الحصول على هذه المادة بهيئة ملف PDF
مدخل
في نهاية شهر حزيران/يونيو 2023، صدرت نشرة ترقيات وتنقلات لمئات الضباط في المؤسسة العسكرية والأمنية تضمنت ترقيات وتنقلات في مناصب قيادية في المخابرات والجيش بالإضافة إلى تمديد الخدمة لعدد من الضباط وإنهاء خدمة آخرين وإحالة بعضهم للتحقيق.
وبحسب النهج المعتمد لدى النظام، فلم يتم الإعلان بشكل رسمي عن نشرة الترفيعات وتفاصيلها، إذ لم تقم المنصات الرسمية للنظام (الرئاسة، الداخلية، الدفاع، ..الخ) بنشر مرسوم الترفيع والتنقلات والتعيينات الجديدة، بينما تناقلتها صفحات موالية ومقربة من النظام على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض المواقع أو المنصات الإعلامية غير الرسمية.
الأخبار المتداولة حول الترقيات والتنقلات، تحدثت عن شمول حوالي 350 ضابطاً (من الدفاع والداخلية) برتب مختلفة، منهم: 78 عقيد، و 115 مقدم، و 139 رائد، و 20 نقيب، كما تم التجديد لـ14 ضابط، وتسريح 16 ضابط آخرين وإحالة بعضهم للتحقيق، ويتوقع أن يكون العدد الفعلي للمشمولين بالترفيعات أكبر من هذا الذي تم تداوله.
وتصدر نشرة الترفيعات والتنقلات العسكرية والأمنية عادة مرتين في العام، الأولى في بداية العام نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر، والثانية في منتصفه -نهاية شهر حزيران/يونيو- كما يصدر النظام من وقت لآخر قرارات تسريح أو ترفيع في أوقات أخرى من العام، ولا يشترط أن تكون عمليات التعيين في المناصب القيادية ضمن هذه النشرات.
وبالرغم من أن هذه الترفيعات والتنقلات الأخيرة في الأجهزة الأمنية والعسكرية تأتي في سياق روتيني بيروقراطي، ولكنها تكتسب أهمية معينة بسبب عدد المشمولين بها هذه المرة، والتنقلات في المناصب القيادية والحساسة التي تضمنتها ومواصفات الأشخاص الذين شملتهم هذه التنقلات، وكون هذه الترفيعات والتنقلات تأتي وسط آراء مختلفة حول تقدير سطوة الحليفين الروسي والإيراني على القرار الأمني والعسكري وحجم ومركزية الدور الذي لا يزال يتمتع به رأس النظام بشار الأسد في التحكم بمفاصل المؤسسة الأمنية والعسكرية، وأيضاً تأتي هذه الترفيعات والتنقلات بعد زخم كبير في عملية التطبيع والانفتاح على النظام على المستوى الإقليمي على الأقل، وطريقة تعامله مع مسألة الترفيعات والتنقلات ونوعية الأشخاص الذين يحيط نفسه ويعضد النظام بهم قد تكون ذات دلالة لاستجابة النظام لشروط الانفتاح والحل السياسي وتوجهاته أو مدى نزوعه نحو حل سياسي أو التمهيد على الأقل لتغيير فعلي في تركيبته من عدمه.
أبرز من تمت ترقيتهم ونقلهم
وتبعاً لما تم تناقله والاطلاع عليه حول عدد المشمولين بالترفيعات والتنقلات، غالباً تعد هذه الدفعة من الترفيعات هي الأكبر منذ تولي بشار الأسد للسلطة، مقارنة بعدد الأسماء التي تم تسريبها أو نشرها -بشكل غير رسمي- من دفعات الترفيع السابقة.
شملت التنقلات مواقع مهمة في الأجهزة الأمنية مثل نائب الاستخبارات العسكرية ونائب الاستخبارات الجوية وقائد الشرطة العسكرية وقائد المنطقة الجنوبية وقادة ونواب قادة عدة ألوية والمناطق.
