هذه المادة مترجمة من موقع Foreign Affairs، يمكنكم الاطلاع على المادة الأصل من هنا
بقلم: روبن بريجي
ترجمة: سحقي سمر
إن إفريقيا تتحول بسرعة، ومقاربة الولايات المتحدة تجاه القارة لا تتماشى مع هذه التحولات. فبينما تقفز دول أخرى إلى فرص الاستثمار في الاقتصاديات الإفريقية المتنامية، تكافح الولايات المتحدة لمجاراة الوضع. فقد أصبحت التزامات الصين بالقارة أقوى من أي وقت مضى، كما يتضح ذلك من خلال المنتدى المقبل للتعاون الصيني-الإفريقي، حيث ستقوم الصين والدول الإفريقية بتعزيز التعاون بشأن مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية، إضافة إلى التوقيع على بيان رسمي. وفي الوقت نفسه، تأخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمدة عامين قبل أن يعين أخيرا أمينا عاما للشؤون الأفريقية في الشهر الماضي، وقد ارتكبت إدارته سلسلة من الأخطاء الدبلوماسية في علاقاتها مع القارة الافريقية مثل تجاهل رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أثناء زيارته الفاشلة لواشنطن ومعاقبة رواندا لفرض تعريفات على الملابس المستعملة من الولايات المتحدة. وعلى مستوى أعمق، فشلت الولايات المتحدة في تحديد أي نوع من الأجندات طويلة الأمد للمشاركة معإفريقيا، تاركة قادة القارة يتساءلون عن مستقبل الشراكة بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
أعلنت السيدة الأولى ميلانيا ترامب في 20 أوت، أنها ستقوم برحلة منفردة إلى إفريقيا وذلك في أكتوبر (لم يتم الإعلان عن أهداف وخطط الرحلة بعد). لقد تأخرت زيارتها كثيراً. فلعقود من الزمان أقامت الإدارات الرئاسية في الولايات المتحدة، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء شراكات مع الحكومات الإفريقية والمؤسسات الإقليمية لإنقاذ حياة الأفارقة، وتحسين الاقتصاديات الإفريقية، ووقف الحروب. قامت بها الإدارات الأمريكية على أساس أن مساعدة إفريقيا على الازدهار ستخدم مصالح الولايات المتحدة. وحظيت الإدارات الأمريكية السابقة بمكانة متميزة كونها “الشريك المفضل” لإفريقيا. على سبيل المثال: عندما كان من الضروري نقل القوات الرواندية جواً إلى جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2014 لدعم قوة حفظ سلام التابعة للاتحاد الإفريقي، تمت الاستعانة بالقوات الجوية الأمريكية لتقديم الدعم. عندما هدّد وباء الإيدز بمحو جيل كامل من الشباب الأفارقة، ردت الولايات المتحدة بخطة الطوارئ التي وضعها الرئيس التحويلي للإغاثة من الإيدز (أو ما يعرف ب PEPFAR). كما أن آلاف الشباب الأفارقة درسوا في الجامعات الأمريكية في الستينيات والسبعينيات، وارتقوا إلى أدوار بارزة في الحكومة في بلدانهم الأصلية بعد سنوات. لكن الولايات المتحدة تواجه الآن خطر فقدان مكانتها “كشريك مفضل” لإفريقيا لتحل محله الصين وغيرها من الدول.
وعليه فإذا أرادت الولايات المتحدة استعادة مكانتها مع الدول الإفريقية، يجب على كل من الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص الأمريكي بذل جهود لتحسين فهمهم لإفريقيا: كيف تتغير إفريقيا، وكيف تستجيب الفواعل الأخرى لهذه التغييرات، وماهي الآثار المترتبة على المقاربة الأمريكية تجاه القارة الإفريقية.
