تخوض السعودية مناظرة شرسة حول الترفيه وحقوق وحدود الأفراد فيه.
ساهم التفسير الصارم للإسلام في المملكة العربية السعودية في خلق حالة طويلة من معادة الفن والأدب. فقد حظرت دور السينما، لم تقم حفلات موسيقية إلا بشكل نادر وهو ما اضطر الفانين السعوديين لبناء حياتهم في الخارج. هذا عدا عن أن خيارات الترفيه القليلة المتاحة مثل مراكز التسوق والمنتزهات المحلية عادة ما تكون موجهة للأسر وتطبق فيها تعاليم الفصل بين الجنسين.
لكن الآن وفي ظل سعي الحكومة لإعادة تشكيل الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط والحرص على توليد الدخل من أي مكان آخر، يحاول السعوديون تطوير قطاع الترفيه، مما أثار الجدل بين المحافظين المتدينين والليبراليين الاجتماعيين حول سبل استمتاع الافراد بأوقاتهم دون كسر القواعد الإسلامية.
يقول خالد سليمان، صاب العمود الصحفي في جريدة عكاظ اليومية خلال حوار تلفزيوني أجراه مؤخراً :” غالية من يعارضون السينما هم من الذين لم يسبق لهم أن دخلوا الى دور السينما أو المسارح في حياتهم وهم لا يعرفون ماهية ما يعارضونه”. وفيما يتعلق بمن يعارض فتح دور السينما والمسارح في السعودية يضيف خالد:” إنها لمأساة أن يعطي شخص ما فتوى في شيء لا يفهمه في الواقع”.
من جهتهم، رد المحافظون على هذه التصريحات وكان رجل الدين البارز وعضو مجلس كبار العلماء – أعلى هيئة دينية في البلاد- عبد الله المطلق قد قال في مقابلة إذاعية في اليوم نفسه:” لسنا بحاجة لقدوم اشخاص من هوليوود أو أي أماكن أخرى للمجيء وترفيه الناس هنا”.
ومع احتدام النقاش لمراحل متقدمة، تحاول الشركات الأجنبية والمحلية الاستثمار في النتيجة.
وأشار الأمير محمد بن سلمان – نائب ولي العهد الذي يبلغ من العمر 31 عاماً- والذي يقود خطط الإصلاح الاقتصادي أن عدم وجود خيارات ترفيهية في المملكة ساهم في تقويض نوعية الحياة في المدن السعودية وهو ما ردع المستثمرين والعمال الأجانب وآذى الاقتصاد.
وفي هذا الصدد قال الأمير محمد بن سلمان خلال اجتماعه مع نخب سعودية اقتصادية في ديسمبر 2015:” أشعر بالأسى وأنا أخبركم أننا نملك بيئة طاردة في السعودية” وأقر في نفس الورشة ان السعودية تعاني من نقص كبير في وسائل الترفيه.
وتحاول الحكومة السعودية الحد من إبراز معارضة المحافظين المتدينين العلنية لنشر وسائل الترفيه. ففي إبريل الماضي، قررت الحكومة الحد من صلاحيات الشرطة الدينية التي كانت تملك قوة مرهوبة الجانب وكلفت تقليدياً بتطبيق القواعد الأخلاقية الصارمة والفصل بين الجنسين. وبموجب اللوائح الجديدة، فإنه لم يعد بإمكان رجال الشرطة الدينية اعتقال المارة كما لم يعد بإمكانهم توقيفهم أو حتى طلب بطاقات هويتهم للتعرف عليهم.
وتبع ذلك إنشاء الهيئة العامة للترفيه في شهر مايو الماضي والتي تسعى إلى تقديم المزيد من خيارات الترفيه للمواطنين، الذي تتجاوز نسبة من هم تحت سن 30 عاماً منهم 60%.
وأشار وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يوم الخميس الماضي إلى أنهم في طريقهم لجعل السعودية مكاناً أكثر ليونة ومواءمة وأضاف:” نحن في طريقنا لجعل حياة الناس سعيدة في المملكة”.
