في أحدث حيلة لتقويض حلف شمال الأطلسي، تنشط روسيا في مجال التعاون مع المتطرفين الأفغان – طالبان- حتى وإن تنامت علاقتهم بتنظيم القاعدة
15 عاماً على الحرب الأمريكية على أفغانستان، والحكومة الروسية الآن تدعم طالبان علناً وتدافع عنها.
خلال الأسبوع الماضي، استضافت موسكو مبعوثين من الصين وباكستان لمناقشة الحرب في افغانستان. وخلال الاجتماع الذي لم تشارك به أي شخصية أفغانية، أبدت الدول الثلاثة استعداداً للتعامل المرن مع حركة طالبان والتي لا تزال العدو الأكثر خطورة على الحكومة الأمريكية. وحتى أن روسيا قالت ان “طالبان” هي الحصن الأكثر أهمية وضرورة في الحرب ضد داعش.
من جهته، يرى الجيش الأمريكي أن أحضان موسكو الجديدة لطالبان تأتي في هذه المرحلة بهدف تقويض حلف شمال الأطلسي والذي يحارب طالبان والقاعدة وداعش كل يوم.
وبعد مؤتمر موسكو، أشارت المتحدة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” في حديث لها مع الصحفيين إلى أن “الدول الثلاثة أعربت عن قلقها بشكل خاص إزاء النشاط المتزايد في البلاد من قبل الجماعات المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بفرع داعش الافغاني”.
ووفقاً لرويترز، أضافت زاخاروفا أن الصين وباكستان وروسيا اتفقوا على نهج أكثر مرونة في التعامل مع “طالبان” بما يشمل إزالة بعض الشخصيات المشهورة في الحركة من قوائم عقوبات الامم المتحدة كجزء من الجهود الرامية لتعزيز الحوار السلمي بين كابول وحركة طالبان.
من جهتها، أشادت حركة طالبان – التي تشير إلى نفسها على أنها إمارة أفغانستان الإسلامية- بالجهود “الثلاثية في موسكو” عبر بيان نشرته في مواقع الانترنت يوم 29 ديسمبر الماضي. و أشارت في بيانها إلى سعادتها لرؤية دول المنطقة وهي تتفهم أن الإمارة الإسلامية في أفغانستان “طالبان” هي القوة السياسية والعسكرية في المنطقة.
المتحدث باسم المكتب السياسي للجماعة، محمد سهيل شاهين قال في بيان له :” إن اقتراح الاجتماع الثلاثي في موسكو بشطب أسماء مسؤولي طالبان من قوائم العقوبات يعد خطوة إيجابية للإمام من أجل إحلال السلام والأمن في أفغانستان”
وبطبيعة الحال، لا تبدي طالبان اهتماماً كبيراً “بالسلم والأمن”، ولكنها في الواقع جماعة جهادية تريد كسب الحرب الأفغانية وتستخدم المفاوضات مع هذه الإقليمية من أجل تحسين موقفها. وسبق لطالبان ان تلاعبت منذ فترة طويلة في مفاوضات “السلام” مع القوى الغربية والولايات المتحدة واستخدمت هذه المفاوضات كذريعة لشطب العقوبات الدولية عن مسؤوليها والتي كانت تحد من قدرة كبار شخصياتها على السفر الى الخارج وجمع التبرعات وغيرها من الإنجازات المربحة للحركة، وفي الوقت نفسه، لم تقدم الحركة أي بوادر جدية نحو تحقيق السلام.
وسبق لإدارة أوباما أن حاولت مراراً وتكراراً من أجل فتح باب السلام لكنها باءت بالفشل دوماً. وفي مايو 2014، نقلت الولايات المتحدة خمسة من كبار قادة طالبان من معتقل غوانتانامو إلى قطر. هذا التبادل الذي سعت إدارة أوباما إلى استغلاله من أجل إجراءات بناء الثقة أدى مزيد من المفاوضات الموضوعية الفاشلة. وببساطة طلب قادة طالبان اطلاق سراح رفقائهم ولم يوافقوا على أي من مناقشات مفاوضات السلام. وبغض النظر عن هذا فإن روسيا تبدو الآن أكثر تمكناً من مطالب طالبان الدبلوماسية المخادعة عبر ادعاء ان داعش تمثل التهديد الأكثر إثارة للقلق – هذه لعبة الروس لأكثر من 100 عام.
وفي ديسمبر 2015، قال زامير كابولوف الذي يشغل منصب الممثل الخاص لفلاديمير بوتين في أفغانستان أن” مصلحة طالبان تتزامن الآن بموضوعية مع مصالحنا” وذلك عندما يتعلق الأمر بمحاربة الموالين لداعش وزعيمها أبو بكر البغدادي. وحتى أن كابولوف اعترف في تصريحه بوجود “قنوات لتبادل المعلومات” بين طالبان وروسيا وفق صحيفة الواشنطن بوست.