وتضمنت قائمة الترفيعات والتنقلات الجديدة أسماء فاقعة من المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق المدنيين والواردة أسماؤهم في قوائم العقوبات الأميركية أو الكندية أو الأوروبية أو قانون قيصر وغيرها، من أبرزهم:
«كمال الحسن» (من الطائفة العلوية): رقي من رتبة عميد إلى لواء وتم نقله من رئاسة الفرع 227 (فرع المنطقة)، إلى نائب مدير شعبة الاستخبارات العسكرية (يرأسها حالياً اللواء كفاح ملحم) وهو أحد الشخصيات الذين فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليهم لارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وأعمال قمعية تستهدف المعارضين السياسيين والمتظاهرين السلميين والأفراد.
«مالك حبيب» (من الطائفة العلوية): تم تعيينه نائباً لمدير إدارة الاستخبارات الجوية -يرأسها اللواء «غسان إسماعيل»-، وهو مدرج على لائحة العقوبات الدولية منذ العام 2021 ومتهم بتصفية معارضين سياسيين في سجن تدمر، و لدوره في العمليات العسكرية في منطقتي تدمر والسخنة، ومناطق أخرى بالبادية حيث ارتكبت القوات التي كانت تحت إمرته انتهاكات واسعة، .
«آصف الدكر» (من الطائفة العلوية): رقي إلى لواء ركن وتم تعيينه قائداً للشرطة العسكرية، بعد أن كان مسؤولاً في فرع 293 التابع للاستخبارات العسكرية والمسؤول عن مراقبة تحركات الضباط وملفاتهم، وقبلها كان مديراً لمدرسة ميسلون للمخابرات العسكرية -تحمل الرقم 259-، ويعرف بعلاقته الوطيدة مع أسماء الأسد.
ويتهم «الدكر» بتورطه في واحدة من أكبر المجازر في سوريا، حيث قُتل واختفى ما يقرب من 2000 مدني سوري وفلسطيني في مدرسة تدريب تابعة للمخابرات العسكرية كانت تحت سيطرته في واحدة من أكبر المجازر التي وقعت أثناء الصراع السوري، فيما عرف لاحقاً بمجزرة شارع «علي الوحش».
«إبراهيم الوعري» (من الطائفة العلوية): لواء ركن، تم تعيينه إلى قائداً للاستخبارات العسكرية في المنطقة الجنوبية، ويعد الوعري أحد أبرز المتهمين بجرائم وانتهاكات شملت الاعتقالات العشوائية والقتل تحت التعذيب وارتكاب الانتهاكات المروعة بحق المدنيين.
«مضر حيدر» (من الطائفة العلوية): تم ترفيعه إلى رتبة لواء، وتعيينه نائب قائد قوات حرس الحدود، بعد أن كان قائداً للقوات الخاصة.
وينحدر «حيدر»، من منطقة جبلة في اللاذقية وهي مسقط رأس زعيم ميليشيا «النمر»، اللواء «سهيل الحسن»، إلى جانب «علي حيدر»، المعروف باسم «الأب الروحي للقوات الخاصة»، وكان قائداً لهذه القوات لمدة 26 عاماً، وتربطه به صلة قرابة.
«دريد عوض» تم ترفيعه من مقدم إلى عقيد، ينحدر من قرية ربيعة بريف حماة الغربي، وكان من قيادات الفرقة 25 (قوات النمر التي كان يقودها سهيل الحسن) قبل أن يتم نقلها منها
ويتهم «دريد عوض» بالمسؤولية المباشرة عن كافة عمليات القتل والإصابات ودمار البنى التحتية التي وقعت نتيجة عمليات الاقتحام التي نفذتها «قوات النمر»، ويعتبر المسؤول عن مقتل «عبد الباسط الساروت»، أحد أبرز رموز الثورة السورية
وبحسب صور وأخبار متداولة في وسائل التواصل، فقد سبق لدريد عوض الظهور مع زعيم ميليشيا “فيلق القدس” «قاسم سليماني»، في إحدى زياراته إلى مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، كما قامت قيادة القوات الروسية في حميميم بمنحه وسام الشجاعة من الدرجة الأولى.
