الرقة “عاصمة” داعش في سوريا بعد 11 شهراً من بدء الهجوم من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” (الكردية أساساً) بدعم من الأمريكيين. تحليل مختلف السيناريوهات على المدى القصير.
أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في 17 تشرين الأول/أكتوبر نصرها في الرقة، مقر “الدولة الإسلامية” في سوريا المحاصرة منذ عدة أشهر بعد سقوط الموصل، المدينة الرئيسية التي كان يسيطر عليها داعش في العراق، في تموز/يوليو الماضي. النتيجة بسيطة وواضحة: الجهاديون في الشرق الأوسط يعانون من تراجع رهيب، حيث إنهم لا يسيطرون الآن إلا على عدد قليل من الأراضي المتناثرة والصغيرة، والتي من المتوقع أن تسقط قريباً. هكذا سقطت “الخلافة” التي أعلن عن قيامها أبو بكر البغدادي في الموصل في 28 يونيو/حزيران 2014، ولم يعد لداعش أي قاعدة إقليمية، ومع ذلك لا تزال هناك عدة أسئلة مفتوحة.
هل أُفرغت الرقة من الجهاديين المحتملين؟
وصلت داعش إلى شرقي سوريا في عام 2013، حيث اتخذت من المنطقة مقراً لها ومركزاً لجميع القرارات الداخلية والخارجية. فرضت داعش قيوداً جهادية على السكان، كما طبقت أحكام عقاب شديدة ومتطرفة، وقد استمرت في ذلك أكثر من أربع سنوات. وأشارت قوات الدفاع والأمن إلى أن عمليات واسعة النطاق أجريت “لاستخراج الخلايا النائمة وإخلاء المدينة”. وقد أجرى المرصد السوري لحقوق الإنسان تقييماً كبيراً للحالة: فقد أسفرت عملية إعادة السيطرة على المدينة عن مقتل 3250 شخصاً؛ من بينهم 1130 مدنياً (بينهم 270 طفلاً). ويمكن للمرء أن يستنتج من الصور المتاحة أن المدينة دمرت تماماً بسبب القتال والقصف.
“الخلافة”…إنهاء داعش هل اقتربنا من النهاية؟
يقدر التحالف العسكري الذي أنشأته الولايات المتحدة للقضاء على داعش في آب/أغسطس 2014 أنه قتل نحو 80 ألف جهادي في كل من سوريا والعراق. كما أن القدرة على إلحاق الضرر بالجهاديين “الدولة الإسلامية” كانت مرتفعة؛ إذ عانى التنظيم من ضربات نوعية أدت إلى فقدان معظم قاعدته الإقليمية. ومع ذلك، يتوقع معظم الخبراء أن تستمر الأعمال الإرهابية التي تقوم بها داعش في الشرق الأوسط وأوروبا، أو في أي مكان آخر في العالم، كما يتوقع استمرارها لمراحل زمنية أخرى. واليقين الوحيد هو أن “الخلافة” لم يعد بإمكانها استقطاب الشباب المسلم، كما أنها خسرت الجاذبية التي كانت تتمتع بها القائمة أساساً على تجسيد فضائل حياة إسلامية وفقاً للمبادئ الإسلامية التي ادعت “الدولة الإسلامية” فرضها.
ما هو التطور السياسي البادي بعد نهاية الوجود الإقليمي لداعش؟
كان نظام بشار الأسد حريصاً على عدم مهاجمة داعش طالما أنه يحتاج إلى مبرر الإرهاب لتعبئة شعبه والمجتمع الدولي. وقد بدأ هذا الموقف يضعف مع التدخل العسكري الروسي جنباً إلى جنب مع النظام في أيلول/سبتمبر 2015، وبدأ الجيش السوري في الهجوم على مواقع الدولة الإسلامية، ولكنه لم يجند كل قواته من أجل هذا الهدف، بل كانت الأولوية السيطرة على (دمشق) ومن ثم حلب. إن القضاء الوشيك على أحد الفاعلين الرئيسيين (داعش) في النزاع السوري، سيترك الباب مفتوحاً أمام فواعل أخرى بمن فيها الجهاديون المقربون من القاعدة (موجودون بشكل رئيسي بإدلب في الشمال الغربي)، الأكراد والنظام الذي تدعمه القوات الروسية والميليشيات الشيعية في لبنان والعراق وإيران وأفغانستان.
بدا الأمر في البداية بأن الأكراد هم المستفيدون الرئيسيون من الوضع، إذ يسيطرون على أكثر من ربع سوريا وأنشؤوا منطقة مستقلة هناك. ومن بين القوات الكردية نجد قوات سوريا الديمقراطية التي يدعمها الأمريكيون، الميليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (فرع من حزب العمال الكردستاني – اللينيني الذي يشن حرباً في تركيا) هم الأغلبية العظمى.
هل ستبقى القوات الأميركية في سوريا عندما سيتم القضاء على الوجود الإقليمي للدولة الإسلامية؟
يأمل الأكراد السوريون ذلك، ولكن لا شيء يدل على استمرار وجودها، إذ لا يبدو أن ترامب من النوع الذي يحافظ على وجود القوات الأمريكية في مناطق متعددة، حيث يتعرضون لكل أنواع الأخطار ومن قبل جميع أنواع القوات المسلحة، بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا، وهي عضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تتهم الولايات المتحدة بالتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (فرع من “منظمة إرهابية لحزب العمال الكردستاني”) منذ ثلاث سنوات، وهو ما يضع واشنطن تحت الضغط لتهميش الأكراد حتى لا تأخذ الأزمة التركية الأمريكية منعطفاً حاسماً.
ترى أنقرة أن تطور فكرة دولة كردية في سوريا يشبه لحد بعيد ما يحدث في العراق، وهو سيناريو كارثي للقومية التركية التي لا تبدي أي مرونة حين يتعلق الأمر بحدود سيادتها. ابتعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قليلاً عن الصراع منذ أن بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي بتجربة الحكم الذاتي على حدوده، إذ إنها تجربة مثيرة للقلق بالنسبة له. منذ عام 2016 بدأ أردوغان في إجراء اتفاقات علنية مع طهران وموسكو، عرابي عدوه الأسد؛ من أجل توقيف المسار الانفصالي الكردي.
ما هو السيناريو الذي يتوقعه الأكراد؟
في حالة عدم وجود القوات الأمريكية بشكل دائم في شمالي سوريا، فعلى الأكراد أن ينسوا فكرة استقلالهم. إذا تركت الولايات المتحدة سوريا، على الأرجح، سيكون الأكراد مخيرين بين محاربة النظام أو التعامل معه، هذه الفرضية الوحيدة التي تبدو أكثر عقلانية.
لقد أبرم حزب الاتحاد الديمقراطي بالفعل اتفاقات ضمنية وتكتيكية مع الأسد، وإذا رفض الأخير بشكل متعمد فكرة الحكم الذاتي، فإنه لا ينبغي أن يرفض فكرة سوريا الفيدرالية التي من شأنها أن تعطي المقاطعات الكردية بعض السيطرة على الحياة اليومية للسكان.
المصدر: لوسواغ بلوس
الكاتب: بودوين لوس