يجبر الصراع السعودي الإيراني موسكو على اتخاذ خيار صعب، فإما أن تذهب لدعم شريكها الإيراني أو تتنحى جانباً وتبقى على حيادها الظاهري. وبغض النظر عن الموقف الروسي من هذا الخلاف فإنه سيحمل بلا شك عواقب سلبية لأهداف وتطلعات الكرملين في الشرق الأوسط.
وبلاشك فإن استمرار موسكو بالتزام الحياد تجاه هذا الصراع سيؤثر على العلاقة الديناميكية التي تجمع طهران بموسكو، وهي العلاقة التي استثمرت فيها موسكو جهوداً دبلوماسية واقتصادية كبيرة بهدف تحسين العلاقة والحوار مع طهران، بما في ذلك إيجاد خط إئتمان فعال.
روسيا من جهتها لن تستطيع تحمل خسائر هذه الأرباح، خاصة مع حالة الاقتصاد الروسي السيئة. ولذا فالسلطات الروسية بحاجة ماسة للاحتفاظ بإيران ضمن مناطق نفوذها وتجنب إنجرافها نحو الغرب.وبدون القوات البرية الإيرانية الداعمة للأسد في سوريا، فسيكون من الصعب على روسيا تحقيق أهدافها هناك. فروسيا بحاجة إلى الدعم العسكري والسياسي الإيراني لإجبار المعارضة والجهات الداعمة لها للتفاوض مع بشار الأسد. يمثل الصمت الروسي إزاء الخلاف الإيراني السعودي فرصة ذهبية أمام الإصلاحيين الإيرانيين الداعيين للتخلي عن روسيا والإنحياز للدول الغربية بدعوى عدم قدرة موسكو على تحقيق شراكة فعالة مع طهران.
وكلن على الطرف الآخر، إذا اختارت موسكو دعم الجانب الروسي، فهذا بالتأكيد سيؤثر سلباً على العلاقات الروسية مع مجلس دول التعاون الخليجي، والتي ما زال الكرملين يعتبرها مصدراً محتملاً للاستثمار في الاقتصاد الروسي. وبالنسبة لروسيا فإن الدعم المالي والسياسي مطلوب من الرياض وأبوظبي لنجاح مشاريع مشتركة مع مصر مثل إنشاء منطقة صناعية مشتركة أو أخرى لتطوير الصناعة النووية في مصر. وفي الواقع فإن التحالف الروسي الإيراني يقوض الجهود الدبلوماسية التي تسعى موسكو لاستثمارها بهدف إنهاء الصراع هناك من خلال جعل السعوديين أقل استعداداً لإجراء محادثات مع روسيا متعلقة بسوريا وهو ما سيساهم في زيادة تورط روسيا في مستنقع الحرب السنية – الشيعية.
سيشكل هذا التطور بلا شك تهديداً خطيراً، ليس فقط على الموقف الروسي في المنطقة بل أيضاً في ارتباطات الأمن الداخلي الروسي، حيث تملك روسيا مجتمعاً مسلماً تصل أعداده إلى 15 مليون مسلم غالبيتهم من السنة. وخلال الأحداث المتلاحقة صورت التجمعات السلفية في الخليج الروس بالصليبيين الجدد على الأقل منذ بداية الصراع والتدخل الروسي في سوريا.
وسبق لموسكو أن تلقت تحذيراً واضحاً بعد أن وقّع 50 عالماً سعودياً مذكرة لإعلان جهاد مفتوح ضد روسيا في أوكتوبر الماضي. وهو ما أدى لخلق أيديولجية ساهمت في توحيد القوى المقاتلة في سوريا، عدا عن توفير هذا التدخل حجة للجماعات المقاتلة في سوريا لطلب المزيد من الدعم الخليجي لمواجهة الروس هناك.
وقد يكون الصمت الروسي إزاء النزاع الإيراني السعودي محاولة منها لتحسين صورتها في العالم السني، حيث تضررت صورة روسيا لدى السنة كثيراً بعد أن قامت بالتدخل العسكري في سوريا واستهدفت الكثير من الفصائل الإسلامية المقاتلة هناك بضرباتها الجوية.
علاوة على ذلك، فإن أي دعم تبديه روسيا لإيران سيضر بلا شك بعلاقتها في “شريكها الصامت ” في الشرق الأوسط – إسرائيل- التي وإن عارضت احتلال روسيا لجزيرة القرم ووافقت على فرض عقوبات عليها إلا أنها دعمت الضربات الجوية الروسية في سوريا. وأظهرت التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيلين مخاوف بشأن تزايد التعاون الروسي – الإيراني في سوريا وخارجها.
سابقاً، تساهلت إسرائيل في التقارب الإيراني الروسي طالما أنه بقي بعيداً عن تشكيل أي تهديد لأمنها القومي. ومع ذلك، أبدى مؤخراً العديد من المسؤولين الإسرائيليين قلقهم صراحة من بدء الحكومة الروسية في التغاضي عن التحركات الإيرانية المعادية لإسرائيل. وعلى الرغم من كون هذه التكهنات غير صحيحة لحد كبير، فإن المؤكد أن أي دعم روسي لطهران في مواجهتها للرياض ستعتبره إسرائيل دليلاً آخر على تنامي التحالف الروسي الإيراني.
ويضاف إلى ذلك معضلة أخرى تتعلق بصورة روسيا في الساحة الدولية، فبوتين يحاول جاهداً الحفاظ على صورته كزعيم لا يترك حلفاءه في ورطة، ولكن الكرملين يضع نفسه بشكل تقليدي ( في بعض الأحيان فقط) بمثابة الحامي الرئيسي للقانون الدولي. فمثلاً، يعد الهجوم الإيراني على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران مخالفاً للقانون الدولي، ووفق وجهة نظر الكرملين فإن دعم دولة لا تحافظ على حقوق وأمن الموظفين السياسيين الأجانب على أراضيها لا يكون في مصحلة موسكو بأي شكل.
السلطات الروسية لا تفهم صعوبة وضعها الحالي، ولذلك، فهم يحاولون المراوغة وتفادي اتخاذ اي موقف يضر بحيادهم التام أو تحالفهم التام مع طهران. ولكن هل هناك بدائل؟ بعد فترة وجيزة من إندلاع شرارة الصراع بين طهران والرياض في أوائل يناير الماضي. أعلنت روسيا عن استعدادها التام للقيام بدور الوساطة بين طهران والرياض. وسيتيح ذلك للكرملين تجنب كارثة دبلوماسية أخرى وتلميع صورة روسيا الدولية. وللأسف فإن هذه المبادرة تملك فرصاً ضئيلة للنجاح فالسعوديون ببساطة لا يثقون بروسيا ويعتبرونها حليفاً قوياً لإيران، عدا عن ان السعودية مهتمة بعزل طهران وليس بإعادة الإندماج معها.
ولذلك، فإن موسكو بين خيارين سيئين كل منهما ينطوي على خسارة في الاستثمار والنفوذ.
نيكولاي كوزنوف