قراءة في سياسة ترامب المقبلة تجاه الشرق الأوسط
هل يقود التقشف (الانقطاع) إلى إعادة التنظيم؟
أهارون كليمان ويوئيل جوزانسكي
لم يهدر قادة الشرق الأوسط دقيقة واحدة بمجرد فوز ترامب ليسارعوا لتهنئته بالفوز المفاجئ. ونظراً لخطاب ترامب المعادي للمسلمين فقد يبدو هذا الموقف مثيراً للدهشة، لكنه في الواقع لا يجب أن يكون كذلك خاصة وأن المنطقة عاشت أجواء كبيرة من القلق مع احتمال وصول هيلاري كلينتون – كانت المرشح الأقرب للفوز حسب استطلاعات الرأي- وهو ما يعني إدامة لسياسات أوباما تجاه سوريا وإيران. في الوقت ذاته، لا يزال قادة المنطقة غير متأكدين من سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط وهو ما يقود إلى عدد من التكهنات حول احتمال استدامة سياسات أوباما أو التراجع عنها.
ويأمل العرب المحافظون والإسرائيليون أيضاً في أن تغير حكومة ترامب الجديدة سياستها عما كانت عليه في عهد أوباما والتي يصطلح على تسميتها “بالقيادة من الخلف”. وعلى وجه الخصوص، فهؤلاء القادة يسعون للحصول على إشارات واضحة على التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين، فالمحافظون – وهم نقيض الصقور او ما يسمون بالمحافظين الجدد- سعوا تقليدياً إلى تجنب اقحام الولايات المتحدة في تحالفات خارجية خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ولو قرر ترامب الالتزام بوعده وجعل أمريكا “عظمية مرة أخرى” فعليه أن يبدأ من الداخل وهكذا سيجد أصدقاء الولايات المتحدة الإقليميين أنفسهم مضطرين لتجديد بحثهم عن شركاء آخرين لحماية مصالحهم.
التحوط، نمط الشرق الأوسط
من الصعب الحصول على قراءة تتعلق بتفضيلات سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط نظراً لأنه لم يتحدث كثيراً خلال حملته الانتخابية عن السياسة الخارجية ولم يتعدى كلامه عن الانتقادات اللاذعة بحق فريق أوباما وكلينتون واخطائهما في إيران والعراق وليبيا وسوريا. وإن كان هناك خيار بين إعادة الارتباط أو مزيد من الانفصال، فإن القادة العرب يخشون من جنوح فريق ترامب السياسي نحو مزيد من تخفيض التورط الدبلوماسي والعسكري الأمريكي في المنطقة. وفي ظل قلق الزعماء هذا، فإن كثيراً من اللاعبين الخارجيين غير العب، مثل الصين والهند وتركيا وروسيا سيتشجعون لأخذ أدوار أكبر وبالتالي زيادة زعزعة أمن واستقرار توازن القوى في المنطقة وحول العالم.
ومنذ أواخر الاربعينات، كانت الأنظمة المحافظة والموالية للغرب مثل الأردن والمملكة العربية السعودية تنظر إلى الولايات المتحدة على اعتبار أنها شريك وداعم موثوق للدفاع. لكن الأمر تغير خلال سنوات حكم أوباما وبدأت ثقتهم تهتز بالولايات المتحدة. ووصلت العلاقات بين واشنطن وحلفائها العرب التقليديين إلى مستوى متدن جديد بعد أن فشل أوباما في الالتزام بما سمي بـ”الخطوط الحمراء” والتي تعهد بالالتزام بها في وجه بشار الأسد، لكن الأسد في عام 2012 استخدم الاسلحة الكيميائية ضد السوريين ولم تحرك إدارة أوباما ساكناً. وساءت الأمور بشكل أكبر في عام 2015 بعد أن أعلن عن توقيع الاتفاق النووي مع إيران. وفي ظل اهتراء هذه الثقة بدأ الحكام العرب في البحث عن مصادر بديلة للدعم السياسي والدبلوماسي وكانت موسكو أكثر المصادر هذه بروزاً.
وخلال العام الماضي، تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السيطرة على مفاصل الحرب الأهلية السورية، وشرع في هجوم كبير على منطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن الكرملين يهدف إلى تعزيز الوجود العسكري والدبلوماسي الخاص بروسيا في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط الاستراتيجية وفي الوقت نفسه يسعى إلى إضعاف تواجد الولايات المتحدة ومؤيديها هناك. وبفضل وجودها في المنطقة – وغياب الولايات المتحدة- سارعت دول مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج إلى فتح خطوط تواصل مع موسكو. وهنا يستوجب على إدارة ترامب المقبلة القيام بأعمال شاقة من أجل استعادة الثقة المفقودة هذه مثل اتخاذ تدابير من قبيل التوثيق والتشاور والتنسيق وعقد اتفاقات امنية رسمية وتعزيز إمدادات الأسلحة ونشر قوة بحرية بالإضافة إلى تطبيق المزيد من الضغوط على إيران.
