نشر موقع “بوليتيكا إكستيريور”، المهتم بالدراسات السياسة الخارجية في العالم، دراسة تحدث فيها عن التهديدات التي تترصد بالسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وذكر الموقع أن سنة 2016 قد كانت نذير شؤم لهذه المناطق، كما أن سنة 2017، على ما يبدو، لا تعِد بأي تغيير محتمل. فضلا عن ذلك، سيتم الضغط على المسؤولين لتحقيق السلام في المنطقة، لكن لا يمكن لقراراتهم، على حد السواء، إلا أن تزيد الأمر تعقيدا إلى حد كبير.
وأبرز الموقع أن الحرب في سوريا واليمن تشهد نسقا متصاعدا في ظل هول الكوارث الإنسانية التي من شأنها أن تكون بمثابة “الأكسجين للجماعات الإرهابية”. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المعركة القائمة ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق مستمرة بنسق بطيء، لكنها، في الآن نفسه، ساهمت في تفاقم صراعات أخرى، بما في ذلك النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني والجهات التابعة له.
في الأثناء، وفي ظل تردد الولايات المتحدة، أهّلت روسيا نفسها للعب دور المفوض في خضم الفوضى السورية، على الرغم من أن فرص تحقيق السلام الدائم لا يزال بعيد المنال بسبب خطر تفاقم الصراع. في المقابل، يعدّ الاتفاق النووي مع إيران إيجابيا ويجب أن يكون محميا أمام المحاولات التي تسعى إلى تقويضه. كما أن إصرار طهران المتنامي على التواجد في المنطقة قد أثار العديد من التوترات التي من شأنها أيضا أن تهدد الاتفاق النووي.
كما أوضح الموقع أن الصراع الليبي في شمال أفريقيا لا يزال مستمرا، في حين أن الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لم تؤت ثمارها. أما بخصوص مصر، فعلى ما يبدو، أنها تعاني من عدم استقرار على نحو متزايد. كما تواجه الجزائر اضطرابات متعلّقة “بخلافة” الرئيس بوتفليقة، في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد. أما بالنسبة لتونس، فهي تسعى جاهدة إلى الحفاظ على حكومة وحدة وطنية في خضم العديد من التهديدات الداخلية والخارجية التي تحدق بها من كلّ صوب.
عموما، تتفاعل الحروب المفتوحة في الشرق الأوسط مع بعضها البعض، وتتفاقم شيئا فشيئا جراء الخطاب الطائفي الذي يعكس “لعبة القوة” التي تخوضها كل من إيران والمملكة العربية السعودية. من جانب آخر، مازال موقف الولايات المتحدة وآفاق التقدم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لحل الدولتين غامضا، ومن المرجح أن فرص تحقيق السلام لا تزال ضئيلة جدا.
من جهة أخرى، على الرغم من أن الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لديهم مصالح أساسية في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانوا بالأساس عبارة عن “متفرجين” أمام الأطراف الفاعلة القوية المهيمنة في المنطقة، إلا أن أوروبا لم تعد تستطيع تحمل التقاعس والخمول إزاء الصراعات الإقليمية، على غرار ما يحدث في اليمن.
وبالتالي، على الأوروبيين أن يعملوا بشكل وثيق لصالح عملية السلام، سواء عن طريق إشراك الأمم المتحدة في اليمن أو فيما يتعلق بجهود موسكو للحفاظ على دور اللاعب الرئيسي في سوريا. فضلا عن ذلك، يحتاج تحقيق السلام في الشرق الأوسط إلى تشجيع المملكة العربية السعودية وإيران لإيجاد وسيلة للتعايش والاتفاق على مبادئ القيادة في المنطقة.
وفي هذا الإطار، يعدّ العمل على دعم القوة الناعمة الأوروبية في المنطقة أمر بالغ الأهمية. إلى جانب ذلك، ينبغي أن يواصل الإتحاد الأوروبي لعب دوره فيما يخصّ الاستجابة للأزمات الإنسانية في سوريا وتوفير مساعدات لصالح إعادة الإعمار بموجب شروط متفق عليها كجزء من عملية سياسية شاملة، من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق واضح. علاوة على ذلك، ينبغي على الاتحاد الأوروبي أيضا أن يتخذ مواقف أكثر صرامة فيما يتعلّق بالمبادئ الواضحة لمبيعات الأسلحة في المنطقة وأن يؤكد بقوة على أهمية الحفاظ على القانون الدولي.
والجدير بالذكر أن الانهيار الاقتصادي يعتبر مصدر قلق خاصة في مصر وليبيا، نظرا لأن الوقاية من الأزمة ومخاطرها الكامنة، التي تتمثل في تجدد أعمال العنف الإرهابية وزيادة تدفق الهجرة، ينبغي أن تكون على رأس قائمة الأولويات.