يجب على كل من الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص الأمريكي بذل جهود لتحسين فهمهم لإفريقيا
صعود إفريقيا
كانت إفريقيا منذ فترة طويلة منطقة مظلمة بالنسبة للغرب، إذ وصفت تغطية في مجلة الإيكونوميست في ماي 2000 إفريقيا بأنها: “القارة التي لا أمل فيها”. لكن في الآونة الأخيرة بدأ هذا الرأي في التغير. وبحلول ديسمبر 2011، غيّرت مجلة الإيكونوميست تقييمها في تغطية أعلنت خلالها بأن “إفريقيا تصعد”. حيث بدأ النمو الاقتصادي في تحويل صورة إفريقيا من إحدى قارات العالم التي تعاني من الصراعات والأوبئة، والتي تحتاج على الدوام إلى مساعدة خارجية إلى قارة مليئة بالفرص والأعمال والأرباح.
لقد دفعت التغيرات في الحظوظ الاقتصادية لإفريقيا العديد من الدول لانتهاز الفرص المتاحة هناك، مما يمكن أن يؤدي إلى تحييد خيارات الشركات الأمريكية، خصوصا من خلال المنافسة العدائية للصين. التي أصبحت فبحلول عام 2016 أكبر شريك تجاري لإفريقيا، ومنشئ للوظائف الأجنبية ومصدر الاستثمار الأجنبي المباشر. في أواخر جويلية 2018، وخلال الجولة الأجنبية الأولى في إطار فترة ولايته الثانية أكمل الرئيس الصيني شي جين بينج جولة متعددة للعديد من الدول في موريشيوس ورواندا والسنغال وجنوب أفريقيا.
نبه الاستثمار الصيني الدول الأخرى إلى الإمكانيات المالية للقارة الإفريقية. كما أكمل رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي جولة متعددة الدول في إفريقيا في أواخر جويلية، حيث زار رواندا وجنوب إفريقيا وأوغندا. إذ انتشرت التجارة الثنائية بين الهند والدول الأفريقية من 5.3 مليار دولار في عام 2001 إلى أكثر من 70 مليار دولار في عام 2013 – أكثر من التجارة الهندية الثنائية مع الولايات المتحدة في ذلك العام. كما تطورت التجارة الثنائية بين تركيا والدول الإفريقية ستة أضعاف بين عامي 2003 و2017 لتتجاوز 17 مليار دولار في ذلك العام. في جميع هذه الحالات الثلاث -الصين والهند وتركيا- اتخذت الحكومات قرارات سياسية متعمدة أسفرت عن نمو سريع في انخراطها الاقتصادي مع البلدان الإفريقية.
كما أن نمو المؤسسات الإفريقية الإقليمية والقارية، وخاصة الاتحاد الإفريقي (AU) شجع مشاركة الأطراف الخارجية. فقد برز الاتحاد الإفريقي كمؤسسة سياسية نقدية وذات مصداقية. وأصبحت المدينة المضيفة لها – أديس أبابا، إثيوبيا – ثالث أكبر عاصمة دبلوماسية في العالم.
إن اتساع نطاق أنشطة الاتحاد الإفريقي نيابة عن الدول الأعضاء فيه، من خلال نشر عمليات دعم السلام وصولا إلى مكافحة الأمراض الوبائية، جعله شريكًا دبلوماسيًا قيمًا للحكومات والمنظمات متعددة الأطراف في جميع أنحاء العالم.
وأخيراً، فإن بروز مكافحة الإرهاب بشكل متزايد قد وسّع أنواع الشراكات الأمنية في إفريقيا. على سبيل المثال: كانت لوكسمبورغ والمملكة العربية السعودية وسلوفينيا والإمارات العربية المتحدة من بين المساهمين الماليين في مبادرة الساحل G5 في عام 2017 والتي تهدف إلى مكافحة الشبكات الإرهابية والإجرامية العاملة في المناطق النائية من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.
الصين، التي كانت تتردد تقليديا في الانخراط عسكريا خارج جوارها المباشر، لديها الآن أكثر من 2400 جندي لحفظ السلام يخدمون في ست عمليات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، اعترافا بحقيقة أن مشاريعها التجارية يمكن أن تزدهر فقط من خلال بيئة من الأمن المادي. الدولة الصغيرة جيبوتي وهي أصغر مساحة وسكانا من كومنولث ماساتشوستس، هي الآن موطن لأكبر عدد من القواعد العسكرية الأجنبية في أي مكان في العالم (تستضيف قوات كل من الصين، فرنسا، إيطاليا، اليابان والولايات المتحدة ، مع المملكة العربية السعودية التي ستلتحق بهذه الدول قريبا). تسمح هذه القواعد لشاغليها بدعم العمليات البحرية في ممرات الشحن الرئيسية في البحر الأحمر.