كما تمتد علاقة دريد بالنظام لتشمل عائلته أيضاً، فشقيقه الأصغر الملازم أول جمال عوض قتل في الرستن عام 2012 على يد مسلحين مناوئين للنظام بينما كان متوجهاً من قريته ربيعة في حماة إلى حمص، وشقيقه المقدم الطبيب «وفيق عوض»، كان من بين المدعوين إلى حفل القسم، وشقيقته «جوليا عوض» كانت تعمل في وكالة “سانا” للأنباء التابعة للنظام، قبل أن تنتقل إلى قناة المملكة(الأردنية) عام 2019 كمراسلة للقناة في سوريا.
مناصب وشخصيات تسوّر النظام
تعمل الأجهزة الأمنية بالإضافة إلى التشكيلات والمليشيات واللجان الأمنية/العسكرية الأخرى على تحصين النظام من أي تهديد يمكن أن يلحق به، ويرجع لها الفضل في بقائه رغم الحراك الواسع الذي واجهه خلال السنوات.
ويحرص النظام منذ عهد حافظ الأسد على التدقيق جيداً في طبيعة الشخصيات التي تشغل المناصب القيادية في الأجهزة وتجديدها، وقد أثمرت جهوده في هذا الإطار بالمحافظة على وجوده رغم الضربة الكبيرة التي تلقاها بانطلاق الثورة السورية في 2011.
ولا تستمد الأجهزة الأمنية/العسكرية سطوتها فقط من حجم الصلاحيات والمهام المنوطة بها ولا النفوذ والحصانة التي يوفرها لها النظام في مقابل الدور الذي تقوم به، ولكن أيضاً من خلال المساحة التي تمتلكها في المشهد السياسي أيضاً، إذ أن القوانين والتشريعات الخاصة بالنظام حالياً تسمح للعسكريين وقوى الأمن الداخلي بالإدلاء بأصواتهم والمشاركة في الانتخابات، ولا تمنع الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية خلال فترة الخدمة، وقانون الخدمة العسكرية وقانون خدمة العَلَم يحظران الانتساب للأحزاب السياسية عدا حزب البعث العربي الاشتراكي، -رغم إلغاء المادة الثامنة منذ 2012 والتي كانت تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي الحزب القائد للدولة والمجتمع-، وهو ما يعطي -نظرياً- للأجهزة الأمنية والعسكرية دوراً في المشهد السياسي المفترض.
هناك خمسة مناصب أمنية أساسية تمثل السور الأمني الذي يحيط بالنظام وبشار الأسد، ويحميه من السقوط:
1. مكتب الأمن الوطني: يشغل المنصب حالياً اللواء علي مملوك،77 عاماً، (خلفا لـ «هشام بختيار» الذي قُتل في تفجير خلية الأزمة)، ولد مملوك في دمشق/البحصة لأسرة علوية مهاجرة من لواء إسكندرون، ولكن يتم الإشارة إليه على أنه سني شركسي، وهو من مخضرمي الحرس البعثي القديم، وتشمل صلاحياته الإشراف على أجهزة المخابرات الأربعة.
سجل علي مملوك الحافل بالجرائم وفر له مقعداً خاصاً في قوائم العقوبات الدولية البريطانية والأوروبية والكندية والأمريكية،
وبالإضافة لقربه من روسيا، يوصف علي مملوك بأنه من الشخصيات التي تتمتع بعلاقة مميزة وخاصة مع إيران، وسلوكه العملي يدل على نزعة طائفية عالية فمثلاً خلال الفترة التي كان فيها رئيساً للمخابرات العامة، كان لديه 6 نواب كلهم كانوا من العلويين و الشيعة.
ويُمثل مكتب الأمن الوطني -وريث مكتب الأمن القومي- نقطة الربط الأساسية في عمل الأجهزة الأمنية، كما أنه يُشرف وينسق ويوجّه عملها، ويلعب المكتب دوراً استشارياً رئيسياً لبشار الأسد في مختلف القضايا المتعلقة بالأمن الوطني والمفاوضات وغيرها من الشؤون الأمنية الداخلية والخارجية، بحكم إطّلاعه المباشر على عمل الأجهزة الأمنية الرئيسية الأربعة باختلاف تبعيتها (شعبة المخابرات العسكرية، إدارة المخابرات الجوية، إدارة المخابرات العامة، شعبة الأمن السياسي).
