش بغزو الموصل في حزيران/يونيو 2014، ثم انتقلوا جنوباً باتجاه العاصمة بغداد، متجاوزين الجيش العراقي ومتوعدين العديد من الأقليات العرقية والدينية في البلاد بالقضاء عليها. وفي ذروة السيطرة كان نحو 10 ملايين شخص يعيشون في الإقليم تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
معركة الرقة
ساعد القصف الجوي المكثف من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على ضمان النصر في الرقة لقوات سوريا الديمقراطية، التي تشكلت في عام 2015 من قبل ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية وعدد من الفصائل العربية الأصغر حجماً. ومنذ مطلع حزيران/يونيو، شنت طائرات التحالف ما يقارب 4 آلاف غارة جوية على المدينة.
وتختلف التقديرات حول عدد الضحايا. فبينما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو فريق مراقبة مقره المملكة المتحدة، إن 3250 شخصاً على الأقل قتلوا بينهم 1130 مدنياً، تقول مجموعات أخرى إن العدد كان أعلى. وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 270 ألف شخص فروا من منازلهم خلال هجوم قوات سوريا الديمقراطية.
وقد تستغرق المهمة الهائلة المتمثلة في إعادة بناء المدينة سنوات، وتجري بالفعل عمليات للكشف عن أي خلايا نائمة جهادية، وإزالة الألغام الأرضية.
وفي الوقت نفسه، تقول قوات سوريا الديمقراطية إن هجومها ضد تنظيم داعش في دير الزور يشهد تسارعاً مستمراً، خاصة مع إعادة انتشار المقاتلين من الرقة.
وتعتبر عملية إعادة بناء الموصل تحدياً كبيراً للحكومة العراقية. وقدر أحد المسؤولين العراقيين أن ذلك سيكلف مليار دولار، في حين وضع آخرون رقماً أعلى بكثير.
وحث القائد الأعلى للقوات الأمريكية في العراق الحكومة على “التواصل والتصالح مع السكان السنة”، لمنع “داعش من الظهور مجدداً”.
استغل الجهاديون الفوضى والانقسامات داخل سوريا والعراق. ونشأ تنظيم الدولة الإسلامية من تنظيم القاعدة في العراق الذي شكله مسلحون سنيون، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، وأصبح قوة رئيسية في التمرد الطائفي في البلاد. وفي عام 2011 انضمت الجماعة إلى التمرد ضد الرئيس بشار الأسد في سوريا، حيث وجدت ملاذاً آمناً وسهولة في الوصول إلى الأسلحة.
وفي الوقت نفسه استفادت من انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فضلاً عن الغضب السني على نطاق واسع ضد السياسات الطائفية للحكومة التي يقودها الشيعة في البلاد. وفي عام 2013 بدأت المجموعة السيطرة على الأراضي في سوريا، وغيرت اسمها إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
واجتاحت داعش، في العام التالي، مساحات واسعة من شمالي وغربي العراق، وأعلنت إنشاء “الخلافة”، وأصبحت تعرف باسم “الدولة الإسلامية”، وأدى التقدم إلى المناطق التي تسيطر عليها الأقلية الكردية في العراق، وقتل أو استعباد الآلاف من أعضاء الجماعة الدينية الأيزيدية، بالتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى شن ضربات جوية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق في آب/أغسطس 2014.
ومع إجبار داعش على الخروج من العراق وسوريا، هناك مشكلة أخرى تتمثل في احتمال عودة الأعمال العدائية بين الجماعات المتنافسة. لقد دفعت القوات العراقية بالفعل الأكراد إلى الانسحاب من الأراضي التي استولوا عليها خلال معركة داعش حول كركوك.
الخسائر:
لا تتوفر أرقام دقيقة حول ضحايا الصراع مع داعش. وتقول الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 6878 مدنياً قتلوا في أعمال عنف في العراق في عام 2016، وأكثر من 2700 شخص حتى نهاية أيلول/سبتمبر من هذا العام. على الرغم من أن الرقم الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى، حيث لم تتمكن المنظمة من التحقق من بعض التقارير عن وقوع إصابات في منطقة الموصل.
ووفقاً لـ”هيئة العراق”، بلغ العدد الإجمالي للوفيات بين المدنيين في العراق منذ عام 2014 ما مجموعه 66.345 حالة وفاة حتى 8 تشرين الأول/أكتوبر.
لم تعد الأمم المتحدة تتبع أرقام الإصابات في سوريا بسبب عدم إمكانية الوصول إلى العديد من المناطق، والتقارير المتضاربة من مختلف الأطراف في الحرب هناك.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مجموعة مراقبة مقرها بالمملكة المتحدة، في يوليو/تموز 2017 أن أكثر من 475.000 شخص، من بينهم 99600 مدني قد قتلوا منذ اندلاع الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد في مارس/آذار 2011.
من يحارب داعش؟
تجدر الإشارة إلى أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قام بأكثر من 12.766 غارة جوية ضد أهداف الدولة الإسلامية في العراق منذ آب/أغسطس عام 2014.