ومع انتشار الشراكات الدولية، بات هناك شعور عام بين النخب السياسية الإفريقية بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى سياسة متماسكة تجاه إفريقيا، وأنها تتخلى عن موقفها كشريك مفضل للدول والمنظمات الأخرى لا سيما الصين والاتحاد الأوروبي.
إن عدم قيام ترامب بتعيين مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية لما يقرب من عامين من رئاسته قد أرسل إشارة سلبية حول أولوية إفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة. فقد شعر المسؤولون الأفارقة وغيرهم من الشركاء بالأسف لغياب المُحاور الرئيسي في الحكومة الأمريكية، والذي يستطيع تطوير سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا بشكل منهجي في واشنطن أو في الميدان.
على الرغم من أن تعيين السفير تيبور ناجي Tibor Nagy مساعدًا جديدًا لوزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية في جويلية 2018 مثل تطوراً مرحبا به، لكونه يملك أرضية مهمة لترميم وتقوية العلاقات مع القارة الافريقية، وسيحتاج إلى مساعدة الرئيس والإدارة الأمريكية للقيام بذلك.
لقد قوضت إدارة ترامب سلطتها بشكل كبير خلال زيارة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون Rex Tillerson الكارثية إلى تشاد وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا في مارس 2018. فقد أقال ترامب بشكل غير رسمي تيلرسون بينما كانت الرحلة لا تزال جارية، واعتبر العديد من الأفارقة ذلك كدليل على أن الإدارة الأمريكية لا تأخذ إفريقيا على محمل الجد.
لا تزال إشارة ترامب إلى الدول الإفريقية “كدول خسيسة” في جانفي 2018 تثير ضجة، على الرغم من الرسالة التي بعث بها إلى جمعية رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي أثناء تجمعهم في أديس أبابا بعد أيام قليلة من الإهانة، مما سلط الضوء على تعاون الولايات المتحدة مع افريقيا.
لكي نكون منصفين، بذل البيت الأبيض جهودا لعكس مفهوم اللامبالاة تجاه إفريقيا. لكن حتى هذه الجهود غالباً ما جاءت بمزيد من الأخطاء. فقد استضاف ترامب في سبتمبر 2017 غداء عمل لتسعة رؤساء دول وحكومات أفارقة على هامش اجتماع الجمعية العامة السنوي للأمم المتحدة. بعد الترحيب عن طريق الخطأ برئيس “نامبيا” (بدلاً من ناميبيا)، إذ ذهب على نحو محرج إلى الاعتراف بالآفاق الاقتصادية المتزايدة للقارة بقوله: “إفريقيا لديها إمكانات تجارية هائلة. لدي الكثير من الأصدقاء يذهبون إلى بلدانكم، ويحاولون أن يصبحوا أثرياء. أهنئك”. كما استضاف في أفريل 2018 الرئيس محمدو بوهاري رئيس جمهورية نيجيريا في زيارة لمكتبه البيضاوي ومؤتمر روز جاردن خلال هذه الزيارة القصيرة التي قام بها الزعيم النيجيري لواشنطن. وفي 27 أوت سيستضيف ترامب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في زيارة إلى المكتب البيضاوي – وهو شرف لم يحظى به أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا الجديد ذو الشخصية الكاريزمية، خلال زيارته في جويلية الفارط مع الوفد الإثيوبي للولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك كان على رئيس الوزراء أن يدخل في محادثة قصيرة مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، وهو أمر لن يتغافل عليه الإثيوبيون.