2. إدارة المخابرات العامة(أمن الدولة): يقودها اللواء «حسام لوقا»ريف حلب(خناصر)، يشار إليه على أنه سني شركسي، وهو من أوائل المدرجين على قائمة العقوبات الدولية و ورد اسمه كذلك في العقوبات الأميركية ضمن قانون «قيصر»، وينظر له على أنه المرشح الأوفر حظاً ليحل محل علي مملوك، الذي تعثر في حلحلة عدة ملفات خلال الفترة الأخيرة مثل العلاقة مع الأردن ومفاوضات الشمال السوري والمفاوضات مع «قسد».
بدأ لوقا مشواره المهني كملازم شرطة في حلب عام 1984، ثم انتقل إلى مديرية الأمن السياسي بعد حصوله على رتبة عقيد، حيث قضى بعض الوقت في مديرية المخابرات الصغيرة في عفرين(حلب) وفي دمشق، ثم جرى تعيينه رئيساً لفرع الأمن السياسي في حمص في عام 2004.
لعب لوقا دوراً بارزاً إلى جانب النظام بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، خصوصاً في حمص حيث ساهم في قمع الحراك وتشير التقارير إلى ضلوعه بارتكاب عدة مجازر، كما لعب دوراً بارزاً في اتفاقيات «التسوية» التي شهدتها محافظة درعا، والغوطة الشرقية وريف حلب ودير الزور.
تاريخه في العمل ضمن مختلف مناطق سوريا وضلوعه في قمع الاحتجاجات من ناحية وملفات التسوية والمصالحات من ناحية أخرى، وأيضاً تاريخه الأمني في حلب وريفها، كل هذا يجعله مرشحاً قوياً من طرف النظام لقيادة عملية التفاوض بخصوص مناطق الشمال السوري: شمال شرق وشمال غربي سوريا، وهو الملف الموكل إلى علي مملوك حالياً.
3. شعبة المخابرات العسكرية: وتعتبر أكبر وأقوى مؤسسة أمنية في سوريا إذ تشرف على قطاعات الجيش وتتمتع بصلاحيات واسعة. ودائماً كان يرأسها شخصية علوية،
يرأسها حالياً اللواء «كفاح ملحم»، علوي، من طرطوس، كان من المقربين من باسل الأسد ولدى مقتل باسل الأسد نُقل ملحم إلى المخابرات العسكرية، تنقل بين فروع المخابرات العسكرية المختلفة وصولاً إلى رئاسة المخابرات العسكرية، يعتبر أحد أبرز المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وتتناقل منصات محلية غير رسمية أخباراً عن أن اللواء «كفاح ملحم» الذي على وشك أن تنتهي خدمته خلال الأشهر القليلة القادمة ويتردد حديث عن وضعه الصحي أيضاً، وبالتالي فإن ترقية كمال الحسن وتعيينه نائباً للملحم يشير إلى احتمالية التحضير لتقلده لمنصب رئيس المخابرات العسكرية.
4. إدارة المخابرات الجوية: من أشد فروع المخابرات التابعة لنظام الأسد ارتكاباً للجرائم بحق المعتقلين السوريين، حيث قُتل في أقبيته الآلاف، يقودها حالياً اللواء «غسان إسماعيل»، وهو علوي من طرطوس، من مواليد 1960، تم تعيينه خلفاً لجميل الحسن، وهو أحد ضباط النظام الذين فرضت عليهم الدول الغربية عقوبات مبكرة بسبب طريقة تعاطيه مع المتظاهرين، كما يتهم بالمسؤولية المباشرة عن الاختفاء القسري لآلاف المدنيين، وعن تصفية عدد كبير من المعتقلين في سجن المزة العسكري، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي في تموز 2012 لتضمين اسمه في الحزمة 17 من عقوباته على النظام في قائمة تضم 27 مسؤولاً في النظام.
5. شعبة الأمن السياسي: تنتشر فروعها في المحافظات السورية، وتختص الفروع بملفات معينة مثل فرع خاص بالأحزاب السياسيّة، وآخر بشؤون الطلبة، وفرع المدينة، وفرع المراقبة والملاحقة، وفرع المهام الخاصة، وفرع التحقيق، وفرع المعلومات، وفرع الأحزاب، وفرع الأجانب والعرب، وغيرها.