وقد نفذت معظم الهجمات من قبل الطائرات الأمريكية، ولكن شاركت أيضاً كل من أستراليا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا والأردن وهولندا والمملكة المتحدة.
بدأت الحملة الجوية في سوريا في أيلول/سبتمبر 2014، ومنذ ذلك الحين نفذت قوات التحالف نحو 12.850 ضربة، والتي تضم أستراليا والبحرين وفرنسا والأردن وهولندا والسعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة.
ارتفع عدد الضربات كل شهر بشكل مطرد في العراق حتى وصل ذروته في كانون الثاني/يناير 2016، ثم بدأ في الانخفاض مع زيادة عدد الضربات في سوريا بشكل كبير، ووصل إلى ما يزيد قليلاً على 1500 في أيلول/سبتمبر 2017.
روسيا ليست جزءاً من التحالف، ولكن طائراتها بدأت ضربات جوية ضد ما أسمته “الإرهابيين” في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015.
هناك معلومات قليلة من مصادر رسمية عن الضربات الجوية الروسية. وقال معهد دراسة الحرب إن الأدلة تشير إلى أن الطائرات الروسية استهدفت عمق الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وساعدت القوات الحكومية السورية على استعادة السيطرة على مدينة حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016.
بيد أن روسيا حذرت التحالف الأمريكي من اعتبار طائراتها أهدافاً بعد إسقاط الولايات المتحدة طائرة عسكرية سورية خلال الهجوم على الرقة. وقد أدى الحادث إلى وقف الاتصالات بين الجانبين الهادفة إلى تجنب الاشتباكات في الجو.
مع إعلان الخلافة في نهاية حزيران/يونيو 2014، أشار تنظيم الدولة الإسلامية إلى نيته الانتشار خارج العراق وسوريا.
وبحلول آب/أغسطس 2016، أفيد أن تنظيم الدولة الإسلامية ينشط في 18 دولة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أفغانستان وباكستان، ووفقاً للأدلة التي أظهرها المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب وجدت أيضاً علامات على ما أسمته “الفروع الطموحة” في مالي ومصر والصومال وبنغلاديش وإندونيسيا والفلبين.
زعم تنظيم الدولة الإسلامية، خلال عام 2016، مسؤوليته عن هجمات في عدد من البلدان؛ منها مصر وتركيا وإندونيسيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة وبنغلاديش. في عام 2017 ادعى تنظيم الدولة الإسلامية أنه وراء هجومين على الأقل في المملكة المتحدة.
وأدى إعلان الخلافة إلى زيادة عدد المقاتلين الأجانب الذين يسافرون إلى سوريا والعراق للانضمام إلى داعش.
ووفقاً لرئيس جهاز المخابرات البريطاني (MI5)، سافر أكثر من 800 شخص من المملكة المتحدة للانضمام إلى الصراع في العراق وسوريا، وتوفي 130 منهم.
كيف تحصل الدولة الإسلامية على تمويلها؟
يعد النفط واحداً من أكبر مصادر الدخل لداعش، واستولت المجموعة على العديد من حقول النفط في سوريا والعراق، وباعت النفط في السوق السوداء.
لكن الإيرادات انخفضت منذ أن فقد تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على المناطق المنتجة للنفط في شمالي سوريا وغربي العراق، وبدأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والضربات الجوية الروسية استهداف البنية التحتية للنفط.
كما انخفض الدخل من الضرائب والرسوم؛ بسبب فقدان تنظيم الدولة الإسلامية للمدن الرئيسية مثل الموصل والرقة. وازدادت الأموال التي يُحصل عليها عن طريق النهب والغرامات في البداية، خاصة عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في عام 2014، ولكنه تراجع منذ ذلك الحين.
وأفادت التقارير بأن تنظيم الدولة الإسلامية كان عاجزاً عن جمع الأموال في مرحلة ما، وأصبح يفرض غرامات عشوائية على جرائم مثل القيادة على الجانب الخطأ من الطريق. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة إهس ماركيت، فإن الخسائر الإقليمية هي العامل الرئيسي الذي يسهم في فقدان إيرادات الدولة الإسلامية. وتقول إن قدرة المجموعة على تعويض الخسائر المالية عن طريق زيادة العبء المالي على السكان الذين يسيطرون عليها وصلت إلى حدودها.
أين اللاجئون؟
فر أكثر من خمسة ملايين سوري إلى الخارج هروباً من القتال في سوريا، وفقاً للأمم المتحدة. انتقل معظمهم إلى تركيا ولبنان والأردن المجاورة. وطلب نحو 970.000 سوري اللجوء في أوروبا بين نيسان/أبريل 2011 وتموز/يوليو 2017، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. وتقدر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين عراقي أجبروا على مغادرة أراضيهم للهروب من الصراع مع داعش، ومنهم من تشردوا داخل البلاد. أدت معركة السيطرة على الموصل إلى نزوح نحو مليون شخص من منازلهم، ما زال نحو 800.000 يعيشون في مخيمات مؤقتة أو مع أقاربهم.
المصدر: بي بي سي
الرابط: http://www.bbc.com/news/world-middle-east-27838034