هذه المادة مترجمة من موقع Modern Diplomacy
في حال أردنا دراسة المواقف السياسية والعسكرية لإسرائيل، فإنه لا بد أولا من تحليل الوضع في سوريا، حيث نرى أن عدوها في المنطقة هي روسيا، على الرغم من أنها قد تبدو إيران. وتعتبر هضبة الجولان إحدى مناطق التصعيد في سوريا، حيث أن إسرائيل لا تريد من إيران وحزب الله أن يعملا في المنطقة بأريحية، حتى في حال قيامها بعمليات شبه عسكرية تحت حماية روسيا.
لا تريد الحكومة الإسرائيلية من الاتحاد الروسي أن يتدخل لصالح إيران. ومع ذلك، ستضعف سيطرة روسيا استقرار سوريا بمجرد ترك إيران والقوى الشيعية لسوريا، ومن المرجح أن هذه السيطرة ستنهار كذلك. ومن هذا المنطلق، تريد إسرائيل من سوريا وروسيا دفع إيران بعيدا عن الأراضي السورية المجاورة، من خلال التهديد بخوض غمار حرب حقيقية على الأراضي السورية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل الإطاحة بالأسد ووضع حد للحضور الروسي في المنطقة على أي حال، مما يعجل بإزاحتها من الشرق الأوسط. ويتمثل الهدف الرئيسي للحكومة الروسية في البقاء في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل قوي وحاسم، ويبدو جليا أن الولايات المتحدة لن تقبل بإجراء هذه العملية المناهضة لروسيا.
من المتوقع أن تشارك الولايات المتحدة في البداية ثم تبتعد بصفة تدريجية عقب انتهاء العمليات الأولى بنجاح، حيث أن القوى الأمريكية ستنسحب وتعود إلى الوطن بمجرد تصدر عناوين عملياتها العسكرية الصفحات الأولى في صحيفة “نيويورك تايمز”. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تسيطر على المنطقة منذ أكثر من 20 سنة، ويقتصر نشاطها على العمليات الاستراتيجية السريعة كما هو الحال في أفغانستان.
بالنظر إلى الوضع الحالي في سوريا، فإنه من المنطقي التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستبقى شريكا موثوقا به بالنسبة لإسرائيل، بغض النظر عن الحرب المحتملة في المنطقة. ومن المرجح أن لا تدوم هذه الشراكة بين الطرفين نظرا لأن حلفاء الولايات المتحدة الأكراد قرروا الانضمام إلى حلف بشار الأسد للتصدي لتركيا، ما إن أعلن ترامب عن انسحاب قواته من سوريا. فكيف سيبدو شكل النظام الروسي الإيراني بعد هذا الهجوم الذي شُن على نظام حزب البعث؟ من المرجح أن الوضع سيكون أكثر خطورة مما هو عليه اليوم.
هناك حاجة ماسة إلى إجراء تحالف كبير لتدمير مخططات الهيمنة الشيعية في إيران، الذي سيكون مع الولايات المتحدة بطبيعة الحال، إلى جانب الشركاء الإسلاميين وليس فقط المملكة العربية السعودية. ومن المؤكد أن روسيا لن تقبل بإجراء مثل هذا المشروع، نظرا لأنها تتجنب زعزعة استقرار سوريا وتحاول أيضا الحيلولة دون اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط. ولكن سوريا هي بمثابة دولة عميلة لروسيا في الوقت الحالي.
وبناء على ذلك، تعتبر إقامة صداقة بين روسيا وإسرائيل أمرا ممكنا ومرغوبا، لكن احتواء إيران بشكل حقيقي وواقعي داخل سوريا أو على الحدود الإسرائيلية لن يتحقق إلا من خلال عزل القوات الشيعية داخل منطقة نفوذ الأسد، وهو ما قد يكون هدف روسيا أيضا. ويندرج هذا الأمر في إطار تقوية العلاقات الوثيقة بين روسيا والمملكة العربية السعودية، المنافس الشرس لإيران، التي قد تلعب دورا حاسما في إعادة إعمار سوريا في فترة ما بعد الحرب. ومن هذا المنطلق، ينبغي على أي استراتيجية واقعية لاحتواء إيران باعتماد القوة أن تستند إلى اتفاق مبدئي بين روسيا وإسرائيل، كما يجب التذكير بأن روسيا بحاجة إلى حليفها الإسرائيلي على المستويات الاقتصادية والتكنولوجية والاستراتيجية.
لقد أُتيحت لي فرصة مناقشة هذه المواضيع بشكل علني وصريح مع صديقي وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون، عندما قدّمتُ مؤخرا النسخة الإسرائيلية لكتابي الأخير في القدس. ومن المرجح أن تؤدي هذه المؤشرات إلى شن حرب وقائية على سوريا لتدمير المحور القائم على تعاون إيران وحزب الله. وفي جميع الحالات، أعتقد أيضا أن روسيا قد تبدي تجاهلا عسكريا جوهريا وعدم اهتمام، خاصة أنه لن تكون لها أي اتصالات مع إيران التي تعتبر منافسا نفطيا خطيرا لها، ناهيك عن امتلاكها سياسات مختلفة عنها بشكل جذري فيما يتعلق بالنفط والغاز.
مع ذلك، يجب علينا عدم التغاضي عن الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، بهدف تجنب الضغط الذي تسلطه جماعة شيعية مثل الحوثيين، والأهم فرض السيطرة على الاحتياطيات النفطية الضخمة في محافظة الخرخير ومنطقة نجران جنوب البلاد، بصرف النظر عن حقيقة كون 60 بالمائة من النفط اليمني يتم حاليا “سرقتها” من قبل السعودية عبر الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي. ومن الواضح أن الصِدام في اليمن يتمحور حول السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يشهد عبور 3800 مليون برميل من النفط الخام من الشرق الأوسط.
لا تزال سوريا دولة كبرى متعددة الأشكال، ولطالما كانت غير مستقرة سياسيا نظرا لوجود مناطق تضم الأقليات المسيحية وأخرى تضم أقليات درزية وشيعية وشبه شيعية، والتي قد تصبح مناطق يصعب السيطرة عليها في ظل حرب خاطفة، أي الحرب التي لطالما كانت تندرج ضمن إطار أسلوب التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي.
بالنظر إلى تواجد الكثير من الأسلحة الإيرانية في لبنان في الوقت الحالي، يتعين على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن تشن هجوما سريعا للغاية يكون قائما على تحليل دقيق للغاية لمواقع وقوات الجماعات الشيعية. ومن المرجح أن تكون هذه الأسلحة في مرتفعات الجولان. وعلى كل حال، يجب أن لا يقود الهجوم السريع إلى مواجهة إسرائيل لأي هجمات مضادة على حدودها الشمالية.
يعتبر تحديد الجغرافيا السياسية السورية المشتركة مع روسيا بمثابة العملية المنطقية الوحيدة حتى الآن، التي تمتلك مصالح متوازية وتسيطر على القوات الشيعية في الميدان. وفي واقع الأمر، تبحث روسيا عن حليف يمكن الاعتماد عليه للتصدي لمطالب إيران الإقليمية في سوريا. وقد مكّنت الاتفاقية، التي وقعتها إسرائيل مع الولايات المتحدة وروسيا في نهاية شهر تموز/ يوليو من سنة 2018، الحكومة الإسرائيلية من قبول التواجد العسكري السوري على حدود الجولان، حتى إن كان ذلك على بعد 80 كيلومترا من الحدود.
يعني ذلك أن القوات المسلحة الإسرائيلية لن تشن حربًا لتقويض إمكانيات روسيا وعمليات الجيش السوري خارج الحدود مع إسرائيل، مما يعكس قبولا واضحا لحماية روسيا لقوات الأسد. وفي الوقت الحالي، تخلت الولايات المتحدة عن عملائها الذين يتواجدون بالولايات الجنوبية المعروفين باسم “الجهاديين الديمقراطيين”، ما يدل على عدم قدرتها الواضحة على التفكير بطريقة استراتيجية صحيحة.
وتدرك كل من روسيا وإسرائيل أن الصراع السوري يمثل حربا بإمكانها التأثير على العالم بأسره وليس الشرق الأوسط فقط. ولا يمكن القول إن هذا الصراع يمثل الحرب المعتادة التي تشنها “الديمقراطية” ضد “الإرهاب”. وفي الحقيقة يمثل الصراع في سوريا شرارة محتملة لحرب عالمية.
وصفت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في سوريا على أنها مجرد حرب ضد الإرهاب، كنوع من المهدئ الجيوسياسي. ومن الواضح أن إسرائيل عملت على تعزيز وجودها في منطقة الجولان، لكن هل يعتبر هذا الأمر كافيا؟ لا أظن ذلك. يخلق احتمال دخول إيران (التي تمول وتساهم في تدريب الجماعات الإرهابية في جنوب الأراضي الإسرائيلية) في صدام إقليمي ضد إسرائيل، نوعا من عدم الثقة في الوضع الراهن.
في هذه الأثناء، تبدي إسرائيل انفتاحا اقتصاديا وسياسيا على آسيا، ومن الواضح أن هذا الأمر يعزى إلى حقيقة أن آسيا لن تكون المنطقة المهيمنة على الصعيد الاقتصادي فقط، بل على الصعيدين السياسي والعسكري أيضا. ومن هنا ظهرت الفرصة، التي يجب على إسرائيل اغتنامها في المستقبل القريب، التي تتمثل في تكوين رابط جيوسياسي بين الصين وإسرائيل، ما من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط.
باستثناء سنغافورة وبورما، يعود تاريخ جميع العلاقات الرسمية التي تربط إسرائيل بالدول الآسيوية إلى الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي. وتعد علاقات إسرائيل التجارية مع الصين والقوى الآسيوية الأخرى بالغة الأهمية، إذ تقدر قيمة المبادلات بحوالي 15 مليار دولار أمريكي.
نظرا للتوترات التجارية الحالية بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فإنه بإمكان العلاقة بين الصين وإسرائيل أن تصبح أكثر أهمية خاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة. لكن يبدو أن مشروع إنشاء خط قطار “ميد ريد” للربط بين ميناء إيلات وأشدود، الذي من المحتمل أن يمثل بديلا عن قناة السويس، هو في الحقيقة على المحك، وقد يترتب عن ذلك تداعيات استراتيجية ملحوظة من الصعب توقعها في الوقت الحالي. وسيلعب الاستثمار الصيني دورا مهما نظرا للتناظر الجغرافي والسياسي لخط “ريد ميد” مع “طريق الحرير” الجديد.
في حين أن الاتحاد الأوروبي يسعى لمعاقبة إسرائيل من خلال قوانينه التجارية الحالية، فإن إسرائيل بصدد الانفتاح على التجارة الآسيوية وخاصة الصين، باعتبار أن التعامل معها قادر على أن يعوض المعاملات التجارية مع الاتحاد الأوروبي. قد تسفر هذه المعطيات الاقتصادية عن العديد من الآثار الإستراتيجية: فخلافا لنهر الراين الأوروبي الذي لا يمكن لطريق الحرير الجديد بلوغه، تحافظ إسرائيل على روابط وثيقة مع المنطقة الإنمائية بآسيا الوسطى، وتبطئ من نسق علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا أيضا بصفتها معادية، بشكل لا يخلو من النفاق، لمبدأ “السامية”.
تعد آسيا بمثابة بوليصة تأمين، على المستوى الجيوسياسي أيضا، بالنسبة لإسرائيل ضد الغرب، الذي يبدو أنه لن يكون متعاونا في المستقبل. وفي جميع الحالات، لا تزال إسرائيل قادرة على بناء قنوات تفضيلية في الشرق في حال اضطرت إلى القطع مع الغرب. وعلى الرغم من أنها ستتمكن من تعزيز العلاقات التي تربطها ببلدان الشرق الأوسط وخاصة العلاقات ذات الطبيعة الأمنية، إلا أن إسرائيل لا ترغب في فتور علاقاتها مع كل من أوروبا والولايات المتحدة في الوقت الحالي.
وفي حال دخلت العلاقات مع الولايات المتحدة في مرحلة ركود على المستوى السياسي، فإنه يمكن لإسرائيل بناء علاقات جيدة مع الهند، ذلك أن الصين لا تعتبر الشريك الحصري لها في الشرق نظرا لعلاقاتها الممتازة مع إيران. وعلى الصعيد الإقليمي، إن التوصل إلى حل طويل الأمد أو ربما نهائي للقضية الفلسطينية من شأنه أن يكون أمرا مفيدا بالنسبة لإسرائيل.
في حال لم تكن الحدود الإسرائيلية الفلسطينية آمنة، قد يُستخدم هذا الأمر كحجة ضد إسرائيل التي لن تنجح في لعب دور عالمي إذا تباطأت في التخلص من تاريخها الجيوسياسي الحافل بالحروب الإقليمية. فكيف يمكن القضاء على التوتر في العلاقة مع فلسطين، الذي يمكن أن يكون بمثابة حجة يستند إليها أي طرف ينوي إضعاف إسرائيل؟ ولا يعد السماح للأردن بتولي أمر السلطة بفلسطين قرارا منطقيا، لافتقار الدولة الهاشمية إلى الصلابة الاقتصادية وربما العسكرية التي تخول لها تسيير المنطقة بأكملها. وبالتالي، إن دور الأردن لا يمكن أن يتعدى حقيقة كونه مجرد طرف يراقب الأراضي الفلسطينية ليس إلا.
لقد فشلت الحلول المتعلقة ببناء الدولة إلى حد الآن. في هذه الحالة، ما هو الحل الذي يمكن اقتراحه؟ مبدئيا، من الممكن التفكير في بناء منطقة تُسيَّر وتحظى بالدعم الاقتصادي من قبل الدول الإسلامية باستثناء إيران. ومن المؤكد أن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع كل من مصر والأردن وحتى المملكة العربية السعودية سيكون مفيدا في حل القضية الفلسطينية.
ومن بين الحقائق الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار التفوق الإستراتيجي لإسرائيل خاصة في مجال الأمن السيبراني، الذي من الممكن أن يكون وسيلة للتخلص من التوترات حتى قبل ظهورها. وبالنسبة لإسرائيل، تتيح الحرب السيبرانية فرصة إضعاف شبكات البنية التحتية والحماية التابعة للعدو، قصد تثبيط قدرته على القتال.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تعد رائدة على المستوى العالمي في قطاع الأمن السيبراني، إلا أنه من المهم أن تحرص على مواكبة وتيرة التغيير السريعة التي يتسم بها هذا المجال، كما أن مواجهة المرتزقة في المجال السيبراني تستوجب تكثيف الجهود.
ومن الجلي أن الاستراتيجية الإسرائيلية في المجال السيبراني تعتبر متميزة، بيد أنه وجب الحرص على تحسينها وتطويرها لاسيما فيما يتعلق باستهداف وتوجيه العمليات عن بعد ضد الأعداء والخصوم المحتملين، الذين لم يقع استهدافهم من قبل. وفي الحقيقة، يتغير الأعداء لكن من الأفضل ألا نثق بمبدأ الصداقة الأبدية.
سيكون من الجيد الابتعاد عن النموذج الغربي لـ”مجتمع الشوبيز” الذي يحول دون اهتمام الشباب بالتعليم والتدريب التقني والعلمي والعقلاني والتاريخي، كما هو الحال اليوم في إسرائيل؛ مما يتطلب إعادة تطبيق مبادئ آبائنا وأجدادنا وضمان تعليم أفضل و”تأميم جماهيري” أكثر فعالية في القوات المسلحة. كما نحتاج إلى زيادة الاستثمار في المدارس والجامعات على الرغم من أن إسرائيل لم تبلغ بعد الوضع الكارثي الذي تشهده العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا. وسيكون من الجيد العمل على تحسين العلاقة بين الجامعات من جهة، والأنشطة الإنتاجية والعسكرية من جهة أخرى. وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر، إلا أنني أعتقد أن إسرائيل ستنجح مجددا.