في يوم الخميس الموافق 12 تشرين الأول/أكتوبر تم التوقيع على اتفاقية المصالحة الوطنية الفلسطينية في القاهرة. وصالح العاروري الذي قام بالتوقيع على هذه الاتفاقية في القاهرة ظل هناك، ولم يعد بعد إلى شقته الفاخرة التي خصصها له حزب الله في منطقة الضاحية بجنوبي بيروت. وينتظر العاروري إجراء مزيد من المحادثات حول المصالحة التي ستجرى الأسبوع القادم.
وعلى غرار المسائل الأخرى في الواقع الراهن في الشرق الأوسط، تم أيضاً بناء اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية على مستويين: حقيقة سرية، وحقل مفتوح للمعرفة العامة. وتستخدم هذه الطريقة كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران ومصر والفلسطينيين، ولها هدف واحد: طمس الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض، وتشويه التفاصيل حتى لا يتمكن الرأي العام المحلي والعالمي من فهم ما يحدث حقاً. في الماضي كان يطلق عليه التضليل، واليوم يستخدم مصطلح “فيك نيوز” في كثير من الأحيان.
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وصف الاتفاق بأنه “تاريخي”، متناسياً تهديد رئيس المخابرات العامة المصرية، خالد فوزي، الذي قام يوم الخميس بتهديد رئيس وفد السلطة الفلسطينية بأنه لن يتمكن، هو والوفد الفلسطيني، من مغادرة القاهرة في طريق عودتهما إلى رام الله فقط، ولكنهم لن يتمكنوا أيضاً من مغادرة الفندق الموجودين فيه. وبعبارة أخرى؛ كان على وفد أبو مازن في المحادثات التوقيع على الورقة والتظاهر بأنها نهاية الانقسام.
أما الولايات المتحدة فاعتبرت أن هذه الاتفاقية لم تؤد إلى الحل أو المساعدة في شيء، وقالت في بيان غامض إنها تأمل أن يؤدي ما حدث في القاهرة إلى تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة. وبعبارة أخرى؛ من الواضح أن واشنطن لديها أمل ضئيل في تحقيق وحدة حقيقية بين حماس وفتح، والتي يمكن أن تقدم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
رد الفعل الاسرائيلي أيضاً كان سخيفاً، فالأوساط السياسية في القدس صرحت بأنها لن تعترف بالاتفاقية لحين إعلان حماس اعترافها بإسرائيل، وأن الجناح العسكري لكتائب عز الدين القسام سوف ينزع سلاحه.
هذه المطالب الإسرائيلية مشابهة جداً لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن إيران لن يسمح لها بتعميق تدخلها العسكري في سوريا، وأن حزب الله لن يسمح له بتجهيز نفسه بأسلحة هجومية. وبينما يتحدث نتنياهو فهذا هو بالضبط ما يحدث بالرغم عن أنفه في سوريا.
إن إسرائيل ورغم فشلها في استراتيجيتها السياسية والعسكرية في سوريا، ولكنها لا تزال تقدم صورة أنها لا تزال لديها القدرة على التأثير على ما يحدث هناك، على الأقل عسكرياً.
لذلك فإن الطريق الذي تتخذه إسرائيل فيما يتعلق باتفاق المصالحة الفلسطينية في غزة، من أجل تنسيق مواقفها مع واشنطن والقاهرة، سيؤدي إلى النتائج نفسها، أو بالأحرى إلى عدم تحقيق نتائج مماثلة لتلك التي حققها الإيرانيون وحزب الله في سوريا.
إن موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل على أن اتفاق المصالحة الفلسطينية سوف يوقع عليه الإرهابي صلاح العاروري دون أن يسمع صوت واحد من الاحتجاج في واشنطن والقدس، هو استمرار لسياسة التظاهر المزدوج في سوريا ولبنان.
ما الهدف وراء منح الولايات المتحدة جائزة بقيمة 12 مليون دولار لأي شخص يزودهم بمعلومات عن مكان وجود اثنين من الإرهابيين الرئيسيين في حزب الله طلال حمية وفؤاد شكر؟
يمكن الافتراض أن صلاح العاروري، الذي عاش في مجتمع حزب الله الحاكم في حي الضاحية خلال الأشهر الستة الماضية، لا يعرف بالضبط مكان وجودهما (طلال حمية وفؤاد شكر)، ولكن ما هو مؤكد أنه اجتمع عدة مرات على الأقل مع واحد منهما، طلال حمية، وتناقشا في موضوع التنسيق بين أنشطة حماس وأنشطة حزب الله.
وحتى وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال هذا الأسبوع علناً إن الجيش اللبناني أصبح ذراعاً عسكرية أخرى لحزب الله، وهو تحت السلطة المطلقة للمنظمة. وبعبارة أخرى؛ فإن السلاح الأمريكي الذي سيزود الجيش اللبناني سيصل في نهاية المطاف إلى حزب الله، أو سيشغله الجيش اللبناني الذي سيقاتل إلى جانب حزب الله. والسبب الذي يجعل واشنطن والقدس تعملان من أجل عدم “لبننة” قطاع غزة هو تبرير سياستهما الفاشلة في سوريا تجاه إيران وحزب الله.
وإذا كانت السلطة الفلسطينية ستنشر على طول حدود قطاع غزة والمعابر مع إسرائيل ومصر ثلاثة آلاف من أفراد الأمن، فإنه سيكون خلفهم نحو 20 ألف مقاتل من كتائب عز الدين القسام، ومن ثم فكل ما فعلوه هو إقامة حزام عسكري للسلطة الفلسطينية يحمي الجناح العسكري لجبهة حماس ضد هجمات جيش الدفاع الإسرائيلي. وهذا هو بالضبط الوضع في جنوبي لبنان، حيث يفصل الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بين جيش الدفاع الإسرائيلي وحزب الله.
إذاً لماذا توافق إسرائيل على خلق جبهة ثالثة ضدها، بالإضافة إلى الجبهتين القائمتين على مرتفعات الجولان وفي لبنان؟
الحديث وراء الكواليس يدور حول دور مصر في حل هذه الإشكالية، فدور مصر التي ستحقق السلام بين الفصائل الفلسطينية، سيحول دون أن يكون قطاع غزة مقراً لحزب الله في المستقبل، وسوف يؤدي إلى تفكيك قوات حماس. ولكن إذا كانت المخابرات والجيش المصري غير قادرين على التعامل مع داعش في سيناء، كيف سيتمكنون من التعامل مع إيران وحزب الله في قطاع غزة؟
المصدر: ديبكا
الرابط: www.debka.co.il/הסכם-הפיוס-בין-הפתח-והחמאס-הדרך-הבטוחה/