من جهتهم لم يعر القادة العسكريون الأمريكيون في أفغانستان حجج روسيا أي أهمية على الإطلاق.
وخلال مؤتمر صحفي في 2 ديسمبر، ناقش الجنرال جون دبليو نيكلسون الابن، قائد وحدات الدعم والقوات الأمريكية في أفغانستان ” التأثير الضار للجهات الخارجية وخاصة باكستان وروسيا وإيران”. وأعرب الجنرال نيكولسون عن قلق الولايات المتحدة وحلفائها إزاء التمكين الخارجي للجماعات الإرهابية والمتمردين داخل أفغانستان، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يتمتعون بملاذ أو دعم من الحكومات الخارجية وخاصة روسيا التي قدمت بشكل علني الشرعية لحركة طالبان”.
ووفقاً لنيكلسون فإن “الرواية الروسية” تستند إلى ادعاء غير صحيح بقتال “طالبان” لداعش حيث أن الواقع يثبت أن من بحار داعش هي الحكومة الأفغانية وليس “طالبان” بل إن “جهود الحكومة الأفغانية والجهود الامريكية في مكافحة الإرهاب تمكنت من تحقيق أثر كبير ضد داعش” حيث تشمل قائمة الانجازات التي حققها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة نجاحه باستهداف أكثر من 500 مقاتل من داعش ( ما نسبته 25 إلى 30 في المئة من هيكل القوة الشاملة للمجموعة) وتمكنت كذلك من قتل أعلى 12 مسؤولاً في التنظيم من بينهم امير التنظيم في أفغانستان ” حافظ سعيد خان” وخفضت قوات التحالف كذلك ملاذات داعش الآمنة في أفغانستان من تسعة إلى ثلاثة فقط.
“ولذلك فإن الشرعية العامة هذه من شأنها أن تظفي طابعاً روسياً على طالبان ولكن سيتم استخدامه كوسيلة لتقويض أساس الحكومة الأفغانية وجهود حلف شمال الأطلسي ودعم الأطراف المتحاربة” وفي الوقت الذي حرص نيكلسون فيه على عدم الخوض في نوايا روسيا الحقيقية وراء هذا التدخل إلا أنه أشار إلى تأكيد منافسة روسيا لحلف شمال الأطلسي عبر هذا التدخل.
وليس هناك أي شك فيما يتعلق بخصوص زيادة عمليات داعش في أفغانستان عبر إعلان البغدادي للخلافة في عام 2014. ومع ذلك، أشار نيكلسون إلى أن التنظيم لم يتمكن من زيادة رقعة سيطرته على الأراضي في الوقت الراهن بل إنها آخذة في التقلص. لكن الأمر نفسه لا ينطبق على طالبان التي تشكل أكبر تهديد لمستقبل أفغانستان، حيث تهدد طالبان الآن عدداً كبيراً من عواصم المحافظات كما تسطير على العشرات من المناطق الأفغانية وببساطة فإن طالبان باتت تشكل خطراً أكبر بكثير داخل أفغانستان مقارنة بخطر رجال البغدادي. وفي وسط كل هذا، لا يزال الروس يركزون على حجتهم بأن خطر داعش هو خطر عالمي عاجل وكبير فيما ينحصر خطر طالبان بتهديد وإزعاج محلي محدود.
كابولوف نفسه أشار إلى الادعاء في مقابلة نشرت له مع وكالة الاناضول للأنباء حديثاً. حيث ادعى فيها أن الجزء الأكبر من القيادة الرئيسية والحالية وغالبية مقاتلي طالبان أصبحوا “قوة محلية” واستوعبوا “كم الدروس التاريخية التي حصلت في أفغانستان”.
ويضيف كابولوف :” لقد تخلوا عن فكرة الجهاد العالمي وهم منزعجون من تبعيتهم وربطهم بأسامة بن لادن”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت طالبان شريط فيديو وثائقي ضخم بعنوان ” أواصر الأمة مع المجاهدين” وتضمن شريط الفيديو لقطات لأبرز قادة طالبان وهو يرفضون محادثات السلام وتعهدوا بشن حملات الجهاد حتى النهاية. كما تم الإعلان عن ان تحالف طالبان مع القاعدة لا يموت أبداً. وفي إحدى اللقطات تم عرض صورة أسامة بن لادن بجانب الملا عمر واختلطت فيه مجموعة من صورة كبار شخصيات تنظيم القاعدة وحركة طالبان في نفس المشهد.