يرأسها حالياً اللواء «غيث ديب»، علوي من القرداحة وهو أحد أبناء العماد شفيق فياض ديب، عمل غيث ديب في شعبة الأمن السياسي في دمشق منذ تخرجه من كلية الشرطة إلى أن أصبح برتبة لواء وتولى مقاليد قيادتها.
وكان الاتحاد الأوروبي قد شمل «غيث ديب» في عقوباته التي طالت شخصيات ومؤسسات عاملة مع نظام الأسد، باعتباره مسؤولاً عن قتل المتظاهرين والمدنيين السوريين، كما عمِل في تجنيد وتطويع مئات الشبّان في دمشق وريفها للعمل كمليشيا داعمة للنظام.
تتبع شعبة المخابرات العسكرية لهيئة الأركان العامة بشكل مباشر، في حين تتبع إدارة المخابرات الجوية إدارياً لقيادة القوى الجوية والدفاع الجوي، وهذان الجهازان هما أقوى أجهزة المخابرات وأكثرها عدداً ويتبعان في نهاية الأمر -بشكل رسمي- إلى وزارة الدفاع. أما إدارة المخابرات العامة(أمن الدولة) فتتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة، وهي في حالة تنسيق دائم مع مكتب الأمن الوطني. في حين أن شعبة الأمن السياسي تتبع إدارياً لوزارة الداخلية، ولكن ليس لوزير الداخلية أي صلاحيات فعلية في عملها، إلّا من النواحي الإدارية واللوجستية، بل هي من تراقب فعلياً وزارة الداخلية ابتداءً من وزير الداخلية وحتى أصغر عنصر فيها، ويجري تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية الأربعة وغيرها من الأفرع التابعة لها، من قبل رئيس الجمهورية حصراً.
يقود كل من المخابرات العسكرية والجوية ضباط من الطائفة العلوية منذ تأسيسهما بالشكل الحالي في سبعينيات القرن الماضي، بينما المخابرات العامة والأمن السياسي قد يقودهما ضباط من الطائفة العلوية أو من طوائف أخرى، ولكن التمثيل الطائفي (السني – العلوي) ليس البعد الوحيد الذي يركز عليه النظام بل يعمد النظام غالباً إلى أن يجمع معه أشكال أخرى من التمثيل مثل البعد المناطقي والعرقي، وطبعاً الرابط أو العلاقة مع عائلة الأسد والمقربين منها.
خاتمة واستنتاجات
تعتبر الترفيعات والتنقلات وسيلة النظام لمكافأة الذين قدموا مساهمة ملموسة في الدفاع عنه واستمرار بقائه، خصوصاً منهم أولئك الذين تورطوا في أعمال وحشية و إجرامية لصالح النظام، وفي نفس الوقت فهي وسيلة النظام لمدّ الأجهزة الأمنية بفاعلين جدد من شريحة الطامحين الذين يتوقون لإثبات كفاءتهم ولائهم، وتسليط الضوء عليهم، في مقابل تسنمهم للمناصب القيادية والحساسة التي توفر لهم النفوذ والحماية والمكانة الاجتماعية وتوسع مداخيلهم المادية.
ويمكن القول أن حركة التعيينات والترفيعات العسكرية /الأمنية – كما في كل مسائل الدولة الأخرى في سوريا-، تخضع بالأساس لمعيار الولاء للنظام وخدمة بقائه واستمرار سطوته، ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة من طريقة عمل النظام ومراجعة أسماء المرفعين والمعينين في المناصب القيادية خصوصاً أنّ بعضهم لا يشكو فقط من غياب مؤشرات الكفاءة أو المهنية بل هو أيضاً متهم على صعيد دولي بارتكاب جرائم مثل التعذيب والقتل والتهجير ومختلف أنواع التجاوزات.