في الوقت نفسه، تشكل رغبة ترامب في تحسين العلاقات مع روسيا جزءً من سجله العام للعمل. وفي عالم غير مثالي، فإن دول الشرق الأوسط لا تزال تفضل العمل مع واشنطن وسيفسرون التعاون الروسي – الأمريكي على أنه تراجع أمريكي بلا شك. وترامب بطبيعة الحال يميل إلى تشجيع روسيا على تكثيف قتالها لداعش، والذي يقول عنه ترامب أن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وترك ترامب الباب مفتوحاً بشكل غير واضح أبداً حول طبيعة الاجراءات والخطوات التي قد تتخذها الولايات المتحدة في حال رفض روسيا لعب الدور المنوط بها في المنطقة.
الروابط المحلية – الخارجية
وبوضع الأمل القليل حول إدارة ترامب جانباً، فإن القادة العرب لا يزالون يبدون ضيقهم من الخطاب الصارخ المعادي للمسلمين والذي نشره ترامب خلال حملته الانتخابية بالإضافة إلى دعوته بفرض حظر على دخول المسلمين للولايات المتحدة. (اعلان الخطوط الملكية الجوية الأردنية شجع الركاب على السفر إلى الولايات المتحدة قبل أن يتم منعم من ذلك – في حال انتخاب ترامب). وبشكل عام، يميل المرشح الفائز عادة إلى تبني سياسات تختلف بشكل كبير عن السياسات التي صرح بخصوصها خلال حملات الانتخابات الساخنة. وبالتالي فإنه ومن ضمن الاحتمالات الجيدة ان يتحدث الرئيس ترامب بشكل مختلف عن المرشح ترامب. ومع ذلك، فعلى ترامب أن يعمل بجد لتخفيف الحساسية مع العرب والمسلمين.
وبالفعل، فقد بدأ ترامب في النأي بنفسه جانباً عن بعض تصريحاته السابقة بخصوص الإرهاب والمسلمين. فعلى سبيل المثال، تم حذف الدعوة إلى ” الحظر التام والكامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة” بشكل هادئ من موقع ترامب. أما الأمير السعودي “الوليد بن طلال” والذي كان من أشد منتقدي ترامب وسبق أن أطلق عليه وصف “العار” يقول أن الوقت قد حان لوضع الخلافات جانباً.
وهنا قد تكون سياسات أوباما في الشرق الاوسط ذات تأثير مفيد، فالعرب السنة في كل من مصر والإمارات والأردن والسعودية يواصلون إبراز مخاوفهم من صفقة إيران عام 2015. ويأملون في أن تكون القيادة الأمريكية حازمة بشكل صارم ضد إيران تحت قيادة ترامب، الذي أعرب مراراً عن معارضته للصفقة النووية مع إيران ووصف الاتفاق بأنه “كارثة” و”أسوأ صفقة تفاوضية تحدث منذ أي وقت مضى”. (كلينتون على النقيض، قالت أنها من مروجي هذه الصفقة، وهو الأمر الذي دفع العرب إلى مزيد من الخوف من مغبة التقارب الأمريكي – الإيراني المحتمل). وإذا أصر ترامب على طهران لإبداء قدر أكبر من الشفافية والاعتدال فإن طهران قد تنسحب من الصفقة لوحدها. وقد تملك ايران عدداً من الردود المحتملة التي قد يكون ضمنها استئناف مسيرتها إلى القنبلة النووية مجدداً.
وفي الوقت الذي يذهب به الكثير من المحللين إلى أن صفقة إيران النووية ستكون أولى ضحايا سياسة ترامب الخارجية، إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة التنكر إلى اتفاق متعدد الأطراف. وهو ما سيجلب المزيد من عدم الاستقرار إلى الشرق الأوسط عدا عن تعقيد العلاقات التي تجمع الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين. ومهمة ترامب ستكون عبر إيجاد طرق أخرى لطمأنة حلفائه التقليديين. وهذا سيكون صعباً على الرغم من توضيح ترامب لهؤلاء الشركاء التقليديين انه يريد منهم مشاركة أكثر فعالية ومزيداً من تحمل الأعباء في محاربة الإرهاب. وهدد ترامب بوقف التعامل مع السعودية في مجال النفط في حال لم تخصص السعودية قوات مخصصة لمكافحة داعش، مضيفاً بشكل دبلوماسي أن الفضل بتواجد النظام السعودي وصموده حتى الآن يعود فقط للولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن أعضاء جامعة الدول العربية الذين يخصصون حقاً لإقامة الدولة الفلسطينية في إطار صيغة سلام قائم على أساس حل الدولتين، قد يكونون مضطرين للتقليل من أهمية هذه القضية. فطوال حملته الرئاسية، ارسل ترامب العديد من الرسائل المتناقضة بما يخص هذه القضية، فساعة يقول أنه سيكون “محايداً” في محاولته لدفع عملية السلام، ثم يعلن في وقلت لاحق أن لن يمارس أي ضغط على إسرائيل.