وبث الفيديو ايضاً تسجيلاً صوتياً لخالد باطرفي وهو محارب سابق من تنظيم القاعدة يتمركز الآن في اليمن. حيث أشاد بدور طالبان في حماية أسامة بن لادن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وهدد باطرفي أن أفغانستان تشهد ظهور مجموعة من المجاهدين الأفغان الذي بإمكانهم تدمير أكبر معبود وأكبر رأس للكفر في عصرنا – أمريكا.
وأضاف المتحدث – باطرفي- أن المجاهدين في أفغانستان هم “أمل المسلمين لإحياء شرف الأمة والجهاديين الأفغان هم الأمل في استعادة الأراضي الإسلامية والأمل في عدم تكرار هزائم ومآسي القرن الماضي”.
وهكذا فإن رسالة التي لا لبس فيها هي أن الحرب في أفغانستان جزء من الصراع الجهادي العالمي.
كل هذا وأكثر ظهر في واحد من انتاجات حركة طالبان الإعلامية في عام 2016. ولم يحتوي هذا الإنتاج على أي “تأسف” من طالبان لتحالفها مع القاعدة أو أن ندمت على “فكرة الجهاد العالمي” كما يدي كابولوف، بل إن ما حدث كان معاكساً تماماً.
بل إن هناك ما هو أكثر بكثير للإشارة إلى الصلة بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان، ففي أغسطس 2015 بايع الظواهري – زعيم تنظيم القاعدة – الملا منصور الذي عين كخليفة للملا عمر في قيادة طالبان. وقبل منصور علناً بيعة الظواهري وبعد مقتل منصور في وقت سابق من هذا العام تعهد الظواهري ببيعة الملا هيبة الله اخوندزاده. ويدعو الظواهري بشكل مستمر إلى دعم طالبان ورفض فرع داعش الافغاني.
وفي مقابلته مع وكالة الاناضول أقر كابولوف بأنه ليس كل طالبان “تخلت” عن الجهادية العالمية و “الأفكار” واعترف بأن هناك أفرع ومجموعات داخل طالبان ” يمكن ان تحظى بنفوذ وتملك راديكالية كبيرة أقرب إلى داعش”.
كابولوف كان على صواب فيما يتعلق بأن حقاني ملتزم بمنظري الجهادي، لكنه يظهر تناقضاً واضحاً في حججه. سراج الدين حقاني والذي يقود شبكة حقاني يعد واحدا من القيادات العليا في طالبان ويعمل كزعيم للميليشيا العسكرية لطالبان. ولا يعد حقاني “منظراً راديكالياً” فحسب كما يقول كابولوف بل إنه أحد أكثر حلفاء تنظيم القاعدة التزاماً. وفي مستندات عثر عليها بحوزة ظهر فيها تعاون حقاني الوثيق مع القاعدة في ساحات المعارك الأفغانية.
ويدعي كابولوف أن داعش تعمل بذكاء أكبر بكثير من الطريقة التي عمل بها تنظيم القاعدة، بل إنها استفادت من كل الأخطاء التي سبق للتنظيم ان وقع فيها. ويضيف كابولوف أن البغدادي جلب العاملين الأكثر ذكاء وتقدماً لتصميم وتنفيذ خططه ومرة أخرى فإن العكس هنا هو الصحيح تماماً.
فتنظيم القاعدة لم يعرف منذ فترة طويلة نفس المطبات الاستراتيجية التي لقيتها داعش في وجهها، وقرر تنظيم القاعدة بذكاء إخفاء مدى ونفوذ العمليات في هذه الفترة. واستخدم الظواهري ومساعديه افراط داعش باستخدام العنف بشكل وحشي لتسويق القاعدة كبديل جهادي أكثر معقولية. وهكذا تحاول كل من طالبان والقاعدة بناء المزيد من الدعم الشعبي لقضيتهم بشكل أكبر مع التركيز على إظهار داعش لوحشيتها تحت إطار ما يسمى الخلافة.
نجحت خطة تنظيم القاعدة، حتى ان روسيا تدعونا الآن الى النظر إلى طالبان – حليف القاعدة- على أنها شريك سلام محتمل.
ويشير كابولوف إلى أن روسيا تنتظر لترى كيف سيتصرف الرئيس الأمريكي الجديد – دونالد ترامب- إزاء السياسة الأفغانية قبل تحديد ما ينبغي اتخاذه في هذا المجال.
وهنا فإن الشيء الأساسي الذي ينبغي على إدارة ترامب توضيحه منذ اليوم الأول أن حركة طالبان وتنظيم القاعدة هم أعضاء أمريكا في أفغانستان – هكذا كانوا وهكذا سيكونون.
تومسا جوسكلين: زميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وأحد كبار المحررين في مجلة الحرب الطويلة الصادرة عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
هذه المادة مترجمة من صحيفة ديلي بيست للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا