نشر موقع “لوكلي دي مويان أوريون” الفرنسي دراسة للكاتب أوريان هوشون، تحت عنوان “القوات المسلحة في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط”، سلّط من خلالها الضوء على تداعيات الوضع الجيوسياسي الإقليمي المُعقّد في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وسباق التسلح الذي تخوضه هذه المنطقة.
بدأ الكاتب دراسته بالقول إن بلدان المنطقة تنفق جزءا كبيرا من ناتجها المحلي الإجمالي على الميزانيات العسكرية، بهدف مواجهة كل التهديدات الخارجية التي من الممكن أن تضر بأمنها واستقرارها؛ حيث قامت بمضاعفة ميزانية شراء الأسلحة، وتكاليف صيانة المعدات، ورواتب الجنود، فضلا عن تطوير الصناعات الدفاعية.
وأشار الكاتب إلى أن التقرير السنوي لمعهد “ستوكهولم” لأبحاث السلام الدولي، حول عمليات نقل الأسلحة في جميع أنحاء العالم، الذي نُشر يوم 20 شباط/ فبراير 2017، كشف عن زيادة بنسبة 8.4 في المائة في مبيعات الأسلحة، خلال عقد من الزمان. فضلا عن ذلك، أفاد التقرير ذاته بأن جميع الدول في العالم أصبحت تتبنى هذا التوجه الدفاعي.
من جانب آخر، أفاد الكاتب بأن الفترة الممتدة بين سنة 2012 و2016 سجّلت أعلى مستويات المبيعات للأسلحة، منذ نهاية الحرب الباردة. في الحقيقة، تحتل القارة الآسيوية قائمة أهم الموردين للأسلحة، تليها دول الخليج والمغرب الكبير، فضلا عن أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر تعتبر من بين أكبر خمسة بلدان مستوردة للسلاح في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج تمثل أهم عملاء البلدان المصدرة للأسلحة، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية حاليا من أكبر مستوردي الأسلحة في المنطقة؛ إذ أدت الحرب التي تقودها في اليمن إلى زيادة كبيرة في وارداتها العسكرية، في السنوات الخمس الأخيرة.
في سنة 2015، بلغت الميزانية العسكرية للسعودية قرابة 81.9 مليار دولار. فضلا عن ذلك، تعتبر الولايات المتحدة من أهم البلدان المصدرة للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. والجدير بالذكر أن فرنسا توفر قرابة 40 في المائة من الصادرات العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي سياق ذي صلة، بيّن الكاتب أن المغرب العربي يواصل سباق التسلح الذي يخوضه منذ سنوات، حيث تعتبر الجزائر خامس أكبر بلد مستورد للأسلحة في العالم، وتمثل طلبياتها 46 في المائة من صادرات كامل القارة الإفريقية. من جانب آخر، يوضح سباق التسلح الشعور بانعدام الأمن الذي تتقاسمه دول المنطقة. فكلما تفاقمت التوترات بين هذه الدول، ازدادت حدة سباق التسلح بينها.
وفي حقيقة الأمر، فإنه حتى في إطار المنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، تكرس معظم الدول الأعضاء حصة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي للجيش والإنفاق العسكري.
من ناحية أخرى، ففي بعض الحالات، كما هو الحال في العراق، عندما تكون سيادة الدولة مهددة مباشرة، تعتبر زيادة الإنفاق العسكري مهمة جدا للردّ على هذا التهديد. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار الجماعات المسلحة غير الحكومية؛ مثل تنظيم الدولة أو حزب الله أو الميليشيات الكردية في تركيا وسوريا والعراق، يحث الحكومات على تحديث جيوشها ودعمها عسكريا بالعتاد اللازم.
على صعيد آخر، ما زالت إسرائيل الكيان الذي يملك الجيش الأفضل تجهيزا، والأكثر حداثة، والأكثر فعالية. وتعود جذور هذه القوة العسكرية إلى الشعور الدائم بالتهديد، حيث أصبحت قادرة اليوم على احتواء تهديد حماس وحزب الله. ويبدو أنها ستكون قوية بما يكفي لتنفيذ هجوم أحادي الجانب ضد إيران.
وبالعودة أخيرا إلى القارة الإفريقية، حيث تبرر السلطات السياسية الجزائرية زيادة إنفاقها العسكري بانعدام الأمن المرتبط أساسا بالنشاط الإرهابي الداخلي، وحالة الفوضى التي تعيشها ليبيا وشمال مالي، فضلا عن قضية الصحراء الغربية، التي ساهمت في احتدام النزاع بين المغرب والجزائر، وتغذية هذا السباق المحموم لسباق التسلح.