ليبيا في خضم أزمة سياسية، حان الوقت لإنقاذ الاقتصاد
من المحتمل جدا أن الصراع الليبي سوف يتواصل أيضا خلال سنة 2017 دون التوصل إلى اتفاق سياسي وعسكري حاسم. وفي هذا الصدد، هناك عدة جهات سياسية تشكك في شرعية حكومة الوفاق الوطني. لكن، عدم توافق الآراء بين الليبيين، الدول المجاورة والجهات الدولية المعنية الأخرى يوحي بأن الصراع سوف يظل على قدم وساق حتى في حال تدهورت فعالياته وتمكن الخصوم من توحيد مواقفهم.
إلى جانب ذلك، في حالة الشلل الحالي الذي تعاني منه ليبيا، يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تقديم المساعدات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الليبي وإعطائه أولوية قصوى. فالانهيار المالي في البلاد سوف يؤدي إلى شلل المؤسسات القليلة المتبقية التي تضطلع بدور حاسم في البلاد، ما من شأنه أن يساهم في تعجيل أزمة إنسانية وتأجيج اقتصاد الحرب، فضلا عن تعقيد الجهود الرامية إلى مكافحة تدفقات المهاجرين واللاجئين. وفي إطار أوسع، سوف يعرقل المحاولات الدولية التي تهدف إلى وضع البلاد على درب الاستقرار السياسي.
ليبيا في طريق مسدود، لكن إلى متى؟
في الواقع، حققت الحكومة المؤقتة الليبية، التي تم تشكيلها بموجب اتفاق سياسي ليبي في شهر كانون الثاني/ديسمبر سنة 2015، نجاحا محدودا من حيث فرض سلطتها منذ تنصيبها في طرابلس في شهر نيسان/أبريل من سنة 2016. فمن الواضح أن البلاد لن تتمكنَ من البقاء على قيد الحياة في وضعها الحالي.
لكن، ما الذي سيحل محل ذلك؟ وكيف؟
في أفضل الأحوال، سيتم إعادة التفاوض بخصوص تشكيل وتنظيم مسؤوليات الحكومة، وذلك عن طريق استبدال رئيس الوزراء فايز السراج فضلا عن الأعضاء الرئيسيين الآخرين للحصول على موافقة مجلس النواب الواقع في طبرق، حيث تعتبر المصادقة على هذا القرار أمر في غاية الأهمية لتنفيذ الاتفاقية بالقول والفعل.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة لن تكون بمثابة حلّ جذري، حيث أنه لا بدّ من إرساء منظومة إصلاحية شاملة على أساس الحكم المحلي حيثما كان ذلك ممكنا، وذلك بهدف ربط الحاجات الملحة لإعادة بناء الدولة المركزية بالواقع المتّسم بانتشار السلطة المحلية.
وفي هذا السياق، يتمثّل أسوأ سيناريو في وضع قوات تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر، التي تم تعزيزها بعد النجاحات العسكرية في بنغازي فيما يسمى “بتنامي النفط” في ليبيا في خليج سرت وجنوب ليبيا، ليتمكن حفتر بذلك من تحقيق وعوده في محاولة منه لاستعادة السيطرة على طرابلس. وهو ما من شأنه أن يؤدي، على نطاق واسع، إلى مواجهة عسكرية مع الميليشيات الإسلامية المتمركزة في طرابلس بالإضافة إلى قوات مصراتة التي تقاتل تنظيم الدولة في ليبيا.
في المقابل، من وجهة نظر واقعية، يتمثل السيناريو المرجح في أن ليبيا لا تزال في طي النسيان وذلك لأنه من الصعب جدا على قوات حفتر أن تحقق تقدما كبيرا نحو طرابلس، حتى في ظل دعم كل من مصر والإمارات وربما روسيا. إذن، فهي لا تتمتع بتأييد كاف في غرب ليبيا.
وفي الوقت نفسه، في حالة عدم وجود ضغوط دولية متضافرة ضد الفصائل الليبية للتفاوض على اتفاق سياسي جديد، فإن هذا التقدم سيكون بعيد المنال. ويبقى السؤال المطروح؛ كيف ستتوصل البلاد إلى وقف هذا التدهور الاقتصادي وتحقق فرصة للتقدم السياسي؟.
النفط يجب أن يتدفق
بغض النظر عن الأبعاد الإيديولوجية والجيوسياسية للنزاع في ليبيا، إلا أن تطوره مرتبط، إلى حد كبير، بالسيطرة على احتياطيات النفط والغاز والحصول على أموال الدولة. وفي هذا الصدد، وفقا للمؤسسة الوطنية للنفط، فإن تكلفة غلق القطاع قد بلغت أكثر من 100 مليار دولار من الخسائر المتراكمة من صادرات النفط منذ سنة 2012.
في المقابل، أدى ذلك، وفقا لمصرف ليبيا المركزي، إلى عجز مالي بلغت نسبته حوالي 56 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2015 و2016. وتشير التقديرات إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي الحالية قد انخفضت إلى ما دون 40 مليار درهم مقارنة بحوالي 75 مليون درهم تم تسجيلها في آذار/مارس سنة 2015.
وعلى الرغم من أن الإنتاج قد بلغ مليون برميل يوميا، إلا أن التوقعات المتعلّقة بعجلة الاقتصاد لا تزال واعدة. ومع ارتفاع أسعار النفط إلى 50 دولار للبرميل الواحد، فإن زيادة الإنتاج لن تغطّيَ نفقات الحكومة المتوقعة، التي بلغت 40 مليار خلال سنة 2017. والجدير بالذكر أن ليبيا مهددة بالإفلاس في نهاية هذه السنة.
علاوة على ذلك، في ظل غياب معالجة متأنية للاقتصاد وتدابير استباقية من قبل الحكومة، من المرجح أن يزيد الوضع الاقتصادي في البلاد تدهورا، ما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الصعوبات التي يواجهها السكان الذين يعتمدون على الإعانات الحكومية. وبذلك، فإن أزمة السيولة سوف تزداد سوءا، وستتهاوى قيمة الدينار كما ستتراجع الخدمات الأساسية، على غرار توفير الكهرباء.
الاقتصاد وقوة الأمن في دائرة الضوء
من الواضح أن لدى أوروبا أولويات إستراتيجية في ليبيا، حيث تتمثل الإستراتيجية الأولى في التأكد من أن البلاد لن تصبح مصدرا لعدم الاستقرار الإقليمي. أما الإستراتيجية الثانية فتتمثل في العثور على شريك قادر على الحد من تدفق الهجرة. وبالتالي، يكمن مفتاح تحقيق كلا الهدفين في التوصل إلى اتفاق سياسي. لكن على الرغم من أن ذلك يبدو بعيد المنال في هذه المرحلة، سيكون من الصعب جدا تحقيق ذلك في ظل انهيار الاقتصاد في البلاد. كما أنه من شأن هذا التدهور أن يؤثر، ليس فقط على تفاقم تدفقات الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وإنما سيؤدي أيضا إلى زيادة عدد الليبيين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط.
في المقابل، أثرت المشاكل الاقتصادية في ليبيا سلبا على قوات الأمن، بما في ذلك العناصر التي هي بصدد مكافحة الهجرة غير الشرعية. وفي هذا الإطار، يشتبه في تورط بعض وحدات الأمن بأخذ رشوة مقابل غض بصرهم عن المهاجرين غير الشرعيين أو حتى تعاونهم مع عملية الاتجار بالبشر. وهو ما ساهم في تسهيل عبور أكثر 160 ألف مهاجر عبر البحر المتوسط من ليبيا خلال سنة 2016، الذي يعد رقما قياسيا يرافقه عدد لم يسبق له مثيل من القتلى.
وبناء على ذلك، لن يكون هناك جدوى من سعي الدولة الليبية إلى إيجاد اتفاقات بشأن الحد من الهجرة، تماما كما يفعل الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، نظرا لأنها لا تملك السيطرة الفعلية على قوات الأمن. فضلا عن ذلك، لن تكون الحكومة قادرة على ممارسة هذه السيطرة من دون التوصل إلى اتفاق سلام مبني على أساس العملية السياسية.
فضلا عن ذلك، من الضروري تكثيف الجهود حول التفاوض بشأن اتفاق الصرف الفعلي للأموال المخصصة لميزانية سنة 2017 بين الحكومة ومجلس النواب والبنك المركزي. ومن أجل حل الخلافات الداخلية بين البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، يجب حث رئيس الوزراء فايز السراج على تعزيز الحوار بين القيادات المتنافسة في كلتا المؤسستين، مثل ما فعل في سنة 2016.
وفي الختام، يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الحفاظ على موقف “عدم التسامح” تجاه عمليات بيع النفط أو أي عقد خارج القنوات الرسمية. وعلاوة على ذلك، يجب عليهم أيضا التأكد من أن قوات الأمن الليبية المشاركة في مراقبة الهجرة ليسوا من بين المشاركين أو المستفيدين من عمليات الاتجار بالبشر أو التجارة البحرية للوقود المدعوم. كما ينبغي عليهم ضمان أن أي تدابير يتم اتخاذها بشأن الهجرة من قبل السلطات الليبية، لن تؤديَ إلى حرمانهم من الحماية المعترف بها من قبل القانون الدولي والأوروبي.
المادة مترجمة من موقع بوليتيكا إكستيريور للإطلاع على الرابط الأصلي هنا