وتسببت العروض التي قدمتها الدولة ببعض الجدل، ومنها الحفلة التي نظمتها فرقة الرقص الأمريكية “iLuminate” في أكتوبر الماضي. وعروض أخرى نظمها راقصون في الظلام استخدموا خلال الأضواء، وتفاجأ الجمهور عندما تم استدعاء الممثلين للتكريم خاصة وان هناك فتاة كانت ضمن الفريق الراقص. وفي العاصمة السعودية فإن عدم الاختلاط بين الجنسين هو الأساس وليس العكس.
وبالنظر إلى جدول الهيئة فإن النشاط التالي لها سيكون عبر إقامة حفل في مدينة جدة الساحلية خلال وقت لاحق من هذا الشهر، وسيحي الحفل الفنان السعودي محمد عبده، أحد أشهر الموسيقيين في العالم العربي. ويحرص الجمهور المحلي في السعودية على متابعة محمد عبده، لكن المحافظين يتهمونه بنشر المجنون لأن كلمات أغانيه كثيراً ما تتحدث عن الحب الرومانسي. من جهته يرفض عبده هذه الاتهامات.
وأشار مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ خلال رده على متصل لبرنامج تلفزيوني أظهر غضبه من الحفل القادم والضغوطات المتزايدة للحصول على المزيد من الترفيه في المملكة حيث قال: “نحن نعلم أن الحفلات الموسيقية والسينمائية ضارة وفاسدة”.
واندلع جدل شديد حول نوعية وسائل الترفيه التي يحق للمواطنين السعوديين استخدامها خاصة مع سقوط عدد من المواطنين السعوديين كضحايا في حادث إطلاق النار الذي استهدف ملهى ليلي في مدينة إسطنبول خلال رأس السنة. واتهمت حينها بعض وسائل الإعلام الضحايا بجلب العار لعائلاتهم لتواجدهم في الملهى الليلي، وهو ما يعتبر خارج حدود الترفيه المقبولة في السعودية لأنها تنطوي على الرقص وشرب الكحول وغيرها.
وعادة ما ينفق السعوديون بسخاء على وسائل الترفيه فور مغادرتهم للبلاد. فيمكن للمرء مشاهدة الكثير من السعوديين وهم يملؤون دور السينما خلال عطلة نهاية الأسبوع في الدول الأكثر ليبرالية المجاورة للسعودية مثل البحرين والإمارات. ويقدر رئيس هيئة الترفيه أحمد الخطيب أن مجموع ما ينفقه السعوديون سنوياً على الترفيه خارج المملكة يصل إلى 20 مليار دولار سنوياً.
وأشار أحمد الخطيب إلى أن الضغط من أجل الحصول على الترفيه ساهم في جذب بعض الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة “Six Flags Entertainment Corp” التي تعد من أكبر مشغل رولات الوقاية في العالم.
وفي هذا الصدد يقول رئيس مجلس إدارة الشركة “جيم ريد أندرسون” أن شركته تخطط لفتح منتزه في الرياض وتدرس فتح اثنين آخرين في المنطقة الغربية من البلاد.
وعلى الرغم من معارضة المحافظين، تمضي الحكومة قدماً وتشجع شركات الترفيه المحلية. ويشير عباده عوض، المدير التنفيذي لإحدى شركات الترفيه في الرياض والتي تختص شركته في إدارة الفعاليات وتنمية المواهب إلى أن شركته ستستضيف أول مسابقة للكتب الهزلية في البلاد في مدينة جدة الشهر المقبل، وتعتزم تنظيم عرض للأزياء في وقت لاحق من هذا العام. وفي تشري الثاني الماضي، تمكنت الشركة من تنظيم عرض “راسمالينا” الذي يضم بعض المصارعين المحترفين في مدينة الرياض.
ويؤكد عواد أن تقاليد البلاد الإسلامية لا تحد حرية الأفراد في الترفيه والاستمتاع بأوقاتهم.
هذه المادة مترجمة من موقع وول ستريت جورنال، للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا