آلان رودييه
هذه المادة مترجمة عن المركز الفرنسي للبحوث
أخيرا، كشفت دراسة أمريكية مستقلة وحديثة[1]، خُصصت لتناول العلاقات بين تنظيم القاعدة وإيران، عن سر قديم يعود إلى سنة 2001. في الواقع، حين غزا التحالف الدولي أفغانستان -التي رفضت تسليم بن لادن المتهم بالوقوف وراء هجمات 11 أيلول / سبتمبر- لجأ العديد من عناصر تنظيم القاعدة وعائلاتهم إلى إيران. ومنذ ذلك الحين، لطالما كان من الصعب التعرف على طبيعة العلاقات بين طهران والقاعدة.
في الحقيقة، ومنذ سنوات عديدة، سمح هذا “الملف الغامض” للإدارة الأمريكية باتهام إيران بالتواطؤ مع المنظمة الإرهابية المسؤولة عن إلحاق الأذى بآلاف الضحايا. كما شكّل أيضا حجة اعتمدها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتبرير العقوبات المتخذة ضد طهران، قبل حتى انسحاب الولايات المتحدة سنة 2018، من خطة العمل الشاملة المشتركة المتمحورة حول وقف البرنامج النووي الإيراني الذي تم التوقيع عليه سنة 2015.
وتمكنت نيللي لاهود، الباحثة في خلية التفكير “أمريكا الجديدة” التي يقع مقرها في واشنطن، من الوصول إلى مجموعة الوثائق التي تحصلت عليها القوات الخاصة الأمريكية في أبوت آباد في أيار/ مايو من سنة 2011، على إثر الغارة التي تم شنها من أجل القضاء على بن لادن. وبالإضافة إلى الوثائق التي نشرها مركز “ويست بوينت لمكافحة الإرهاب”، تمكنت هذه الباحثة أيضا من الوصول إلى الوثائق التي كشف عنها مدير الاستخبارات القومية بين 2015 و2017، وبعده وكالة المخابرات المركزية سنة 2017.
وأثناء إجراءها لدراسة دقيقة، أثارت وثيقتان اهتمام لاهود بشكل خاص. وتتمثل الأولى في رسالة من 19 صفحة، كتبها قائد رفيع المستوى في تنظيم القاعدة في شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2007. وتُفصل هذه الرسالة نداءات طهران سنة 2004 لوقف الهجمات المعادية للشيعة في العراق. أما بالنسبة للوثيقة الثانية، فقد وردت في شكل “مذكرة يومية” تحتوي على 220 صفحة منسوبة إلى بن لادن ولكنها في الأغلب مكتوبة من قبل ابنته مريم[2].
وتغطي هذه المذكرة الفترة الممتدة بين آذار/ مارس وأيار/ مايو من سنة 2011، قبيل سقوط أسامة بن لادن بطلقات القوات الخاصة للبحرية الأمريكية “نافي سيلز”. وانطلاقا من قراءتها المعمقة، استنتجت لاهود أنه، بين تنظيم القاعدة وطهران، “ليس هناك دليل يُثبت التعاون من أجل تخطيط أو تنفيذ هجمات إرهابية”. وبالنسبة لها، يجب التمييز بين ثلاث مراحل مختلفة عرفتها العلاقة بين إيران والقاعدة.
تتميز المرحلة الأولى بقصر فترتها الزمنية، ذلك أنها لم تمتد سوى من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2001 إلى بداية سنة 2002. وقد استقبلت إيران على ترابها مئات الجهاديين الفاريين من قوات التحالف الذين دخلوا إلى البلاد سواء بتأشيرة أو بطريقة غير شرعية في أغلب الأحيان. آنذاك، تعاونت طهران مع الرياض من أجل إعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية (المملكة العربية السعودية أو الكويت).
وقد طلبت السلطات الإيرانية من هؤلاء اللاجئين من نوع خاص، البقاء في كنف السرية وعدم التواصل فيما بينهم. لكن، خرق الجهاديون قرار الحظر هذا، خاصة بعد أن تواصلوا هاتفيا مع نشطاء شيشانيين وآخرين من جنسيات مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، غادر البعض منهم منطقة زاهدان أين كانوا متجمعين، من أجل التنقل في البلاد حسب رغباتهم.
أما المرحلة الثانية، فتعد قصيرة أيضا، وتمتد من بداية سنة 2002 إلى شهر آذار/ مارس 2003. وبسبب انزعاجها من عدم التزام جهاديي القاعدة، بدأت السلطات الإيرانية بايقاف هؤلاء من أجل إخراجهم من إيران بطريقة عسكرية. تجدر الإشارة إلى أنه في ذلك الوقت، كان الإيرانيون يلتقون بانتظام ببعثات أمريكية في جنيف[3]، بهدف تبادل معلومات حول مواضيع مختلفة، من بينها القاعدة وأعضاؤها.
وانطلقت المرحلة الثالثة مع غزو الأمريكيين للعراق سنة 2003. حينها، تم وضع النشطاء الذين لازالوا في إيران، بما في ذلك أفراد من عائلة بن لادن، تحت الإقامة الجبرية. نتيجة لذلك، اقترحت طهران على واشنطن أن تُسلمها مسؤولي منظمة مجاهدي الشعب الإيراني، مقابل أن تسلمها، من جهتها، أعضاء من القاعدة، الأمر الذي رفضته واشنطن.
على الصعيد الإنساني، بدت عملية مماثلة غير معقولة، ذلك أنه كان من الممكن أن يُقتل هؤلاء الأشخاص الذين سيتم تسليمهم على إثر عودتهم. علاوة على ذلك، كان الأمريكيون يعتقدون أن منظمة مجاهدي الشعب الإيراني ستعود بالنفع عليهم في يوم ما، لتستخدمها ضد نظام الملالي.
ولا يعني كل ذلك أن إيران تعاونت مع القاعدة. في الواقع، تتحدث وثيقة صادرة عن أبوت آباد عن “النظام الانحرافي الإيراني”، الذي يعكس اعتقادا يؤمن به السنة المتشددون، مفاده أن الشيعة ليسوا “بالمسلمين الحقيقيين”، لأنهم لا يحترمون “القيم الحقيقية للإسلام”.
في المقابل، يبدو أن التواصل بين الطرفين، قد حدث حقا على شاكلة ما ورد في المثل القديم التالي: “حين نريد الانتصار على عدوّ، نُجبر على التواصل معه”. ففي تموز/ يوليو من سنة 2004، طلب الإيرانيون من بن لادن التدخل من أجل التواصل مع الناشطين المنتمين إليه، بهدف وقف الهجمات المستهدفة للمساجد الشيعية في العراق.
من ناحيته، طلب بن لادن من الإيرانيين، في مقابل هذه الخدمة، إطلاق سراح أفراد عائلته. لكن، لم تستجب إيران لهذا الطلب، كما تضاعفت الهجمات المستهدفة للشيعة، ليس في إيران فقط بل في باكستان أيضا. ولم تحدث عملية التحرير إلا بعد سنوات عديدة من كل هذا، في 2010، حين تمت مقايضة زوجة بن لادن، أم حمزة، وابنه حمزة وعائلته بالملحق التجاري الإيراني الذي تم اختطافه في باكستان سنة 2008.
وتشير المُذكرة التي تحدثنا عنها آنفا، إلى إعجاب بن لادن بالثورات العربية وإلى تساؤلاته حول طريقة مواصلة هذه التحركات. عند هذا المستوى، وباستثناء حيرة بن لادن إزاء تعبئة مُحتملة للشعوب الشيعية في المملكة العربية السعودية وفي البحرين (لأنه يرى أن طهران تعتمد أساسا سياسة ثورية عالمية ويمكن لها استغلال الفوضى التي نشأت عن هذه الأحداث لصالحها)، لم تتم الإشارة إلى إيران إلا في مناسبات نادرة.
كما يذكر مؤلف هذه المذكرة رسالة شهيرة بعث بها بن لادن إلى زوجته، أم حمزة، حين تم تحريرها سنة 2010. وقد طلب منها عدم إحضار أي أمتعة معها من إيران، بما في ذلك الكتب والملابس، معللا ذلك بأن أي شيء، وإن كان في حجم حبة دواء، يمكن أن يستغله سجانُوه لنصب فخ له.
بالإضافة إلى حجة تطوير مشروع أسلحة الدمار الشامل، ومن أجل تبرير غزو العراق سنة 2003، ادعت واشنطن أن صدام حسين يدعم القاعدة. وقد تبين في وقت لاحق خطأ هاتين الحجتين. وفي ذلك الوقت، لم تخطأ أجهزة المخابرات الفرنسية حين أنذرت الرئيس شيراك، الذي أخذ بدوره القرار الصائب. وتمثل قراره في عدم الانضمام إلى واشنطن في مغامرتها العسكرية، التي كانت غامضة الأسباب وذات تبعات كارثية، كما تم إثبات ذلك. وردا على ذلك، تلقت باريس اللوم من واشنطن.
ويعتمد الأمريكيون الحجج ذاتها من أجل تشديد سياستهم مع إيران. وفي حال طرح كل من المشروع الباليستي والشكوك حول وقف المشروع النووي لطهران أسئلة عديدة، فإن التحدث عن علاقات تعاون بين الإيرانيين والقاعدة يبدو أمرا مبالغا فيه.
[1] إيران والقاعدة: رؤية من أبوت آباد، أيلول / سبتمبر 2018، https://www.newamerica.org/international-security/events/iran-and-al-qaida-view-abottabad/