وهذا يعطي الفرصة لإسرائيل لتحضير خطتها المناسبة لما سوف يحدث بعد 20 يناير. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشاريه يذهبون إلى توقع انخفاض التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والصراع الإسرائيلي الفلسطيني على وجه الخصوص. وإن كان ترامب عازماً على النأي بنفسه عن سياسات سلفه أوباما في الشرق الأوسط فمن المتوقع أن لا نرى استئناف العملية السياسية المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيلي في مرتبة متقدمة على جدول أعمال الرئيس القادم.
وفي داخل الحكومة اليمينية الإسرائيلية فإن هناك من يرى أن نتائج الانتخابات تمثل نعمة كبيرة، ومن المرجح أن تمنح رؤية ترامب الإسرائيليين قدرة أكبر على المناورة مع الفلسطينيين. أما في الدوائر الحكومية الأخرى، فإن هناك بعض الشكوك حول نواياه الحقيقية وقدرته على تجاوز سياسات واشنطن وخاصة فيما يتعلق بوعده خلال الحملة الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
كل الأعين تتجه إلى واشنطن
لا تزال معالم سياسة ترامب الخارجية غير محددة، وكثير من شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يسعون للخروج من إطار التشويق هذا، فيما يستعد البعض الآخر للتعامل مع استمرار ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط من خالا العمل من جانب واحد، مثل حالة تركيا على طول حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق وإيران والمملكة العربية السعودية في اليمن. فيما لا يزال البعض الآخر مثل مصر يسعى بهدوء لتعزيز الأمن من خلال تحسين العلاقات مع الصين وروسيا وهو ما يظهر في بعض الأحيان كتحد واضح للولايات ومصالحها في المنطقة.
هذا الحال من المرجح أن يستمر، فبالنسبة لمعظم البلدان والقادة، فإن التحوط ليس الخيار المفضل، فهم سيسعون إلى ترسيخ العلاقات مع الولايات المتحدة شريطة أن تظهر القيادة ثقة وحساسية أكبر تجاه مصالح واحتياجات هذه الدول. فهؤلاء القادة يرون في ترامب شخصية قوية قادرة تماماً على صنع وتنسيق صفقات قوية مع شخصيات قوية مثل شخصيته تماماً. القاهرة من جهتها ترغب في الاعتقاد بأن ترامب سيكون ذلك الشخص الذي سيعقد صفقات تجارية معها. وبشكل غير مفاجئ أصدر السيسي بياناً لتهنئة ترامب بفوزه بالانتخابات أعرب فيه عن ثقته بأن وصول الأخير لرئاسة الولايات المتحدة سيمثل حقن “حياة جديدة” في العلاقات المصرية الأمريكية، وبالنسبة للسيسي فإن الحياة الجديدة تعني جرف إرث أوباما وكلينتون والذين ينظر إليهم على نطاق واسع على انهما من داعمي الإخوان المسلمين.
هناك أيضاً من يعتقد بأن رغبة ترامب (بل والرأي العام الأمريكي) في النأي بنفسه عن الشرق الأوسط سوف تحدث لقدرة أمريكا على تجاهل المنطقة، لكن الشرق الأوسط بلا شك لديه القدرة المؤكدة لفرض نفسه عليهم. فالتحديات العالمية مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب لا تزال تتركز في منطقة الشرق الاوسط. ويمكن بشكل واقعي ان تمتد إلى باقي مناطق العالم خلال السنوات الأربعة أو الثمانية القادمة وهو ما سيحمل المزيد من المتاعب للمنطقة. وسوف تجبر الرئيس الأمريكي على الاستجابة بطريقة أو بأخرى وربما يأتي هذا ضد شعاره الذي تعهد به “أمريكا أولاً”.
يعد الشرق الأوسط واحداً من أقل مناطق العالم استقراراً، والحد من وجود الولايات المتحدة فيه لا يضيف إلى استقرارها شيئاً، وأي تغيير جذري في التزامات حلفاء واشنطن من شأنه أن يكون له عواقب سلبية على المدى الطويل للحلفاء الإقليميين والولايات المتحدة والنظام الدولي ككل. ومع تفكك العالم العربي وبروز إيران وروسيا بشكل أكثر حزماً واشتعال 4 حروب على الأقل في منطقة واحدة من العالم، فإن الرئيس الـ45 للولايات المتحدة سيواجه تحدياً كبيراً بالفعل أمام مجموعة من القرارات المصيرية لمواجهة الشرق الأوسط المختل.
هذا المقال مترجم من موقع فورين افيرز، بإمكانك الاطلاع على المادة الأصلية عبر الضغط هنا