التحديات بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية في إفريقيا تصب في مجال أعمق من مشاكل الإتيكيت الديبلوماسي
وقت التصرف الصحيح
إن التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية في إفريقيا أكثر عمقا من مشاكل الإتيكيت الدبلوماسي. أولا، لم تستجب الولايات المتحدة للأولويات التي حددتها البلدان الإفريقية لنفسها. إن أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، والتي تشمل خطة لتطوير القارة حتى منتصف القرن الحادي والعشرين، تتطلب تطوير البنية التحتية وهندسة الأمن والتقدم في الصحة والتعليم مع تطوير برامج رئيسية مثل شبكة السكك الحديدية عالية السرعة التي تربط كل العواصم الإفريقية. اضافة إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية المتكاملة. والأهم من ذلك، إنها وثيقة ذات أهمية سياسية عالية يشير إليها المسؤولون الأفارقة بصورة روتينية في مناقشات السياسات على المستويات القارية والإقليمية والوطنية. لكن الولايات المتحدة لم تقم بتعديل مساعداتها الإنمائية أو المشاركة السياسية أو الإستراتيجية الدبلوماسية بشكل مفيد لمراعاة أهمية جدول أعمال 2063 للقادة الأفارقة وصلته بالشراكات الإفريقية. وكما أخبرني أحد كبار المسئولين في الاتحاد الأفريقي بشكل خاص: “إن الأمريكيين لا يتواجدون في إفريقيا من أجلنا بل من أجل أنفسهم”. وعلى العكس من ذلك، فإن أحد النتائج المتوقعة لاجتماع منتدى التعاون الصيني الإفريقي في بكين في سبتمبر هو تزامن مبادرة الحزام والطريق الصيني مع أهداف جدول أعمال 2063 وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
ونظراً لحجم اقتصادها وأهميتها الدبلوماسية وقدراتها الأمنية، فإن الولايات المتحدة قادرة على البقاء كشريك هام في إفريقيا إذا غيرت مسارها. غير أن انتشار الشركاء الآخرين الذين يملكون مصالح خاصة بالإضافة إلى زيادة تأكيد الزعماء الأفارقة لاحتياجاتهم للشراكات، فإنه يوسع من نطاق المشاركة مع البلدان والمنظمات غير الإفريقية. كما يُعطي للأفارقة على وجه التحديد خيارات للشراكة لم تكن لديهم من قبل.
وبناءً على ذلك، ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تفكر في اتخاذ الخطوات التالية لإعادة تنظيم مشاركتها الرسمية في إفريقيا. أولا على وزارة الخارجية إجراء حوار منظم مع الاتحاد الإفريقي حول جدول أعمال عام 2063. بعد ذلك يجب على ترامب أن يرسل وزير الخارجية مايك بومبيو ومساعد وزير الخارجية لإفريقيا تيبور ناجي إلى القارة قبل نهاية عام 2018 لتعزيز العلاقات الإقليمية والثنائية. كما يجب على مجلس الاستخبارات الوطني إجراء تقييم رسمي من الحكومة الأمريكية للشراكات الأجنبية الثنائية والمتعددة الأطراف في إفريقيا لفهم تأثيرها على المصالح الأمريكية. وينبغي أن يحتضن ترامب توصيات أفريل 2018 الصادرة عن المجلس الاستشاري حول ممارسة الأعمال في إفريقيا من أجل تطوير استراتيجية اقتصادية شاملة لمشاركة القطاع الخاص في إفريقيا.
تفقد الولايات المتحدة بسرعة نفوذها السياسي في إفريقيا، سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف. إن إفريقيا لا تقف مكتوفة الأيدي بينما تفكر الحكومة الأمريكية في الكيفية التي ينبغي أن تنخرط بها في القارة وتتعافى من أخطائها. المكاسب التي سيحققها شركاء آخرون مثل: الصين والاتحاد الأوروبي ستقيد في النهاية الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة لتشكيل التطورات القادمة في القارة بطريقة تدعم مصالحها الخاصة وكذلك أولويات البلدان الإفريقية. يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف بسرعة واستراتيجية لتعديل مقاربتها تجاه قارة متغيرة ، وإلا فإنها ستتخلف عن الركب.