في سابقة هي الأولى من نوعها، شاركت الصين في مناورة إستراتيجية عسكرية روسية، حيث تلقى حوالي ثلاثة آلاف جندي صيني تدريبات مشتركة مع قرابة 300 ألف جندي روسي شرق روسيا. فهل تسعى الصين وروسيا إلى إقامة تحالف عسكري؟
خلال الأيام الأخيرة، دخل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في خلاف مع بقية الوزراء. فيوم الثلاثاء الماضي، أفاد شويغو على هامش مؤتمر صحفي: “لكم أن تتصورا 36 ألف آلة عسكرية تتحرك في نفس الوقت”، في إشارة إلى المناورة العسكرية غير المسبوقة “فوستوك 2018″، التي ستُجرى بتاريخ 11 أيلول/ سبتمبر المقبل جنوب روسيا وفي سيبيريا شرق روسيا وفي المحيط الهادئ.
ومن المنتظر أن يشارك حوالي 300 ألف جندي روسي وعدد من السفن الحربية التابعة لأسطول المحيط الهادئ وبحر الشمال وعدد من أفراد القوات المنقولة جوا في هذه المناورة. وتعتبر “مناورة فوستوك 2018” أضخم من كل مناورات الناتو التي جرت خلال العقود الأخيرة. ولا تكمن أهمية هذه المناورة العسكرية في عدد الجنود الروس الذين سيتصدون للهجمات المصطنعة في الغابات السيبيرية أو السواحل، بل في 3000 جندي التابعين للجيش الشعبي الصيني المدججين بعشرات الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر.
لم يسبق للصين أن شاركت في المناورات العسكرية الإستراتيجية التي عادة ما تقوم بها روسيا كل أربع سنوات. وفي وقت سابق، شاركت روسيا البيضاء في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، لعل آخرها مناورة “ساباد 2017”. ومنذ سنوات قليلة، باتت بكين من ألد أعداء موسكو، ويبدو أن روسيا تريد من خلال مناورة “فوستوك 2018” أن توجه رسالة مفادها أن الصين لم تعد خصما لها بعد اليوم.
يبدو أن موسكو وبكين تريدان أن ترُدا الفعل بشأن الإستراتيجية الأمنية الأمريكية. وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أفاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن “روسيا والصين تحاولان من خلال سعيهما للحد من الهيمنة الأمريكية تقويض الأمن الداخلي الأمريكي”. وفي الوقت الراهن، تتأهب روسيا والصين لإقامة تحالف عسكري، مع العلم أنه خلال السنوات الماضية ظهرت بوادر تشير إلى وجود تقارب عسكري بين الطرفين.
منذ سنة 2003، أجرت روسيا والصين حوالي 30 مناورة عسكرية مشتركة من بينها عشر مناورات أُجريت تحت قيادة منظمة شنغهاي للتعاون. وتركز هذه المناورات على مكافحة الإرهاب وعمليات الإغاثة في أوقات الكوارث، إلى جانب إجراء مناورات عسكرية سنوية. وخلال الصيف المنقضي، أُجريت أول مناورة عسكرية في بحر البلطيق، ولم تهدف أي من المناورات العسكرية السابقة إلى إبراز مدى الاستعداد الدفاعي الإستراتيجي لروسيا.
منذ أكثر من 25 سنة، اعتبرت روسيا أهم طرف يزود الصين بالأسلحة، على الرغم من أنها كانت في السابق مترددة بشأن تزويدها بأحدث الأسلحة مخافة السرقة التكنولوجية، لكن يبدو أنه لم يكن هناك داع لذلك. ومنذ الدخول في خلاف مع الغرب بشأن الحرب الأوكرانية سنة 2014، لم تعد روسيا متحفظة بشأن بيع الأسلحة الحديثة للصين.
منذ سنتين، زودت موسكو الصين بالطائرات المقاتلة من طراز “سو-35” القادرة على اختراق المجال الجوي الأمريكي. وخلال السنة الحالية، انطلقت عمليات تزويد الصين بأنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز “إس-400″، التي من شأنها أن تساهم في تأمين السيادة الجوية الصينية على تايوان ومضيق فورموزا. ومن المنتظر أن تقوم الصين بتركيز هذه الأنظمة الدفاعية الجوية في جزيرة فورموزا. ولعل الأمر المثير للاهتمام هو أن موسكو وبكين تعملان على الحد من الهيمنة الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يثير قلق الأمريكيين من جهة وغبطة الروس والصينيين من جهة أخرى.
كل طرف يريد أن يفرض قواعده في العالم
هل أن روسيا والصين في طريقهما نحو إقامة تحالف بينهما؟ يبدو أن روسيا ترغب في إقامة تحالف عسكري مع الصين خاصة وأن المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أكد أن “التعاون المشترك بين روسيا والصين أصبح أكثر عمقا في مختلف المجالات”. والجدير بالذكر أن مدى عمق التعاون المشترك بين الطرفين مرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن الضغط الأمريكي قد يعزز التقارب بين الطرفين.
لكن هذا لا يحجب حقيقة أن روسيا والصين في خلاف جيوسياسي على الرغم من الصداقة التي تجمع بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ونظيره الصيني، شي جين بينغ. ومن الواضح أن رؤية روسيا المستقبلية لا تضع على قائمة اهتماماتها قوة الصين، والعكس صحيح. وفي ظل تعدد الأقطاب، أصبحت موسكو وبكين لا تفكران إلا في فرض قواعدهما في العالم.
ويعني التحالف الصيني الروسي أن الصينيين سيتدخلون في الصراع الروسي، وأن الروس سيتدخلون في صراع تايوان. ولا يوجد أي مؤشر على أن الصينيين لم يعترفوا بشبه جزيرة القرم كجزء من التراب الروسي. ومن المنتظر أن تساهم المناورات العسكرية الأخيرة في وضع حد لانعدام الثقة بين موسكو وبكين.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر روسيا من أكبر شركاء الهند في مجال الأسلحة وأكبر منافس جيوسياسي للصين في آسيا. كما تستورد فيتنام أسلحتها من روسيا. أما بكين فيجمعها خلاف حدودي مع هانوي حول بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من التعاون العسكري بينهما، تخشى روسيا أن تبادر الصين بتضييق نطاق شراكتها معها. من جانب آخر، تدخل الصين في منافسة مع روسيا حول آسيا الوسطى في مجالي التجارة والاستثمار. من هذا المنطلق، يبدو أن التحالف الحقيقي بين الصين وروسيا أمر صعب المنال خاصة وأن البلدين عاشا على وقع صراعات تاريخية.
فبالنسبة للصين، تعتبر روسيا من القوى الغربية، التي ساهمت في إضعاف المملكة الوسطى خلال القرون الأخيرة وسيطرت على العديد من الأراضي الصينية. فضلا عن ذلك، كانت القاعدة البحرية الروسية “فلاديفوستوك” خلال النصف الأول من القرن 19 جزءا من التراب الصيني. ومن المستبعد أن ينسى الصينيون جراح الماضي. لذلك، فلا داعي للاستغراب حين يحاول الروس توتير العلاقات مع الصين. على ضوء هذه المعطيات، تبدو عملية “فوستوك 2018” بمثابة رسالة موجهة لبكين.
ومن جهتهم، لا يعتبر الصينيون أن موسكو يمكن أن تكون حليفا استراتيجيا. ومن وجهة نظر الجيش الصيني، تحاول روسيا من خلال مناوراتها العسكرية استعراض قوتها العسكرية. كما يمكن أن تكون المناورة بمثابة رسالة تحذير خفية موجهة من روسيا للصين.