ولكن ما يميز حركة الترفيعات والتنقلات في السنوات الأخيرة أن جلّ إن لم يكن كل المشمولين بها هم ممن شاركوا في الصراع الدائر في سوريا منذ انطلاق الحراك في 2011، وبالطبع فإن المناصب القيادية والحساسة هي من نصيب الذين قدموا مساهمة فعالة لصالح النظام في هذه المرحلة، وهو ما شكل معياراً أو وسيلة إضافية للنظام لتمحيص المتطلعين للبروز في منظومته العسكرية خصوصاً، حيث كانت تفتقر هذه المنظومة قبل 2011 لهكذا معيار بسبب عدم مشاركة جيش النظام بنشاط عسكري حقيقي في الميدان، وبالتالي فإن نظام الترقيات كان يعتمد على المدد الزمنية والولاء للنظام والتزكيات الخاصة وغيرها من الاعتبارات ولكن ليس الأداء العسكري في الميدان، والذي تمت ترجمته أو معايرته بحجم الوحشية التي مارستها الأجهزة العسكرية والأمنية ضد المناوئين للنظام في سوريا، وهذا ما تؤكده التنقلات في المناصب القيادية والحساسة التي تم إسنادها لأولئك الذين اتسم أداؤهم العسكري أو الأمني بالعنف والوحشية وليس الكفاءة والمهنية.
ويلاحظ في حركة الترفيعات والتنقلات أن نهج بشار الأسد في انتقاء الأشخاص الذين يحيطون به يشبه إلى حد كبير النهج الذي كان يتبعه والده «حافظ الأسد»، من ناحيتين على الأقل: الأولى التواجد المكثف للأقليات وخصوصاً العلويين في تركيبة الجيش والأمن، حيث تشير التقارير إلى أنه وفي فترة معينة كان أكثر من 90٪ من قادة الأجهزة الأمنية في سوريا هم من الطائفة العلوية،، الثانية: تعيين مزيج من العلويّين والأقليات الموالين و (بدرجة أقلّ) الضبّاط والقادة السنّة الموالين في المناصب الأمنية والعسكرية الحسّاسة، وهو ما مكّن عائلة الأسد، على مدى عقود، من تحصين أنفسهم ونظامهم من السقوط، وحافظ على «استمرار ولاء قيادة الجيش التي تعزّزت خلال عقود بأقارب الأسد وأتباعه». وقد بلغت نسبتهم «على الأرجح أكثر من 80% من الضباط في العام 2011 وشغلوا كلّ منصب مؤثّر عمليّاً» داخل الجيش.
كما تشير الترفيعات والتنقلات ونوعية الأشخاص المشمولين بها إلى أن بشار الأسد يتحكم إلى حد كبير بتركيبة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولكنه ملتزم أيضاً بمراعاة التوازنات مع الحلفاء (الروس والإيرانيين) الذين تنامى تأثيرهم على المؤسسة العسكرية والأمنية خلال السنوات الماضية -وسط تقديرات وآراء علمية متفاوتة لحجم هذا التأثير-، حيث تشترك الشخصيات البارزة التي تم ترفيعها أو تقليدها مناصب قيادية أو حساسة بولائها المطلق لبشار الأسد والنظام، ولكنها في نفس الوقت تملك علاقات خاصة مع أحد الحليفين أو كليهما.
ويبدو من عدم مراعاة النظام للعقوبات المفروضة على الشخصيات التي قلدها مناصب حساسة والمتهمة بارتكاب جرائم لصالحه أنّ النظام لا يأبه بالاتهامات والعقوبات الموجهة لنظامه وقادته الأمنيين والعسكريين، كما أن إصرار النظام على الاستعانة بهذه الشخصيات يرسخ القناعة بعدم وجود نية لدى النظام للاستجابة للجهود والقرارات الأممية، وأن لا نية لديه للتقدم باتجاه حل سياسي، وأنه لا يفكر بإجراء تعديلات أو تغييرات حقيقية سوى تلك التي تتضمن استمرار بقائه وهيمنته، وأن التغيير الفعلي الوحيد الذي يعمل عليه هو مزيد من سطوة قوى الأمن والعسكر التي تجري هندسة تركيبتها ودورها بالشكل الذي يؤمن بقاء النظام وسطوته، ومحاربة معارضيه.